قال مصطفي فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الخميس الماضي بالعيون، إن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب تخلف سنويا آثارا اقتصادية كبيرة على الأمن وعلى استقرار القطاع المالي للدول، حيث تشير التقديرات إلى أن الخسائر لا تقل عن تريليوني دولار سنويا، مما يشكل 5.2% من إجمالي الناتج العالمي، مما أصبحت معه الدول مطالبة بتطوير ترسانتها التشريعية والتنظيمية والمالية لتكون قادرة على التصدي لأساليب التمويه ولبنية الإجرام التي تتطور باستمرار. وأكد فارس، في كلمة تلاها نيابة عنه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالعيون محمد البار، خلال ندوة نظمتها وزارة العدل بشراكة مع هيئة المحامين بأكادير والعيونوكلميم حول "دور المحامي في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، أن عمليات غسل الأموال تتخذ أشكالا عدة تمزج بين طرق تقليدية واستخدام التكنولوجية الحديثة من أجل تبييض الأموال المحصلة بأشكال غير مشروعة عبر الاستعانة بآليات مالية لتوفير غطاء قانوني مستغلة في ذلك الاختلافات وعدم الانسجام بين القوانين والأنظمة الوطنية وعدم كفاية آليات التعاون والتنسيق، وهي ظاهرة تزداد آثارها السلبية مع ما يعرفه العالم من تطور متزايد لشبكات الإجرام العابر للقارات في علاقته مع الترابط الكبير للنظام المالي العالمي بسبب العولمة. واعتبر فارس في هذا الصدد، أنه كان لازما على بلادنا التي تقود تجربة تنموية متفردة بتحديات جيواستراتيجية كبيرة، أن تطور ترسانتها القانونية والمالية وعلى تقوية بنيتها الاقتصادية والإدارية وتباشر إصلاحات كبرى في مجالات مختلفة ترتكز على آليات متعددة وفق المعايير الدولية لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية العالمية. وهي كلها مداخل و آليات، يوضح فارس، استطاع المغرب التعامل معها بكثير من الجدية والمسؤولية والفعالية من أجل تجنب و تخفيف الآثار الوخيمة لهذا النشاط الإجرامي وتعزز نزاهة الأسواق المالية واستقرارها، مشيرا في الوقت نفسه، أننا أمام ورش معقد يتطلب منا مقاربة تشاركية مندمجة حقيقية بين مختلف الفاعلين والمهنيين لتطوير بنية رقابة وقائية ردعية تجعلنا نصل إلى المؤشرات والمعايير العالمية واعتبر فارش، أن المحاماة كباقي المهن القانونية أصبحت معنية ومخاطبة بشكل مباشر من طرف المشرع الوطني و الدولي من اجل مواجهة هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة، وأن المحامي الذي يتجاوز اليوم صفته كأحد الركائز الأساسية في المحاكمة العادلة ليصبح فاعلا أساسيا في آليات اليقظة وملزما بواجب التصريح للاشتباه وسدا منيعا في الخطوط الأمامية للتصدي لهذا الإجرام الذي يتزايد يوما بعد يوم. وأكد أيضا، أنه أصبح من اللازم علينا جميعا أن نسعى إلى تطوير آليات ممارسة هذه المهنة النبيلة لتؤدي أدوارها الأساسية للتصدي لهذه الجرائم، وأن يتم الاهتمام بجدية أكبر بمجالات التكوين والتأهيل والتحسيس بالتزاماتها وواجباتها القانونية والأخلاقية لتكون في مستوى التحديات والرهانات الوطنية والدولية. وخلص فارس في مداخلته، إلى أن المحامي في صلب التنمية ويجب على الجميع أن يكون في موعد مع المستقبل لمواجهة هذه الظواهر الإجرامية الخطيرة. ومن جهته، قال محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، إن موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أضحى اليوم يكتسي أهمية بالغة، بالنظر لما يترتب عنه من مخاطر جسيمة، حيث يؤدي إخفاء وتمويه الأموال غير المشروعة وإضفاء الشرعية عليها، إلى احتكار المجرمين لهذه الأموال، وبالتالي التحكم في الحركة الاقتصادية، مما ينعكس بشكل مباشر على مستويات مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية. وبالتالي على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف النباوي، في مداخلته، أنه لذلك أوجب القانون على الأشخاص الملزمين بمقتضياته ومن بينهم المحامين، الإدلاء بتصاريح الاشتباه عن الأموال المشتبه في غَسلها، بمقتضى عمليات تجارية تبدو قانونية وعادية. وأوضح النباوي، أنه إذا كانت جميع المؤسسات والهيئات مدعوة إلى الانخراط بفعالية في مكافحة هذا النوع من الإجرام، فإن المحامي باعتباره شخصاً خاضعاً، تُلزِمُه أحكام القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال بالتقيد بالتدابير والالتزامات المفروضة، وأنه بالنظر إلى تكوينه