إنها تجارة العالم الرابحة، رغم إنه ربح حرام (ليس بالمنطق الديني فقط بل أيضا بمنطق العقل والحياة)، لأنه قائم على إتلاف الحياة وتدمير الإنسان عقلا وقلبا وإرادة وروحا. والغريب أن الإنسان يقبل على شراء هذه السموم الفتاكة بلهفة وشوق لما تحدثه في كيان المدخن من تفاعل موهوم يجعله يلح في طلبها إلى أن تقضي عليه. لا شك أن إغراءات الأصدقاء الواقعين تحت تأثير هذه العادة هي التي تعمل على إدخال البسطاء إلى عالمها الزائف الخادع حيث لا يتمكن أي منهم من التخلص منها إلا بعد شق النفس هذا إذا قدر له الخروج. وكأن الإنسان يظن أنه يجد في هذه السموم ملاذا من همومه الكثيرة يهرب إليها في الشدائد والملمات. وهو لا يدري أن من يهرب إلى سم التبغ هو كمن يستجير من الرمضاء بالنار، لأنه بذلك يستنزف قواه ويقضي على البقية الباقية من عافيته. التدخين.. آفة مجتمعية ومحاربته مسؤولية جماعية ولطالما دعت منظمة الصحة العالمية في إطار تخليد اليوم العالمي لبيئات خالية من التدخين، وإلى فرض حظر شامل على التدخين في أماكن العمل وفي الأماكن العامة المغلقة، للحد من تعرض غير المدخنين للتدخين السلبي. وقد لوحظ خلال السنوات الأخيرة تزايد في نسبة وعي الدول بضرورة مواجهة هذه الآفة بشكل حاسم وعاجل، حيث عمدت العديد من الدول، خلال سنة 2011 خصوصا، في تفعيل سياسات أكثر نجاعة وكذا تفعيل القوانين الأكثر تشددا في مجال منع التدخين في الأماكن العمومية، وهو الامر النابع من تزايد الوعي بطر أفة التدخين ليس على صحة المدخنين فقط، بل كمشكل للصحة العمومية تزداد وطأته يوما بعد يوم. وفي الوقت الذي تعرف فيه نسبة التدخين في الدول المتقدمة تراجعا ملحوظا بفضل تنامي الوعي الصحي والبيئي عند مواطنيها وسنها لقوانين صارمة تمنع التدخين في الأماكن العمومية، ما زال استهلاك السجائر بدول العالم الثالث يشهد زيادة كبيرة نتيجة تكثيف شركات التبغ الحملات الإشهارية عن طريق تنظيم مسابقات وتقديم إغراءات واحتضان الشركات المنتجة للسجائر من طرف مؤسسات مالية وتسهيل بيعه وتسويقه في جميع الأماكن. هذا زيادة عن الأضرار الاجتماعية التي تسببها هذه الآفة من قبيل الانحراف بجميع أشكاله، حيث أثبتت الدراسات الإحصائية أن التدخين عند المراهقين والشباب كثيرا ما يمثل الخطوة الأولى نحو تعاطي المخدرات وشرب الخمر، كما أن الرغبة في الحصول على المال اللازم لشراء الدخان قد تدفع المتعاطي له إلى السرقة. في المغرب، ورغم أن الحكومة المغربية أقرت سنة 1995 قانونا بمنع التدخين في الأماكن العمومية بما فيها الإدارات العمومية والمدارس ووسائل النقل..، ومنع بيع الدخان للقاصرين (الأطفال دون 18 سنة)، وأيضا منع كافة أشكال الدعاية للتبغ مع تغريم المخالفين، رعاية للصحة العامة للمواطنين، بقي هذا القانون حبرا على ورق ولم تتبع مساطر صارمة لتطبيقه، ورغم التوقيع على الاتفاقية الإطار الدولية بشأن مكافحة التدخين في أبريل 2004، لم يتم تفعيل القانون رقم 1591 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الأماكن العمومية الذي دخل حيز التنفيذ سنة 1996، ولا يزال الموظفون يدخنون في معظم الأماكن العمومية بما في ذلك الوزارات. وبالمقابل تدعم الحكومة هذه المشاريع وتشجع على إشهار هذا النوع من المواد لهثا وراء الربح المادي، وكأن أرواح ملايين البشر لا تستحق وقفة جادة من طرف الجهات المسؤولة للحفاظ على سلامتهم الصحية، حيث تشير الإحصائيات الواردة من منظمة الصحة العالمية في هذا السياق أن شخصاً واحداً يموت كل ثماني ثوان نتيجة إصابته بأحد الأمراض المرتبطة بالتدخين، ويتوقع أن يتضاعف معدل الوفيات الناتجة عن أمراض السرطان، والنوبات القلبية، وأمراض الرئة، ومشاكل الحمل المرتبطة بالتبغ.