تعتبر رواية “زهرة الجبال الصماء” للكاتب المغربي البشير الدامون خامس عمل روائي، يغني المكتبة المغربية والعربية بعد “سرير الأسرار”، و”أرض المدامع” و”هديل سيدة حرة” و”حكاية مغربية” .. الكاتب في هذا العمل الإبداعي يأخذنا لنكتشف سر خطاب حكائي، تسابقت فيه خيوط السرد المتآلفة والمتفرقة لتنسج مادة الحكي التي تبيح امتداد فعل الكتابة، والتي تفعل ترابط الحدث الواقعي بقرينه التخييلي ثم تزاوج وتلقح هذا الحدث المحكي والفعل السردي لضمان تقابل، يتباعد ويتلاقى لتأثيث مفهوم الحكاية .. هنا يذهب “جيرار جنيت” ليقف عند هذا المفهوم أي “الحكاية” باعتبارها “المنطوق السردي، أي الخطاب الشفوي أو المكتوب الذي يضطلع برواية حدث أو سلسلة من الأحداث، وفي معنى ثان أن الحكاية كلمة تدل على سلسلة الأحداث، وفي معنى ثان أن الحكاية تدل على سلسلة الأحداث الحقيقية أو التخييلية. ويصل جنيت إلى معنى تحليل الحكاية، باعتبارها دراسة مجموعة من الأعمال أو الأوضاع المتناولة في حد ذاتها، وفي معنى ثالث تدل كلمة الحكاية على حدث أيضا، غير أنه ليس البتة الحدث الذي يروى شيئا ما: إنه فعل السرد متناولا في حد ذاته” (1) . البشير الدامون في رواية “زهرة الجبال الصماء” قرب المتلقي من أحداث تشكلت في حضن الهامش الذي تأكله ذئاب العوز والفقر وتدمره الذهنية الهشة وبنية العقل الساذج، الهامش الذي ينخر عظامه سواد العادة وسقم الخرافة، الهامش الذي تكالب وتواطأ عليه قهر الطبيعة وجبروت الطغاة .. الهامش الذي يئن من شر الجهل والخذلان .. في منطقة بشمال المغرب وفي أعالي الجبال المنسية تطل ندوب الإنسان العار من أبسط حق الكرامة والوجود والحرية، هنا يقف حق المرأة القروية ليعلن صرخة القتل الباطني والعاطفي وشتى أنواع القتل اللا إنساني، هنا تصرخ المرأة لتندد بالشقاء المادي والإبادة النفسية التي تمارسها الذكورية الخفية والمعلنة ، الكاتب في هذا المنجز الإبداعي وهو ينفض جمر المعنى من وسط رماد الخيبات، ويسل رسائل الحكي بين عتمات الانكسارات يأتينا بشخوص رئيسة، قادرة على تحويل لعنة الشقاء إلى سلطة البقاء، هنا نستحضر إصرار زهرة الفتاة القوية بحلمها وروحها التواقة إلى نور الحرية والتعلم ورغبة الفوز بحياة سليمة، وكذلك الأم التي تحملت اختفاء وغياب وخيانة وفقدان زوجها، وواصلت طريق التعب وتحصيل القوت رغم قساوة الحجر والبشر، أيضا العمة شامة، العمة المسنة فاقدة البصر التي رغم وهنها تحضر دوما حكمتها وهيبتها في البيت وفي المدشر.. هي إذن شخوص تحمل وجدان الأنثى الدفينة وتحمل عنفوان المرأة القوية التي تغلف الأسى بجلد كينونة ووجود يصران على الحياة والنور والأمل.. هو إصرار يترجم ذاك التوق الأبدي الذي يصاحب المرأة لتبرهن أن الجرح مهما تفاقم، لن يصد غلوه وعلوه إلا الإيمان بالحق في حق الوجود وحق الحرية وحق الحلم والحب وحق الإنسان بكل المعنى المجيد للإنسان. رواية “زهرة الجبال الصماء” للروائي المغربي البشير الدامون، رحلة في تفاصيل وجع جمعي، دون حشرجات حبر ثري، يسخر انسيابه الجمالي لفن الكتابة الحية. هامش: (1) بحث في المنهج / خطاب الحكاية عند جيرار جنيت / زياد أبو لبن .