خالد الناصري: يجب نبذ المقاربة الدوغمائية في التعاطي مع موضوع المؤسسة الملكية كمال لحبيب: إمارة المؤمنين ليست من الثوابت بينما اعتبر خالد الناصري أن حزب التقدم والاشتراكية لم يضع في أجندته إضعاف المؤسسة الملكية، بل كان يطمح إلى عقلنة الممارسة المؤسساتية في إطار فصل عصري للسلط تضطلع فيه المؤسسة الملكية بصلاحيات محددة، أكد كمال لحبيب أن إمارة المؤمنين ليست من الثوابت، وأنها ظهرت مع بروز تيارات تريد أن تستأثر بالخطاب الديني والحقل الديني، وبالتالي كان من الطبيعي أن يعود التدبير الديني إلى الملك. وقال خالد الناصري عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في مداخلته أول أمس الثلاثاء خلال السلسلة الثانية من منتديات ربيع الديمقراطية، التي أطلقها الحزب قبل أسبوع، بشراكة مع جريدتي «البيان» و»بيان اليوم»، وأدارها الجيلالي مكرام وتولى مهمة التقرير محمد العلالي وهما معا عضوان باللجنة المركزية لحزب «الكتاب»، (قال) «إن هناك مقاربتين لموضوع المؤسسة الملكية، الأولى محافظة ترى أنه لا يجب طرق باب الموضوع لأن المؤسسة الملكية هي ضمان الاستقرار والهدوء في البلاد، معلنا رفضه لهذه المقاربة لأنها غير بناءة. والثانية تنطلق من أن المغرب يعيش فترة اضمحلال المؤسسات، وبات من الضروري خلق شيء جديد من العدم، وهي مقاربة يرفضها أيضا لأنها غير وجيهة، تفتح الباب أمام المغامرة. وجدد الناصري التأكيد على أن حزب التقدم والاشتراكية قارب موضوع المؤسسة الملكية، ليس من باب إضعافها، بل من زاوية التحديث والإصلاح، بحيث يضطلع فيها الملك بدور أمير المؤمنين، ورئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، مع الإصرار على توزيع الاختصاصات مع مؤسسة الوزير الأول القادرة على تدبير الشأن التنفيذي. وأشار الناصري إلى أن المغرب يعيش لحظة تاريخية بامتياز ترقى إلى مستوى التاريخ، مبرزا أن القدر شاء «أن نكون شهودا على طفرة تاريخية قل نظيرها، ونحن فاعلون فيها، معتبرا أن سنة 2011 مليئة بالدلالات والتحولات، تؤرخ لميلاد مغرب جديد، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية، بتواجده في هذه الدينامية، لم ينتظر التحركات التي تعرفها المنطقة العربية لتقديم مشاريع الإصلاح، بل بدأ هذا التوجه منذ عقود، وهو الآن يجني ثمار مشروع زرع بذوره منذ سنوات. وشدد الناصري على أن التاريخ لم يبدأ مع 20 فبراير، مع كامل تقديره للشباب الذي يستحق التنويه، بل إن تلك الحركة ساهمت في تسريع وتيرته، الشيء الذي جعل المغرب محط إجماع من طرف الرأي العام العالمي. داعيا إلى الحفاظ على التفرد المغربي وتدبيره بكيفية عقلانية. وجدد الناصري التأكيد خلال تفاعله مع تدخلات الحاضرين، أن شباب حركة 20 فبراير ساهموا في بعث الروح في بركة الحياة السياسية الوطنية التي كانت راكدة، مضيفا أن المغرب يعرف حركة للتغيير عميقة جدا يعتبر شباب 20 فبراير جزءا منها. وأوضح الناصري أن الرهان المطروح الآن لإنجاح الإصلاح هو تدبير بعض الجدليات، منها جدلية الاستمرارية والتحديث، وجدلية الاستقرار والإصلاح، رغم أن البعض قد يلاحظ وجود بعض التناقض بينها، وخلص إلى أنه كان دائما يؤمن بفكرة مفادها أن أكثر الدساتير تأهيلا للنجاح هي الدساتير التوافقية، وليس دستور فئة ضد أخرى. ومن جهته، اعتبر كمال لحبيب الكاتب العام لجمعية بدائل، أن المغرب فعلا يعيش مرحلة جديدة، مشيرا إلى أن الظروف تستدعي إعادة النظر في «الثوابت»، مع التأكيد على ضرورة إعطاء الأولوية للتوافق تفاديا لما أسماه «الانزلاقات الممكنة» التي تقع حين تختلف فئات معينة قد تؤدي لا قدر الله، إلى حروب أهلية، مثلما يقع الآن في ليبيا. وأشار كمال لحبيب إلى وجود ثلاثة ثوابت تتمثل في الملكية والدين والوحدة الترابية، والتي حان الوقت، بحسب تعبيره، لطرحها للنقاش دون تشنج. معتبرا أن إمارة المؤمنين ليست من الثوابت. بل ظهرت مع وجود جماعات تريد الهيمنة على الخطاب الديني. وأمام هذا الوضع، من الموضوعي التأكيد على أن التدبير الديني يبقى بيد