لو سألْتَني: ما هو سِرُّ السحر الأدبي الكامن في مدينة طنجة ولماذا يتّخذها العديد من الكتاب الإسبان والأمريكيين والمغاربة والفرنسيين مسرحا لأحداث حكاياتهم؟ سأُجيبك على الفور باقتباس فقرة من “مدينة الأعاجيب”، وهي واحدة من روايات الكاتب الكبير إدواردو ميندوثا. كما تعرف حضرتك جيدا، “مدينة الأعاجيب” لا تجري أحداثها في طنجة بل في برشلونة، لكن، من فضلك، أعر انتباهك إلى هذا المشهد من الرواية والذي يتحدّث فيه الجنرال بريمو دي رِّيبيرا إلى مساعده: “حسنا، هل يمكنك أن تُخمِّن بمن إلتقيتُ في تلك الحانة بطنجة؟، سأل الجنرالُ مساعدَه. ألقى المساعد التحية العسكرية قبل أن يجيب. ببوفالو بيل، سيّدي الجنرال. ظلَّ بريمو دي رِّيبيرا يُحملق فيه ثم قال: تبّاً! وكيف خمّنت ذلك؟”. في هذا المشهد السريالي اللذيذ، على طريقة الإخوة ماركس (الكوميديين الأمريكيين)، يوجد مفتاح اللغز. إن لم يكن في طنجة فأين يُمكن أن يلتقي بريمو دي رِّيبيرا وبوفالو بيل؟ أو -إنْ نحن قلبنا الصمولة العبقرية التي يقترحها إدواردو ميندوثا- إن لم يكن في طنجة فأين يمكن لبريمو دي رِّيبيرا أن يختلق لقاءً مع بوفالو لو سألْتَني ما هو سِرُّ السحر الأدبي الكامن في مدينة طنجة ولماذا يتّخذها العديد من الكتاب الإسبان والأمريكيين والمغاربة والفرنسيين مسرحا لأحداث حكاياتهم، سأُجيبك على الفور باقتباس فقرة من “مدينة الأعاجيب”، وهي واحدة من روايات الكاتب الكبير إدواردو ميندوثا. كما تعرف حضرتك جيدا، “مدينة الأعاجيب” لا تجري أحداثها في طنجة بل في برشلونة، لكن، من فضلك، أعر انتباهك إلى هذا المشهد من الرواية والذي يتحدّث فيه الجنرال بريمو دي رِّيبيرا إلى مساعده: “حسنا، هل يمكنك أن تُخمِّن بمن إلتقيتُ في تلك الحانة بطنجة؟، سأل الجنرالُ مساعدَه. ألقى المساعد التحية العسكرية قبل أن يجيب. ببوفالو بيل، سيّدي الجنرال. ظلَّ بريمو دي رِّيبيرا يُحملق فيه ثم قال: تبّاً! وكيف خمّنت ذلك؟”. في هذا المشهد السريالي اللذيذ، على طريقة الإخوة ماركس (الكوميديين الأمريكيين)، يوجد مفتاح اللغز. إن لم يكن في طنجة فأين يُمكن أن يلتقي بريمو دي رِّيبيرا وبوفالو بيل؟ أو -إنْ نحن قلبنا الصمولة العبقرية التي يقترحها إدواردو ميندوثا- إن لم يكن في طنجة فأين يمكن لبريمو دي رِّيبيرا أن يختلق لقاءً مع بوفالو بيل؟ أو -إنْ نحن أنهينا الأمر-: إن لم يكن في طنجة فأين يمكن للمساعد أن يحدِّد موقع لقاء جنراله مع صنمٍ لطالما حدّثه عنه باستمرار؟ إنّ طنجة المتحرِّرة والمينائية والحدودية وباعتبارها تقاطع طرق بين أفريقيا وأوروبا وبين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، هي مسرح يكون فيه كل شيء ممكناً، الأرفع والأوضع معاً، كما يكون فيه كل شيء محتمل الوقوع وهذا أهم شيء بالنسبة لكاتب ما. وهل يوجد موقعٌ أفضل من طنجة للحكي ولحياكة حكايتك في نسيج ألف حكاية وحكاية أخرى؟ أضف إلى ذلك أن طنجة تمتلك ضوءاً يجعل الألوان والظلال كثيفة وذلك بإخراج أحسن ما فيها. وهل يوجد مكانٌ أفضل من طنجة للرسم ولإضافة صورٍ إلى سجّادة الكون؟ لكن هناك أشياء أخرى، أمر مهم جدا ولعلّه الأهم. وهو ما كانت تُشير إليه جين بولز حين تقول بأن طنجة هو المكان الذي يجب أن يلجأ إليه كل من أراد أن يكتشف من يكون حقيقة… أو -ولم لا- أن يختلق لنفسه هوية يتشوّق إليها حقيقة. هل توجد أرضٌ أفضل من طنجة -كان يتساءل محمد شكري- لكي يحلم فيها المرء بنفسه وبالعالم؟ لقد عاد الأدب الإسباني ليعرف هذا الأمر من جديد وعاد ليَعْبُر مضيق جبل طارق ليجلس في أحد مقاهي “السوق الداخلي” أو شارع باستور أو على المنحدر ويستأنف علاقته الخصيبة مع هذه المدينة حيث تمّت صياغة اثنتين من أحسن رواياته خلال القرن العشرين: “حياة خوانيتا ناربوني الحقيرة” لآنخيل باثكيث؛ و”استرداد الكونت دون خوليان” لخوان غويتيسولو. وهما عملان مارقان وغارقان في الحرية وفي الهوامش، من قبيل المجال الذي تجري فيه أحداثهما. إسمح لي أن أؤكِّد لك بأنه -في رأيي- لم يصل بعدُ أيُّ منتوج من الحصاد الأدبي الإسباني-الطنجاوي الجديد إلى مستوى باثكيث وغويتيسولو الرفيع، لكن، حتى وإن خاطرتُ بأن أكون ثقيلا خلال بضعة سطور، سأستسمحك لأُبيّن لك أن هذا الحصاد بدأ يصير وفيراً. هناك رواية “مدينة الكذب” لإنياكي مارتينيث والتي وصلت إلى اللائحة النهائية لجائزة نادال (عن دار النشر ديستينو، 2016)؛ “حلم طويل في طنجة” لأنطونيو لوثانو (ألموثارا، 2015)؛ “إمبراطورة طنجة” لسيرخيو بارثي (إلخينال، 2015)؛ “دفاتر مقهى الحافة” لبابلو ثيريثال (كارينا، 2012)؛ “الزمن بين خياطات” لماريّا دوينياس (تيماس دي أُويْ، 2009)؛ “لقاء في طنجة” لخوسيه لويس بارّانكو (ميرا، 2009)؛ رواية “حدود من الرمل” لسوسانا فورتيس والتي وصلت إلى اللائحة النهائية لجائزة بريمابيرا (إسباسا، 2001)؛ “من الريف إلى جبالة” للورينثو سيلفا (ديستينو، 2001)؛ “العام المقبل في طنجة” لرامون بوينابينتورا (ديباطي، 1998)… وأضفتُ إلى هذا الحصاد أنا أيضا رواية “طنجاوية” (مارتينيث روكا، 2015) وأعكف حاليا على كتابة روايتي الثانية. ماذا دهانا جميعا لتتحوّل هذه المدينة إلى واحدة من المدن الواقعة خارج شبه الجزيرة الإيبيرية الأكثر حضورا في الأدب الإسباني المعاصر؟ ربما لأننا تحقّقنا -رغم تراجعها في الثلث الأخير من القرن العشرين- من كون الكثير من الأشياء التي كانت تُبهر أسلافنا ما تزال قائمة: الموقع الجغرافي الاستثنائي والمناخ المعتدل؛ كرم أهلها ومزاجهم الجيد؛ وفرة المشاهد والحكايات الحلوة؛ إمكانية التفاهم باللغة الإسبانية مع جميع السكان الأصليين تقريبا… وأيضا -على ما أظن- إمكانية الكتابة عن عديد الأشياء التي ضاعت مثل وضع المدينة الدولية أو الوجود المُدوِّي للجالية السيفاردية، بحيث ما يزال هنالك شهود بشرية ومادية يمكنها أن تعينك على إعادة خلق تلك الأشياء الضائعة. من المؤكَّد أنّ حضرتك تعلم بأن عاصمة المضيق، بين عامي 1923 و 1956، كانت منطقة دولية. وكانت تُديرها سبع قوى دولية وكانت المدينة تتمتّع بنظام ذي حرية موسَّعة في ما يخصُّ التجارة والدين والأعمال والأفكار والهوايات الشخصية. وكان يعيش فيها اليهود والنصارى والمسلمون والملحدون وبينهم