قال الناشط الأمازيغي وأحد رواد الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي المحامي الصافي مومن علي "إنه من غير المفهوم ومن غير المقبول الاستمرار في عدم إقرار السنة الأمازيغية كعيد رسمي وطني، على الرغم من أن المواطنين المغاربة يحتفلون به بشكل تلقائي". وشدد الصافي مومن علي في تصريح لبيان اليوم، على أن الحركة الأمازيغية ما فتئت تطالب بمعالجة هذا الأمر، وإقرار "إيض يناير" أو رأس السنة الأمازيغية، عيدا رسميا، لأنه عيد عريق ويندرج ضمن حقوق المواطنين، مشيرا إلى أن الضرورة اليوم، تقتضي أن لا يبقى هذا العيد على الهامش، لأن له شرعية ومشروعية ثابتة، وهو ممتد في التاريخ، حيث يرجع الاحتفال به إلى ما قبل الإسلام، كما أن كل دول شمال إفريقيا بدأت تحتفل به، وبالتالي لم يعد مقبولا، يضيف المتحدث الاستمرار في تجاهل هذا المطلب الذي يكاد يجمع عليه كل المغاربة. وبحسب الصافي مومن علي، فإن أسباب التأخر في عدم إقرار السنة الأمازيغية، كعيد وطني رسمي على غرار مختلف الأعياد الوطنية الرسمية، هي أسباب تبقى غامضة، وغير مبررة، مشيرا إلى أن كلا من الجزائر وليبيا، اعتمدتا "إيض يناير" عيدا رسميا، في الوقت الذي يعتبر فيه المغرب هو السباق لإقرار الأمازيغية في الدستور كلغة رسمية. وأضاف المتحدث أن الجهة المسؤولة والتي يتعين عليها أن تحسم هذا الموضوع، هي غير معلومة لدى مختلف الفاعلين، فهناك في الحركة الأمازيغية من يتقدم بطلب إقرار السنة الأمازيغية كعيد وطني رسمي، إلى جلالة الملك، ويرى أن المؤسسة الملكية هي المخولة لها الحسم في هذا الموضوع، في حين أن هناك من يوجه الطلب إلى الحكومة، فيما البعض الآخر يوجه الطلب ذاته إلى البرلمان، وهو ما يعني، في نظر الصافي مومن علي، أن المؤسسة أو الجهة المخول لها التجاوب مع مطلب الحركة الأمازيغية، هي غير معروفة أو تجهلها الحركة الأمازيغية. من جانب آخر، يعتقد الصافي مومن علي، أن السبب في عدم إقرار رأس السنة الأمازيغية، طلية هذه المرحلة التي كان فيها حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة، هو أن بعض الأطراف ترى أن المصلحة العليا للدولة تقتضي التريث إلى حين إجراء انتخابات 2021 حتى لا يحسب ذلك من إنجازات الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وحتى لا يتم استغلال ذلك انتخابيا من قبل الحزب ذاته، لكن في جميع الأحوال، يرى الناشط الأمازيغي أن المتضرر من مثل هذه الحسابات، ومن حكومة العدالة والتنمية، هي الأمازيغية، مشيرا إلى أن الجميع يقر بأن هناك إرادة خفية تعرقل كل ما يمكن أن يكون في صالح الأمازيغية، لكن الذي يبقى غير معروف، وغير واضح هو الجهة المسؤولة عن هذه العرقلة أو هذا "البلوكاج" لأن لا أحد، في نظره، تطرق بشكل دقيق لهذا الموضوع، وأن الإعلام، نفسه، لم يتناول الموضوع من هذه الزاوية لمعرفة الحقيقة ومعرفة السر الكامن وراء هذا "البلوكاج"، على الرغم من أن الشعب المغربي أقر الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور. وأضاف مومن علي أن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران في التصريح الحكومي الأول أكد على أن القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية