تقيم للمصريين في أول اختبار انتخابي بعد ثورة 25 يناير كانت الحاجة إلى فرض الاستقرار في فترة يكتنفها قدر كبير من الغموض أمراً محورياً في استفتاء التعديلات الدستورية الذي جرى في مصر يوم 19 من الشهر الجاري. وفتح المؤيدون لتلك التعديلات الطريق أمام إمكانية تحقيق استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي من خلال إصلاح بعض البنود الدستورية التي كانت مثاراً للجدل، وهي الخطوة التي سيعقبها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال الأشهر المقبلة. آنذاك، ستكون هناك إمكانية للنظر في وضع دستور جديد. وبينما وافقت نسبة قدرها 77.2% من المصريين على الاستفتاء، قالت اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية إن التصويت لن يجلب وضوحًا وثقة إلى البلاد. ورغم تولد شعور جديد بالثقة بعد إجراء هذا الاستفتاء، إلا أن تنفيذ أحكامه يهدد بظهور نوع جديد من عدم الاستقرار والغموض. وبينما طُلِب من المصريين أن يقبلوا أو يرفضوا العديد من التعديلات التي كانت تهدف إلى سرعة إصلاح بعض جوانب الدستور، التي تتعامل بشكل أساسي مع قانون الطوارئ وانتخابات الرئاسة، رأت المجلة أن هذا الانتخاب مهَّد الطريق أيضاً لوضع دستور جديد. ورغم أن كل التعديلات لم تكن مثيرة للجدل من حيث الجوهر، إلا أن معترضين سارعوا إلى إدانتها، واعتبروا أنها مجرد محاولة ل «ترقيع» دستور غير مقبول، بعدما أصبح لاغياً وباطلاً نتيجة الثورة. كما عبّر خصوم الاستفتاء عن أن البدء بالانتخابات البرلمانية سيصبّ في مصلحة قوى موجودة بالفعل، مثل فلول الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين، وسيؤدي إلى استبعاد أحزاب جديدة وناشئة. وهو ما جعلهم يقولون إن البرلمان الذي سيشرف على الدستور الجديد سيفشل في تمثيل كل أطياف التيارات السياسية الموجودة في البلاد. هذا ويرغب المعترضون على تعديل الدستور في وضع آخر جديد، ضمن عملية ستشتمل على النطاق الكامل لوجهات النظر في مصر. ويواجه هؤلاء اتهامات من خصومهم بأنهم يسعون إلى إطالة حالة الغموض الراهنة، والانتقال إلى عملية دستورية مطولة، كما هو متوقع لها. خلال تلك المدة، سيظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة، إلى أن يتم وضع دستور جديد يعكس الأمنيات الحقيقية للشعب المصري. أما جماعة الإخوان فكرّست جهودها لدعم الاستفتاء، والتأكيد على أن الموافقة عليه ستعمل على إنهاء ما وصفوها بحالة الفوضى الراهنة. من تلك الجزئية، نجح الإخوان في الاستفادة من مشاعر القلق التي تراود الناس بشأن عدم الاستقرار. واقتصادياً، لفتت المجلة إلى التراجع الحاد الذي شهدته عائدات قطاع السياحة، وأوضحت أن تردد أو عجز المصريين عن الإنفاق ألحق أضراراً بالغة بالاقتصاد المحلي. كذلك لعب الداعمون للاستفتاء على وتر المخاوف التي تنتاب الناس من الجريمة والإحساس بعدم الأمان، وادعوا أن الاستقرار الاجتماعي سيستمر في التدهور خلال عملية دستورية مطولة. ويرى كثير من المصريين أن عدم رغبة الجيش في التصرف كقوة شرطة قد سمح لجهات منحرفة في المجتمع بأن تزدهر. وأشارت المجلة إلى أن مصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان وغيرهم من أنصار الاستفتاء توافقت على مسألة العودة إلى الحكم المدني والفوائد الناتجة لأمن مصر القومي. ثم طرحت المجلة تساؤلاً: لكن هل ستنتقل مصر حقاً إلى مرحلة استقرار؟، وقالت إن «إعلاناً دستورياً» يتوقع صدوره من المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيضع جدولاً زمنياً محدداً للانتخابات البرلمانية خلال الأشهر المقبلة. وقد بدأت مناقشات مكثفة بالفعل حول تشكيل أحزاب سياسية جديدة، وكذلك الإجراءات الخاصة بالانتخابات الجديدة. وشددت المجلة في ختام حديثها على ضرورة أن يشرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة على اعتماد قوانين ولوائح جديدة متعلقة بكل جوانب الانتخابات البرلمانية، وكذلك الانتخابات الرئاسية اللاحقة، طالما أن القوانين الموجودة حالياً لا تحظى بالقبول. وأوضح أن الوضع القانوني مثار الجدل للدستور المعدل أخيراً يقوّض الإدعاء الذي يتحدث عن أن اعتماد الاستفتاء سوف يؤدي إلى الاستقرار. مع هذا، رأت فورين بوليسي أن الاستفتاء نجح في خلق شعور بالاستقرار بإحدى الطرق المهمة: من خلال العملية نفسها. حيث شارك في التصويت أكثر من 18 مليون شخص، منهم أكثر من 40% من الأشخاص المؤهلين للانتخاب، وانتظروا في بعض الأماكن لمدة 3 ساعات خلال يوم حار كي يدلوا بأصواتهم، وكانوا سعداء للغاية لقيامهم بذلك. وهو ما يعني أن الاستفتاء أتاح انتخابات حقيقية للمواطنين في مصر، وأن أمر كهذا في حد ذاته يعتبر مصدراً للاستقرار الوطني، على حد قول المجلة.