عندما تولى نيكولا ساركوزي رئاسة فرنسا عام 2007 كان بوسعه دعوة أي عدد من الزعماء العرب لفرنسا لشرح موقفه من قضايا الشرق الأوسط.. لكنه اختار أمير دولة قطر. كانت الدوافع الاقتصادية وراء تعزيز العلاقات واضحة.. فقطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم وتتمتع بواحد من أعلى معدلات نصيب الفرد من الدخل القومي كما انها عميل رئيسي لصناعة الطيران والاسلحة الفرنسية. ومع ذلك يمكن القول ان الدور السياسي للدوحة مقر قناة الجزيرة التلفزيونية الاخبارية واسعة الانتشار وطموحها في ان تلعب دور الوسيط النزيه في المنطقة حفز اهتمام ساركوزي وعزز التقارب بين البلدين في أزمة ليبيا. وعلى عكس السعودية القوة المهيمنة الرئيسية في منطقة الخليج لا تدور قطر في فلك الولاياتالمتحدة. وتعود العلاقات بالنفع على الجانبين اذ تتيح لباريس الاستفادة من القوة الاقتصادية الكبيرة لقطر وتسمح للدوحة بتوسيع نفوذها الدبلوماسي باستخدام باريس كقناة. وقال دبلوماسي عربي كبير غير قطري يقيم في باريس «شغلت فرنسا دوما مكانة متميزة في قائمة أولويات قطر في أوروبا وطورت (قطر) علاقات طيبة للغاية مع المؤسسة السياسية الفرنسية». وكانت قطر أول دولة عربية ترسل طائرات عسكرية للمساعدة في فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا الامر الذي منح الحملة العسكرية التي قادتها فرنسا غطاء سياسيا عربيا مهما. وفي عملية ذات مغزى أعلنت فرنسا عن الأمر في مؤتمر صحفي مشترك لوزيري دفاع البلدين. وأرسلت باريس طائرات ميراج الى جزيرة كريت اليونانية لتحلق الى جانب طائرات الميراج القطرية. واستضافت قطر هذا الأسبوع ثالث اجتماع لوزراء خارجية دول التحالف المشاركة في العملية العسكرية في ليبيا بتفويض من الأممالمتحدة. وهو الاجتماع الأول الذي يعقد على أرض عربية بعد اجتماعين في باريس ولندن. وحل أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مرتين ضيف شرف على فرنسا في الاحتفال السنوي بيوم الباستيل منذ عام 2007 وقام بزيارة دولة مع زوجته الشيخة موزة بنت ناصر آل مسند المحبة للثقافة الفرنسية. وبعدها نقلت الشيخة موزة كلية اتش.اي.سي لعلوم الادارة وهي كلية للنخبة مقرها باريس الى مركز تعليمي دولي بمليارات الدولارات في الدوحة ليكون أول مؤسسة تعليمية غير ناطقة بالانجليزية هناك. وعززت قطر شبه الجزيرة الصغيرة الواقعة في الخليج حضورها في المحافل الدبلوماسية واكتسبت اهتماما دوليا من خلال محاولات الوساطة في عدد من الصراعات الاقليمية. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي «انهم ممتازون في عدد من الملفات السياسية... يقدمون حلولا ولا يثيرون مشكلات». وفي السنوات القليلة الماضية عملت قطر عن كثب مع الفرنسيين في رعاية محادثات للسلام بين الحكومة السودانية وجماعات متمردة في اقليم دارفور. وخلال الحرب الاسرائيلية على غزة عام 2008 أسهمت الوساطة القطرية الفرنسية في التوصل لوقف لاطلاق النار وعند الافراج عن خمس ممرضات بلغاريات محكوم عليهن بالاعدام في ليبيا عام 2007 عقب جهود بذلها ساركوزي أشاد الزعيم الفرنسي بالمساعدة التي قدمتها الدوحة من وراء الكواليس. وقال دبلوماسي عربي اخر في باريس «حتى لو هناك أوجه اختلاف لم يعتبر الفرنسيون هذا أمرا سيئا. «انه العكس تماما. (انهم يرون) القطريين وسطاء... وهو شيء مكمل ومفيد». ولعبت قطر دورا محوريا في إقناع الزعماء اللبنانيين باتفاق سياسي في عام 2008 لتجنب الانزلاق الى حرب أهلية جديدة وهو ما فشلت فيه فرنسا بالرغم من أن منتقدين يرون ان الاتفاق امال ميزان القوة في بيروت لصالح إيران وسوريا. ولم يكن النجاح حليفا لكل المشروعات الدبلوماسية للدوحة. فقد تعثرت محاولة للتوسط في المصالحة بين حركتي فتح والمقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). وساعدت الشراكة الدبلوماسية مع ساركوزي في تعزيز علاقات العمل. فخلال أول زيارة لفرنسا اشترى أمير قطر 80 طائرة ايرباص للخطوط الجوية القطرية وتتجاوز الصادرات الفرنسية لقطر حاليا وبشكل منتظم المليار يورو سنويا. واشترى جهاز قطر للاستثمار -وهو صندوق الثروة السيادية في البلاد والذي يعتقد ان قيمته تبلغ 70 مليار دولار- أصولا فرنسية رئيسية بينها حصص في شركة اي.ايه.دي.اس الشركة الام لايرباص وفي مجموعة اي.دي.اف للطاقة وشركة فينسي للمقاولات. وقال ديفيد روبرتس نائب مدير مكتب معهد رويال يونايتد سرفيسز بالدوحة «تتمتع قطر وفرنسا بعلاقات طيبة للغاية. «فعلاوة على توقيع اتفاقية دفاعية عام 1994 قدمت فرنسا نحو 80 بالمئة من (مشتريات) الاسلحة القطرية ويعقدون صفقات بامتياز وهم خبراء في إقحام أنفسهم في أي شق متاح من المصالح القطرية». وبينما تودد ساركوزي للقطرين وقام بأربع زيارات للدوحة منذ تولى منصبه متجاوزا زياراته لأي بلد عربي آخر لم تسر العلاقات على ما يرام دائما في فرنسا. ففي 2008 أثار قريب لأمير قطر جدلا بسبب خطة لتجديد قصر يعود للقرن السابع عشر يقع في قلب باريس وهو الأمر الذي شمل إزالة جزء من المبنى. وتدخل في الأمر رئيس بلدية باريس الاشتراكي ولجنة تاريخية لوقف العمل في القصر قبل التوصل إلى حل وسط في يناير. وفي نفس العام وافقت فرنسا على قانون يمنح اعفاءات ضريبية خاصة لامير قطر ومستثمرين قطريين اخرين يمتلكون عقارات في باريس. وأعلنت جماعة حقوقية يوم الاثنين الماضي أنها تنظم احتجاجا أمام السفارة القطرية بباريس. وقالت لجنة (أوقفوا الحرب الليبية) في بيان يوم الثلاثاء «نشعر بالأسف لأن الأمير والرئيس ساركوزي لديهما حس دبلوماسي واحد سيكون له تأثير كارثي على فرنسا وقطر».