تبخيس وتهوين وتصريحات جوفاء أسّس عليها عدد من مسؤولي وزارة الصحة خطاباتهم وتصريحاتهم
ترتفع الأرقام التي تخصّ الحالات المؤكدة إصابتها بفيروس كورونا المستجد، ومعها أرقام الضحايا، يوما عن يوم، وعند كل ارتفاع يتذكر المغاربة كيف كانت خطابات المسؤولين الحكوميين، سواء تعلّق الأمر برئيس الحكومة أو وزير الصحة، وحتى مدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، تهوّن من الفيروس وتقلّل من خطورته، وهو يقترب منا تدريجيا، ويطلّ علينا من دول الجوار، سواء أوربا، حين بدأ بالتسلل إلى التراب الفرنسي ثم الإيطالي فالإسباني أو حين وصل إلى الجارة الجزائر. خطابات المسؤولين آنذاك، كانت وردية تبعث على التفاؤل، مما جعل الكثير من المواطنين يستهينون بإجراءات الوقاية، ويقتنعون اقتناعا تاما بأن هذا الفيروس، ليس أخطر من « الرواح « أي الزكام الذي عايشوه لسنين طويلة، وبأننا لن نصل إلى تلك المشاهد التي كنا نراها عبر أجهزة التلفاز المتمثلة في « هجران « الشوارع، وبأن الحياة ستظل عادية، لربّما لأنه للمغاربة مناعة أكبر من مناعة سائر البشر في بقاع العالم، في الصين القوية وغيرها… المواطنون اقتنعوا بأنه يجب عليهم أن يتفادوا « الدفال «، كما صرّح بذلك رئيس الحكومة، وبأنه يجب عليهم غسل اليدين بالماء والصابون، وهي الوصفة التي قدّمها لهم الرئيس ووزير الصحة ومدير الأوبئة، وظلت تصريحاتهم على هذا المنوال، في مختلف المحافل والمواقع وبتعدد اللحظات، التي كان الفيروس فيها يفعل فعلته، ويتقدم في صمت. ولم يقرّ وزير الصحة بصعوبة الأمر، بشكل محتشم، إلا في 18 مارس، وبعدها تعاقبت التصريحات الصحافية، التي تمت تسميتها بالندوات، لتقديم رأي واحد ووحيد، يجسد لمخاطب في اتجاه وحيد، يبلغ ما يشاء ويرفض التفاعل والإجابة عن أسئلة الصحافيات والصحافيين، التي هي تشكل أحد انتظارات وانشغالات المواطنين. ولم يكن مدير الأوبئة الذي هو موظف عمومي، يتقاضى أجره من المال العام، يجد حرجا في مغادرة القاعة وأسئلة الصحافيين ترافقه دون أن يجيب عنها. فما الذي وقع حتى وصلنا إلى نسبة الوفيات الكبيرة التي يعرفها المغرب مقارنة بعدد يعتبر ضعيفا من حيث الإصابات المؤكدة مقارنة مع دول أخرى؟ ما هو الخطأ الذي وقع حتى انتشر الفيروس وتم إخلاء الشوارع عكس ما تمت طمأنتنا به « بدون لغة خشب «، لماذا فقدنا مواطنين، مسنين وشبابا، فارقوا الحياة رغم أننا فعّلنا بروتوكولا علاجيا مهما، لماذا أصبح الفيروس، الذي كان مدير مديرية الأوبئة يرفض تسميته بالقاتل، يحصد الأرواح؟ المغرب والأوبئة مرّ المغرب بالعديد من الأوبئة، التي عاش لحظاتها، وواجهها، وتمكّن من القضاء على بعضها. أوبئة ليست بالجديدة، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى تلك عايشناها قبل سنوات قليلة، ويتعلق الأمر بجائحة الأنفلونزا، وإيبولا وزيكا، فمنها من وصلنا، ومنها من استطعنا تجاوز تأثيره. هذه الأوبئة كان من المفروض أن نستخلص منها العبر والدروس، خاصة على مستوى المستشفيات والمختبرات، إلا أننا طوينا صفحة الأوبئة وواصلنا حياتنا بشكل طبيعي، وفقا لما يؤكده مختصون ل « الاتحاد الاشتراكي «، الذين شددوا في تصريحاتهم على أنه من غير الطبيعي اليوم أن نجد أنفسنا قد عجزنا على تطوير مختبراتنا، وما زلنا نقتصر على 3 مختبرات لإجراء التحاليل عوض تفعيلها في المستشفيات، ولم نتمكن من الرفع من أعداد الموارد البشرية بشكل عام، وفي مجال الإنعاش والتخدير على وجه التحديد، فاليوم حين نتحدث عن اقتناء معدات وتقنيات تخص الإنعاش، من سيشتغل عليها ومن سيتم تكليفه بها؟ أمر آخر يعتبر عصيا على الاستعياب، والمتعلق بوحدات العزل، إذ يؤكد الخبراء في تصريحاتهم للجريدة على أنه من غير المقبول أننا اليوم ونحن نواجه فيروس كورونا المستجد، شرعنا في مواجهته بأربعة أسرّة على مستوى وحدة العزل الكائنة بمستشفى مولاي يوسف في الدارالبيضاء، إلى جانب بعض الوحدات الأخرى، في حين لم نعمل خلال السنوات الفارطة على تخصيص وإحداث وحدات بالمواصفات العلمية والتقنية المطلوبة، موزعة على الصعيد الوطني. لقد تمكّن المغرب بفصل الكفاءات والخبرات التي يتوفر عليها من تجاوز العديد من المحن الصحية، لكن يتبين وباللموس على أنه لم يستفد من تلك الكفاءات، ولم يقم بتسطير برنامج عمل ممتد في الزمن، يكون استباقيا، يجهّز بلادنا للتعامل مع كل الأوضاع الصحية والوبائية التي يمكن أن تقع في العالم، ويمكن أن تطالنا نحن أيضا. القرار السيادي يجمع المختصون في الشأن الصحي، الذين استقت « الاتحاد الاشتراكي « آرائهم على أن المغرب اتخذ خطوة حكيمة بفعل قرار سيادي، مكّن من تجنيب بلادنا كارثة صحية كبيرة، لأنه لولا التعليق التدريجي لبعض الرحلات مع وجهات معينة، ثم إغلاق الحدود البحرية والجوية والبرية، وإغلاق الفضاءات العمومية والمؤسسات التعليمية، لكانت الخسائر أكبر وأفدح، إن على مستوى الإصابات أو على مستوى الوفيات. قرار سيادي سياسي لم يكن معه القرار التقني في المستوى المطلوب، فوزارة الصحة لم تكن آنذاك قد جهّزت المستشفيات بعد، ولم توفر العدّة لمواجهة الفيروس والتكفل بالمصابين، في حين كان أمامها متسع من الوقت لاقتناء ما هو مطلوب من معدات وتقنيات قبل فترة إغلاق الحدود، وكان ممكنا لها تعبئة الموارد الصحية، من أطباء وممرضين، وتخصيص دعم بسيكولوجي لهم للاستعداد للتعامل مع أصعب الحالات وأدقّ الأوضاع، وأن يتم تكوينهم بشكل مبكر حول الكيفية التي يجب التعامل بها مع الوضع، لا أن تشرع في القيام بذلك بعد أن دخل الفيروس أرض الوطن وشرع في التنقل بين ضحاياه، الأمر الذي خلق حالة من القلق، حتى لا نسمي الأمر بتسمية أخرى، وتصدح حناجر المهنيين منتقدة غياب التكوين وغياب وانعدام وسائل الوقاية وغيرها من الاختلالات التي طفت على السطح، وظهرت بشكل جلي للجميع، إلا لمصالح وزارة الصحة على المستوى المركزي، وفي بعض الجهات التي ظلت في وضعية شرود، لم تفعل أية استراتيجية جهوية للمساهمة لمواجهة هذه الأزمة الصحية والتكفل بالمرضى، بل عاشت التخبط الكامل. التهاون والتبخيس حين تتم العودة إلى تصريحات المسؤولين، سواء تعلق الأمر بوزير الصحة أو مدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، نجد على أنه على مستوى الخطاب، وحتى على مستوى الأجرأة وفقا لما تبين لاحقا، تم التعامل مع الفيروس باستهانة كبيرة، ولم يتم إيلاؤه الأهمية الضرورية. ويؤكد في هذا الصدد عدد من المختصين للجريدة، على أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار عدد من المحددات الوبائية، وكأن الفيروس سيظل في الصين لوحدها ولن يغادر حدودها، والحال أننا أمام خصم كل المعطيات الوبائية التي تخصه مجهولة، ليس لنا لوحدنا فقط بل للعالم بأسره، وما يتوفر من معلومات عنه تظل بسيطة، وعليه كان يتعين عدم الاستهزاء بهذا « الخصم «، ويتم اعتماد مبدأ الوقاية كوسيلة أساسية بالغة الأهمية، وتفعيل كل أشكال التواصل لترسيخ هذه