يتسابق العلماء منذ أشهر للحصول على نتائج فعّالة لإيجاد لقاح طبي ناجع مضاد لفايروس كورونا المستجد الذي شلّ الحياة في كل دول العالم. لكن تضارب توصيات العلماء بخصوص اللقاح الفعّال خاصة بعد الاضطراب الحاصل في المواقف بشأن استخدام الهيدروكسي كلوروكين لمعالجة المصابين بالوباء يثير حيرة الناس ما قد يدفعهم لنزع الثقة من العلماء. ويخلق هذا الارتباك مشكلة للعلماء العاكفين على تطوير لقاح للقضاء على الفايروس، خاصة أنهم باتوا بحسب المتابعين على خطى السياسيين الذين لا يثق فيهم المواطنون بعدما تحدثوا عن أكثر من سيناريو بشأن أسباب الوباء وكيفية النجاة منه. وبعدما تضاربت آراء العلماء والمختصين في الطب بشأن موعد نهاية كابوس كوفيد – 19، يقول خبراء في أوروبا والولاياتالمتحدة إن النجاح النسبي الذي حققته إجراءات العزل العام المشددة والتباعد الاجتماعي في بعض المناطق والدول يعني أن معدلات انتقال الفايروس قد تبلغ مستويات منخفضة لدرجة يقلّ معها انتشار المرض عن المستوى الكافي لإجراء اختبارات فعالة على اللقاحات المحتملة. وينقسم العالم الآن إلى حد غير مسبوق حول استخدام مادة الهيدروكسي كلوروكين لمعالجة المصابين بكورونا، منذ صدور دراسة موضع جدل اعتبرت هذا العقار غير مفيد لمرضي كوفيد -19، لا بل قد يكون ضارّا لهم. وخلصت الدراسة التي نشرتها مجلة "ذي لانسيت" الطبية في 22 مايو إلى أن الهيدروكسي كلوروكين المشتقة من الكلوروكين المستخدمة لمعالجة الملاريا، غير مفيدة لمعالجة مرض كوفيد – 19 وأنها تزيد من خطر الوفاة ومن عدم انتظام ضربات القلب. لكن سرعان ما انتقد قسم من الأوساط العلمية المنهجية التي اتبعها واضعو الدراسة، على غرار ما حصل عند صدور دراسات سابقة أشادت بفاعلية العقار. ودفعت الدراسة العديد من الدول وفي طليعتها فرنسا إلى وقف استخدام العقار. وبعدما كان الطبيب والباحث الفرنسي ديدييه راوول من كبار المروجين لاستخدام الهيدروكسي كلوروكين، ألغت فرنسا في 27 مايو الإعفاء الذي كان يسمح منذ نهاية مارس للمستشفيات بوصف الدواء لمرضى كوفيد – 19 الذين تعتبر حالتهم خطيرة. كما علقت دول أخرى وصف الهيدروكسي كلوروكين للمصابين بكورونا المستجد، ومنها إيطاليا ومصر وتونس وكولومبيا وتشيلي والسلفادور والرأس الأخضر وألبانيا والبوسنة والهرسك. غير أن تناول العقار ما زال ممكنا في إيطاليا ضمن تجارب سريرية. أما ألبانيا، فأوقفت استخدام العقار "للمرضى الجدد" لكنها توصل وصفه "للذين سبق أن باشروا تناوله"، وفق ما أوضح متحدث باسم الحكومة. وتعتبر الحكومة الألمانية أن "الدراسات الحالية لا تسمح في الوقت الحاضر بمعالجة مرضى مصابين بكوفيد – 19 بالكلوروكين أو الهيدروكسي كلوروكين بشكل اعتيادي، خارج التجارب السريرية". في المقابل، توجد دول عديدة تشيد بفاعلية الهيدروكسي كلوروكين ولا تعتزم وقف استخدامها. وهذا ينطبق على البرازيلوالجزائر والمغرب وتركيا والأردن وتايلاند ورومانيا والبرتغال وكينيا والسنغال وتشاد وكونغو برازافيل. وقال العضو في اللجنة العلمية لمتابعة تطور الوباء في الجزائر الطبيب محمد بقاط "عالجنا الآلاف من الحالات بهذا الدواء مع تحقيق نجاح كبير إلى اليوم. ولم نلاحظ ردود فعل غير مرغوب فيها". وأوضح متحدثا لوكالة فرانس برس أن الدراسة المنشورة في مجلة ذي لانسيت "تثير التباسا" لأنها "تعنى على ما يبدو بحالات خطيرة لا تكون للهيدروكسي كلوروكين أي فائدة فيها" في حين أن العقار "أثبت فاعليته عند استخدامه في مرحلة مبكرة". كما لم تعلق روسيا والبحرين وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة استخدام العقار في الوقت الحاضر. أما في إيران، فتظهر رسائل نشرها مرضى مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي أن العقار ما زال مستخدما في هذا البلد. وتواصل الهند وفنزويلا استخدام الهيدروكسي كلوروكين من باب الوقاية، وتؤكد السلطات الصحية الهندية أنها لم تلاحظ "أي مفاعيل جانبية كبرى". من جهتها، تواصل كوبا استخدام الهيدروكسي كلوروكين لكنها تعتزم مراجعة طريقة وصفه لاعتماد المزيد من الاحتياطات. وفي الولاياتالمتحدة، لا يمكن مبدئيا وصف العقار لمرضى كوفيد – 19 إلاّ في المستشفى، لكن وكالة الغذاء والدواء الأميركية حذرت منذ أبريل من مخاطر عدم انتظام دقات القلب. غير أن الرئيس دونالد ترامب الذي يعتبر من أشد المدافعين عن الدواء، أكد أنه يتناول الهيدروكسي كلوروكين يوميا من باب الوقاية، قبل أن يعلن بعيد صدور الدراسة أنه توقف عن تناولها. غير أن البيت الابيض عاد وأعلن الأحد إرسال مليوني جرعة هيدروكسي كلوروكين إلى البرازيل لمساعدتها على مكافحة الوباء. وحملت الدراسة على تعليق العديد من التجارب السريرية، بدءا ببرنامجي "سوليداريتي" التابع لمنظمة الصحة العالمية و"ديسكوفري" الأوروبي الذي ينسقه المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحث الطبي (إنسيرم) الأدوية، وكلا البرنامجين أوقفا ضم مرضى جدد إلى تجاربهما على الهيدروكسي كلوروكين. كما علقت تجربة "كوبكوف" الدولية التي كانت توزع جرعات من الهيدروكسي كلوروكين على عناصر الطواقم الطبية الذين يحتكون بمصابين بفايروس كورونا المستجد، وتجربتان تجريهما العيادة الطبية الجامعية في توبينغن (ألمانيا) وخمس تجارب في الدنمارك. كما أبدت مالي استعدادها لتعليق تجاربها السريرية. كما تتواصل تجارب في كنداونيجيريا والمكسيك. وقالت مديرة وكالة الأدوية في نيجيريا البروفسورة موجيسولا أديايي "ثمة بيانات تثبت أن الهيدروكسي كلوروكين كانت فعالة للعديد من المرضى، لذلك سنواصل استخدامها". وفي الصين، البؤرة الأولى للوباء، يبقى استخدام الهيدروكسي كلوروكين محصورا في التجارب السريرية، لكن مستشفى كبيرا في شانغهاي يشكك في فاعليتها بعدما اعتبرت جامعة ووهان الدواء واعدا في مطلع فبراير.