عن مؤسسة مقاربات بمدينة فاس، صدر مؤخرا كتاب “القيم والمناهج التربوية: مقاربات بيداغوجية وديداكتيكية” للباحثين الأستاذين عمر أكراصي وأحمد الدهمي، من تقديم الأستاذ الباحث في علوم التربية والسوسيولوجي الدكتور الخمار العلمي. يقع الكتاب، الذي اختار مؤلّفاه تصنيفه في باب الدراسات، في 276 صفحة من الحجم الكبير، وبلوحة غلاف جميلة من توقيع الفنان السوري الكبير بشير بشير. وقد اعتبر الباحثان أنّ هذا العمل، الذي يعدّ ثمرة اجتهادهما وتعاونهما العلمي المنسجم، “هو خلفية علمية ونظرية للاقتراب من قضية القيم بمنظومة التربية والتكوين، وهو مشروع طموح، تمنّيا أن يجد الإرادة الرسمية لاحتضانه وتوفير الظروف والإمكانات لأجرأته، ليقينهما أن انشغالا أكاديميا جادا كهذا نابع من قلب الميدان ومؤَطر بما يلزم من تكوين أكاديمي ومهني تربوي سيجد حتما الأذن الصاغية التي تمكنه من الفرص اللازمة لمزيد من التطوير والمساهمة في الأوراش الإصلاحية المفتوحة بقطاع التربية والتكوين”. ولئن كان هذا العمل عموما، ينهض على مقاربات سوسيولوجية التوجه بنيت على التأمل في قضايا مدرسية، من منطلق تفكير مؤلّفيْه واختيارهما أن يكون انخراطا واعيا في النقاش الدائر حول المدرسة وقضايا القيم والمناهج التربوية فيها، فإنّه لا يتنكّر للتكوين الأكاديمي الخاصّ والأساس الذي شكّل خلفية الباحثين، ويتعلق الأمر بعلوم التربية (خرّيجا ماستر أسس التربية والتعلم الذي ينسّقه الدكتور الخمار العلمي) كبوصلة أطرت اشتغالهما ومتحت شرعيتها من علوم الإنسان والمجتمع والمعرفة بشكل عام، ومن خلال الحقول المعرفية التالية: الفلسفة والبيداغوجيا، الديداكتيك، السيكولوجيا، إدارة الموارد البشرية بالقطاع المدرسي، السوسيولوجيا. وفي سياق من ثقافة الاعتراف والشكر، فقد أرجع الباحثان فضل صدور هذا العمل لعالم الاجتماع المغربي والباحث في علوم التربية الدكتور الخمار العلمي، من خلال الملاحظات الدقيقة التي قدمها لهما، والمسارات التي ساعدهما في سلكها، وأيضا للوقت الذي بذله في مراجعة العمل بما جعل بهاءه مكتملا عبر إضاءته بتقديم متميز ورصين، وهو أمر ليس بغريب على هذا الرجل حامل الثقافة الإنسانية في مختلف أبعادها، صاحب مشروع بحثي ورؤية أكاديمية وعلمية تراوح بين قطبين كبيرين في مجال علوم الإنسان والمجتمع والمعرفة، هما علوم التربية والسوسيولوجيا (خصوصا سوسيولوجيا التربية)، مشروع عمِل منذ ست سنوات على تنزيله ممارسة وتنظيرا وتكوينا من خلال ماستر فريد هو “ماستر أسس التربية والتعلم” بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس من جهة، وخلال مسار حافل من الكتابة والتأليف يمتد لأربعين سنة عبر مراكمته لأبحاث ودراسات وازنة ورصينة، سواء مؤلفاته أو مقالاته في مجلات دولية، أوخبرته العملية والمهنية في عدة مواقع ذات مسؤولية من جهة أخرى. في إضاءته لهذا المؤلّف الجديد في حقله ومجال اشتغاله (القيم وبناء المناهج)، رأى الباحث في علوم التربية الدكتور الخمار العلمي “أنّ انخراط باحثين شابين هما الأستاذان: أحمد الدهمي وعمر اكراصي في الكتابة عن سوسيولوجيا القيم والمناهج التربوية هو مساهمة متميزة في هذا السياق وانخراطا واعيا لعدة اعتبارات أهمها، أن الكتابة في هذا المجال سابقة في المغرب، لندرة الاهتمام بهذا الجانب الهام من الإنتاج عن ”تطور البيداغوجيا في المغرب” على مثال ما فعله دوركايم مع بداية الألفية الثانية في مجال سوسيولوجيا التربية مما أعطى لهذا المجال البحثي في التربية مكان السبق وطور البحث العلمي السوسيولوجي في التربية، من هنا الأهمية الخاصة لهذا الكتاب الذي يفتح هذا الأفق الجديد للبحث السوسيولوجي في التربية من منظور معاصر يتسم بخصوصيات أفرزتها تحولات العلم والتكنولوجيا والقيم وحاجات الانسان المتجددة في ضوء عولمة كونية تعم كل مجالات الحياة وتطبعها بطابعها الخاص والمهيمن وخاصة ”عولمة الهيمنة الناعمة” في التربية والتكوين في كل أركان العالم وفي أدق تفاصيل السياسة التعليمية والممارسة التربوية. ويأتي الاعتبار الثاني من كون مؤلفي هذا الكتاب أحاطا بكثير من الدقة والمهارة الفنية بمختلف قضايا سوسيولوجيا التربية في جيلها الثالث على مستوى القيم والمناهج واللغة والهوية والترجمة والذكاء في بعده الاجتماعي مما يوفر معلومات بالمعنى الذي تعطيه العلوم العصبية والسيكولوجيا المعرفية للمعلومة مما سمح لهما بإعادة قراءة “بياجيه” بما يخدم التجربة التربوية في مجال تنظيم التعلمات وترسيخ المكتسبات وتيسير استثمار الموارد لحل الوضعيات قصد نماء كفايات الأطفال والمتعلمين وترسيخ المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية والثقافية والعلمية وممارستها. ويكمن الاعتبار الثالث في الشخصين المؤلفين للكتاب، فهما من عينة الباحثين المجدين والمجتهدين والمثابرين والعاملين في صمت وهدوء بروية وثقة في النفس، واحترام للآخر وتقدير للعلم والمعرفة وشغف كبير في البحث وتعلم دقائقه وصناعته.. يضاف إلى ذلك تواضعهما وحسن إنصاتهما وقدرتهما على التوجه نحو المستقبل ونحو الجديد والاجتهاد”. على العموم، فهذا الكتاب يعدّ (حسب كلام الدكتور الخمار العلمي) مرجعا تربويا غنيا بالمعطيات والمعلومات الضرورية لكل ممارسة تربوية عقلانية وديمقراطية، فاعلة وفعالة ومنتجة ومحفزة وذات جودة وجاذبية ومفعمة بحب المعرفة والرغبة في التعلم والتهذيب والتكوين وتنمية الذكاء العاطفي والاجتماعي والعملي.