من الأشياء الإيجابية التي لفتت الانتباه خلال أيام الحجر الصحي ولها علاقة بالتحديات التي فرضها زمن”كورونا”، تعدد المبادرات الاختراعية والإبداعية التي عرضها مغاربة من مدن مختلفة، وذلك في إطار تقوية شروط مواجهة تفشي الوباء وآثاره. هناك عملية تصنيع الكمامات، والتي اختار المغرب توفيرها داخليا وعدم البحث عنها في الأسواق الخارجية، ومن ثم تفادي الوقوع ضحية سلوكات قرصنة تورطت فيها دول كبرى بهذا الخصوص. بالفعل، الخطوة المغربية صائبة، وبرغم ارتباكات البداية، فهي تستطيع تأمين حاجيات شعبنا على هذا المستوى، وتأمين مستلزمات الوقاية وحفظ الصحة.هناك أيضًا الاختراع المغربي لأجهزة مساعدة على التنفس، ومعدات وقائية أخرى. وعلاوة على هاتين المبادرتين الجوهريتين أعلاه، فقد حفلت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بأخبار عدد من المبادرات التطوعية والإبداعية الأخرى، بما في ذلك أشياء لافتة للانتباه أنجزها شباب من مدن مختلفة، أو قامت بها مقاولات صغيرة ومتوسطة، وهمت توفير الكمامات أو مساعدة مؤسسات مختلفة بتوفير برامج معلوماتية أو خدمات لوجيستيكية مختلفة، أو أيضا مخططات للمواكبة والتدريب والدعم، أو كذلك المساهمة في إنجاح التعليم عن بعد وتوفير المساعدة بهذا الشأن. ويتضح أن مختلف هذه المبادرات ارتبطت بالظرفية الصعبة الحالية في بلادنا وفي العالم، وسعت لتوفير حاجيات ملحة أو محاولة سد بعض الخصاص في قطاعات الصحة والمستلزمات الطبية، التعليم والتكوين والتدريب، تدبير المقاولات، المعلوميات، النقل واللوجيستيك، التواصل…، وكلها انبثقت من إرادة ذاتية، وأحيانًا بإمكانيات ذاتية تطوعية. وباستثناء مشروع تصنيع الكمامات الذي انخرطت فيه الدولة ونتج عن قرار عمومي ذكي وسليم، ربما تكون باقي المبادرات التي انتشرت هنا أو هناك حوالينا لا تمتلك المتانة الاستثمارية اللازمة، أو القوة الإنتاجية ذات الامتداد في الزمن مستقبلا، ولكن الدرس الأساسي من كل هذه الدينامية الواضحة، هو بالذات هذا الحماس الذي أبان عنه المغاربة وسعيهم لامتلاك مصيرهم، وتعبئتهم لكسب التحدي في مواجهة تداعيات ومخاطر”كوفيد-19″. هذا هو ما يجب الاهتمام به مستقبلا، والحرص على عدم إطفاء شعلته، وبالتالي البناء عليه لتقوية تعبئة المغاربة، وخصوصًا الشباب وحملة الشهادات وذوي المشاريع والأفكار، من أجل إنجاز برامج تنموية وتصنيعية ومعرفية، واستثمار مهاراتهم ومعارفهم وحماسهم لتنفيذ مشاريع تعود بالنفع على البلاد والعباد. إن حماس المغاربة كشف أيضًا على أنه متى توفرت الإرادة السياسية وجرى تحرير المواهب وإتاحة الفرصة لها، يمكن أن تبرز مبادرات وأفكار مهمة، ولو من دون إمكانيات كبيرة، كما أنه بقليل من الثقة في العقول المغربية يمكن التحرر من بعض الارتهان للوبيات منفعية ومصلحية محلية أو أجنبية، وبالتالي الحفاظ على السيادة الاقتصادية. والأهم أنه في مثل هذه اللحظات المجتمعية الصعبة يستنهض المغاربة هممهم ويجري الالتفاف حول ضرورة التفكير في المصلحة العامة وخدمة البلاد، وهذا أقوى دروس هذه الدينامية التطوعية والاختراعية التي كشف عنها المغاربة هذه الأيام، وهو ما يجب عدم إغفاله أو نسيانه مستقبلا. من الضروري فعلا، بعد الانتصار على الفيروس والخروج من هذه المحنة، أن تتغير العقلية في بلادنا وألا تبقى دار لقمان على حالها، والبداية يجب أن تكون من الثقة في المغاربة وفي قدراتهم وحماسهم ووطنيتهم، والعمل على تعبئتهم وإشراكهم في الأوراش الإصلاحية والتنموية بمختلف الأشكال الممكنة. شعبنا يستحق الثقة فيه، ويمكن لبلادنا أن تكسب التحديات المطروحة عليها بتعبئة المغاربة أولًا، وتمتين ثقتهم في وطنهم وانخراطهم في خدمته وبنائه.