بضعة عشرات الآلاف من الإسبانيين مما جعل عملة البيسيطة (peseta) واللغة القشتالية والنبيذ والأكلات الخفيفة التي تُرافق الشراب (tapas) والفلامينكو والمشاجرات الإيبيرية تكون جزءاً جوهريّاً من كينونة هذه المدينة. فلا تستغرب إذاً أن يكون إعادة إحياء وخلق ذلك العهد موضوعا لكل تلك الأعمال المذكورة آنفاً. يحكي لنا إنياكي مارتينيث، على سبيل المثال، في رواية “مدينة الكذب” قصص الحب والجواسيس خلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت طنجة في الواقع ذلك الملجأ الذي كان يهرب إليه الجميع من ويلات الفاشية الموصوفة في فيلم “كازابلانكا”. وقد سبق لماريّا دوينياس أن نهلت من مرجعية هذا الموضوع -وقد حالفها النجاح في ذلك- بالتركيز على مدينة تطوان لكن مع وجود انسلالات ذات معنى إلى طنجة. وسأُثبت لك أن ماريّا دوينياس ساهمت بشكل كبير في تجديد الاهتمام بهذه المدينة من طرف الرحالة الإسبان. فصديقي خوان كارلوس كان من أولئك الذين عبروا المضيق وهم يحملون رواية “الزمن بين خياطات” في الحقيبة وبعدها قرّر البقاء هناك ولم يكن الوحيد الذي فعل ذلك. ينحدر خوان كارلوس من بلنسية ويُدير الآن مطعم “ديبلو”، قبالة الميناء ومحطة القطارات القديمة، حيث يُقدِّم أطباقا رائعة من الأرُزّ. إنْ كنتَ لا تعرف ذلك، سأكون مُجبَراً على تنبيهك إلى أنّ طنجة ليست مدينة مآثر تاريخية أو متاحف استثنائية. إنّ جمالها -الذي يدمغه القبحُ في أحيان كثيرة، وهذا شأنٌ أدبيٌّ جدّاً- لا يفرض نفسه منذ النظرة الأولى. كان بول بولز يقول أن طنجة لم تُخلق للسياح بل خُلقت للرّحالة. وكان هذا الكاتب والموسيقي الأمريكي على حق في ذلك مثلما كان مُحقّاً أيضا حين كان يؤكد على أنّ الأمن إلهٌ مُزيَّف لا يجب أبداً أن نُقدِّم له القرابين. مدينة للحياة والمتعة يجب على المرء أن يعيش المدينة من أجل إدراك ما يُسمِّيه غويتيسولو ب”قِطاع طنجة”. لكن لا تَفزَع حضرتك: فلكي تعيشها لا تحتاج إلى شهور أو سنوات، ولا حتى إلى أسابيع. يكفيك معها نوع من الاستعداد الروحي القبْلي وانفتاحٌ معيّن في الحواس والقلب والعقل من أجل الاستمتاع بساعات قليلة من الظهور الحقيقي: وذلك بأن يعرف المرء بأنه قد أمسى جزءاً من المدينة وبأنه قد اندمج في طبيعتها وفي طبائع أهلها. تستطيع حضرتك أن تُحسّ بذلك الظهور عند الخروج من محل “المديني” لبيع العطور وفي حوزتك قنينة من الكولونيا الرائعة بنكهة الليمون الطبيعي في كيس من البلاستيك وأنت تلمح “سور المعاگيز” وشساعة الخليج الزرقاء وفي الخلفية ترى الشواطئَ القادشيّة ترتسم في الأفق. أو حين تشرب الشاي بالنعناع في “السوق الداخلي” أو على سطحية “سينما الريف” وبعد أن تتساءل لأيِّ سبب يُعجِب هذا الذي تُشاهده كل هؤلاء الرحالة، ستلاحظ فجأة أن الأمر يتعلّق بفرجة مسرحية فاتنة والتي كان يتحدّث عنها تينيسي وليامز… بل أفضل من ذلك، ستفهم بأنك صرت واحداً من أفراد طاقم التمثيل. وأُخبرك بأن الطنجاويين يساهمون منذ الوهلة الأولى في تبنِّيك وجعلك واحداً منهم. كان بولز أول من اكتشف هذا الأمر، أو على الأقل أول من تحدّث