القانوني العالي، ولانخراطه المهني القوي في تحقيق العدالة، مدعو إلى الانخراط بشكل فعال في الجهود التي تبذلها الدولة المغربية لمكافحة غسل الأموال، سيما وأن خبراء مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، أكدوا في تقرير التقييم المتبادل الذي خضعت له بلادنا، على ضرورة إدماج المهن القانونية والقضائية ضمن منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي إعتبرها التقرير الوطني للمخاطر أيضاً ذات مخاطر مرتفعة. واعتبرالنباوي، أن قانون مكافحة غسل الأموال، قد ألزم المحامي بالتصريح لوحدة معالجة المعلومات المالية، بجميع المبالغ والعمليات، ومحاولات تنفيذ العمليات المشتبه في ارتباطها بغسل الأموال، أو بواحدة أو أكثر من الجرائم الأصلية لغسل الأموال، أو بفعل يشكل تمويلا للإرهاب. كما ألزمه أيضا بواجب اليقظة. بالإضافة لتفعيل آلية المراقبة الداخلية. كل هذه الالتزامات المفروضة على المحامين، يؤكد النباوي، تجعلهم حلقة أساسية في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، وبالنظر إلى الحس العالي والحرص الدائم للمحاميات والمحامين على تنفيذ القانون والسهر على سيادته، فإنهم بلا شك مدعوون إلى التنزيل السليم للالتزامات المفروضة بكل مسؤولية، وهم على دراية بخطورة هذا النوع من الجرائم، كما أنهم سيسخرون كل الإمكانيات والوسائل الممكنة لتجاوز الملاحظات السلبية لخبراء مجموعة العمل المالي بهذا الشأن. وعن مساهمة رئاسة النيابة العامة في الجهود المتواصلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قال النباوي، إن رئاسة النيابة العامة منخرطة في الاستراتيجية الوطنية المخصصة لمكافحة هذا النوع من الإجرام الخطير، سواء على المستوى الوطني، من خلال الحرص على سرعة وفعالية الأبحاث التمهيدية، والمساعدة في تجهيز الملفات لتقليص أمد البت في الدعوى العمومية. أو على المستوى الدولي، من خلال تفعيل إجراءات التعاون الدولي، وتنزيل المعايير الدولية، وعلى رأسها توصيات مجموعة العمل المالي، بمناسبة إدارة الأبحاث التمهيدية وجمع وسائل الإثبات وتحريك المتابعات. أما وزير العدل، محمد بنعبد القادر، فأكد أن المحامي مطالب أكثر من أي وقت مضى بالانخراط في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والوفاء بالتزاماته القانونية في هذا المجال، باعتباره عضوا أساسيا في منظومة العدالة وإرساء دعائم دولة الحق والقانون. وشدد بنعبد القادر، في كلمة خلال ندوة نظمتها وزارة العدل بشراكة مع هيئة المحامين بأكادير والعيونوكلميم حول "دور المحامي في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، على محورية تفعيل دور المحامي في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب "لتفادي الملاحظات السلبية المسجلة في هذا الإطار، خاصة على مستوى التصاريح بالاشتباه حسب ما تؤكده المعطيات الإحصائية المسجلة لدى وحدة معالجة المعلومات المالية، مقارنة مع باقي الأشخاص الخاضعين خاصة للمهن المالية". وأشار إلى أن هذا اللقاء يشكل "فرصة للتنسيق والتشاور البناء بين الوزارة ووحدة معالجة المعلومات المالية وهيئات المحامين بهدف وضع تصور للتنزيل الأمثل للمقتضيات القانونية الوطنية والدولية المؤطرة للموضوع". وفي هذا الصدد، أبدى الوزير قناعته في كون "ا المحامين الأفاضل سيحرصون على التنزيل الأمثل للالتزامات المفروضة، وعيا منهم بأهمية الموضوع وتداعياته على الالتزامات الدولية لبلدنا وآثار ذلك على الاقتصاد الوطني، كما سبق أن عودونا في مناسبات متعددة على مواقفهم المشرفة انتصارا لسيادة القانون". وبعدما سجل الحاجة إلى التنسيق والتعاون الدائم وتقديم المساعدة التقنية للتنزيل الأمثل للالتزامات المفروضة، جدد بنعبد القادر حرص وزارة العدل بتنسيق مع وحدة معالجة المعلومات المالية، على برمجة لقاءات تواصلية مع المحامين للتعريف بالالتزامات المفروضة وكيفيات التنزيل الأمثل لها، مع توفير دلائل علمية مبسطة لفائدتهم. وبدوره، أكد نقيب هيئة المحامين بأكادير كلميمالعيون، حسن وهبي، على محورية دور مهنة المحاماة في الانخراط الإيجابي في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مشددا على ضرورة تضافر جهود كل مكونات العدالة لإنجاح هذا الورش المجتمعي الكبير. كما شدد وهبي على ضرورة تنظيم ملتقيات وأيام دراسية لملامسة كل جوانب هذا الموضوع الذي يلتقي فيه ماهو قانوني مع ماهو تشريعي وسياسي واجتماعي.