علق مقدّم إحدى السلاسل التلفزيونية الكوميدية الناطقة بالإنجليزية على حادثة خداع الفنان الألماني سيمون ويكرت لغوغل بجرّه عشرات الهواتف النقالة في عربة في شوارع برلين ما دفع الموقع العملاق الذي لا يمكن خداعه إلى الوقوع في الفخ والاعتقاد أن هناك زحاماً مرورياً بالفعل، بالقول "إننا يجب أن نشجع الألمان على الفن، مهما فعلوا، فذلك أفضل من أن يفكروا في السياسة". وقام بعدها بعرض صورة لأدولف هتلر لينفجر هو وجمهوره بالضحك في الختام. جيد. القصة أن الخدعة التي أجراها ويكرت لا تبدو ذكية كفاية بصراحة، أو حتى فنية ترفيهية بما يجعلها أمراً يستحق العناء، فما الهدف منها أكثر من القول "لقد خدعتُ غوغل"؟ لكن قراءتها بالطريقة التي قام بها ذلك المذيع تبدو جديرة بالتوقف عندها حقاً. منذ قرابة الأعوام العشرة، وأنا، وغيري، نتتبع كيف ينحطّ الفن تدريجياً، أحاول فهم لماذا يميلون إلى خيار الرداءة ما دامت الجودة ممكنة؟ ولا رابط يفسّر تراجع الفن سوى تراجع أحوال السياسة، مع مفارقة تزايد الاهتمام بها، وهي العلاقة العكسية العجيبة في زمننا وعالمنا الحالي. وفي حادثة ويكرت ما يجعلك تعيد ربط الفن بالسياسة دون شك، وتبحث عن دور هذا في مناكفة تلك، وكيف سترد السياسة عبر تعليقات المتهكمين معيدة الأمر إلى زمن الرايخ الثالث، مصوّرة الشعب الألماني كله شعباً لا يجوز له التفكير في السياسة فهي ستقوده حتماً إلى التحول إلى النازية من جديد. ويا لها من عنصرية بغيضة حقاً، عشنا مثلها نحن العرب طويلاً. لماذا لا يحق للألمان التفكير في السياسة؟ فقط لأنهم برز من بين ظهرانيهم يوماً شخصٌ مثل هتلر؟ لماذا لا يحق للعرب التفكير في حلم قومي نظيف؟ فقط لأنه ظهر بينهم قادة ارتكبوا المجازر وهددوا العالم ذات يوم؟ لماذا لا يحق للمسلمين التفكير في السياسة؟ فقط بسبب ظهور شخصيات مثل بن لادن والظواهري والبغدادي والجولاني وسليماني ونصرالله وخامنئي بينهم؟ الحقيقة التي يجب أن نعترف بها اليوم، هي أن العالم لا يخشى من أن يتحدث المذكورون أعلاه أو يفكروا في السياسة، بل يخشى من أن يكرّروا "صمتهم" على جرائم أبناء جلدتهم كما فعلوا في تلك التجارب. فالصمت يمنح شرعية أكبر من المشاركة في الفعل في كثير من الأحيان. كل هذا فعله ذلك الألماني وهو يصنع زحامه المفبرك. والصدق أن الفن الرديء قد يكون بالفعل قادراً على قول الكثير دون أن يقصد، أو ربما دون أن ندرك نحن، أبناء الزحام المفبرك المسمّى "شعوباً".