ستكون في مقدمة القوانين التنظيمية التي سيتم إقرارها، لكن لا شيء من ذلك تحقق، وخرج في نهاية ولايته لوسائل الإعلام، وصرح بأنه لم يفعل أي شيء للأمازيغية، وأنه سيرفع ذلك إلى جلالة الملك، ونفس الشيء مع حكومة سعد الدين العثماني، وهو ما يؤشر في نظر المتحدث، على أن الأمازيغية لا يمكن أن تسير بشكل طبيعي في ظل حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية. وفي نظر الصافي مومن علي فإن عدم ترسيم رأس السنة الأمازيغية إلى اليوم، يعتبر سبة في حق المؤسسات أي الحكومة والبرلمان، لأن هذا العيد هو مرتبط بالأرض وبالسكان، وأن الناس العاديين في البوادي وفي الحواضر يحتفلون به بشكل تلقائي، وبالتالي فمطلب إقرار السنة عيدا وطنيا هو حق لهذه الساكنة وليس مطلبا فكريا أو ثقافيا. وعاب الصافي مومن علي على الأحزاب السياسية عدم أخذها المبادرة والتقدم رسميا بمقترح قانون داخل البرلمان من أجل إقرار رأس السنة، متسائلا عن سبب تأخرها في أخذ المبادرة، على الأقل من أجل تبرئة ذمتها، خاصة وأن الجميع يقر بشرعية ومشروعية هذا العيد وبالتالي ليس هناك أي مبرر لعدم الاعتراف برأس السنة الأمازيغية. إلى ذلك يرى الناشط الأمازيغي أن السنة الأمازيغية التي نودعها، تميزت بمجموعة من الأشياء التي يمكن وصفها ب "الإيجابية" من قبيل المصادقة على القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، لكن تفعيل هذين القانونين، يقول الصافي مومن علي "يسير بشكل بطيء جدا، وأن هناك تأخر غير مفهوم في تشكيل تركيبة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية". وأوضح الصافي مومن علي، أن هذين القانونين خرجا في بداية الأمر بشكل مشوه، وأن القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية كان الأكثر تشوها حيث أقر بتدريس اللهجات، وهو ما يعني أن المشرع كان يهدف من وراء ذلك إلى تشتيت الأمازيغية، لولا أن المحكمة الدستورية تداركت الأمر، وأرجعت الأمور إلى نصابها، وأقرت أن اللغة الأمازيغية هي لغة واحدة، مؤكدا على أن الفضل في ذلك يرجع إلى الحركة الأمازيغية، وإلى جمعية البحث والتبادل الثقافي التي نبهت إلى تلك الاختلالات الواردة في مشروع القانون التنظيمي من خلال مذكرة على شكل ملاحظات تلتمس فيها التصريح بعدم دستورية هذا القانون مع الأمر بعدم تنفيذ مقتضياته، مشيرا إلى أن ما قامت به المحكمة الدستورية يعتبر عملا تاريخيا، ومجهودا فكريا جبارا. وبخصوص المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، أفاد الصافي مومن علي أن الحركة الأمازيغية كان يحدوها الأمل في الإبقاء على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة مرجعية، وكمؤسسة مستقلة بذاتها وأن لا تذوب في المجلس الوطني للغات، لكن المحكمة الدستورية أقرت القانون التنظيمي 04.16، الذي أوكل له رصد وتتبع وضعية اللغتين الأمازيغية والعربية، بمعنى أن هذا المجلس سيدمج جميع المؤسسات ذات الصلة كأكاديمية محمد السادس للغة العربية، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهو القرار الذي حظي باحترام الجميع. وأورد الناشط الأمازيغي، أن الأساس هو أن هناك تأخر في تعيين أعضاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وأن الأمر يبدوا وكأن هناك "بلوكاج" على هذا المستوى، مشيرا إلى أن عدم تعيين أعضاء هذا المجلس ينعكس سلبا على تنمية الأمازيغية وباقي التعبيرات اللغوية المغربية. محمد حجيوي *** الأمازيغية بين إكراهات التنزيل ومطالب إقرار رأس السنة الأمازيغية كعيد وطني وعطلة رسمية ها نحن اليوم أمام رقم جديد ينضاف إلى التاريخ الأمازيغي وأمام أصوات شعب مؤمن بالحق في إقراره عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها، أصوات اخترق صداها ربوع الوطن مستمدا قوته من شموخ الأطلس، أصوات ناضلت منذ عشرات السنين من أجل ترسيم الأمازيغية ورد الاعتبار لهوية أرض شمال إفريقيا العريقة. بعد أن تحقق الحلم وحصل الترسيم في دستور 2011 وبعد ثمان سنوات من التجميد الغير مبرر، تكرمت الحكومة بالإفراج عن القانون التنظيمي لتفعيل هذا الترسيم في صيغة خجولة تأسف المناضلون على الشكل الذي تمت به صياغته بحيث تم اختزاله في ترسيم رمزي شكلي كان الغرض منه اسكات الأصوات التي لم تنطلي عليها الصيغة، ما أجج حدة المطالبة خصوصا بعد أن تقدمت بمشروع قانون رقم 04.20 المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الجديدة، الذي أعدم فيه الترسيم بإصرار مجحف، وفي تناقض واضح مع ما قررته في القانون التنظيمي الذي حرر من قبلها، هذه الخطوة التي أعادت الأمور إلى ما قبل 2011 أي ما قبل ما سمي بالقانون التنظيمي 26،16. اعتبر المغاربة هذا الخرق نكسة وتراجع مخيف في ظل دستور فريد جاء ليتصالح مع روافده الثقافية والتي كانت صمام الأمان الذي أنقده من عواصف الربيع الديمقراطي. هذا التعامل الذي يمكن أن نسميه عبثا أعاد الحلم إلى واقعه وأكد أن الخيار الدستوري لا يمكن أن يكتمل إذا لم تكن هنالك إرادة فعلية لدى كل الفرقاء بدل الحسابات السياسوية الفارغة التي عصفت بمكتسبات ونضالات أبناء الوطن. إن هذه السلوكات الناتجة عن الامازيغوفوبيا وذهنية الاقصاء لا يمكن أن ترتقي بهذا الوطن بل ستخلق أزمات حقيقية نحن في غنى عنها، إن ما يمر به المغرب اليوم في ظل الأزمة الوبائية التي نجم عنها أزمة اقتصادية خانقة والتي أبانت عن سمو القيم الأمازيغية المتجدرة في المغاربة والتي أعطت للعالم دروسا في الوطنية والتضامن والتكافل الذي قاده جلالة الملك محمد السادس، تلك القيم التي كانت مستمدة من مبدأ تويزا المعروف في الثقافة الامازيغية والتي اتضح من خلالها أن اهم المرتكزات التي يمكن للوطن أن يستند عليها هي العنصر البشري. إننا اليوم أمام تحدي النموذج التنموي الجديد الذي يراهن عليه المغرب لكسب رهان حقيقي في التنمية، لكن هل يا ترى يمكن أن يعول الوطن على بر ابن حرم من أبسط حقوقه الثقافية واللغوية، كيف لمواطن يعاني من الظلم بالمحاكم ليس لسبب إلا لأنه لم يتمكن من إيصال صوته لمن هو أمي في الأمازيغية أن يكون سخيا تجاه الوطن؟ كيف لأب حرم من تسمية أحد أبنائه بالأمازيغية أن يتجاوب مع واجب الوطنية؟ هذه مجرد اسئلة حارقة قد تتبادر لذهن أي مواطن عادي يعيش الاقصاء في ربوع المغرب العميق. كل هذه الحرقة تنسى بمجرد حلول رأس سنة جديدة، كل النضالات تلتحف توب الفرح وتستعد في أبهى حللها لاستقبال عام جديد يحتفى فيه بالأرض وبكل ما تجود به أرض تمازغا، أطباق متنوعة توثق لثقافة غنية يتقاسمها الشعب الامازيغي عبر ربوع شمال إفريقيا مرورا بجزر الكناري بل وأصبحت عيدا يخلد في كل دول العالم التي يسكنها الامازيغ بحيث يتم الاستعداد لها بشغف شديد خصوصا بعد تنامي الوعي الهوياتي لدى مختلف الشرائح المجتمعية والذي كان مقتصرا فيما سبق بالنخب المثقفة فقط. اليوم نرى ونلمس اعتزاز حقيقي للمواطنين بأصلهم عكس الخجل الذي كان مقرونا بالانتقاص من كل المكونات الامازيغية. ففي كل ليلة من تاريخ 12 يناير الميلادي يهل هلال الفرح بكل بيت و بكل مدشر، وبما أن الأمازيغ من الشعوب التي تعشق الاحتفال الجماعي فهي تجتمع في مكان خاص بالاحتفال وبعد أن أعدت النساء ما لذ وطاب من أطباق لمختلف البقوليات والبدور والذي يكون فيه طبق تكلا او العصيدة مكان خاص بحيث يكون هو الطبق الذي يعلن من خلاله على محظوظ السنة، النساء وكما هو معهود في الثقافة الأمازيغية تكن ملكات الحفلة بثياب زاهية الألوان وبحلي فضية تكسوهن من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن فرحات ومستبشرات بعام فلاحي مثمر وسخي. نحن اليوم سنحتفل بسنة 2971 بكل جوارحنا وسنناضل رغم التماطل غير المفهوم للسلطات المغربية في الاستجابة للمطلب الشعبي للحركة الوطنية الامازيغية وسنعتبر أن إقرار رأس السنة الامازيغية كعيد وطني وعطلة رسمية على غرار باقي مختلف الأعياد الوطنية الرسمية واجب كما سنصر على تعديل المرسوم المحدد للائحة الأعياد لأنه لن يكون سوى العودة لجادة الصواب وللانسجام الحقيقي مع التطورات القانونية التي عرفتها الامازيغية بعد دستور 2011. الأمازيغية نمط حياة قبل أن تكون لغة وثقافة وتاريخ …. أسكاس أماينو أنمار2971 خديجة تيليللي أروهال *** الاحتفال ب "إض يناير".. إحياء للذاكرة الثقافية ودلالات حقوقية ارتبطت ذكرى الاحتفال " إض ينّاير" ليلة يناير الأمازيغي أو الفلاحي، بالانتصار الذي ينسب للملك شيشنق على رمسيس الثاني ببلاد الفراعنة سنة 950 قبل الميلاد من جهة. وبالطقوس التي يفتتح بها الأمازيغ وسكان شمال إفريقيا السنة الفلاحية، لما تحمله من دلالات رمزية للارتباط بالأرض والتفاؤل بالخيرات من جهة أخرى. تتعدد أشكال وطقوس الاحتفال بين المناطق، لكن تبقى مناسبة احتفالية يعبر فيها الأمازيغ عن الانتماء لأرض الخير والاستقرار من مصر شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، إلى الصحراء الكبرى جنوبا… وهذا ما جعل الثقافة الأمازيغية تتميز بالتنوع والتعدد. في هذا السياق يرى الباحث محمد شفيق في كتابه ثلاثة وثلاثون قرنا من تاريخ الأمازيغيين "… أن للأمازيغيين ثقافة خاصة بهم توارثوها عبر العصور منذ آلاف السنين، يصعب على الباحث أن يتتبع مراحل تطورها فيما يخص الجوانب المعتمدة للكتابة، لكنه يستطيع أن يشخص بسهولة كل الجوانب الأخرى، ولابد في هذا الصدد من التنبيه إلى أن الثقافة الأمازيغية لم تنحصر، منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام في ما هو خاص بهم متوارث عندهم…". وهذا ما جعل من الإرث الثقافي الأمازيغي، إرث أصيل ومنفتح ومتجدد. فالاحتفال السنوي بالثقافة الأمازيغية يأتي لإحياء هذه الذاكرة، لربط أجيال