جاء قانون المالية بتدابير وإجراءات تهم الشركات. يتعلق الإجراء الأول بإلغاء الإعفاء من الضريبة على الأرباح الذي تتمتع به المقاولات المصدرة حديثة النشأة وذلك لمدة الخمس سنوات الأولى من نشأتها (مع استثناء قطاع تصدير الخدمات بعد التعديل الأخير الذي ادخل، بالنسبة للمقاولات التي تشتغل داخل و خارج المناطق الصناعية المندمجة). وفعلا تأتي هذه المقتضيات الضريبية نزولا عند رغبة الاتحاد الأوروبي (و خصوصا فرنسا)، الذي سبق أن أثار التحفيزات الضريبية التي تخص بها الحكومة المقاولات المصدرة، حيث اعتبر الاتحاد ذلك قد يصنف المغرب كجنة ضريبية. وأما بالنسبة للإجراء الثاني، فيتعلق بالأفضلية الضريبية التي تحظى بها المقاولات الفاعلة في مجال التصدير، إذ أن الضريبة على الشركات لا تتجاوز 17.5 في المائة، فيما تطمح الحكومة من خلال مشروع قانون المالية إلى رفع هذه الضريبة إلى 20 في المائة. كما امتدت هذه المقتضيات لتشمل حتى المقاولات التي لها صفة القطب المالي للدار البيضاء، والتي تحظى بأفضلية ضريبية، قررت الحكومة و البرلمان برسم قانون المالية، رفع الضريبة على أرباحها إلى 15 في المائة بدل 8.75 في المائة. الشيء ذاته بالنسبة للمقاولات المصدرة المتواجدة بالمناطق الحرة للتصدير التي رفعت ضريبتها على الأرباح بالنسبة لهذه المقاولات إلى 15 في المائة، علما بأن هذه الأخيرة كانت معفاة من الضريبة على الأرباح طيلة السنوات الخمس الأولى على نشأتها، على أن تؤدي بعد ذلك 8.75 في المائة فقط عن الأرباح. هاته المقتضيات أغضبت طبعا المصدرين، الدين اعتبروا أن فيها ضربة لتنافسية المقاولات المصدرة و قد تودي إلى إضعاف تنافسية العرض المغربي، لاسيما مع الدول التي يرتبط معها المغرب باتفاقيات التبادل الحر، وفي الوقت الذي كان المصدرون ينتظرون المزيد من الدعم والمواكبة من أجل تعزيز حضورهم على المستوى الدولي، مثلت المقتضيات التي جاء بها قانون مالية 2020, خطرا على دينامية المقاولات المصدرة وعلى دينامية الصادرات المغربية ككل. وكانت قوانين المالية السابقة، تخص المقاولات المصدرة بتحفيزات ضريبية من أجل تعزيز تنافسيتها على المستوى الدولي، خصوصا أن المغرب يرتبط باتفاقيات للتبادل الحر مع اكتر من 50 دولة، فيما أصبحت الصادرات المغربية في إطار هذه الاتفاقيات تمثل نحو 40 في المائة من العرض المصدر. إن قانون المالية الجديد يخلو عموما من إجراءات إيجابية تهم تخفيض الضريبة على الدخل كما يخلو كذاك من تحسين للجبايات الخاصة بالمقاولات الصغيرة والصغيرة جدا وكذا مهن القرب. كما أن الضريبة على الدخل تعتمد بالأساس على المداخيل على شكل أجور في القطاعات المنظمة “59 بالمائة من مجموع الضرائب على الدخل مصدره الأجراء”. أتفق فعلا على أن هناك علاقة قائمة بين النظام الجبائي والنمو الاقتصادي تثير إشكالية استدامة الإطار الماكرو اقتصادي والتفاعل بين السياسة الجبائية وحجم النفقات العمومية في ارتباطهما مع ضبط مستوى عز الخزينة. من هدا الباب عمدت الحكومة إلى تجنب المشاكل التي قد يطرحها أي اختلال في توازن الميزانية. لدلك فقانون المالية لسنة 2020 مبني صراحة على رؤية محساباتية، ويعكس تصور يغلب عليه الطابع التقني لتدبير العجز الميزانياتي. حقيقة أن التوازنات الماكرو اقتصادية ضرورية من أجل ضمان تنموي لمختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية ولكن المغرب في هذه الظرفية محتاج إلى قانون مالية أكثر جرأة وأكثر إرادية. إن المشكلة اليوم بالنسبة للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا ليس مرتبطة فقط بالضغط الضريبي ولكنها مرتبطة كذالك بالولوج للتمويل وإيجاد الضمانات البنكية اللازمة. الحكومة في هذه النسخة من قانون المالية أحدثت صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية التي رصدت له 6 ملايير درهم على مدى ثلاثة سنوات في إطار الشراكة بين الدولة وبين بنك المغرب والمجموعة المهنية للأبناك. وستخصص له برسم سنة 2020 2مليارات درهم موزعة بالتساوي بين الدولة والأبناك. ويهدف إحداث هذا الصندوق بالأساس إلى دعم الخريجين الشباب عن طريق تسهيل الوصول إلى القروض المصرفية لتمويل مشاريعهم، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة خاصة في مجال التصدير، لاسيما إلى أفريقيا، والسماح بتحقيق إدماج وتكامل اقتصادي أفضل للمشاريع المدرة للداخل للقطاع الغير المهيكل وكذا المقاولات الناشئة المبتكرة والمقاولين الذاتيين. وسيتم استهداف كل جهات المملكة بما في ذلك العالم القروي. لقد حرصت الحكومة على إحداث صندوق خاص لدعم وتمويل المبادرة المقاولاتية، من أجل توفير التمويلات اللازمة لمشاريع الشباب والمقاولات المصدرة، ودعم اندماج القطاع الغير المهيكل. لكنها لم تتخذ التدابير التي كانت منتظرة على مستوى تخفيف الضغط الضريبي. التدابير الجديدة تخص فقط المواكبة والولوج للتمويل بالنسبة للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا. كل هذا جميل، لن التقييم الحقيقي سيكون حول قدرة الحكومة على التفعيل السريع لمختلف التدابير المتضمنة في هذا المشروع والتي تخص تسهيل الولوج للتمويل. حقيقة هذا المشروع يضم مجهود لا ينكر لتحسين منظومة تمويل المقاولات بشكل عام، من خلال إعادة هيكلة وتجميع منتجات الضمان، مع إطلاق استراتيجية وطنية للشمول المالي، ووضع إطار مرجعي (Small Business Act) لكل التدابير التي تستهدف تحقيق هذه المقاولات بهدف تبسيطيها وتسهيل الولوج إليها. ويندرج في هذا الإطار إحداث التمويل التعاوني كآلية جديدة لتمويل مقاولات الشباب والمقاولات المبتكرة. أتمنى أن لا يعرف هدا المشروع نفس المصير الذي عرفته المشاريع السابقة التي خصت تميل المقاولين الشباب وتشجيع التشغيل الذاتي. أرجو كذلك أن تتعامل الأبناك التجارية خصوصا بجدية مع هدا المشروع وان نعطي أهمية كبرى لمواكبة مقاولات الشباب بالدراسات القبلية وبالتتبع والمواكبة اللازمتين لهاته المقاولات بعد تأسيسها وحصولها على التمويل. هذا التحدي يستدعي تجاوب الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وعلى رأسهم القطاع البنكي الخاص، من أجل رفع الرهانات والتحديات التي تواجه بلادنا، والمرتبطة بالأساس بتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق وتوفير الشغل للشباب. بقلم: رشيد يعقوبي محمدي رئيس المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين