لا ننكر، بداية، المجهود التواصلي المهم الذي تبذله مصالح وزارة الصحة في هذه الظروف الصحية والمجتمعية الصعبة، ونسجل الحضور الجيد، في الغالب، لمدير مديرية علم الأوبئة على هذا المستوى، حتى أنه صار من الوجوه المألوفة في الإعلام، وينتظر المغاربة إطلالته كل مساء عبر التلفزيون. ولكن مع ذلك، لا بد أن نسجل أن التواصل في مراحل الأزمات لديه قواعد ومقتضيات، وقد قيل وكتب فيه الكثير وطنيا وعلى الصعيد الكوني، ولا بد لمسؤولينا أن يطلعوا على ذلك ويتمثلوه، وأن يحرصوا على استحضار أحكامه. لما نقرر يوما مثلا تغيير مدير علم الأوبئة الذي اعتاد تقديم الإيجاز الصحفي اليومي، ويحضر بدله المسؤول الأول عن القطاع، أي وزير الصحة شخصيا، فذلك يجب أن يعني وجود غاية تواصلية أكبر، أو معطيات متوفرة لدى الوزير، وهو من يجب أن يعلن عنها أو يخبر المغاربة بها، ولكن لما يغيب كل هذا، ويبقى الجمهور على عطشه، ولا يفهم لماذا غابت أي معطيات مختلفة، يصير الأمر مشكلة حقيقية فعلا، أو على الأقل هفوة تواصلية. ولما يمتنع بعض مسؤولي قطاع الصحة في الجهات والأقاليم عن الرد على أسئلة الصحفيين، أو التهرب منها، فهذا أيضًا مشكلة تواصلية حقيقية، وأكبر من هفوة. وفضلا عما ذكر، فإن مصالح وزارة الصحة كان يجب أن تفكر كذلك في الآليات والأشكال التقنية التي تتيح تلقي أسئلة الصحفيين والتفاعل السريع معها، على غرار المعمول به في عدد من الدول الآن. ويمكنها في ذلك التعاون مع المؤسسات الصحفية الوطنية نفسها، أو مع هيئات تمثيل المهنة، وسيكون ذلك بمثابة إبداء الاحترام للإعلام الوطني المهني الذي ينخرط من جهته في هذه الحرب الوطنية ضد الوباء، ويحارب الأخبار الزائفة على مدار الساعة، وإن في شروط مهنية وميدانية صعبة وبإمكانيات محدودة من حيث المعلومات. من جهة أخرى، هناك أسئلة عملية يومية يطرحها الناس وينقلها الإعلام، وتتطلب أجوبة مباشرة من المسؤولين العموميين وتفاعلًا سريعًا من لدنهم. وإذا تركنا وزارة الصحة، التي مع ذلك يبذل عدد من أطرها ومسؤوليها مجهودا لا بأس به، فإن مصالح وزارة التربية الوطنية يفترض أن تكون لها خطة وحضورا تواصليين أكبر. هذه الأيام مثلا تتساءل الأسر عن مصير الامتحانات، وخصوصا في المستويات الإشهادية، هل ستكون؟ متى؟ كيف؟ وكيف سيتم تأهيل التلاميذ لاجتيازها؟ وهل ستتأثر مدارس البعثات الفرنسية عندنا بما يتخذ من قرارات ومواعيد من طرف سلطات باريس على هذا الصعيد؟ وكيف سيتم تطبيق ذلك هنا والآن؟ كيف يتم التعامل مع مدارس خصوصية لا تبعث الدروس للتلاميذ أو ترسلها بشكل غير منتظم؟ ومدارس أخرى، برغم استخلاصها أقساط الدراسة من الأسر، قامت بتسريح المدرسين أو تخفيض رواتبهم مما أثر على انتظامهم في إعداد الدروس وإرسالها وإنجاز المطلوب منهم تجاه التلاميذ؟ ثم هناك التلاميذ الذين لم يستطيعوا الولوج أصلا إلى التعليم عن بعد بسبب غياب التغطية في مناطقهم أو في بيوتهم، أو بسبب عدم توفر أجهزة تواصلية تيسر ذلك، كيف سيتم إذن التعامل معهم ومع امتحاناتهم؟ إن مثل هذه الأسئلة تشغل هذه الأيام بال عدد من الأسر والتلاميذ، وتستدعي أجوبة رسمية ومباشرة وواضحة، علاوة على توعية الأسر بمقتضياتها وتفاصيلها، وتقديم كل التفسيرات الضرورية لطمأنتهم على مستقبل فلذات أكبادهم. لقد ركزنا هنا على قطاعي الصحة والتعليم لارتباطهما الكبير بانشغالات الأسر هذه الأيام، ولكن مطلب تقوية التواصل المؤسساتي المرتبط بالأزمة الحالية وجعله أكثر حضورًا ونجاعة، يعني أيضًا قطاعات أخرى. نحن الآن على مقربة من شهر رمضان، وهناك فعلا أسئلة لدى عدد من المواطنات والمواطنين، وأحاديث يجري تداولها بين الناس، وهو ما يفرض على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تضع، بدورها، مخططا للتواصل والتوعية، وأن تنخرط فيه المجالس العلمية، وتستثمر فيه أبواق المساجد، وذلك بغاية تقديم الأجوبة على عدد من الأسئلة المتداولة، وأيضا للإسهام في حث الناس على الالتزام الصارم بقواعد الحجر الصحي واحترام مقتضيات حالة الطوارئ الصحية، وبالتالي خلق السكينة والاطمئنان لدى الناس. الأجواء العامة لظروف حالة الطوارئ والضغوط النفسية والاجتماعية التي تنتج عن حياة الحجر الصحي والبقاء في المنازل، وتزامن كل هذا مع شهر رمضان، تفرض تمتين تواصل الأزمة من لدن السلطات العمومية، كما تستوجب الكثير من الاحتراز من لدن المسؤولين المحليين والقوات العمومية أثناء العمل الميداني اليومي، أي تحقيق تلك الجدلية الصعبة بين صرامة تنفيذ أحكام الحجر الصحي والتعامل المرن مع المواطنات والمواطنين بما لا يسيء إلى الكرامة، أو يزيد من حدة القلق والتوتر. فعلا، هذه القضايا كلها قد تكون سهلة ومقدور عليها في المستوى النظري، وعند كتابتها أو المطالبة بها، ولكنها أثناء الممارسة العملية والميدانية ليست بذات البساطة، وخصوصًا أمام وجود سلوكات مستهترة وسط المواطنين، وضعف الاهتمام لدى البعض بمسؤولياتهم وواجبهم في الالتزام بشروط الوقاية والاحتياط، ولكن مع ذلك، لا بد من التنبيه إلى بعض نواقص العملية التواصلية من طرف بعض السلطات العمومية، ويجب تجاوزها، والحرص على إحكام العلاقة مع الرأي العام الوطني وفق القواعد المتعارف عليها في العالم كله بهذا الخصوص. لقد أبان المغاربة خلال هذه الأزمة عن ثقة مهمة في العلم، وفي معطيات الأطباء ومصالح وزارة الصحة وتوجيهاتهم، ولهذا يجب البناء على هذا المكتسب، وتطوير الخطة التواصلية بمهنية وجاذبية وتفاعل، ويمكن الاعتماد أيضًا على الصحافة الوطنية المكتوبة التي تتيح إمكانيات الشرح والتفسير والتوعية، ومعظم عناوينها استمرت في نشر نسخ إلكترونية بشكل يومي إسهامًا منها في معركة التنوير والتوعية والمواكبة. وفضلًا عن الإعلام البصري ومواقع التواصل الاجتماعي، بالإمكان إذن استعمال كل هذه الدعامات الصحفية الممتلكة للمصداقية والخبرة المهنية والالتزام الوطني الأخلاقي، وعن طريقها يمكن الوصول إلى فئات واسعة من شعبنا تجلس في بيوتها ولديها الوقت للقراءة، وتصلها هذه الصحف التي يجري تعميمها عبر مواقعها، وحتى من خلال تطبيق “الواتساب” ومواقع التواصل الاجتماعي. إن هذه المعركة ضد الوباء، هي معركتنا كلنا، ويجب أن يساهم الجميع في خوضها، وأن ننتصر كلنا لوطننا لكي يكسب التحدي ويهزم الفيروس.