الحاضر بأمجاد الماضي، واستشراف المستقبل. إن أبرز الطقوس المعتمدة للتعبير عن الاحتفال " إض يناير" هي التي تجتمع فيها الأسر والعائلات ليلة 13 يناير الميلادي، و إعداد أكلات تقليدية من القمح أو الشعير، "الكسكس، البركوكش، هريسة الشعير"، مناسبة يحضر فيها نساء ورجال وأطفال، وارتداء ملابس تقليدية أصلية وترفع الأهازيج في كل بيت. وتنظم حفلات من الرقص والغناء الجماعي، في حلقات شعرية منظمة تستمر طيلة ليلة " إض يناير" أو عدة ليالي، ( بين إمديازن / إماريرن ). إن هذه الطقوس التقليدية ستنتقل من التنظيم التقليدي إلى التنظيم المؤسساتي، خاصة بعد ظهور مؤسسات المجتمع المدني بالمغرب، حيث أصبحت الجمعيات داخل الأحياء، أو القرى، أو داخل المدن، تتولى مهمة تنظيم هذه الأشكال الاحتفالية، ويتم التعبير عنها في الساحات العمومية، وأمام المؤسسات الرسمية للدولة. هذا التحول في الشكل التنظيمي، سيوازيه تحول آخر على مستوى الخطاب وآفاق قضايا الثقافة الأمازيغية في كليتها. إذ لم يعد الاحتفال ب" إض ينّاير" يحمل دلالة رمزية فقط في وعي سكان شمال إفريقيا، بل أصبحت له دلالات هوياتية أعمق من ذلك، حيث تحول من البعد الطقوسي الاحتفالي إلى أبعاد أخرى حقوقية وسياسية. كل متتبع للشأن الثقافي والحقوقي، وبقضايا الأمازيغية بالمغرب، سيجد أن الخطاب الذي يرافق الاحتفال بالسنة الأمازيغية، لم يعد محصورا في المطالبة بتنظيم أنشطة احتفالية هنا وهناك، بقدر ما أصبح يحمل مطالب حقوقية بالأساس. حيث أصبحت العديد من المنظمات الحقوقية والجمعوية، وبعض الأحزاب السياسية، والفاعلين في الميدان، والفئات المهتمة بهذا الشأن، تطالب بترسيم فاتح يناير الأمازيغي كعيد وطني، وكعطلة رسمية مؤدى عنها. تعتبر هذه المطالب من أبرز القضايا التي تؤثث النقاش العمومي في هذه المناسبة، والتي تستدعي الترافع حولها من أجل الإقرار بها بشكل رسمي من قبل الدولة المغربية. وهذا ما أكدته الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في بلاغها الصادر يوم 8 يناير 2021، حيث دعت فيه إلى "ضرورة الإسراع باعتماد رأس السنة الأمازيغية كعيد رسمي، بحكم أنه يجسد ارتباط المغاربة بأرضهم وبوصفه العيد الوطني الوحيد الذي ليس له طابع سياسي أو ديني، ويشكل احتفاء بالأرض المغربية، وهو انتقال ضروري بهذا العيد من طابعه الوطني الشعبي إلى الطابع الرسمي… مضيفة أنها "سجلت باستغراب التماطل غير المفهوم للسلطات المغربية في الاستجابة لهذا المطلب التاريخي للحركة الوطنية الأمازيغية… ". كما أن ما يمكن تسجيله في هذا السياق هو أن الجيل الصاعد يجهل معظمه تاريخ هذا الاحتفال ومعانيه، حتى ولو كان يشارك في الأنشطة التي تنظم في هذه المناسبة، إلا أن البعد التكويني العميق للحدث لازال غائبا عند العديد من الفعاليات المدنية التي تكتفي فقط في ببعض الأشكال الفولكلوريا للاحتفال، في تجاهل تام للغايات الثقافية والأدبية والفنية والرمزية. فإذا كانت بعض الدول في شمال إفريقيا استطاعت أن تستجيب لمطالب المجتمع المدني الأمازيغي، كالجزائر التي اعترفت ب 13 يناير كيوم عطلة مدفوعة الأجر. بالإضافة إلى المستجدات التي جاء بها دستور 2016 بالجزائر من خلال دسترة اللغة الأمازيغية. رغم