أدى الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية والإجراءات الاحترازية التي اتخذها المغرب لمواجهة تفشي “كوفيد – 19” إلى إغلاق المسارح ودور السينما والمراكز الثقافية وقاعات العرض، وإلغاء المهرجانات والحفلات، وبالتالي دخول كامل الحياة الفنية والثقافية بدورها إلى الحجر الصحي، وهذا نجم عنه أن مئات الفنانين والمبدعين وأسرهم وجدوا أنفسهم مباشرة من دون أي مدخول، وعجزوا عن تأمين حتى قوتهم اليومي. هؤلاء الذين يصنعون ذوقنا وأحاسيسنا، ويجسدون ثراء الزخم الفني والحضاري لبلادنا، بين عشية وضحاها، وجدوا أنفسهم ضمن معاناة قاسية مع الظروف الاجتماعية وانعدام شروط العيش الكريم لهم ولأسرهم، علما أن هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأغلبية الساحقة منهم كانت معروفة منذ سنوات، لكن زمن كورونا فاقمها، خصوصا أن العدد الكبير منهم لم تشمله مختلف المساعدات المادية التي قدمتها الدولة للفئات المتضررة. لقد نبهتنا هذه الجائحة إلى هذا الجانب القاسي في حياة فناناتنا وفنانينا، ولفتت إلى أن هؤلاء الذين يوزعون علينا نحن المتعة، تكبلهم في حياتهم الشخصية عديد أشكال من المعاناة والحرمان والفقر والهشاشة، ومن ثم يجب الانكباب على ملف الوضع الاجتماعي للفنانين والمبدعين بكل جدية، والسعي لتفعيل حلول عملية ملموسة في أقرب وقت، وأن تكون ممتلكة للديمومة والأثر الواضح. هناك فرق فنية محترفة ومهيكلة في المسرح والموسيقى توقفت أنشطتها وأصيب عملها بالجمود جراء إغلاق البلد ودخول حركيته العامة في الحجر الصحي، وبالتالي توقفت برامجها وعروضها، وانتفت مداخيلها. وهناك كذلك مهنيون في مختلف الفنون توقف سوق العمل أمامهم، وغابت المداخيل تبعا لذلك. ثم هناك أيضا أعضاء الأجواق والفرق الموسيقية، والذين كانوا إلى وقت قريب يرافقون الفنانين المشهورين والنجوم، لكن فجأة توقف كل ذلك، وسدت أبواب الحفلات والمهرجانات والأعراس في وجوههم، وعانقوا العطالة والعوز. وهناك فئات واسعة تعمل ضمن إطار غير مهيكل، ومنهم ممارسو فنون السيرك وفنون الأداء، وفنانو الشارع الذين اعتادوا العمل في الشوارع والساحات والأماكن العمومية بشكل عفوي وتلقائي، ومعظم هؤلاء لا يتوفرون حتى على “بطاقة الفنان”، وليست لهم مداخيل أخرى بعيدا عن هذا العمل الفني الذي يقومون به منذ سنوات… لقد سمعنا بعض الفنانين أثناء أيام الحجر الصحي يشتكون ويعبرون عن تضررهم ومعاناتهم، وتتبعنا المساعي التي قامت بها هيئاتهم التمثيلية لدى الحكومة، وسمعنا أيضا عن مبادرات إنسانية من لدن بعض الفنانين تجاه زملائهم في إطار تضامن تلقائي، وأقدمت مؤسسات فنية وطنية كذلك، ولو قليلة، على منح دعم مباشر لبعض الفنانين المرتبطين بمجال عملها، لكن السمة الغالبة أن فناناتنا وفنانينا تركوا يواجهون مصيرهم لوحدهم، ولم تشمل أغلبهم أي مساعدة أو دعم. الآن، من الضروري على الوزارة الوصية على القطاع، ووزارات أخرى لها صلة بالفن والفنانين، أن تبادر لمنح دعم مباشر للفنانين المتضررين قبل تفعيل إجراءات وبرامج عاجلة لإعادة حياتنا الفنية، تدريجيا، إلى إيقاعها الطبيعي، والتفكير، متى سمحت الظروف الوبائية والصحية بذلك، في تنظيم جولات فنية وطنية وتظاهرات ثقافية، بإمكانها أن تسمح بتجديد العلاقة بين الجمهور والفنانين، وأن تتيح لهؤلاء أيضا فرصا للعمل، وبعض المداخيل لمساعدتهم على التغلب على تداعيات زمن الحجر الصحي. يمكن كذلك للقنوات التلفزيونية الوطنية أن تساهم في هذا التحرك، بموجب التزاماتها على هذا الصعيد، وأن تنكب على دعم الفنون الوطنية وإسناد المبدعين المغاربة. وبشكل أكثر انتظامية واستراتيجية، يجب كذلك الخروج من التلكؤ، وبلورة منظومة الدعم الاجتماعي لفائدة مهنيي الثقافة والفنون، بتنسيق وتشاور مع هيئاتهم التمثيلية، والحرص على تأمين حقوقهم في العيش الكريم والحماية الاجتماعية، مع توفير البيئة المناسبة للنهوض بالإبداع الوطني وتشجيع الإقبال عليه والترويج له وإشعاعه. إن مغرب ما بعد “كوفيد – 19” ونموذجه التنموي الجديد، سيكونان في أمس الحاجة لأدوار الفنانين والمثقفين والمبدعين، وذلك لإنماء الذوق والحس والوعي وسط شعبنا، ولتثمين الثراء الثقافي والحضاري لبلادنا، وسيكون من باب الجحود التفريط اليوم في فنانينا ومبدعينا وعدم إبداء التقدير لهم والاعتزاز بهم، وتحسين ظروف عيشهم. محتات الرقاص