في ربيع الكرامة كشبكة تضم مجموعة من الجمعيات والهيئات التي تشتغل على مواضيع تهم قضايا حقوق النساء بشكل خاص، تواكبون وتتابعون المجال التشريعي، فماهي ملاحظاتكم بشأن الإنتاج التشريعي؟ هل يحترم ما تضمنه الدستور في باب المساواة ومناهضة التمييز ضد النساء، والتزامات المغرب الدولية في هذا الباب، سواء من حيث البناء والمرجعية والمضامين؟ لازال المنتوج التشريعي يغلب عليه النفس المحافظ، ولم يأخذ بعد بعين الاعتبار التطورات التي شهدها المجتمع المغربي، واعتماد المغرب دستور 2011، وانخراطه الكبير في المنظومة الاتفاقية الدولية، وتعهده بالالتزام بها أمام المنتظم الدولي… وأجد أن ما يترجم بشكل جلي هذا التوجه، مشروع القانون 1016 المتعلق بتغيير وتتميم القانون الجنائي المغربي، المعروض حاليا على مجلس النواب، حيث نسجل أن هذا المشروع شمل بعض المواضيع المنتقاة التي يعالجها القانون الجنائي بمختلف كتبه وأبوابه وفروعه، غير أن ما طبعه هو الاحتفاظ بنفس بنية التشريع السابق ونفس ترتيب مواضيعه منذ صدوره سنة 1962، وتكريس نفس فلسفته القديمة، والتشبث بخلفيات التجريم رغم مرور أزيد من نصف قرن من الزمن السياسي والحقوقي والسوسيوثقافي عليه، وتوظيفه لغايات تتعارض مع طبيعة وأهداف تشريع جنائي منطلقه حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من الاعتداءات الإجرامية عليها. وبذلك، فإن حقائق القانون الجنائي المعكوسة راهنا، تتغذى من فلسفته الذكورية الأبوية، ويكرسها نهج مسار التجريم والعقاب بخلفية حماية المجتمع في تجاهل لما يشهده من تطورات، والمحافظة على أخلاقه العامة والآداب دون اعتبار للدينامية المتحولة لمفاهيم غير ثابتة المعنى، وصيانة الأسرة في بعدها التقليدي الذي لا يجد غضاضة في إقصاء المرأة الفرد وتهميشها من دائرة الأسرة. من جهة اخرى لاحظنا أن مشروع القانون 1016 جمع بين مواضيع عدة لا رابط بينها ولا مشترك يميزها ولا تصورا متكاملا لمعالجتها، بل الأدهى من هذا أنه جاء متراجعا عن التزامات المغربي الدولية وحتى على دستور 2011 الذي نص، ولأول مرة في تاريخ التشريع الدستوري المغربي، على حظر العنف والتمييز بسبب الجنس، وعلى المساواة الكاملة بين الجنسين في جميع الحقوق، وعلى تجريم التعذيب الذي يتسبب في ألم نفسي أو عقلي أو جسدي، وعلى تجريم جرائم الاختفاء القسري والحرب ضد الإنسانية والإبادة الجماعية… معلوم أن مشروع القانون الجنائي الذي تحدث عنه، والذي أحالته الحكومة السابقة قبل نحو ثلاث سنوات.. قد أثار العديد من المؤاخذات، بل وبرزت من خلال مقتضياته العديد من الجوانب الخلافية، فما هي ملاحظاتكم الأولية كشبكة لربيع الكرامة حول ما حمله هذا المشروع؟ في اعتقادي أن أي إصلاح تشريعي له مفهوم عميق في دولة القانون التي تتبنى الديمقراطية والحداثة خيارا استراتيجيا، منطلقه إصلاح القانون بما فيه الجنائي يجب أن يجري في إطار توافق مجتمعي بحيث يشرك كافة قوى المجتمع المعنية على المستويات السياسية والحقوقية والنسائية والنقابية وغيرها، في أفق الملاءمة الكاملة مع الدستور والتزامات المغرب الحقوقية الكونية، وإلا اعتبر قانونا فوقيا لا ديمقراطيا ولا دستوريا، ومن تم يكشف تعاليه عن الواقع وعداءه لمكتسبات العصر الحقوقية وعدم مشروعيته، ويساهم في تهييج شعور المواطنين والمواطنات بفقدان الأمن القانون والقضائي، وضعف الانتماء إلى الوطن الذي يفترض أن تضمن فيه العدالة للجميع، وقد استبشرنا خيرا حينما تم طرح مسودة للقانون الجنائي للنقاش العمومي، حيث تمكن الرأي العام من الاطلاع على ما تحمله وتصدى لها المجتمع وحمل حينها التحالف الى جانب الحركة الحقوقية والنسائية بالمغرب شعار «لن ندعه يمر» لما تضمنه من مقتضيات تمييزية تحد من الحريات الحقوق وتكرس العودة الى ما قبل سنة 2011 ليتم سحبه ويظل حبيس الرفوف ليطل علينا من جديد سنة 2019 بالشكل الذي ظهر به مفتقرا لمقومات تشريع جنائي ضامن للمساواة وللحريات والحقوق. ما هي المطالب التي ترفعونها بشأن تجويده إذا كان يحتاج لذلك، خاصة في باب إنصاف النساء أمام القانون أو على مستوى مجالات التجريم، إذ هناك من يعتبر أن النص لازال يحتكم إلى المرجعية المحافظة ويغرق في التمييز بشكل صارخ؟ انطلاقا من مسار الإصلاح الرامي إلى تجسيد التزامات المغرب الدولية ببذل العناية الواجبة اتجاه النساء وتماشيا مع أهداف ربيع الكرامة الرامية الى تشريعات خالية من التمييز والعنف وبعد تشخيصه لما ورد في مشروع القانون 16/10 وقراءته للقانون الجنائي بشكل شمولي، تقدم تحالف ربيع الكرامة بمذكرته في الموضوع والتي تضمنت من جانب، تسجيله بإيجابية مرجعية القانون التي استندت على الممارسة الاتفاقية وعلى المرجعية الدولية لحقوق الإنسان والتقدم النسبي في تبني العدالة الجنائية القائمة على النوع الاجتماعي بمراجعة بعض الجرائم ذات الصلة بالنساء، فضلا عن إقراره العقوبات البديلة ضمن العقوبات المنصوص عليها. لكن في المقابل اعتبر ربيع الكرامة، أن التعديلات التي أصدرتها الوزارة الوصية على بعض بنود القانون لا تلامس جوهره وتبقي على التمييز البنيوي المتضمن في النص ككل، وطالب الربيع بتغيير جذري وشامل للقانون الجنائي، وبعدم إبقاء مشروع القانون الجنائي 16-10 على نفس الفلسفة القائمة على حماية الأخلاق على حساب حرية وحقوق المواطنات تناقضا مع ديباجة النص التي أكدت على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان وعلى دسترة الحقوق والحريات دون تمييز بسبب الجنس. وتقدم ربيع الكرامة بمجموعة مطالب تخص القانون الجنائي ككل يؤكد فيها على ضرورة إجراء مراجعة جذرية وشاملة للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية (فلسفة وبنية ومضمونا)، واعتماد لغة حقوقية بعيدة عن لغته المحافظة التي تعتمد عبارات وصيغا متجاوزة من قبيل «هتك العرض»، ومصطلحات قدحية مثل «الفساد» الذي يعمم ليشمل حتى العلاقات الإنسانية، بما فيها العلاقات التي أصبحت مدونة الأسرة تسلم بقانونيتها، وتختزل الاغتصاب في «مواقعة» الرجل للمرأة بدون رضاها. فهذه اللغة الذكورية والمحافظة تؤدي إلى التمييز بين الجنسين وإلى المس بكرامة النساء. كما طالب بإعمال مساواة النوع الاجتماعي في سياسة التجريم والعقاب، وذلك عبر تعديل في بنية النص بإضافة الفرع السادس من الباب الثامن: «في انتهاك الآداب» إلى الباب السابع في الجنايات والجرائم ضد أفراد الأسرة والأشخاص وتقديمه على جريمة الاتجار بالبشر- ونقل مكان الفرع الأول المسمى «الإجهاض» بالباب الثامن إلى الباب السابع ليصبح الفرع السابع. وشددنا داخل مكونات ربيع الكرامة، على ضرورة عدم التنصيص على بدائل العقوبات في جرائم النوع (الاعتداءات الجنسية – الاتجار بالبشر – التحرش الجنسي – الضرب والجرح وعموما العنف ضد النساء )، وكذا الأمر بالنسبة لظروف التخفيف في العقوبات الاصلية حينما تكون الضحية امرأة بسبب جنسها (إيقاف تنفيذ العقوبة)، وبصفة عامة طالبنا بتشديد العقوبة في الجرائم التي ترتكب ضد النساء بسبب جنسهن، وكذا تشديد العقوبة في حالة ارتكاب جرائم النوع من قبل أشخاص لهم علاقة قرابة أو وصاية مع الضحية (زوج– طليق – خطيب – خطيب سابق …..). بالإضافة إلى ترتيب الجزاء الزجري على التمييز في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتجريم الرشوة الجنسية – التعذيب النفسي- تكفير الأشخاص – الإضرار بمنقولات مملوكة لنساء بسبب جنسهن – القتل بسبب ما يطلق عليه بالشرف- والإجهاض الغير طبي … وإن تحالف ربيع الكرامة، إذ يتقدم بأهم تقييماته وبالخطوط العريضة لمقترحاته «من أجل تشريع جنائي يحمي النساء من العنف ويناهض التمييز»، يعي بأن التغيير المنتظر رهين أيضا بإصلاح الجهاز القضائي باعتباره أهم آلية لتفعيل القانون، وتأطير تدخلات المهنيين في هذا المجال بواسطة المناشير والدوريات والشروح والدلائل وغيرها والتحسيس، بشكل عام، بأهداف هذا التغيير كثقافة وممارسة. إجمالا، يتوخى تحالف «ربيع الكرامة» أن يكون القانون الجنائي الجديد، بما يتعين أن يضمنه للنساء من حقوق وحريات، رافعة للتقدم والحداثة وحقوق الإنسان، مسايرا للتحولات التي تعرفها أوضاع النساء داخل المجتمع، وداعما لورش الإصلاحات التي تعلق عليها المغربيات آمالا عريضة بتكريسها لمبادئ الإنصاف والعدل والمساواة والمواطنة الكاملة.