أن هذا الإنجاز الرسمي يحضر كذلك في دستور المملكة المغربية 2011 الذي نص في على اعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسمية بجانب اللغة العربية. غير أن هذا المكسب الحقوقي سبقته مكاسب أخرى، كاعتماد حرف ‘‘ تفيناغ ‘‘ كحرف رسمي للغة الأمازيغية، ساهم في تدريس اللغة الأمازيغية بالتعليم الابتدائي، والجامعي، رغم ما للتجربة من إيجابيات، وما عليها من ملاحظات لم تحقق المطلوب منها منذ 2003 إلى اليوم. حيث لازالت النظرة الرسمية للثقافة الأمازيغية ضيقة ومحصورة في نقاش عقيم حول البعد اللغوي فقط، بل أكثر من هذا إن النقاش الذي يستحضر التقابل بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية، هو نقاش عقيم لم يستوعب بعد أن ليس هناك لغة أفضل من لغة أخرى، فكل لغة تؤدي أدوارها، وكل محاولة إقصاء للغة أخرى، هو تعبير عن انغلاق لم يعد له معنى. فالاحتفال " بإض ينّاير "لا يمكن أن يتم إلا باللغة التي تحمل ثقافة لها قرون من الزمن، لغة يتم التعبير بها عن الفنون الأمازيغية بشكل شفاهي وتواصلي مباشر، قبل أن تتحول إلى لغة مدرسية. لذا فاللغة الأمازيغية كما قال عنها الكاتب عبد السلام بن ميس، في كتابه "مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة المغاربية القديمة" أنها نسقا لغويا يتمتع بكل خصائص الأنساق اللغوية المتداولة. وبالتالي فقد كان سكان شمال إفريقيا منذ القدم يعبرون عن أفكارهم بلغتهم أو بلغات الشعوب التي جاءت للمنطقة ( اليونان، والرومان، الفينيقيون…). وبالتالي فإن الاعتراف بيوم وطني رسمي للسنة الأمازيغية، يفترض بالضرورة أن تملك الجهات المسئولة إرادة حقيقية تنطلق من منطلق أساسي؛ وهو أن هذا الاعتراف سيعزز الدينامية الثقافية الوطنية، وسيدفع بالتنوع الثقافي إلى الممارسة الفعلية والرسمية بعيدا عن كل أشكال التمييز أو الإقصاء. إن المبرر الذي تبرر به الدولة في العديد من المناسبات المعترف بها رسميا، لا يجب أن يختلف عن المبرر الذي يدفع بالأمازيغ إلى المطالبة بترسيم هذا اليوم. إن تعزيز روابط الثقة بين الدولة وبين جميع مكونات المجتمع المغربي يعد الرهان الأساسي الذي يغني الوحدة الوطنية بالكثير من التلاحم والانسجام. لا يجب للاختلاف اللغوي بشكل خاص، أو الثقافي بشكل عام أن سيتحول إلى خلق هوة بين ثقافة وأخرى. بقدر ما يجب أن يكون الاعتراف بالحق في الاختلاف والتنوع والتعدد من سمات المواطنة. وهذا الأمر يستدعي الترافع عليه من قبل جميع مكونات المجتمع المغربي. لأن وحدة الوطن تستدعي انخراط الجميع في الحفاظ على الذاكرة الثقافية بكل عناصرها. ن أن لهذا لم يعد "إض يناير" لحظة احتفالية فقط، بل تحول إلى مناسبة يجدد فيها الأمازيغ تذكير السلطات المعنية، بالقضايا العالقة التي تؤرق الساكنة في مناطق عديدة، توحدها الهوية الأمازيغية: الانتماء للأرض، واللغة، وقضايا الإنسان… إدريس بلااعلي *باحث في العلوم الاجتماعية والسياسية *** 3 أسئلة لعماد المنياري رئيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ¶ كيف تقيمون حصيلة السنة الأمازيغية 2970 سواء من الناحية القانونية أو التشريعية أو السياسية؟ سأجيبكم على هذا السؤال من خلال ثلاثة مستويات، الأول مرتبط بمطالب الحركة الأمازيغية، والثاني بالنسبة لوضع الحركة الأمازيغية والثالث بالنسبة للجمعية المغربية للبحث والتبادل، أولا بالنسبة لمطالب الحركة الأمازيغية الأساسية، ورغم التأخر الكبير في اعتماد القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والذي لم يصدر في الجريدة الرسمية إلا بتاريخ 26 شتنبر 2019 رغم أن الدستور المغربي الجاري به العمل حاليا نص عليه ودخل حيز التنفيذ منذ سنة 2011، وعلى علات هذا القانون التنظيمي، نلاحظ تماطلا لمختلف القطاعات الحكومية في الاستجابة لمقتضياته ولو في أبعادها الرمزية، وهو ما يبين غياب الإرادة السياسية، فلحدود الآن ورغم تنصيص المادة 32 من هذا القانون التنظيمي على قيام القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات والمنشآت العمومية والمؤسسات والهيآت الدستورية بوضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية، في الميادين التي تخصها، وذلك داخل أجل لا يتعدى ستة أشهر ابتداء من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية، إلا أنه ولحدود الآن، لم يتم الالتزام بذلك باستثناء بعض الإجراءات المحتشمة في هذا الاتجاه من قبل قطاعات حكومية محدودة. ثانيا بالنسبة للحركة الأمازيغية، بوصفها حركة مجتمعية متنوعة ذات مطالب مختلفة إلى السلطة الحاكمة حدها الأدنى هو المطالب اللغوية والثقافية، نلاحظ أن مجموعة من فعاليات الحركة الأمازيغية، وأمام عدم تنفيذ مطالب الحركة الأمازيغية، ولو في حدها الأدنى، اختارت طرق تنظيمية جديدة من أجل النضال ظهرت بشكل جلي سنة 2970، وتتلخص في مسارين، المسار الأول يتمثل في العمل المستمر لتأسيس حزب ديمقراطي اجتماعي بخلفية تراعي مطالب الحركة الأمازيغية وتجعلها في صلب برنامج حزبي مجتمعي، والمسار الثاني هو التحاق بعض أطر الحركة الأمازيغية ببعض الأحزاب القائمة من أجل النضال من داخلها لتحقيق مطالب الحركة الأمازيغية. بالنسبة للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي تميزت هذه السنة الأخيرة بتجديد الهياكل التنظيمية وانتخاب مكتب وطني جديد وتنظيم مجموعة من الأنشطة سواء على مستوى المكتب الوطني أو الفروع، رغم أن الظرفية الوبائية الاستثنائية أثرت على دينامية العمل إلا أنها كانت فرصة لإبداع طرق عمل جديدة، وقمنا يوم 26 دجنبر 2020 بوقفة رمزية أمام المعبر الحدودي الجنوبي المغربي في منطقة الكركرات تحت شعار الأمازيغية في خدمة الوحدة الترابية والوطنية، وأصدرنا بلاغا بالمناسبة عبرت من خلاله الجمعية عن تقديرها العالي لجميع الخطوات الديبلوماسية والميدانية التي قامت بهما السلطات المغربية للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، كما ثمنت اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية، كدولة عظمى تتوفر على حق النقض في مجلس الأمن الدولي والفاعل الرئيسي في السياسة الدولية، بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وقرار فتح تمثيلية اقتصادية لسفارتها بالمملكة المغربية في مدينة الداخلة، كما دعت الجمعية جميع المهتمين من أجل إيلاء أهمية خاصة للتعريف بالطابع الأمازيغي للمناطق الجنوبية للمغرب، خصوصا أن أسماء القبائل