المشاركون يدعون إلى تمكين المرضى من ولوج العلاجات المتطورة والناجعة «فقر الدم الكلوي .. رهانات جودة الأدوية البيو- جنيسة» كان هو محور أشغال الدورة التاسعة للمؤتمر الوطني لطب الكلي الذي انعقد مابين 17 و19 مارس الجاري بمراكش، بمبادرة من الجمعية المغربية لطب الكلي. وخصص هذا الملتقى العلمي لتحليل الإشكالية التي تطرحها الأنيميا في تعميق خطر أمراض الكلي المزمنة (MRC)، مع تسليط الضوء على العلاجات المتوفرة بالنسبة لأمراض الكلي المزمنة، التي يعاني منها أزيد من مليون مغربي. الملتقى، الذي أطره ثلة من الخبراء المغاربة والأجانب، من بينهم البروفسور محمد بنغانم، من مصلحة طب الكلي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، والبروفسور ديراي جيلبير من مستشفى بيتيي- سالبيتريير بباريس، والسيدة جونفييف ميشو، مختصة في القضاء بمحكمة بروكسيل المتخصصة في المجال الطبي، شكل مناسبة لتسليط الضوء على الخصوص على الأدوية «البيو- تكنولوجية»، و للتفكير أيضا في الجوانب العلمية والقانونية ل «نسخ» الأدوية البيوتكنولوجية، المعروفة تحت اسم الحيوية المماثلة (biosimilaires)، والإنتاج المعقد لهذه الأدوية وتطويرها، إضافة إلى الأهمية الأساسية المرتبطة بتوضيح مقارنتها مع المنتوجات البيوتكنولوجية من ناحية الجودة، والسلامة، والنجاعة. وأبانت معظم الدراسات العلمية أن شخصا راشدا من أصل عشرة مصاب بمرض الكلي المزمن، أي أن هناك ما يناهز مليون شخص مصاب بالمغرب. وهي ناتجة بالأساس عن داء السكري وارتفاع الضغط الدموي، اللذين يمثلان أول سبب يحتم اللجوء إلى تصفية الدم. وتبقى الإجابة الوحيدة هي الكشف سنويا لدى الأشخاص، الذين من المحتمل أن يصابوا بهذا الداء (مرضى السكري، المصابين بارتفاع ضغط الدم، والعائلات المصابة بداء السكري وارتفاع الضغط، وأمراض الكلي). وأكد البروفيسور محمد بنغانم، من مصلحة طب الكلي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، في عرض حول موضوع « أمراض الكلي المزمنة .. تحدي جديد للصحة العمومية»، أنه بما أن المغرب حقق نتائج مهمة في مجال محاربة الأمراض المعدية، فإن المملكة مدعوة إلى مواجهة تهديد وبائي ثان من خلال ظهور أمراض مزمنة غير متنقلة كمرض السكري، وارتفاع الضغط الدموي، وأمراض الكلي المزمنة، والسرطان. وقال إن هذه الأمراض الخطرة مسؤولة عن ارتفاع نسبة عدد المرضى وعدد الوفيات، وتشكل تهديدا لنظام الصحة بسبب آثارها السلبية على الإمكانيات البشرية واللوجستيكية والمالية الضرورية للتكفل بالمرضى. وما يقلق أكثر أن الأشخاص المصابين الذين يبدون في وضعية صحية جيدة لديهم نسب أخطار مرتفعة لحدوث مضاعفات القلب والأوعية الدموية، المسؤولة عن حدوث الوفيات. وأبرز أن فحصا بسيطا وغير مكلف يمكن من الكشف المبكر على هذه الاختلالات والعلاج المبكر لأمراض الكلي المزمنة من خلال إدخال العلاجات القادرة على الحد من تطور المرض وتفادي فقدان وظيفة هذا الجزء الحيوي من الإنسان. من جانبه، شدد البروفسور ديراي جيلبير في مداخلته تحت عنوان «التكفل بالأنيميا ما قبل تصفية الدم»، على خطورة مرض الأنيميا الكلوية، التي تضاعف من خطر الوفاة نتيجة مضاعفات هذا المرض، أو سكتة قلبية، أو الجلطة الدماغية، مع التذكير على سبيل المثال، بأن الجلطة الدماغية تشكل وحدها السبب الأول في الإعاقة عند الراشدين، والسبب الثاني في العته بعد مرض الزهايمر، والسبب الثالث في الوفيات، دون إغفال تكلفتها السوسيو اقتصادية الباهظة». ويعتبر هذا الأخصائي أن جودة الأدوية الموصوفة في حالة ما قبل تصفية الدم مهمة جدا. وعلى المستوى القانوني، تؤكد جونفييف ميشو أن «القانون الدولي المتعلق بإنتاج الأدوية الحيوية المماثلة محدد بشكل واضح، وفي غياب دراسات التكافؤ الحيوي، التي تثبت علميا سلامة هذه المنتجات الطبية، فكل استعمال لهذه الفئة من الأدوية لا يمكن السماح به، ولا يمكن التغاضي عن حالة صحة المرضى، وكل مس بالسير الجيد للتكفل الطبي، أو إعاقة الشفاء، تعتبر خرقا سافرا للحقوق الأساسية للإنسان. ومن هذا المنطلق فإن ترويج الأدوية الحيوية المماثلة، وحق استبدال دواء بيوتكنولوجي بهذه الأدوية، يجب أن يمنع بشدة». ما هو فقر الدم الكلوي؟ توجد في جسم كل إنسان كليتان تقعان على جانبي العمود الفقري في أسفل القفص الصدري، وعلى شكل حبة الفاصولياء، حيث تزن كل واحدة حوالي 180 غرام، وحجم كل واحدة منهما كقبضة اليد المغلقة. وهما مكلفتان بإزالة الشوائب المنتجة من قبل الجسم باستمرار، وكذا الماء الموجود بنسبة مكثفة. فكل دقيقة، يدخل لتر واحد من الدم (أي خمس ما يحتويه الجسم) في الكليتين، حيث يتم ترشيحه من قبل مليون وحدة صغيرة التي يطلق عليها اسم الكليونات(néphrons). كما تعمل الكليتان، كذلك، على إنتاج هرمون يقوم بمراقبة إنتاج الكريات الحمراء من قبل النخاع العظمي الذي يدعى ايرثروبوتيين. والهرمونات هي مواد يتم إفرازها في الدم من طرف عضو، وتنعكس على وظيفة أجزاء أخرى من الجسم. ويبقى دور ايرثروبييتين هو حث إنتاج الكريات الحمراء. وتنتج الكليتان من 85 إلى 95 % من ايرثروبييتين الموجودة في الجسم. وكنتيجة، وعندما لا تؤدي الكليتان وظيفتهما طبيعيا، (مرض أو قصور كلوي) تكون كمية ايرثروبوتين المنتجة غير كافية، من أجل الحفاظ على معدل طبيعي لكريات حمراء. وهو ما يفضي إلى الأنيميا الكلوية. الأدوية البيوتكنولوجية وجدت البيوتكنولوجيا، التي تعد مجموعة من المنهجيات والتقنيات التي تستعمل عناصر الكائن الحي (الكائنات الدقيقة والخلايا الحيوانية أو النباتية، والمكونات التحت خلوية أو جزيئات من الكائنات الحية) لإنتاج مواد وخدمات، العديد من التطبيقات في قطاع الصحة. وأتاح هذا الاستعمال النهوض بعلاجات جديدة أطلق عليها العلاجات البيوتكنولوجية. وقد خول تكميل أو تعويض العلاج بالأدوية عن الطريق الكيميائي، الوصول إلى علاجات مشخصة ومحددة للشخص المريض. وبصفة عامة، فان الأدوية البيولوجية هي عبارة عن جزيئات علاجية أصلها بيولوجي. لكن مصطلح الأدوية البيولوجية يحيل على البروتينات العلاجية المحصل عليها من عملية التكنولوجيا الحيوية داخل أعضاء كائن حي أحادي النواة (خمائر، بكتيريا) أو حقيقية النواة (خلايا الثدييات)، مع استبعاد المواد البيولوجية الطبيعية المستخرجة. وتوفر هذه المستحضرات الصيدلانية البيولوجية إجابات علاجية في 16 ميدانا مختلفا، مما يعكس مساهمتها في ابتكار الأدوية. الحيوية المماثلة الحيوية المماثلة هي نسخ للأدوية البيولوجية (أو الأدوية البيوتكنولوجية) التي فقدت براءة الاختراع الخاصة بها. وعلى عكس الأدوية الجنيسة، التي يجب إثبات هويتها الكيميائية مقارنة مع الجزيئة الأصل، التماثل البيوتكنولوجي يتم تقييمه على أساس نتائج التجارب والسريرية التكميلية، التي وضعت كل حالة على حدة. ففي أوروبا، على سبيل المثال، السلطات الصحية الأوروبية تكون صارمة جدا عند فحص سجلات تسجيل الحيوية المماثلة. وبالمقارنة مع إنتاج الوحدات الكيميائية يجب الأخذ بعين الاعتبار، معايير إضافية، مثل السلامة الفيروسية من أجل إنتاج الأدوية الحيوية المماثلة (وجميع الأدوية البيولوجية). كما يجب أن تكون الصرامة قصوى، حيث أن نوعية الأدوية الحيوية المماثلة فيما يتعلق بالطب الحيوي المرجعي تعتمد بشكل كبير على عملية التصنيع. فتطوير هذا النوع من المواد يتطلب إذن استثمارات ضخمة وخبرات عالية. وانطلاقا من كل هذه المعطيات القانونية والعلمية، فقد خلص المتدخلون خلال هذا المؤتمر إلى ضرورة تمكين المرضى المصابين بفقر الدم الكلوي من الولوج إلى العلاجات المتطورة في هذا المجال وذلك من أجل تكفل طبي أفضل. وشددوا، في هذا الصدد، على دعوة الهيآت الصحية إلى توخي الحيطة والحذر في ما يخص تسويق الأدوية البيو- جنيسة، معتبرين أن هذا النوع من الأدوية مطالب باحترام التوصيات الدولية بإبراز تكافئها البيولوجي ونجاعتها من خلال دراسات سريرية.