يتوقف المخرج حكيم بلعباس، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، عند وضعية السينما في المغرب ومساهمة المركز السينمائي المغربي لإنقاذ الصناعة السينمائية الوطنية، مسلطا الضوء بالمناسبة على مشاريعه المستقبلية. في ظل جائحة كوفيد-19، تأثرت السينما المغربية، على غرار باقي الأنشطة، بشكل كبير. ما هو تحليلكم للوضع وللدور الذي اضطلع به المركز السينمائي المغربي خلال هذه الأزمة؟ تأثرت السينما بشكل كبير جراء هذه الجائحة (توقف عمليات التصوير، وإغلاق قاعات السينما..)، لكن لا يجب أن ننسى أنه قبل الاقتصاد، يوجد الإنسان. لقد بادر المركز السينمائي المغربي بتوفير ولوج مجاني إلى بعض الأفلام المغربية، وهذا أمر جيد يجب أن يكون جزء من مهامه، خصوصا وأننا نشهد أكثر فأكثر اختفاء شبه تام للقاعات السينمائية. الأفلام التي ينتجها المركز السينمائي المغربي موجهة للمواطن الذي يحق له مشاهدة هذه الأفلام بأي شكل من الأشكال وعلى أية منصة. الفكرة وراء إتاحة هذه الأفلام هي تمكين جمهور أوسع من مشاهدتها، ولاسيما للذين لا توجد قاعة سينما مفتوحة بالقرب من محل سكنهم، حيث سيتمكنون من الاستمتاع بأعمال مبدعي المجال السينمائي في المغرب. يتعين وضع قائمة الأفلام المغربية، بأرشيفها، على الإنترنيت بشكل مجاني لكل مواطن مغربي حيثما كان. وعلى أي حال، يجب أن تكون مكتبة أفلام المركز السينمائي المغربي رهن إشارة المغاربة. أغلبية أعمالكم السينمائية تعكس ارتباطكم الروحي بجذوركم، لاسيما بمسقط رأسكم أبي الجعد، لماذا هذا الاختيار ؟ لم يكن اختيار الغوص في كل مرة في عالمي وفي ما أعتقد أنني أعرفه، قرارا أو تفكيرا طوعيا. هذا الارتباط طبع نهجي وأعطى شكلا لمساري ، كي لا أقول أنه أسلوبي أو توقيعي. وبالتالي، لم تكن لدي خيارات أخرى، إلا هذا المسار الشخصي للتعبير عن نفسي سينمائيا. وهذا ما شجعني لاحقا، لأن العنصر الأساسي في القصة السينمائية، بالموازاة مع القرارات الجمالية، هو العنصر الأخلاقي. وهذا العنصر هو الذي ندين به لأولئك الذين نتقاسم معهم ما نقوم به، أي درجة معينة من الحقيقة وبالتالي من الصدق في ما نتقاسمه. يمكن للسينما أن تكون أداة للصناعة والتلاعب، وإذا فهي أداة ذات حدين يمكن توظيفها في أكثر من اتجاه. وفي هذا الصدد، كان علي أن أكافح لأجد الطريقة الأكثر صدقا للتعبير عن نفسي، واكتشفت أن هذه الطريقة تمر عبر أبي الجعد التي تمثل بالنسبة لي مصدر إلهام لا ينضب. أعتبر أن أبي الجعد هي استوديو تصويري، أعرف فيها الجميع ويمكنني أن أصور في المكان الذي أريد، كما أحاول إشراك أكبر عدد ممكن من السكان المحليين لمساعدتي على تصوير الفيلم، لأنني في منطقتي. وهذا لا يعني أنه لا يمكنني أن أصور في مناطق أخرى، فقد قمت بذلك في السابق، لكني أحس أنني برفقة جيدة عندما أكون بأبي الجعد، ويمكنني أن أحكي ما أريد وأن أصور كل قصصي في هذا الفضاء. بعيدا عن الرداءة والصور النمطية، أنتم قريبون من «الواقعية»، ولهذا السبب يتم تتويج أعمالكم بجوائز مرموقة. هل ستتبعون نفس المسار في المستقبل؟ لا أحاول التركيز كثيرا على تقييم أعمالي من خلال الجوائز التي تحصدها، وأذكر نفسي دائما بأن الجوائز ليست اعترافا بقيمة الأعمال. وبخصوص العملية الجمالية لأفلامي، فهي قصص ولحظات أحاول التعبير عنها وهي التي تملي علي هذه العملية وكيفية استغلالهما سينمائيا. هناك أشياء لن تتغير أبدا بالنسبة لي، وهي الفكرة أن أكون في منتصف الطريق بين القصص الخيالية وغير الخيالية. وطالما أننا نستعمل كاميرا وميكروفون في العمل الفني، فلم يعد بإمكاننا الحديث عن الواقع أو الفيلم الوثائقي، بل نبقى في صنف الخيال، لأن هناك قرارات جمالية وتقنيات يتم توظيفها لالتقاط هذه اللحظات. لقد كنت دائما منجذبا لمسألة تجزئة القصة، فأنا لا أضع نفسي في خانة القصة التقليدية ببداية وصراع ونهاية. وحتى في المشهد، أفضل الدخول إليه في وقت متأخر قدر الإمكان والخروج في أقرب وقت ممكن. وأفضل كذلك أن لا أطيل ما يسمى باللقطة التأسيسية (An establishing shot)، ولا تعجبني اللقطات الواسعة وتقديم وعرض الشخصيات والفضاءات، بل أفضل أن أكون داخل الفضاء والزمان لأن هذا الأخير هو أهم عنصر ل»نحت» لحظة إنسانية على الشاشة. ما هي مشاريعكم المستقبلية «ما بعد كوفيد-19»؟ أنا بصدد توضيب فيلم قمت بتصويره بأبي الجعد خلال شهر يوليوز 2019. ويحكي الفيلم 18 قصة في آن واحد. كما يسلط الضوء على كيفية ارتباط هذه القصص في الزمان والفضاء. وتنبثق هذه القصص من طفولتي ومراهقتي، ومن قصص عشتها وأخرى سمعتها. بين ما كنت أفكر فيه وما كتبته، هناك اختلافات كبرى، وبين ما كتبته وما صورته، هناك أيضا اختلاف شاسع، وبين ما قمت بتصويره وما قمت بتوضيبه، وهو ما أعطى فيلما مختلفا عن السيناريو الذي حاولت تصويره في البداية.