عنه. وقد قام بذلك بطريقة جيدة إلى حدِّ أن أصدقاءه بدأوا يسافرون إلى المدينة ويدركون أنه كان مُحِقّاً. وكان ترومان كابوتي وتينيسي ويليامز ووليام بوروز وجاك كيرواك ممن قضوا هنالك فترات طويلة في أواسط القرن العشرين. كان الكحول والكيف والحشيش رخيصاً ووفيراً وكان الفتيان وساماً وسهلي المنال، وكانت الإنجليزية لغة التواصل بين العموم. وكانت طنجة حينئذٍ مِلْكاً للجميع ولم تكن مِلْكاً لأحد، وكانت الملجأ المثالي للمنشقِّين في أفكارهم وأسلوب حياتهم وكانت “معبداً لللاتداخل” كما يُسمِّيه بوروز. وسيلتحق بالحفل أخيراً الفرنسي جان جينيه. كان جينيه يقول بأن طنجة “ملجأٌ للخائنين” وكان ذلك على لسانه بمنزلة المدح. كما هو الشأن أيضا بالنسبة إلى خوان غويتيسولو حين استقرّ هناك من أجل تأمُّل إسبانيا خلال عهد فرانكو انطلاقا من مرصد “مقهى الحافة” ليفضحها قدر المستطاع ويستعيد صورة الكونت دون خوليان، ذلك المرتدُّ الذي فتح أبواب إسبانيا أمام المسلمين، حسب الأسطورة الوطنية الكاثوليكية. وفيما يخصُّ آنخيل باثكيث، فقد وُلد هناك وهو ابن “ماريكيتا”، بائعة القبّعات في حي “الصيّاغين” بطنجة، رجلٌ صغير ذو بصر حسير، شاذٌّ ومدمن على الكحول، والذي استطاع بواسطة مناجاة النفس تلك على لسان عزباء تُسمَّى خوانيتا ناربوني أن يكتب الرواية التي أصبحت ربّما أكبر عملٍ لعينٍ في القرن العشرين الإسباني. تقول الشخصية خوانيتا ناربوني: "إنّ هذه المدينة مثل قوقعة تمضي شيئا فشيئا في جمع أسوأ ضجّات العالم"، وحين أُفكِّر الآن في الأمر، أجد أنّ ما يجعل روايات باثكيث وغويتيسولو الطنجاوية ذات معنى وأكثر إثارة للفضول هو أنها عبارة عن مناجاة للنفس (مونولوغ). في أواسط القرن الماضي، كانت الأفلام والروايات الأمريكية تُسمِّي طنجة ب(sin city)، مدينة الخطيئة، وكان ذلك أمراً مُبرَّراً في الواقع. إذ كان يتسكّع الجواسيس وتجّار المخدِّرات والجواهر والأسلحة من كل أقطار العالم في حاناتها الإسبانية مثل “لامار تشيكا”، وخمّاراتها الأمريكية من قبيل “نيغريسكو” والعديد من نوادي القمار والمواخير المحليّة. وكانوا يفعلون ذلك في حيطة وحذر حتى لا يُراق الدم أبداً في ذلك المكان الذي كان يأويهم جميعاً بفضل قانون المنطقة الدولية. وهكذا كانت المدينة آمنة جدّاً وأُخبرك أنها ما تزال كذلك. وكان يذهب إلى هناك أيضا كُتّاب الرواية البوليسية. وكان بالإمكان رؤية يان فليمينغ خلال الليل في خمّارة (Dean) وباتريسيا هايسميث خلال النهار في “مكتبة الأعمدة” (Librairie des Colonnes) وهي تتحدّث مع صديقتي راشيل مويال. وما زالت إلى اليوم أفلامُ جيمس بوند، صنيعةُ فليمينغ، تتضمّن مشاهد تجري في طنجة؛ وهذا ما ينطبق على الفيلم الأخير (Spectre). والحاصل أن الحال بقيت على ما هي عليه: ما تزال طنجة أرضاّ للرواية والسينما السوداء (film noir)، وعليه فلا يجب أنْ تستغرب أنّ بعض الكُتّاب الإسبان الحاليين الذين يجعلونها فضاءً لقصصهم يختارون هذا النوع الأدبي. وهذا هو حالي أنا أيضا. إن طنجة، وأظنُّ أنِّي قد قلت ذلك من قبل، مدينةٌ تتكلّم اللغة