عندما بادرنا في إدارة مهرجان فاس الدولي للمسرح الاحترافي في دورته الثالثة عشرة إلى اسم عبد المجيد فنيش؛ كرجل لهاته الدورة، فإننا رسخنا مبدأ معيار اختيار من هذا النوع، ألا وهو الوزن الاعتباري المحقق من خصوصية التجربة ومساراتها. عبد المجيد فنيش كما عرفته مبكرا منذ أربعة عقود؛ هو حقا حالة جميلة وغنية من زمن جيل مسرحي تحمل أعباء الانتقال من عالم الجيل المؤسس وجيل مسرح الهواة، إلى زمن جيل احترافية الهواة وخريجي المعاهد والجامعات، عبد المجيد فنيش كان وبقي من علامات ذاك الجيل الذي اشتغل العديد من رموزه في جل المعتركات الثقافية، حيث كان المسرحي مؤلفا وممثلا ومخرجا وتقنيا، كما كان ناقدا ومؤطرا ومديرا للملتقيات والمهرجانات المسرحية التي كانت مدرسة حقيقية للتكوين. عبد المجيد فنيش واحد من الذين صنعوا ملامح هذا الجيل الذي لم يكن له من اختيار إلا اختيار التنوع والتعدد في الشخص الواحد. حين نتحدث عن ذاك الجيل عموما وفنيش على وجه الخصوص جاز لنا القول حقا إننا أمام عوالم معرفية وجمالية متعددة في ذات واحدة؛ فهذا الرجل المهووس بالتراث؛ يعيش يومه في أحضان الموروثات يشرب من خمرتها، ويتراقص على إيقاعاتها ومقاماتها، بل إنه ينغمس في لجها حين يفكك بنياتها ثم يعيد تركيبها بأسلوب حديث. وعندما اختار فنيش التراث كأهم مرجع لمسرحه، فإنه انضم مبكرا إلى الاحتفالية وكان من ضمن أكثر المشتغلين فيها بلمسات جريئة، سواء بنصوص برشيد أو بنصوص للغير. حين أتحدث عن أخي فنيش فإني كمن يتحدث عن نفسه، وقد تكون شهادتي هاته مشفوعة بالشغف والحب الذي أكنه لهذا الجبل الشامخ… فقد شهد له الكبار من كل الأجيال بتألقه ونزوحه الخاص الذي ميز أسلوبه، ففي أكثر من مناسبة (سواء كتابة أو في شهادات مرتجلة) قيلت في حقه انطباعات الإجماع حول التميز وأساسا من المرحومين: عبد الله شقرون، الطيب الصديقي، الطيب العلج، حسن الجندي، يحيى بودلال والمرحومة فاطمة شبشوب، ثم أساتذتنا أطال الله أعمارهم: عبد الكريم برشيد، عبد الرحمان بن زيدان، رضوان احدادو، محمد بلهيسي، رشيد بناني، أحمد العراقي؛ عبد الواحد بن ياسر، عبد القادر اعبابو، أنور الجندي، مسعود بوحسين، الحسين الشعبي، وعبد المجيد كذلك هو صاحب مشتل تنشئة أسماء أضحت أرقاما أساسية في معادلة الفرجة الدرامية، كمحمد أثير، كنزة فريدو، جمال بنشيبة، عبد الله ديدان، محمد متوكل، خالد ديدان، فاطمة بوجو، فاطمة الزهراء بوراس، بشرى عوينتي، طارق بقالي، أحمد ولد القايد، سعيد بلكدار. إن الموقع المشرف لفنيش في البيت المسرحي يزداد توهجا بالحضور المتفرد في المتن الفني التراثي حيث أضحى منذ ثلاثة عقود الماسك بناصية الملحون في المسرح بامتياز، وهذا ما أهله للعضوية المستحقة في لجنة موسوعة الملحون لأكاديمية المملكة المغربية، والتي أنجز في إطارها أكبر الفرجات الموسيقية التمثيلية بمشاركة المئات من الممثلين والمنشدين والموسيقيين. حضور باذخ آخر للأخ عبد المجيد رفيق دربي، هذه المرة في الإعلام وأساسا الإذاعي (وهو خريج المعهد العالي للصحافة سنة 1983)، فلقد استطاع أن يعيد الاعتبار إلى الثقافة الشعبية عامة وفنون القول على وجه الخصوص، من خلال مئات الساعات الإذاعية وأساسا في أشهر رمضان، حيث سجلت حلقاته المباشرة أعلى نسب الاستماع، واعتبرها البعض لحظات لخلق التوازن بين ماضي الأمة ويومها ثم غدها، على مستوى الخطاب الثقافي الفني التراثي. إننا حقا أمام علامة ثقافية تعددت ملامحها ومجالاتها، لكن ظل المسرح هو قضيتها الأولى. الأخ فنيش كما قال الدكتور بن زيدان في كتابه: الثقافة المغربية علامات بعد العلامات “إنه مزيج سحري جميل لثقافة أصيلة ومنفتحة ومتفتحة في تناغم بديع”. وكم نحتاج في زمننا هذا إلى مثل هذا التنوع في الذات الواحدة، لأن رهاننا الكامل على تعبير فني يحتمي بمرجعيات معرفية وجمالية، ولأن الرجل مؤسس منذ البداية في مسرح الهواة وفي الجامعة الوطنية لمسرح الهواة فلم يبخل بتجربته لينقلها لأطر الاحتراف فكان أيضا مؤسسا للاحتراف وها هو الآن عضو المكتب الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية. الأخ فنيش، تقبل منا هذه الالتفاتة الصادقة عربون تقدير واحترام وتحية لمسارك الإبداعي الثقافي الراقي الأنيق الذي نتقاطع معك في الكثير من محطاته. عبد المجيد فنيش