من كبار المسؤولين في مجال المال والأعمال على الصعيد الوطني، الأولى من سبع مغربيات ضمن قائمة فوربس لأقوى سيدات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2020 والسابعة ضمن الترتيب العام، والسادسة ضمن قائمة أقوى السيدات العربيات لعام 2017 السيدة نزهة حيات، رئيسة الهيئة المغربية لسوق الرساميل منذ، 2016 سلطت الضوء، في حديث خصت به مجلة،" BAB " التي تصدرها وكالة المغرب العربي للأنباء شهريا، على مهام الهيئة وأدوارها الرئيسية داخل سوق الرساميل، وبعض نقاط العبور المؤهلة لمرور الاقتصاد الوطني إلى ضفة التعافي من تداعيات الأزمة الصحية الراهنة إلى جانب محاور أخرى. في خطوط عريضة، كيف تقربين السيدة نزهة حيات للمتلقي العادي الهوية الوظيفية للهيئة المغربية لسوق الرساميل، أي المهام المحورية الموكلة للهيئة ؟ وأين تلتقي أو تتقاطع في ما لديها من مهام أو سلط مع أطراف أخرى فاعلة في السوق ؟ الهوية الوظيفية للهيئة المغربية لسوق الرساميل تتجسد في طبيعة ومضمون المهام التي تضطلع بها الهيئة في علاقتها مع سوق الرساميل ومختلف المتدخلين فيه. فالقانون رقم 12 – 43 المؤسس للهيئة ينص على كون هاته الأخيرة شخصا معنويا عموميا مكلفا بمهمة حماية الادخار المستثمر في الأدوات المالية. وفي سبيل تأمين هذه الحماية لمستحقيها، فإن دور الهيئة هنا يقوم على ضبط حسن سير سوق الرساميل ومراقبة مدى احترام الفاعلين داخله لمبادئ أساسية منصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، من قبيل مبدأ المساواة بين المدخرين في المعاملة والمعلومة، ومبدأي الشفافية ونزاهة السوق. وفي ما يتعلق بالشق الثاني من سؤالكم، أود أن أذكر أن الأسواق المالية وظيفتها الرئيسية توفير الإمداد المالي للأشخاص المعنويين الراغبين في الحصول على تمويل عبر ادوات مالية موجهة للمستثمرين. وبما أن هاته الأسواق هي مجالات شاسعة ومتنوعة من حيث الفاعلين والمعاملات والمنتجات المتداولة داخلها، فإن أمر مراقبتها وضبطها قد أنيط بأكثر من هيئة رقابية لكل منها نطاق اختصاص محدد. فبالرجوع إلى النصوص التشريعية المتعلقة بالأسواق المالية المغربية، نجد مثلا أن هناك فلسفة معينة في رسم رقعة الصلاحيات وتوزيع الاختصاصات بين الهيئة المغربية لسوق الرساميل وبنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي. هذه الفلسفة تزاوج بين تقرير اختصاصات حصرية لكل هيئة وتحديد المهام عند تقاطع الاختصاصات. على سبيل المثال شركات التأمين تمارس أنشطة خاضعة بطبيعتها لرقابة هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وتخضع أيضا لرقابة هيئتنا في حال كانت تحمل صفة مصدر للأسهم أو لسندات الدين عن طريق دعوة الجمهور للاكتتاب. كذلك الامر بالنسبة لمؤسسات الائتمان، الخاضعة لرقابة بنك المغرب، وكذلك لرقابة الهيئة في ما يخص نشاط مسك الحسابات المرتبطة بالعمليات في الاسواق المالية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الهيئات الثلاث بصفة مشتركة من خلال أجهزة أخرى كلجنة سوق الرساميل التي يرأسها وزير الاقتصاد والمالية والمنصوص عليها في قانون رقم 14 – 19 المتعلق بشركات البورصة والمرشدين الماليين، وأيضا لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية المنصوص عليها في القانون رقم 12 – 103 المتعلق بمؤسسات الائتمان. ما هي المكونات المحورية المحركة لسوق الرساميل وتلك الضابطة لحركته على المستوى القانوني ؟ هناك مقاربات متعددة يمكن من خلالها تناول سوق الرساميل وتحديد مكوناته المحورية. لكن، وبهدف إعطاء صورة مبسطة للقارئ عن هذه المكونات، يمكن القول إن السوق يرتكز على ثلاثة مكونات أساسية هي؛ الفاعلون أو المتدخلون في السوق، من جهة أولى، والعمليات والمنتجات المالية المتداولة، من جهة ثانية، والمكون الرقابي، من جهة ثالثة. الفاعلون أو المتدخلون هم المصدرون للأدوات المالية والمستثمرون فيها، وكذلك مهنيو السوق من شركات بورصة وشركات تسيير وماسكي الحسابات ومرشدي الاستثمار المالي. أما العمليات فهي مجموعة المعاملات التي تتم داخل سوق الرساميل وتكون منصبة على المنتجات المالية، أي على الأدوات المالية القابلة للتداول كسندات رأس المال (أسهم) وسندات الديون وسندات هيئات التوظيف الجماعي. ويتجلى المكون الثالث لسوق الرساميل في تنظيم العلاقة بين مختلف الفاعلين وتأطير إتمام العمليات المالية وفق ما تقضي به القوانين والأنظمة ذات الصلة، أي ما تقوم به الهيئة في ممارستها لنشاطها الرقابي قصد ضبط حركة السوق وتأمين حسن سير العمليات داخله، الشيء الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على مستوى الثقة في السوق وعلى قابلية هذا الأخير لجذب المصدرين والمستثمرين على حد سواء. في ظرفية اقتصادية صعبة، لم يسلم منها أي بلد على اتساع المعمور نتيجة تداعيات الأزمة الصحية العالمية الراهنة، ما هي أهم محددات خارطة الطريق التي اعتمدتها الهيئة المغربية لسوق الرساميل، في إطار ما لديها من مهام، للمساهمة في معالجة الوضع أو التخفيف من حدته أو لتحفيز حركية الاقتصاد؟ بالفعل، لقد انعكست تداعيات الأزمة الصحية الراهنة على الأسواق المالية لمختلف دول العالم، والسوق المغربي لم يكن بمنأى عن تأثير هذه التداعيات. لذلك، سعت الهيئة منذ البداية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي تتسق مع طبيعة مهامنا الرقابية على سوق الرساميل. وهي التدابير التي رأينا أن الطابع الاستثنائي للوضع يتطلب بشدة اتخاذها والحرص على تنزيلها على أرض الواقع بشكل حثيث ووفق مقاربة تشاركية يساهم فيها وفي إنجاحها كل الفاعلين داخل سوق الرساميل. وتتجسد خارطة الطريقة التي وضعتها الهيئة في الخطة الشاملة التي تم تبنيها بهدف الحفاظ على حسن سير سوق الرساميل. فقد بادرنا، منذ شهر مارس المنصرم، إلى تخفيض الحدود القصوى لعتبات التغيير الخاصة بالأدوات المالية. وكان الهدف من هذا الإجراء هو وقاية سوق بورصة القيم من أي احتمال لانهيار أسعار الأسهم والسندات المدرجة داخله نتيجة لانخفاضها تحت مستوى يتجاوز 10% خلال اليوم الواحد. في ما بعد، وفي إطار سياستها التواصلية مع الفاعلين في السوق، أصدرت الهيئة بيانا صحفيا، بتاريخ 20 مارس 2020 للإعلام عن استمرارية نشاطها بشكل طبيعي رغم الظرف الاستثنائي، وعن التدابير المعتمدة في سبيل تحقيق هذه الاستمرارية، ومن بينها إحداث نظام العمل عن بعد لمستخدميها وإقامة تعاون وثيق ومواكبة متواصلة لمختلف المتدخلين والشركات من أجل التأكد من اعتمادهم للتدابير اللازمة لمواصلة أنشطتهم. وبتاريخ 23 مارس 2020 نشرت الهيئة على موقعها الالكتروني بيانا صحفيا يهم مصدري الأسهم والسندات الخاضعين لسلطتها الرقابية. وتضمن هذا البيان عددا من القواعد والتوصيات المتعلقة بالإفصاح عن المعلومات المالية التي يجب على هؤلاء المصدرين نشرها للعموم حسب الكيفية والآجال المنصوص عليها في القانون رقم 12 – 44 ودورية الهيئة رقم 19 – 03 الهدف هنا كان هو الحفاظ على شفافية السوق في نفس مستوى المعايير المعتادة مثلما حددتها ذات النصوص المذكورة. برأي خبراء السوق وأنتم تشكلون، كمسؤولة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل، طرفا رئيسا في متابعة وقراءة المشهد الاقتصادي وكبح بعض ما قد يلحظ من خروقات.. ما هي أهم الإشكالات التي تفرض نفسها حاليا بسبب الظرفية الراهنة؟ نظرا لمركزها القانوني كسلطة رقابة على سوق الرساميل، فإن الهيئة تختص بمراقبة وتتبع الخروقات الواقعة داخل هذا السوق دون غيره من مكونات النسيج الاقتصادي الوطني. ومسألة وجود خروقات بين الفينة والأخرى هي مسألة طبيعية ومتوقعة في كل الأسواق المالية عبر كافة أرجاء العالم. وبما أن بعضا من الآثار السلبية التي أحدثتها الأزمة الصحية الراهنة قد يرقى لتوصيف القوة القاهرة، فإن أهم الإشكالات المطروحة حاليا تتعلق أساسا بإيجاد وتطوير آليات من شأنها مساعدة الفاعلين على الاستمرار في احترام القوانين والأنظمة تفاديا لأي خروقات قد يؤدي تكرار وقوعها إلى تقويض مبادئ جوهرية يرتكز عليها حسن سير السوق وهي الثقة والنزاهة والشفافية. ومساعدة الفاعلين تملي على الهيئة القيام بتأطير أوسع لهم والتحلي أكثر بروح الاستباقية، مما سيخلق جوا إيجابيا يدعم دينامية السوق ويقوي قدرته على الصمود أمام الوضع الاستثنائي الراهن. وعيا منها بكل هاته المعطيات، فإن الهيئة كانت ولا تزال في تفكير دائم حول سبل تطوير أدوات اشتغالها وفقا للإكراهات الحاصلة. فقد لاحظنا مثلا داخل الهيئة أن تقييد حركة التنقل، المقرر كإجراء احترازي لاحتواء الأزمة الصحية، لم يكن ليمر دون أن يحد من وتيرة عمليات التفتيش والبحث الميدانية التي ينفذها أعوان الهيئة داخل مقرات الفاعلين الماليين. لذلك، تعمل الهيئة على إيجاد أدوات عمل منسجمة مع طبيعة الوضع الحالي في احترام تام لما تمليه قواعد السلامة الصحية والتقييد المؤقت لحركة التنقل. كيف ترون أفق سوق الرساميل المغربي في حدود التشريعات المعتمدة والهيئات الفاعلة فيه والظرفية الاقتصادية الراهنة وكذا الاجتهادات المتاحة على الصعيد التشريعي والتنظيمي ؟ الأزمة التي نمر بها أثارت سلسلة من التحديات على عدة مستويات. والإقلاع الاقتصادي هو بالتأكيد واحد من التحديات الكبرى المطروحة. في هذا الصدد، سوق الرساميل مدعو للعب دور أكبر من أجل تأمين التمويل اللازم لتحقيق الاقلاع الاقتصادي. في تصوري، أول عنصر إجابة للأزمة يتمحور حول التساؤل التالي : كيف السبيل الى تقوية دور السوق في تمويل النمو ؟ نعمل حاليا، بمعية فاعلين عموميين وخواص، من أجل إيجاد أجوبة ملموسة يمكن أن تكون ذات طبيعة تشريعية، عملية أو تقنية. من الصعب القيام بتقييم دقيق لتداعيات الأزمة التي نمر بها حاليا. ومع ذلك، حري بنا أن نأخذ بعين الاعتبار التداعيات الملحوظة ونكيف على إثرها خطط عملنا. يبدو لي أن بعض عناصر الرد تفرض نفسها أولا ويتعين، في تصوري، إدراجها ضمن الأولويات المستقبلية، ولو حسب توزيع زمني متغير. على المدى القصير، سيكون من الضروري تركيز الجهود على الإجراءات التي من شأنها تعزيز مساهمة سوق الرساميل في تمويل الإقلاع الاقتصادي. لهذا الغرض، التطور القانوني الذي يجب أن ي منح الأولوية هو ذلك الذي يسمح بتشجيع الابتكار والتنويع في الأدوات المالية، عن طريق تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة واستقطاب الادخار. يمكنني هنا أن أذكر تعديل النص المتعلق بهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة الذي ينطوي على قدر مهم من التجديد، إرساء التمويل التعاوني الذي سيغني آليات التمويل الموجهة للمقاولات صغيرة الحجم، بالإضافة إلى دخول نظام المرشد في الاستثمار المالي حيز التنفيذ باعتباره فاعل مدعو للمساهمة في تنشيط سوق الرساميل. على المدى المتوسط نسبيا، سيتعين، في تصوري، على التطور القانوني أن ينصب بقدر أكبر على المسائل المتصلة بصمود الأسواق وبنياتها التحتية (آليات احترازية، تدبير المخاطر، غرفة المقاصة إلخ ). ولا يفوتنا التذكير بأن هناك توجهات جديدة بدأت تبرز، ت حر ك ها المالية الرقمية والتكنولوجيا؛ هذه التوجهات توفر فرصا يتوجب اغتنامها، ولكنها، في نفس الوقت، تطرح إشكالات غير مسبوقة بالنسبة للهيئات الرقابية حول الردود القانونية والطريقة الواجب اتباعها للتعاطي مع المخاطر الناجمة عنها) الجريمة السيبرانية، غسل الأموال…).