لا توجد ساحة لإنتاج الموت كساحة الحرب. لكن هل يمكن أن تتحول ساحات التظاهر إلى ساحات حرب ويكون الصحافيون الذين ينقلون الأحداث هم البديل عن الجنود في ساحات الحرب؟ ربما لم تسلم ساحة أو ميدان من ميادين التظاهر من ذلك الرصاص المجهول الذي يطلقه ملثمون فيردون الصحافي قتيلا بلا أدنى تردد. لا يعرف أحد ما هو المطلوب من الصحافي لكي ينجو من ذلك القدر الزاحف من ساحات التظاهر السلمي. المتظاهرون السلميون هم أخطر ما يمكن أن يواجهه أي نظام فاسد ولهذا يلجأ إلى اللسان الذي ينطق باسمهم ويردد هتافاتهم ويرصد شجاعتهم وذلك هو الصحافي في زمن الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية. مرت قريبا ذكرى انتفاضة تيانانمين (1989) في الصين حيث قتل أكثر من عشرة آلاف متظاهر سلمي وعدد غير محدد من الصحافيين، بل إن منظمات حقوق الإنسان لا تزال تطالب الصين بالإفراج عن العشرات من الصحافيين القابعين في السجون. وتأكيدا لسيرة القمع طفت على السطح قصة صحافي صيني لم تكن جريمته سوى أنه استذكر ضحايا ساحة تيانانمين ووجه رسالة تحية للشهداء والأحياء من خلال العديد من بوابات ومواقع الإنترنت، وهو الأمر الذي أثار سخط السلطات الصينية فراحت تقتفي أثره بالتعاون مع شبكة ياهو حتى تم التوصل إليه وليتم إنزال حكم عشر سنوات سجنا به. هذا المنطق سوف يتكرر في صيغة أخرى في العام 2013 وسط دهاء سياسي من نوع آخر وذلك عندما اندلعت التظاهرات في حديقة غيزي، في وسط إسطنبول فكانت صدمة كبرى أن تتم ملاحقة العشرات من الصحافيين وحملة الرأي والمعارضين، وقد توسعت تلك التظاهرة إلى الآلاف من التظاهرات الأخرى في أنحاء البلاد وأدت إلى مقتل وإصابة الآلاف واعتقال صحافيين ما زالوا قابعين في السجون التركية إلى هذه الساعة. ترى هل صار الصحافيون خط الصد الأول وهم أول من يتم القبض عليهم والانتقام منهم؟ ربما كل ذلك هو الذي أعطى ضوءا أخضر للمضي في هذا النهج التدميري في ملاحقة الصحافيين والمتظاهرين على السواء. ساحتا تيانانمين وغيزي تقابلهما ساحة التحرير والعديد من الساحات الأخرى في محافظاتالعراق وحيث انضم شهداء الحرية في العراق إلى شهداء الحرية في تيانانمين وغيزي وساحات أخرى في أنحاء العالم. الصحافيون خلال ذلك كانوا مشروعا للموت في ساحات التظاهر العراقية حالهم حال الناشطين والذين كرسوا جهودهم لإدامة زخم التظاهر. آخر الضحايا كانا الصحافيين أحمد عبدالصمد وصفاء غالي اللذين اغتيلا مؤخرا في البصرة بجنوبي العراق وهما يؤديان عملهما الصحافي المعتاد من ساحات التظاهر. في وقت كانت حكومة تصريف الأعمال العراقية تلملم نفسها للانصراف بعدما أزاحتها التظاهرات، كان الصحافيون يلفظون أنفاسهم بلا رحمة. حكومة التصريف هذه عجزت كليا حتى الساعة عن جلب ولو قاتل واحد من بين المئات من القتلة الذين استهدفوا النشاطين المدنيين والصحافيين إلى العدالة ولا امتلكت الشجاعة لجلب قاتل واحد إلى القضاء. لا أحد يعرف بالضبط ذلك السر في السكوت على ظاهرة قتل العشرات من الصحافيين والناشطين المدنيين من المتظاهرين السلميين والعجز الكامل عن محاسبة من يرتكب تلك الجرائم. مرات عدة كانت الحكومة تطلق عقيرتها بأنها تحقق في الاغتيالات لكن اغتيالات أخرى تتفجر في اليوم التالي وفي كل يوم. الحاصل أن موت الصحافيين في وسط انتفاضات الحرية صار لزوم ما يلزم وتلتقي الأنظمة القمعية والشوفينية والدكتاتورية في هدف واحد مشترك هو البقاء في السلطة بأي ثمن ثم القضاء على قادة الرأي من متظاهرين وصحافيين. الأنظمة الفاشلة بإمكانها أن تملأ مجلدات عن حرية التعبير وحماية الحريات الصحافية وحقوق الإنسان، خطابات وثرثرة وبيانات سمجة ومملة تملأ الشاشات وصفحات الجرائد بينما على الجهة الأخرى سيكون هنالك قناصون يعتلون أسطح المباني وآخرون ملثمون في الشوارع وكلهم لا هدف لهم سوى موت الصحافي الذي إن مات سيخلفه جيش من الصحافيين.