الفكرة في أذهان المواطنين، عبر وسائل الإعلام وفي المؤسسات التعليمية قبل إغلاقها وعبر كل الوسائل الممكنة للتحسيس والتوعية، لكن وخلافا لذلك كان علينا أن ننتظر انتشاره لكي يتم الإفراج عن الكبسولات التوعوية. اختلالات الحجر الصحي لقد استطاعت الدولة أن تكون شجاعة في مرحلة دقيقة جدا، وتدخلت لتضع الهاجس الصحي للمواطنين على رأس الأولويات على حساب الهاجس الاقتصادي، لكن وزارة الصحة تعاملت مع الوضع بتهاون، ومن بين المستويات التي عرفت تقصيرا وضعفا، المستوى المتعلق بالحجر الصحي، إذ اكتفت الوزارة بمتابعة المخالطين عن بعد، وعبر الهاتف حين تتوصل بمكالماتهم تبين درجات حرارة أجسامهم اليومية وما على ذلك، والحال أنه كان عليها عدم الاكتفاء بالحجر الصحي في المنازل، وأن تعمل على فرضه على كل المخالطين في فضاءات معينة تحت مراقبة طبية صارمة، تفاديا لكل تهاون من طرف المعنيين بالأمر، قد يؤدي بنا إلى ما لا تحمد عقباه. وفيات مقلقة يشدد المختصون في الشأن الصحي، في تصريحاتهم ل « الاتحاد الاشتراكي «، على أن عدد الوفيات اليوم يفوق عدد الأشخاص الذين تعافوا من مرض كورونا المستجد، وهو ما يحيل على مؤشر جودة التكفل بالمرضى، والذي يطرح علامات استفهام متعددة، حول التشخيص المبكر، والتكفل بالمريض في المراحل الأولى للمرض، قبل أن تتعقد وضعيته الصحية، ويتأكد على أن هناك خلال ما، يجب الانتباه إليه وتداركه لمعالجته حتى يتم إنقاذ أرواح المصابين ووقف المنحى التصاعدي للوفيات بسبب الفيروس في بلادنا. نقطة أخرى يجب الانتباه إليها، والمتعلقة بالتعتيم الذي تنهجه وزارة الصحة، في عدم تحديدها لطبيعة الإصابات الجديدة وحتى حالات الوفيات، إن كانت تخص الأشخاص الموضوعين رهن المراقبة منذ بداية الأزمة الصحية، أي المسافرين وأقاربهم، أم أن الأمر يتعلق بحالات جديدة تم تسجيلها في أوساط المواطنين « العاديين «، فهي تكتفي بإعطاء نسبة الإصابات المحلية والواردة، دون أية تفاصيل أخرى، تقدم أجوبة فعلية عن واقع المرض في بلادنا. تواصل معتل أكدت وزارة الصحة في تدبيرها للجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد أنها تنهج تواصلا معتلا، يرفع من معدلات الغموض والشك، عوض زرع الثقة في نفوس المواطنين، وجعلت عددا من الشركاء خصوما لها، وعوض أن تقدم الكافية والتوضيحات الشافية، تسارع للنفي والتكذيب، واعتمدت أسلوب « قمعيا « في عدد من تعابيرها عبر بلاغاتها، وهو ما يبين على أنها قطعت مع كل ما تم تسطيره قبل اليوم، في أزمنة غير الزمن الحالي، ولم تستفد مما راكمته مرافقها وما خلصت إليه من قرارات ومنجزات كانت نتيجة لدراسات طويلة ساهم فيها خبراء ومختصون منذ سنوات، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، استراتيجية التواصل عند المخاطر، التي كانت ثمرة ونتاج عمل جبار، تم إقباره كما تم إقبار العديد من الدراسات والخلاصات، وكأن المغاربة في حاجة إلى مرحلة تجريب أخرى، قد تكون على حساب أرواحهم، ففي الوقت الذي تبذل فيه قطاعات مجهودات جبارة، شاقة ومضنية، من سلطات محلية وأمنية ودرك، وقوات مسلحة، وقطاع للتعليم، ومهنيين للصحة، أطباء وممرضين، في غياب أبسط وسائل الحماية، وصيادلة وغيرهم، يصر البعض في دائرة القرار على مستوى الوزارة، على أن يكون له نهج مغاير يتناقض وكل هذه المجهودات التي تحولت إلى ملاحم، تؤرخ لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخ بلادنا، تستحق التدريس مستقبلا.