نظمت الجمعية المغربية للعلوم الطبية والفدرالية الوطنية للصحة، بشراكة مع وزارة الصحة، مؤخرا، ندوة افتراضية حول موضوع "سبل إنجاح رفع الحجر صحيا واقتصاديا". وهي الندوة التي عرفت مشاركة ثلة من الخبراء والمهتمين والفاعلين في مجال الصحة والاقتصاد والإعلام. وأكد المشاركون والمشاركات في أشغال الندوة على أهمية التدابير الاستباقية التي اتخذتها بلادنا في مواجهة الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، والتي مكنت من تجاوز سيناريوهات قاتمة، وحققت الأهداف المسطرة، من حيث تفادي أعداد كبيرة من الوفيات والإصابات، وعدم إثقال كاهل مصالح الإنعاش والعناية المركزة، وهو ما تحقق بفضل التعبئة الجماعية لكل المتدخلين. وخلص المشاركون في هذا الحدث العلمي إلى عدد من التوصيات، داعين إلى المزيد من الانفتاح على نساء ورجال الإعلام والمؤسسات الإعلامية، وتطوير العلاقة مع الصحافة الوطنية بما يمكن من تحقيق مزيد من التعاون لأجل ضمان مواكبة إعلام هادف جاد وبناء ومسؤول، يساهم في تحسيس وتوعية المواطنين للنهوض بمسؤولياتنا، كل من موقعه، من أجل الوطن. . وشدد المشاركون على أن رفع الحجر لا يمكن إلا أن يكون تدريجيا وجهويا كما هو معمول به في العالم بأسره، بناء على الحالة الوبائية لكل جهة. وأكدوا على مسؤولية المواطنات والمواطنين في إنجاح هذه المرحلة والانتقال إلى أخرى، باحترام التدابير الاحترازية والوقائية، المتمثلة في التباعد الجسدي والحرص على تعقيم الأيدي وتنظيفها باستمرار ووضع الكمامات، لأن المسؤولية لتحقيق هذا الهدف هي فردية وجماعية على حد السواء، وكلما كان الالتزام أكبر كلما أمكن الخروج من دائرة قيود الطوارئ الصحية نحو دائرة أخف، كما وقع في دول أخرى متعددة، وأمكن بذلك عودة الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وبالتالي فالتواجد في منطقة ينتشر فيها الوباء اليوم، لا يعني بالضرورة المكوث فيها دوما، إذ كلما تم التعامل بجدية لمواجهة الجائحة ومنع انتشار عدوى الفيروس، كلما تم الانتصار عليه في زمن أقرب. وثمن المشاركون جهود وتوجيهات وزارة الصحة للمواطنين والمواطنات من أجل إيلاء أهمية كبيرة لوضعهم الصحي ومتابعة علاجاتهم، في المستشفيات العمومية وبالقطاع الخاص، خاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة، وتفادي أي تأخير في هذا الصدد حتى لا يكونوا عرضة لتبعات ومضاعفات صحية وخيمة. وعبر المشاركون عن أملهم في أن تعتمد وزارة الصحة نفس المقاربة التي نهجتها مع أطباء الأطفال بالقطاع الخاص والتي مكنت من رفع معدل تغطية التلقيح وطنيا من 63 إلى 93 في المائة، والعمل على إعداد كبسولات وبرمجة حملات تحسيسية وتوعوية في هذا الصدد. كما تطرق المشاركون إلى أهمية تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الصحة، بما يضمن تجويد المنظومة الصحية وتعبئتها لمواجهة كل التحديات والاستجابة للانتظارات الصحية لكافة المواطنين والمواطنات، وفتح حوار جاد مع المؤسسات الصحية الخاصة وكل الفاعلين في المجال، من أجل تفعيل وتعميم هذه الشراكة، حيث نادى جميع المتدخلين بقطاع الصحة، من أطباء اختصاصيين وعامين، وأرباب مصحات، وصيادلة، وإحيائيين، وممثلي شركات الصناعة الدوائية والتوزيع والتصدير، إلى إحداث مديرية خاصة بالقطاع الخاص بوزارة الصحة على غرار مديرية المستشفيات، مشددين على أن الوزارة هي وزارة للصحة وليست وزارة للصحة العمومية فقط. وفي نفس السياق، دعا المشاركون إلى تمكين أطباء القطاع الخاص الذين يسهرون على التكفل الصحي بالمواطنين من التأمين عن المرض والتقاعد، خاصة وأنه خلال هذه الجائحة فارق الحياة مهنيون للصحة وهم يواجهون الفيروس ويتكفلون بالمرضى. وأكدوا على أن المساهمة الشهرية المعروضة من قبل المهنيين هي جد مشجعة