شأنهم شأن قطاعات عريضة من المواطنين، فجأة، وعلى غير العادة، وجد فنانو الشارع بالمغرب أنفسهم أمام وضع جديد فرضته حالة الطوارئ الصحية التي أعلن عنها بالمملكة قبل بضعة أسابيع لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، حيث لم يعد بإمكانهم تقديم عروضهم الفنية في الشارع العام، ما جعل مصدر الرزق الوحيد للعديد منهم على المحك، وحملهم على نقل عرض مواهبهم من الساحات الواسعات إلى البيوتات الضيقات. فأمام الوضع الطارئ الذي فرضه “كوفيد-19″، الذي أغلق أمام هؤلاء الفنانين أبواب العمل في الشارع العام، أطلقت (فيدرالية المغرب لفنون الشارع) مبادرة فنية مواطنة وتطوعية، اختارت لها اسم “شارع الحجر”، تسعى من خلالها لخلق فضاءات افتراضية بديلة للشوارع والساحات، يواصل من خلالها فنانو الشارع عملهم بما يمكن من ضمان مورد رزق لهم وإمتاع جمهورهم في آن واحد.
وحسب الفيدرالية، فإن فئة مهمة من فناني وفنانات الشارع، بما فيهم موسيقيون وممارسو فنون السيرك وفنون الأداء في شوارع وساحات المدن، قد تضررت من الجائحة، باعتبارهم قد اعتادوا الاشتغال في الأماكن العمومية بشكل تلقائي، وكانوا يكسبون قوت يومهم من الخروج اليومي للشارع ومن مشاركاتهم في المهرجانات والتظاهرات الفنية الوطنية المتوقفة حاليا. وتقوم فكرة مبادرة “شارع الحجر”، حسب ما أفاد عماد فجاج، المكلف بالعلاقات العامة بفيدرالية المغرب لفنون الشارع، على اختيار مجموعة من فناني الشارع لتقديم عروض مباشرة لمدة 30 دقيقة على صفحة الفيدرالية على (فيسبوك)، في عروض يتجدد اللقاء معها كل يومين، على أن تتكفل الفيدرالية بدعم مادي بسيط لتحفيز الفنان لخوض التجربة، والعمل على استقطاب مساهمات مادية أخرى لفائدته. وفي هذا الصدد، تقترح الفيدرالية على من يريد تشجيع أو دعم هذه المبادرة، رعاية عرض مباشر أو أكثر بقيمة مالية لا تقل عن 500 درهم، ترسل مباشرة للفنان قبل العرض أو بعده، أو تمويل البث المباشر، ببعث تعبئة هاتفية للفنان المقترح لا تقل قيمتها عن 50 درهم، إضافة إلى تخصيص مساعدات مالية للفنان، بالتنسيق معه مباشرة. وبالفعل، فقد تم الشروع في بث هذه العروض المباشرة على (فيسبوك) يوم 10 أبريل الجاري، مع عرضين فنيين موسيقيين، بما يحقق سعي الفيدرالية لتكريس “أساليب جديدة في المعاملات الثقافية والفنية أساسها التعاون والتضامن بين فئات المجتمع، في كل الظروف”. وإلى حدود اليوم الثلاثاء، قدم موسيقيو الشارع نور مهدي، وسياف الحصيني، ويونس أوكريم سانتانا، وفنانة الحركات الاكروباتية، هاجر البياض، عروضهم الفنية التي استمر كل واحد منها لأكثر من نصف ساعة في المتوسط، في مبادرة عب ر الكثير من متتبعيها عن استحسانهم لها باعتبارها تساهم في الترفيه عنهم في فترة الحجر، سيما وأنها تستجيب لأذواقهم وتعرف تفاعلا للفنانين مع طلباتهم لأداء مقطوعاتهم المفضلة. وفي كلمات تقديمية لعروضهم، عبر الفنانون الذين قدموا عروضهم