الإسبانية وتُحبّ كل ما هو إسبانيّ. وقد تحدّثتُ بلغة ثيربانتس لساعات وساعات مع اثنين من أحسن روائييها، كما أفعل الآن مع حضرتك. مع محمد شكري الذي رغم أنه قد توفي إلا أنني أقوم بتكريم ذكراه كلما نزلتُ بالمدينة والذي أظنُّ أنه سيُعجبه أن أشرب كأساً في الخمّارة التي فُتحت في الطابق السفلي لفندق “الريتز” وسُمِّيت باسم أشهر أعماله: “الخبز الحافي”. ألَا يبدو لك رائعاً أن تُسمَّى خمّارةٌ بعنوان إحدى الروايات؟ أما بخصوص محمد المرابط، الأميُّ الذي كان يُملي قصصه على بولز باللغة الإسبانية، وهو ما زال حيّاً يُرزق، والذي لم يعُد يشرب منذ عقود، لذلك فأنا سأكتفي معه بشرب شايٍ بالنعناع. بالمناسبة، لقد قامت دار النشر “كباريه فولتير” بإعادة نشر “حُبٌّ مقابلَ حفنةٍ من الشَّعر”، القصة المنعشة التي أملاها المرابط على بولز. كما أصدرت دار النشر نفسُها أعمال شكري التي لم يسبق نشرها باللغة الإسبانية وكان آخرها “السوق الداخلي” بترجمة ممتازة من إنجاز كلٍّ من رجاء بومدين ومليكة مبارك وكريمة حجاج. وهذا دليل آخر، في نظري، على تجديد الاهتمام الإسباني بطنجة. سأختم… إنّ مدينة طنجة أرضيةٌ أدبيةٌ كبيرة مثل كاميلوت، قلعة الملك آرثر، تُجسِّد أُنموذجاً للإنسانية جمعاء؛ وهي في حالتها هذه، أُنموذجٌ لفضاءٍ يستطيع أن يعيش فيه الجميع في حرية لا تُقيِّدها حدودٌ سوى حدود حرية الآخرين. وماذا سيكون الفرق لو أنها لم تكن كذلك تماماً، حتى خلال الفترة الدولية، لو أن ذلك يقع خلال زمن الاستعمار، لو أنها كانت، كما كان يقول إيميليو سانث سوطو، "مجرد كذبة لذيذة"؟ إن الأساطير ليست هي التاريخ، بل هي تتطلّع لتُنير مستقبلنا. إنّ الأساطير تُحدِّد ما نتوق إليه والقرن الواحد والعشرين سيكون هكذا، قرن التعايش في حرية بين الهويات المتعدّدة الفردية والجماعية، أو لن يكون كذلك بغير هذه الطريقة. إنّ كلّ شخص، في طنجة، يحكي الحكاية بطريقة مختلفة لأنّ كلَّ الناس يحكون الحكايات، الشخصية منها أو تلك التي تتمُّ إعادةُ إبداعها؛ كلُّ الناس في مدينة طنجة يُصبحون شهرزاد. هامش: * خابيير بالينثويلا (Javier Valenzuela): كاتب وصحفي إسباني من مواليد غرناطة عام 1954. اشتغل لمدة 30 سنة في صحيفة “إلباييس” (El País) كمساعد مدير وقبل ذلك كمراسل لذات الصحيفة في كلٍّ من الرباط وبيروت وباريس وواشنطن. بعد استقالته من وظيفته بالصحيفة الإسبانية الأكثر انتشارا عام 2012، شارك في تأسيس جريدة إلكترونية يومية (info Libre) وكان أول مدير يُشرف على إصدارها الشهري وهو مجلة ورقية تحمل اسم “مداد حر” (Tinta Libre). صدرت له تسعة كتب ذات مواضيع صحفية بالإضافة إلى ثلاث روايات وهي: “طنجاوية” (2015)؛ “ليمون أسود” (2017) و “بارودٌ وتبغٌ وجلد” (2019). فاز بالعديد من الجوائز كانت آخرها جائزة “المقهى الإسباني” للقصة القصيرة في أواخر شهر يوليوز الماضي بنص قصصي يحمل عنوان: “هيتلر في طنجة”. المصدر: – بالينثويلا، خابيير؛ “العودة إلى مدينة شهرزاد”؛ مجلة “مداد حر” (Tinta Libre)؛ العدد 38 (يوليوز – غشت)؛ مدريد؛ 2016. بقلم: خابيير بالينثويلا