بحضور العشرات من المسؤولين بإدارات السجون بالدول الإفريقية ومسؤولين بالأمم المتحدة وهيئات وطنية ودولية، نظمت المندوبية العامة لإدارات السجون المنتدى الإفريقي لإدارات السجون وإعادة الإدماج. المنتدى الأول من نوعه الذي احتضنته الرباط يومي الخميس والجمعة الماضيين تحت شعار “نحو رؤية مشتركة لتعزيز التعاون جنوب – جنوب لمواجهة تحديات وإكراهات تسيير المؤسسات السجنية”، يهدف وفق المسؤولين إلى تطوير الفضاء السجني بمختلف الدول الإفريقية و”أنسنة السجون” وجعلها فضاء للإدماج ومحاربة الجريمة. وشدد عديد من المسؤولين في مداخلاتهم على أن المشاكل التي تتخبط فيها معظم الدولة الإفريقية تؤدي إلى تنامي الجريمة وتنامي حالات العود، معتبرين أن الحل لعدد من المشاكل ينطلق ب “أنسنة السجون” وإيجاد بدائل لجعل الساكنة السجنية تندمج بسهولة في المجتمع بعد انقضاء مدة العقوبة. وفي هذا السياق، قال سعد الدين العثماني رئيس الحكومة إن هذا المنتدى يكتسي أهمية في كونه يشكل أرضية للتعاون في مجال التدبير السجني، وباعتباره أحد مكونات المحور الأمني الذي يشكل أبرز التحديات على المستويين الدولي والإقليمي. وأضاف العثماني الذي ترأس أشغال الجلسة الافتتاحية للمنتدى أول أمس الخميس بالرباط، أن التعاون على المستوى الأمني هام بالنسبة لإفريقيا، للحرص على أمن القارة، مشيرا إلى أن المغرب يحفظ أمن القارة “لأن الاستقرار والأمن السبيل الوحيد للوصول إلى التنمية والاستقرار”، وفق تعبيره. وأفاد العثماني في كلمته، أن المنتدى يندرج ضمن سلسلة من اللقاءات والمنتديات التي احتضنها المغرب بانتظام في سياق انفتاحه ومعانقته لعمقه الإفريقي، في مجالات تحظى باهتمامات دول القارة، وتروم توحيد الرؤى والجهود للنهوض بالقارة الإفريقية وجعلها تأخذ مستقبلها بيدها من خلال تبادل الخبرات. العثماني وفي كلمته، ذكر بالإصلاحات التي تمت على مدى سنوات لإصلاح الوسط السجني وكذا منظومة العدالة، حيث أشاد بالدينامية التي عرفها المغرب في هذا الصدد، والتي أكد أنها تروم أنسنة الفضاء السجني، منوها بما تم القيام به منذ إحداث إدارة المندوبية العامة لإدارة السجون في عام 2008. وفي هذا السياق، أوضح العثماني أن هذه الإصلاحات تستمد مرجعيتها من خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2008، والذي دعا من خلاله إلى حوار واسع لبلورة مخطط مضبوط لإصلاح عميق لمنظومة العدالة، “ثم حدد جلالته بعد ذلك المحاور الأساسية لهذا الإصلاح، في خطابه السامي الموجه للأمة في 20 غشت 2009، كما حرص جلالته على توجيه هذا المسار الإصلاحي بمقتضيات دستور المملكة”، يقول رئيس الحكومة. وأبرز العثماني أن هذه الإصلاحات تنص على ضمان جلالة الملك لاستقلالية القضاء، وتكرسه كسلطة قائمة الذات مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية يرأسها جلالته، كما ذكر العثماني، في نفس السياق، بإحداث رئاسة النيابة العامة سنة 2017 وتعيين رئيسها من طرف جلالة الملك، حيث نقلت إلى هذه الرئاسة اختصاصات وزير العدل المتعلقة بسلطة الإشراف على النيابة العامة وعلى قضاتها، بما في ذلك إصدار الأوامر والتعليمات الكتابية القانونية الموجهة إليهم طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل. رئيس الحكومة وخلال ذات اللقاء الذي شارك فيه عشرات المسؤولون يمثلون إدارات السجون الإفريقية ومسؤولون بالهيئات الأممية والدولية، شدد على أن إصلاح منظومة العدالة كان لها وقع إيجابي على مجال تدبير الاعتقال، حيث كان من بين أهدافها الإستراتيجية الكبرى تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، وبالتالي إرساء سياسة عقابية ناجعة من خلال إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحرية، ووضع آليات قانونية جنايات ذات التأثير البسيط، ومراجعة النصوص القانونية التي تتضمن فوارق شاسعة بين الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة، وتبسيط شروط تطبيق الآليات القانونية المتوفرة لمراجعة العقوبة، لاسيما الإفراج المقيد بشروط، ونظام ضم وإدماج العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، أوضح العثماني أن هذا الهدف الاستراتيجي من هذه الإصلاحات هو تبسيط الإجراءات والمدد المتعلقة