يمكن في ظل الطرفية الراهنة وما تتميز به من رهانات اجتماعية واقتصادية وسياسية استثمار الحوار الاجتماعي كوسيلة أساسية وفاعلة لتغيير الوضعية الحالية إلى ما هو أفضل في الاتجاه الذي جاء به خطاب العرش لذكرى العشرين وخطاب ثورة الملك والشعب في الذكرى السادسة والستين وخطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة للبرلمان وهو ما يتطلب الحرص من طرف الحكومة بأن تعمل من أجل إنجاح الدورة الحالية من الحوار الاجتماعي لشهر شتنبر وأكتوبر والتي تتزامن مع مناقشة القانون المالي لسنة 2020 كما يتطلب من مجلسي البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية العمل على بدل مجهود استثنائي في نفس الاتجاه في أفق إعلان جلالة الملك عن اللجنة التي ستكلف بصياغة مشروع النموذج التنموي الجديد ومساهمة في النقاش أثير بعض الملاحظات والتي أتناولها على الشكل التالي : مدونة الشغل قانون الإضراب قانون النقابات التوازنات الاجتماعية والاقتصادية – مدونة الشغل: تعد مدونة الشغل والتي تطلبت مجهوذات كبيرة لتوافق عليها من المواضيع التي تظل محل اهتمام ومتابعة من طرف الفرقاء الاجتماعيين بين موقف النقابات التي تطالب بضرورة تطبيق ما تتضمنه مقتضياتها، وبين موقف أرباب العمل الذين يطالبون بتعديلها وبالرجوع إلى نوعية التعديلات المطروحة من طرف أرباب العمل يلاحظ أن هناك نوعا من التهويل والتضخيم لهذا الاختلاف خاصة بعد أن أصبح الجميع متضررا من عدم تطبيق مقتضياتها إذ يزداد القطاع غير المهيكل اتساعا كما أن المقاولات التي تقوم بتدبير المفوض وبالمناولة بالتشغيل المؤقت لا تحترم القانون وهو ما يضر بحقوق العمال وحقوق المقاولات التي تطبق القانون وحقوق الدولة وقد سبق لي أن كتبت العديد من المقالات في الموضوع خلال المراحل السابقة كان آخرها في بداية شهر ماي الماضي بعنوان : مدونة الشغل بعد 16 سنة من التوافق عليها : تقييم اجتماعي واقتصادي. – قانون الإضراب: ويعود سبب الاختلاف القائم بين النقابات والحكومة وأرباب العمل حول مشروع قانون تنظيم حق الإضراب رقم 15- 97 إلى كون هذا المشروع الذي تم تحضيره من طرف الحكومة يمكن تسميته بقانون منع الإضراب بدل تسميته بقانون تنظيم حق الإضراب وهو الرأي الذي أجمعت عليه المركزيات النقابية والخبراء علما بأن جل الإضرابات التي تحدث الآن يعود سببها إلى عدم تطبيق القانون وإلى التضييق على الحريات النقابية يضاف إلى ذلك أن الفترة الأخيرة عرفت تراجعا في عدد الإضرابات. ويمكن بسهولة الوصول إلى التوافق إذا تم اعتماد ما تكرس على أرض الواقع من خلال الممارسة الفعلية في الميدان في هذا الموضوع قد سبق لي أن كتبت مقالا في نصف الأخير من شهر ماي الماضي بعنوان من أجل التوافق حول قانون تنظيم حق الإضراب. – قانون النقابات: كما أن مشروع القانون رقم 19-24 المتعلق بنقابات العمال والمنظمات المهنية للمشغلين عرف هو الأخر تراجعا بالمقارنة مع ظهير 16 يوليوز 1957 ومع ما جاءت به مدونة الشغل علما أننا لا ننطلق من فراغ كما يعتقد البعض ولا بد من العمل على التوافق حول هذا القانون، وقد سبق لي أن كتبت مقالا حول هذا الموضوع في بداية شهر شتنبر تحت عنوان : “الحركة النقابية المغربية والتحديات الراهنة”. وجل ما يثار من نقاش عن الاختلاف حول هذين الموضوعين يعرف كثير من التهويل والتضخيم. وكون النقابات تطالب بأن يتم التوافق على هذه القانونين قبل عرضهما على البرلمان هو عين الصواب، وهو ما يتمشى مع المنهجية التي تشتغل بها منظمة العمل الدولية، ومع المقاربة التشاركية التي اعتمدت لصياغة مدونة الشغل ولكون القانون الاجتماعي بطبيعته هو نتيجة تراكم الاتفاقات مما يساعد على الوصول إلى التوافق كما أن النقاش عندما يأخذ بعدا مهنيا واجتماعيا واقتصاديا يجعل الوصول إلى التوافق أمر ممكن بسهولة وهذا لا يعني تهميش دور البرلمان. – التوازنات الاجتماعية والاقتصادية : ظل موضوع الزيادة في الأجور محل اختلاف بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل منذ يناير 2012 إلى أبريل 2019 ولا زالت جوانب منه لم ينتهي النقاش حولها ويعود سبب ذلك إلى غياب منظور شمولي في التعامل مع مجمل القضايا في علاقتها وتداخلها مع بعضها الأمر الذي يتطلب العمل على تطبيق تشريع الشغل وحماية الحق النقابي وتفعيل آليات الحوار الاجتماعي وتقوية المفاوضات الجماعية والاتفاقيات الجماعية وتقوية الحماية الاجتماعية بتضافر جهود الجميع بأن تعمل الحكومة ليس باعتبارها فقط كمشغل بل من موقعها كمسؤولة عن تدبير الشأن العام. وأن يعمل اتحاد العام لمقاولات المغرب ليس من موقعه فقط كمدافع عن المقاولة بل بموقع المسؤولية الاجتماعية للمقاولة ومن الخطأ اعتبار أن النقابات تدافع فقط عن حقوق العمال دون مراعاة وضعية المقاولة والتوازنات الاقتصادية، فالنقابات من موقعها كقوة اقتراحية تعتبر الدفاع عن المقاولة والاقتصاد الوطني من أولى أولوياتها وكلما ازدادت الأوضاع الاجتماعية توترا يتطلب منها مجهودا أكبر. وما يساعد على ذلك هو مكانة و أهمية التشريع الاجتماعي المغربي، كما يتطلب من البرلمان أغلبية ومعارضة أثناء مناقشة القانون المالي ليس فقط بتعبير عن المواقف المبدئية لكل هيئة أو فريق حسب مرجعيته بل أن يجتهد في تقديم الاقتراحات وإيجاد الحلول لأن طبيعة المرحلة الحالية و دقتها تستوجب ذلك، وهو ما سينعكس بشكل ايجابي على الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية في أفق وضع النموذج التنموي الجديد، مع العلم أن دعم الحوار الاجتماعي وتطبيق القانون الاجتماعي ظل باستمرار موضوع مساندة من طرف الهيئات الحقوقية والمثقفين ومن الإعلام الملتزم ومن كل القوى الحية، وهكذا فإن الحوار الاجتماعي يعتبر الآلية الملائمة لتدبير تباين الخلافات والحصول إلى الحلول المشتركة للقضايا المطروحة سواء على المستوى المهني أو المجتمعي وبالتالي يتعين العمل على تثمينه ومراعاة شروطه ومقوماته. عبد الرحيم الرماح فاعل جمعوي ونقابي