عرف العلم في الآونة الأخيرة، انتشارا واسعا لوباء معد أطلق عليه فيروس "كورونا المستجد"، ونظرا لسرعة انتقاله بين الناس، عملت مختلف الدول في كل بقاع العالم على اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تفشيه،وصار الحجر الصحي الملاذ أو الخيار المناسب للتقليل من حدته ،خاصة في ظل غياب لقاح فعال. والمغرب كسائر بلاد العالم، اتخذ في بداية مواجهة الجائحة طريق الحجر والإبقاء على الناس في البيوت، الشيء الذي انعكس سلبا على حركية الاقتصاد وتسبب للعديد من اليد العاملة في فقدان مورد الرزق. وقد تعرضت العديد من المقاولات لصعوبات اقتصادية بفعل توقفها عن الإنتاج، واضطرت معه إلى الاستغناء على عدد غير يسير من العمال أو الأجراء أو المستخدمين،الشيء الذي جعل هؤلاء العمال إزاء حالة واقعية يتعذر معه عليهم الوفاء بالتزاماتهم. ومن قبيل هذه الالتزامات، عدم قدرة العامل الذي فقد عمله نتيجة تداعيات الجائحة من الوفاء بأقساط القرض الذي التزم بأدائها في تواريخ محددة، استنادا إلى عقد القرض الذي يربطه مع المؤسسة المقرضة. ورحمة بهؤلاء المدينين ومن يعتبر في حكمهم، قرر القانون لفائدتهم رخصة تشريعية تتمثل في حقهم في مراجعة القضاء للحصول على أمر قضائي يوقف أداء الأقساط البنكية و الفوائد المترتبة عنها إلى حين استعادة العمل . ويستند القضاء المغربي في تحريك هذه الرخصة إلى ما تقرره المادة 149 من القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، حيث ورد في هذه المادة أنه يمكن في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة، أن يوقف تنفيذ التزامات المدين بأمر من رئيس المحكمة المختصة،ويمكن أن يقرر في ذات الأمر على أن المبالغ المستحقة لا تترتب عليها فائدة طيلة مدة المهلة القضائية . وزيادة في حماية المدين المقترض، أجازت ذات المادة للقاضي أن يحدد في الأمر الصادر عنه كيفيات أداء المبالغ المستحقة عند انتهاء اجل وقف التنفيذ. ومن الناحية العملية،واستنادا لكل ما ذكر أعلاه ، يمكن لكل مقترض من مؤسسة بنكية أو باقي مؤسسات القروض، فقد عمله لأسباب خارجة عن إرادته، ومن ذلك ما وقع نتيجة انتشار الجائحة، أن يتقدم بمقال إلى رئيس المحكمة المختصة، وذلك من أجل الحصول على أمر قضائي في مواجهة المؤسسة المقرضة يسمح له بتأجيل أداء أقساط القرض لمدة معينة. ومن شواهد ذلك ما جاء في الأمر القضائي عدد 523 الصادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بتاريخ 08/09/2020، والذي أوقف تنفيذ التزامات المدين موضوع عقد القرض لمدة معينة نتيجة تضرر دخله المادي بسبب جائحة كورونا. وتأتي هذه الرخصة التشريعية في قانون حماية المستهلك ضمن منظومة الحماية التي يوفرها هذا القانون للطرف الضعيف الذي يمثله المدين المقترض الذي يواجه ظروف اجتماعية غير متوقعة انعكست سلبا على دخله وترتب عنه عدم قدرته الوفاء بالتزاماته التعاقدية بوجه عام . والقضاء باعتباره حارسا للتوازن العقدي، لا يتردد في تحريك هذه الرخصة متى لجأ إليه صاحب المصلحة المقترض، وأثبت فعليا أنه فقد عمل أو أنه نتيجة حالة اجتماعية غير متوقعة،تعذر عليه معها الوفاء بالتزامات عقد القرض الملقاة عليه ،ويبقى من صميم السلطة التقديرية لهذا القضاء تحديد معالم الإمهال وخاصة من حيث مدته. بقلم: ذ. حسيس مصطفى