برد الاعتبار، بما يساهم في تسهيل إعادة إدماج السجناء بعد الإفراج، ووضع نظام يساهم في الحد من حالات العود للإجرام، تشارك فيه جميع القطاعات الحكومية المعنية ضمن حدود اختصاصاتها، ثم توسيع صلاحيات قضاة تطبيق العقوبة في مجال التنفيذ الزجري لتشمل صلاحيات قضائية، ومراقبة مدى احترام ظروف أنسنة تنفيذ العقوبة، وتحسين ظروف إقامة نزلاء المؤسسات السجنية بما يحفظ كرامتهم ويساهم في إعادة إدماجهم. من جهة أخرى، قال العثماني إن الحكومة تسهر على إدراج النزلاء في جميع البرامج الحكومية والسياسات العمومية، خاصة فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية وحماية الحقوق الفئوية والنهوض بها من خلال رعاية المسنين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ومحاربة العنف والتمييز ضد النساء وحماية الأطفال والقاصرين والمهاجرين واللاجئين والأشخاص في وضعية صعبة، “حيت تسهر الحكومة على استهداف جميع الفئات داخل المجتمع المغربي من المواطنين والأجانب السجناء”، وفق تعبيره. من جهته، استعرض محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج تجربة إدارة السجون بالمغرب، وقال المتحدث إن المندوبية قامت بإعداد وتنفيذ إستراتيجية تشمل أربعة محاور رئيسية، وهي أنسنة ظروف الاعتقال وتهيئ السجناء لإعادة الإدماج وتعزيز وسائل التدبير الأمني وعصرنة التدبير الإداري. وأبرز التامك كلمته، أن المندوبية وفي إطار أنسنة ظروف الاعتقال بتعزيز حظيرة السجون من خلال بناء مؤسسات جديدة تستجيب للمتطلبات الحديثة المرتبطة بالأمن والصحة والتهيء لإعادة الإدماج، حيث تم بين 2014 و2019 بناء 18 مؤسسة سجنية، بعضها جديد والبعض الآخر في إطار استبدال السجون القديمة والمتهالكة التي لا تستجيب للمتطلبات. وأبرز التامك أن المندوبية العامة أعدت مشروع إصلاح شامل للإطار التشريعي والتنظيمي المنظم للمؤسسات السجنية لإدراج التوجهات الجديدة الواردة في الدستور الجديد للمملكة والقاضية بصون كرامة المعتقلين وحقوقهم، بما في ذلك الحق في الولوج إلى برامج التهيؤ لإعادة الإدماج، كما عملت على إدماج قواعد نيلسون مانديلا لمعاملة السجناء في هذا المشروع. وذكر التامك بالعديد من الإصلاحات التي تمت خلال السنوات الأخيرة والتي دعا لها جلالة الملك، منوها بالتجربة المغربية في هذا المجال، حيث صادق المغرب، حسب المتحدث، على عديد من الاتفاقيات التي من خلالها يسير نحو أنسنة الاعتقال داخل السجون والإدماج بسلاسة بعد قضاء مدة العقوبة، لاسيما، يشير المتحدث إلى كون السجناء مواطنين في الدرجة الأولى إذ أن العقوبة لا تسقط عن أي كان مواطنته التي يجب أن يتمتع بها. وفي حديثه عن إشكالية الاكتظاظ بالسجون، والتي تتسبب فيها حالات العود، أكد التامك أن الآثار المتفاقمة للتقدم التكنولوجي في مختلف المجالات، “تحتم على بلداننا وضع منظومة للعدالة الجنائية، وبالأخص منظومة سجنية، تكون قادرة ليس فقط على ضمان الأمن العمومي وحماية الأفراد وممتلكاتهم، بل أيضا على إعداد وتنفيذ استراتيجيات لتهيئ السجناء لإعادة الإدماج وإحداث البنيات والمرافق الضرورية للحد من حالات العود”. وشدد المندوب العام لإدارة السجون على أن بلدان إفريقيا تعرف مجموعة من المتغيرات التي تنتج معها تنامي بعض الجرائم وارتفاع حالات العود، ومعها ارتفاع نسبة الاكتظاظ في السجون، معتبرا أن الحل يكمن في إصلاح المنظومة الجنائية وتعزيز القوانين. وبعدما أكد على ضرورة تعزيز القوانين وجعلها تتلاءم مع “أنسنة ظروف الاعتقال”، أوضح التامك أنه “ليس هناك أي تعارض بين الجهود المتواصلة من أجل أنسنة ظروف الاعتقال، لاسيما ما يتعلق بالمعاملة الإنسانية للسجناء، وبين المتطلبات الأمنية التي ينبغي أن تستجيب لها إدارة السجون”، متابعا في كلمته أن “التعاون الوثيق والمفتوح مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره المؤسسة الوطنية المكلفة بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها بالمغرب، والانفتاح على عدد من الجمعيات الجادة والكفأة، النشيطة في مجال حقوق الإنسان أو في مجال العمل الاجتماعي والثقافي، لم يكن له أي تأثير سلبي على عمل المندوبية العامة في ما يتعلق بالحفاظ على أمن المؤسسات السجنية وسلامة نزلائها”.