الملك، يقول الكاتب العام لجمعية بدائل. واستطرد لحبيب في مداخلته بأن الأمر لا يجب أن يتعلق بالاحتفاظ بسلطات خارج القانون ولا بقداسة معينة، مذكرا بضرورة التنصيص على مبدأ المساواة بين الجنسين، ورفع كل التحفظات في هذا الشأن، لتفادي ما أسماه «وشك الاصطدام بين مشروعين مجتمعيين» قبل إقرار مدونة الأسرة. وبالتالي فإنه لا يمكن العيش، بحسبه، في جو ديمقراطي دون احترام مبدأ المساواة. وأبرز لحبيب ضرورة إعادة ترتيب الحقل السياسي خارج المصلحة الضيقة، وتأهيل الأحزاب السياسية لإحداث قطيعة مع التدبير السابق، وخصوصا مسعى السلطة إلى إضعافها، ومحاولة إبراز هيئات المجتمع المدني التي لا يمكن أن تكون بديلا عن الأحزاب السياسية. وعبر عن أمله في بروز تكتل لليسار لتحمل مسؤولية تدبير التغيير نحو الديمقراطية. أما على مستوى الدين، فدعا الكاتب العام لجمعية بدائل، السلطة الدينية العليا إلى حماية مبدأ حرية التعددية الدينية، وحرية ممارسة العقيدة، مشيرا إلى أنه وإن كانت أغلبية المغاربة المعتنقين للإسلام، فإن ذلك لا يعني أبدا التخلي عن مبدأ حرية العقيدة. وخلص إلى أنه كلما قل تأثير تدخل الدين في الحياة المدنية، كلما كان التقدم في تدبير الديمقراطية كبيرا. أما بخصوص الوحدة الترابية والوطنية، فقد استغرب لحبيب من استبعاد أي حديث عن قضية سبتة ومليلية المحتلتين، مشيرا إلى ما وصفه بعدم انسجام السياسات العمومية في هذه المقاربة. وانتهى كمال لحبيب إلى أن المغرب مقبل الآن، على عقد اجتماعي وسياسي جديد، يفرض الإنصات لتبني تعاقد في المجتمع بين الأحزاب والمؤسسة الملكية، ومأسسة الديمقراطية والقطع مع كل ممارسات الماضي. وفي تدخلاته، دعا الناصري إلى نبذ ما وصفه «المقاربة الدوغمائية» في التعاطي مع موضوع إمارة المؤمنين خاصة في مرحلة إعادة بناء الدولة، مشيرا إلى أن الإصلاح الدستوري يتعين أن ينطلق من مدخل منهجي أساسي يقوم على مراعاة الخدمة الممكن تقديمها للتجاوب مع الطموحات المشروعة للشعب المغربي، مؤكدا أن إزالة إمارة المؤمنين من الدستور لن يقدم خدمة تتجاوب مع طموحات الشعب المغربي. وأوضح أن موقف حزب التقدم والاشتراكية من الفصل 19 من الدستور واضح، حيث اجتهد في تقديم صيغة تروم إعادة بناء هذا الفصل بحيث يكون فيه الملك باعتباره أميرا للمؤمنين، الممثل الأسمى للدولة ورمزا لوحدتها، يضمن استمرار الدولة والمؤسسات، واستقلال البلاد وحوزة التراب الوطني في حدوده الحقة، ويحرص على احترام المعاهدات، وصيانة حقوق الأفراد والجماعات والأقليات، ويضطلع بمهام التوجيه والتحكيم، ويسهر على الاختيارات الكبرى للبلاد. وفيما يخص الفصل 23 من الدستور، ذكر الناصري أن الحزب دبر هذا الفصل بكيفية واضحة تروم تحديث المؤسسة الملكية وجعلها تنسجم مع روح العصر، حيث تم اقتراح عبارة «شخص الملك لا تنتهك حرمته» عوض «شخص الملك مقدس». ومن جانبه، شدد الحبيب على ضرورة إلغاء الفصل 19 المثير للجدل، والذي تم استحداثه في دستور 1962 باقتراح من الدكتور عبد الكريم الخطيب، وبالتالي فإن الحبيب يرى أنه ليس من الطبيعي أن يتم إدخال هذا الفصل بطريقة سهلة إلى الدستور الجديد، وعندما يتم التفكير في إلغائه تطرح صعوبات مفتعلة وغير منطقية. وعبر المتحدث ذاته عن تخوفه من تدخل العلماء في مجال ليس من اختصاصهم في إشارة إلى البيان الذي أصدره المجلس العلمي الأعلى بشأن الإصلاحات الدستورية، وقال: «إننا لا ننازع في السلطة الدينية للملك محمد السادس الذي لم يتدخل منذ توليه العرش في الشأن الديني، حتى في مسألة مدونة الأسرة حيث قام بتشكيل لجنة استشارية وأحال عملها على البرلمان»، وهذا شيء أساسي يتعين الانتباه إليه. وأبرز أن الملك ليس له استعداد ليلعب دور أمير المؤمنين بمفهومه الديني والسياسي والعسكري. وبخصوص موقفه من بعض الأصوات داخل حركة 20 فبراير التي تنادي بحل الحكومة والبرلمان، قال الحبيب الذي يعتبر نفسه جزء من هذه الحركة، «إن مثل هذا الموقف موقف خاطئ يجانب الصواب على اعتبار أنه يدفع في اتجاه حالة الاستثناء».