ما زال ينمو بداخلي قمر تترك ريم نجمي للحب، أن يلعب دور المتن في مجموعتها الشعرية الصادرة حديثاً: «كأن قلبي يوم أحد» عن «دار النهضة العربية». من تيمة الحب المحورية في المجموعة تقترب نجمي من مراقبة تفاصيل عالمها الصغير، وترتاح إلى وصف الطبيعة كعنصر مُكمّل للحب. لعل هذه المجموعة هي الأولى للشاعرة الشابة، على أن عبارتها مكتملة على شاعرية بديهية، وأناقة المفردات، والمشاهد التي تتماهى مع موضوعة الحب، تُعطي المجموعة مذاقات ناضجة. قرابة الستين نصاً قصيراً تتضمنها مجموعة الشاعرة ريم نجمي. تكاد تتماثل جميعاً في التقنية المستخدمة للانتقال بالمعنى من مكوناته الاولية الى دلالاته الاكثر تعقيداً وصولاً الى الصورة المنفتحة على ذاكرة تتحرك في عالم متغير. نصوص تعبر بسهولة الى حيث لا تتراكم الرؤية بعضها فوق بعضها الاخر، على نحو من التكدس. ولعل نجمي تتطلع الى النص القصير، بالتحديد، من اجل ان تحتفظ باحتياطي ملحوظ من الصور التي لا تنسكب في اللغة الا في اللحظة المناسبة. عندما تدرك الشاعرة ان ثمة نافذة قد فتحت في جدار المعنى لتنفذ الرؤية منها الى العالم. لا يحتاج النص القصير، في هذا الاطار، الى ما يشبه البوابة الكبرى لتنطلق اللغة من خلالها الى حيث يصبح بمقدورها ان تواجه قدرها وحيدة. يكفي ان تتمكن من ان تحدث شقاً صغيراً يشبه التصدع تتسلل منه الصورة الى ابعاد محتملة من التحولات في اللغة والاشياء والمشاهد المثقلة بالسكينة وهي تترقب من يبث فيها طبيعة مغايرة. كل من النصوص القصيرة في المجموعة «كأن قلبي يوم أحد»، يخرج من ذاته الصغيرة، من هيئته المتواضعة، من مادته الاولية، اذا جاز التعبير، بهذه الطريقة. يغادر الى الرؤية المتغيرة، على جناح السرعة. يشكل، على جناح السرعة أيضاً، حدثاً جديداً لا يخلو من الدهشة. ثم لا يعود ادراجه. تبقى الصورة حيث وصلت. تصبح قادرة على الصمود في متاهة من المتحولات المشرعة بدورها على دلالات للمعنى من خلال كثافة ملحوظة في الايحاء. ولعل هذا الاخير هو من نسيج النص القصير الذي يتطلب بالضرورة ضخاً ايحائياً قوياً ليحيل الصورة معنى متماسكاً. غالباً ما تكشف نجمي الغطاء، دفعة واحدة، عن العناصر الصاخبة في مكونات الصورة. لا تقتصر الدلالة اللغوية لديها على ازالة المعوقات من امام الفكرة وهي تتخلى باستعجال عن اثقالها التقليدية التي تتشبث بها في العادة. وهذه اشبه ما تكون بطبقة كثيفة تزداد قسوة وصلابة مع الوقت نتيجة لما تتعرض له على سطحها وفي جوفها من مداهمات متواصلة لأنماط من الغبار والصدأ والتكلس. اثقال تتحول بالتدريج البطيء اقنعة تغلف اللغة ومفرداتها والافكار المستولدة منها بحصار محكم من الاختناق الذي يذهب بها الى حتفها. من الملاحظ ان نجمي تسعى الى انتقاء المفردات التي لا ترزح تحت هذه الاعباء. أو انها تنحاز، على الارجح، الى ضرب من اللغة التي لا تتطلب، بالضرورة، صدمة من النوع الصاعق لتستفيق من غفوة الموت. لذلك، لا تتعثر، بشكل او بآخر، وهي تتوجه مباشرة الى استكشاف مواقع الصخب في الرؤية الشعرية لاطلاقها على نحو مدو في فضاء النصوص. الصورة المتحولة في دلالات المعنى تستهدف بالتحديد الكشف عن هذا الدوي المتدفق بصمت الى المجرى الذي تنتقل فيه الرؤية من محطة الى اخرى. ومع ذلك، تتعمد الشاعرة الا تشرّع صورها المتحولة على اجواء بانورامية واسعة ومعقدة من المعاني وظلالها. فهذا قد يتطلب عندئذ جنساً من النصوص الاكثر طولاً والاكثر ابتعاداً عن مثيلاتها القصيرة. ولعلها لا تبدي في المجموعة المذكورة ميلاً يذكر الى شيء من هذا القبيل. تبدو النصوص المقتضبة اكثر استجابة لمزاجها الذي يتحين الفرص، على الأرجح، ليحيل الصورة الشعرية سلسلة من اللحظات المتجسدة في دهشة تلو الاخرى. ولعلها تصر على ان تأخذ الصورة الى هناك. الى ذلك المكان الافتراضي الذي لا يكون الا بالدهشة الشعرية التي تحل فيه. هناك ايضا، تنكشف اللغة على ذاكرة متأصلة فيها وليست من خارجها. يكفي احيانا ان تتعرض لشيء كثير او قليل من كيمياء من نسيجها لتتحول بالفعل ايحاء يعبر كالبرق من ذاكرة اللغة الى ذاكرة العالم الى ذاكرة الكون. لعل اللغة، في ما قد تؤول اليه هي الكون في دهشته الاولى. نصوص من المجموعة الآتي مقتطفات من النصوص: باصابعك مشط شعري برفق، جنين ينمو على ضفيرتي. مستلقية على الرمل تتصفحني الشمس صفحة صفحة على الماء اتكأت فوجدتني غريقة في جسدي. ألم يأت الليل بعد؟ سألني مغمض العينين. قلت: انهض واختر فجراً يصلح للغروب. البارحة رأيتني امسك بيدي وأتأرجح اتسلق ساقي اسقط على قدمي فأطؤني. يهب الليل على مرآتي فلا اجدني ابحث عني يمتصني السواد. اقطر النجوم ارش طريقي اتعثر في ظلي. ولأن الليل صغير ما زال ينمو بداخلي قمر يشبهني.