ويجب تبنيها، وبأن هذا المطلب يعتبر ضروريا وملحا لجميع مهنيي الصحة، بحيث يجب الإسراع بتنزيله في إطار حوار جاد ومسؤول مع الجهات المعنية بهذا النظام، مع مراعاة الاكراهات التي يعيشها العاملون بالقطاع الخاص. وعبر المشاركون كذلك عن أملهم في سن إجراءات جديدة لتحفيز القطاع الصيدلاني وتمكينه من مواجهة التبعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي ترخي بظلالها على 12 ألف صيدلاني و40 ألف مساعد على امتداد ربوع الوطن. كما ثمنوا إيجابية الدينامية المسجلة في الشراكة بين قطاع الصناعة الدوائية ووزارة الصحة من خلال مديرية الأدوية والصيدلة، في أفق التفكير الجماعي في أشكال النهوض بالقطاع وتطويره، وتبسيط المساطر الإدارية لاستثمار أكبر داخليا وخارجيا، والانفتاح أكثر على السوق الإفريقية، تجسيدا للتعليمات الملكية السامية في إطار الشراكة جنوب جنوب. من جهة أخرى، نوه المشاركون بالمجهودات المبذولة من قبل كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان ببلادنا بتبني التعليم عن بعد كحل أساسي وجوهري، وذلك بفضل الانخراط الإيجابي لكل من أطرها التدريسية والإدارية، وبالعمل الجبار الذي تقوم به استعدادا لاستقبال الطلبة في منتصف شهر يوليوز لاجتياز الامتحانات السداسية حضوريا في ظروف سليمة وآمنة، مع والإشادة بمساهمة طلبة هذه الكليات في التصدي للجائحة وتعزيز المنظومة الصحية بشكل تلقائي وتوعوي. وعلى المستوى الاقتصادي، ثمن ممثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب طبيعة وحجم الثقة ونوعية التعامل الجاد والوطيد بين الاتحاد وبين وزارة الداخلية ووزارة الصحة وكل القطاعات في الإدارة المغربية، في سياق تدبير تبعات جائحة كورونا، مع الدعوة إلى المزيد من تظافر الجهود من أجل دعم وتشجيع الاقتصاد الوطني. وأكد المتحدث أيضا على ثقته في الدور الإيجابي الذي تلعبه جميع القطاعات المعنية من أجل الإعداد للمرحلة المقبلة باعتماد مقاربة تشاركية يتم خلالها توحيد كل الجهود المتوفرة لتفعيل التعليمات الملكية السامية التي تقضي بإجراء اختبارات الكشف عن فيروس كوفيد 19 لفائدة مهنيي القطاع الخاص وتوفير الأجواء الإيجابية الكفيلة بإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية من جديد لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود لبلادنا. وقد أكد عموم المشاركين في الندوة كذلك، في هذا الصد، على ضرورة فسح مجال أكبر للصناعة المحلية والاعتماد على الذات كمنظومة إنتاجية وصناعية، خاصة في صناعة الحياة، المرتبطة بالأدوية والتجهيزات الطبية والتكنولوجيات والتغذية وتبني خيار الرقمنة. كما شدوا على أهمية إيلاء اهتمام أكبر بفضاءات الشغل وتطوير التخصص الطبي فيها، بما يسمح بمواجهة الجائحات الوبائية المختلفة، والتعامل مع حوادث الشغل المتعددة، والأمراض المهنية، حفاظا على سلامة المهنيين واستمرارية الإنتاج. ودعوا، من جانب أخر، إلى تشجيع السياحة الداخلية وتقديم منتوجات تتوافق مع القدرة الشرائية لعموم المواطنين للمساهمة في تجاوز القطاع لأزمته واسترداد عافيته. واختتم المشاركون هذه الندوة الافتراضية بالتعبير عن إشادتهم واعتزازهم بالعناية المولوية التي يوليها لجلالة الملك محمد السادس لقطاع الصحة، وحثه جلالته من خلال تعليماته الرشيدة والسديدة على تطوير المنظومة الصحية وتجويدها حتى تتماشى مع كل التحديات، مؤكدين على أن قطاع الصحة ليس قطاعا اجتماعيا فحسب، بل هو قطاع اقتصادي، وهو ما أكدته مرة أخرى دروس وعبر الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19، مما يستدعي كذلك الرفع من ميزانية الوزارة حتى تتمكن من مواجهة كل الإكراهات، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بقطاع إنتاجي وليس استهلاكيا.