إلى حد الآن عن تقديرهم لمبادرة “شارع الحجر” التي تشكل منفذا لهم لتحدي جائحة كورونا التي إن كانت قد أغلقت في وجوههم الساحات، فقد أتاحت لهم الفرصة ليفتحوا بيوتهم للجمهور، معتبرين أنها تساهم في الآن ذاته في كسر العطالة المؤقتة التي يرزحون تحتها، وضمان إشعاع أكبر لأدائهم الذي يبدو أن العروض المباشرة على (الفايسبوك) قد ساهمت في إيصاله إلى مناطق ودول أخرى لم يكونوا يعتقدون يوما أن يصلوها. وفي واحد من أكثر المشاهد الإنسانية، التي تبرز أهمية هذه المبادرة، برز المشهد الذي تابعه الجمهور مباشرة خلال عرض الحركات الأكروباتية للفنانة هاجر البياض حين اقتربت ابنتها الصغيرة التي يبدو أنها لم تتجاوز الخمس سنوات، من شاشة الهاتف، وخاطبت متتبعي العرض مباشرة بعفوية بطلب بريء مفاده: “قولو برافو لماما”. العرض الذي قدمته هاجر البياض، ورعته الفنانة المغربية لطيفة أحرار، تم في غرفة صغيرة ذات أثاث متواضع يغني عن المقال وينبي عن واقع الحال، ويكشف حسب تعليق أحد متابعي العرض كيف أنه “من رحم المعاناة يولد الإبداع”. الفنانة هاجر نفسها، اعتذرت في بداية عرضها للمشاهدين لضيق غرفتها التي لا تسمح لها بتقديم مجموعة من الحركات التي تتطلب فضاءا أوسع يسمح بحرية أكبر في الحركة، وكذا لعدم توافر مشبك مثبت في أعلى السقف تصله بالحبل الذي يمكنها من الرقص في الهواء. وعن التقييم الأولي لمبادرة “شارع الحجر” التي ما زالت في بدايتها، يقول فجاج، إنه “مهم جدا”، حيث تابع العرضين الأولين ما يقارب 12 ألف متفرج على المباشر “الشيء الذي يدل على تجاوب الناس سواء كمتفرجين أو داعمين”. وأكد فجاج أنه، “وبالنظر إلى العدد الكبير لفناني الشارع الذين تضرروا ماديا من جائحة فيروس كورونا، سنعمل على نشر برنامج يومي ليستفيد عدد أكبر منهم من هذه المبادرة”. وحول الرعاية المادية لهذه العروض، قال فجاج إنه زيادة على الدعم الذي يوفره أعضاء الفيدرالية، نسجل وجود دعم من بعض الفنانين والفنانات والمنتجين الذين لم يترددوا في رعاية العروض، “ولكننا مازلنا في حاجة للكثير من الدعم لمساعدة أكبر عدد من فناني الشارع” على تجاوز تبعات هذا الظرف العصيب. وكانت فيدرالية المغرب لفنون الشارع أصدرت قبل أيام نداء بخصوص “الوضعية الحرجة” لفناني الشارع المغاربة المترتبة عن الحجر الصحي، قبل أن تطلق مبادرة “شارع الحجر” التي “نريد من خلالها أن نلفت انتباه الرأي العام لصعوبة الأوضاع التي يعيشها فنان الشارع في هذه الفترة”. وتأسست فدرالية المغرب لفنون الشارع سنة 2018، حيث تولدت عن إرادة جماعية للإسهام الجاد في تنظيم مجال فنون الشارع الآخذ في الانتشار، وإسماع صوت محترفيها بالمغرب. وتهدف الفيدرالية أساسا إلى التعريف بفنون الشارع والعمل على نشرها في مختلف مدن المملكة، والتحفيز على التكوين الاحترافي في مختلف تخصصات هذه الفنون، وخلق دينامية جديدة لتطوير مشاريع خاصة بجيل جديد من الفنانين المتخصصين فيها.