والمناطق والعادات والتقاليد وغيرها من العناصر الثقافية تشهد على الحضور الدائم والمستمر للثقافة الأمازيغية في هذه المناطق، كما دعت إلى استمرار اليقظة والتعبئة الوطنية لمختلف الفاعلين، سواء المؤسسات الرسمية أو الهيئات المدنية، من أجل تحصين المكاسب المحققة وتعزيزها ومواجهة جميع المناورات التي يقوم بها أعداء الوحدة الترابية للمملكة. ¶ دعت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي إلى اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا ما هي خلفية هذه الدعوة؟ هو مطلب قديم للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي والحركة الأمازيغية عامة، فالشعب المغربي يحتفل بشكل دائم ومستمر برأس السنة الأمازيغية على غرار مختلف مناطق شمال إفريقيا المتشبعة بالثقافة الأمازيغية، وذلك تحت مسميات مختلفة مثل "إيض يناير" "رأس السنة الفلاحية" "حكوزة"، وما يضفي على هذا العيد طابعه الوطني هو احتفال كافة الشعب المغربي به، سواء الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، وبتطور الوعي بالهوية الثقافية الأمازيغية للمغرب من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري، بفضل نضالات الحركة الثقافية الأمازيغية، فإن مطلب اعتماد السلطات المختصة لرأس السنة الأمازيغية كعيد وطني رسمي وعطلة رسمية لازال مطروحا ولم تتم الاستجابة له رغم التطورات الإيجابية التي عرفها المغرب في الاستجابة لمجموعة من مطالب الحركة الأمازيغية. يجسد هذا العيد ارتباط المغاربة بأرضهم بوصفه العيد الوطني الوحيد الذي ليس له طابع سياسي أو ديني ويشكل احتفاء بالأرض المغربية، وهناك ضرورة للانتقال به من طابعه الوطني الشعبي إلى الطابع الرسمي، ونعتبر داخل الجمعية أن إقرار رأس السنة الأمازيغية كعيد وطني رسمي وعطلة رسمية على غرار مختلف الأعياد الوطنية الرسمية بتعديل المرسوم المحدد للائحة أيام الأعياد المسموح فيها بالعطلة في الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية والمصالح ذات الامتياز، سيكون إجراء ينسجم مع التطورات القانونية التي عرفتها الأمازيغية، خصوصا دستور المملكة المغربية الجاري به العمل، والقانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. ¶ هناك أيضا مطلب يقضي بإدراج طريقة الاحتفال بالسنة الأمازيغية ضمن التراث الإنساني غير المادي ماهي الخطوات التي قمتم بها من أجل بلوغ هذا الهدف؟ فعلا دعت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، في بلاغها الأخير بمناسبة رأس السنة الأمازيغية، جميع الفعاليات المدنية والرسمية على مستوى دول شمال إفريقيا إلى العمل سويا من أجل إدراج طرق الاحتفال المختلفة برأس السنة الأمازيغية كتراث وموروث ثقافي عالمي غير مادي لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وهي فكرة جديدة هدفها الأساسي تجسيد التقارب بين شعوب شمال إفريقيا، والجمعية على استعداد لتقديم دعمها، سواء من خلال هياكلها أو أطرها، لتحقيق هذا الهدف كما سبق أن قامت بذلك بخصوص إدراج رقصة تاسكوين وكذا المعارف والمهارات المرتبطة بشجرة الأركان أو المهارات والخبرات والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.