" طنجة تربة خصبة وندية للإبداع والأدب " بهكذا تحية هتف الكاتب الإسباني خافيير فلينزويلا في حق مدينة اليوغاز خلال ندوة فكرية احتضنتها العاصمة مدريد مؤخرا خصصت لبحث ومطارحة الأفكار والتصورات حول تمظهرات وتجليات حضور مدينة طنجة في الثقافة والأدب الإسبانيين. ولعل تحية خافيير فلينزويلا التي اعتبر فيها أن مدينة طنجة كانت ولا تزال موئلا للإبداع تمارس غوايتها بشكل طاغي على الكتاب والمبدعين الإسبان لم تكن اعتباطية ما دامت العديد من الروايات التي صدرت حديثا في إسبانيا تتقاسم نقطة ارتكاز مشتركة هي مدينة طنجة كخلفية وكفضاء للشخوص ومكان لبناء المعمار الروائي الذي ينشده المؤلف. وهذه كلها مؤشرات تؤكد على العودة القوية للمبدعين الإسبان للاحتفاء بذلك التقليد العريق الذي كرسه روائيون ومبدعون إسبان كبار من خلال روايات وقصص مستوحاة من هذه المدينة السحرية والغامضة وخافيير فلينزويلا واحدا منهم إذ لم يسلم بدوره من سحر مدينة البوغاز التي أسرته بفضاءاتها وعالمها الغرائبي فأفرد لها روايته الموسومة ب ( طانخرينا ) التي صدرت سنة 2015 . وإضافة إلى خافيير فلنزويلا الكاتب والصحفي الذي ينحدر من غرناطة بالجنوب الإسباني شارك في هذه الندوة التي نظمها ( البيت العربي ) بمدريد ماريا دوينياس الباحثة الجامعية في الأدب الإنجليزي التي ولجت عالم الرواية والإبداع سنة 2009 بروايتها ( إيل تييبو إنتري كوستوراس ) والتي تمت ترجمتها إلى الفرنسية تحت عنوان ( جاسوسة طنجة ) . وقد تم بيع أزيد من مليون نسخة من هذه الرواية التي ترجمت إلى أزيد من 25 لغة وازدادت شهرتها بعد نقلها إلى الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل بثته القناة الإسبانية الثالثة . كما حضر هذا اللقاء الروائي أنطونيو لوزانو الذي لا يخفي هواه لطنجة لاسيما أنها مهد الولادة حيث ازداد بها سنة 1956 وعاش ما بين المغرب وإسبانيا وجزر الكناري وهو الذي صدرت له سنة 2015 رواية تحمل عنوان ( حلم طويل بطنجة ) استلهم فيها عبق هذه المدينة التاريخية وتنوعها الثقافي وسحنات العابرين والمقيمين . واستحضر المشاركون في هذا اللقاء مجموعة أخرى من العناوين لروايات صدرت مؤخرا وهي مشبعة بالقوة الملهمة لهذه الحاضرة ومن بينها رواية ( إيفا ) أحدث إصدار للروائي المعروف آرتورو بيريز ريفيرتي بالإضافة إلى رواية ( نييبلا إن طانخير ) أو ( ضباب طنجة ) للكاتبة كريستينا لوبيز باريو التي وصلت إلى نهائيات الجائزة المرموقة ( بلانيتا 2017 ) . وفي تفسيره لهذا التأثير السحري والغامض الذي تحدثه مدينة طنجة في مسارات كل الروائيين يقول خافيير فلينزويلا " إن لمدينة طنجة سحرها الخاص وهي فضاء رائع للحكي والإبداع " . وبرأي المتخصصين فإن لهذا التأثير وهذا السحر الذي تمارسه مدينة البوغاز على الفنانين والمبدعين علاقة واضحة ووطيدة بتاريخ هذه الحاضرة خاصة خلال الفترة الاستعمارية ( من نهاية القرن 19 إلى بداية القرن 20 ) حين اجتذبت طنجة التي أضحى لها طابع دولي مختلف الجاليات والأجناس وأصبحت ملتقى حقيقي لتلاقح الثقافات والحضارات لتصير نموذجا لعالم مصغر ومنجم لا ينضب من التاريخ والقصص والإلهام . يقول فلينزويلا " إن سكان طنجة هم أنفسهم رواة قصص كبار فيكفي أن تنصت إلى مروياتهم وحكاياهم حتى يحضرك الإلهام ... كما أن الإسبان الذين عاشو بطنجة خلال النصف الأول من القرن 20 كان عددهم كبيرا وكانوا قريبين جدا من المغاربة كما حافظوا على علاقات قوية معهم دون أي شكل من أشكال التمييز أو التفرقة " . أما ماريا دوينياس فترى أن طنجة " هي مدينة آسرة كما أنها حاضرة لا تكشف عن كل ما لديها وتعرف كيف تصون سحرها وغرائبيتها " مضيفة أن مدينة البوغاز " جاءت في روايتها كمدينة ملهمة تستهوي الناس والأشخاص لسبب أو لآخر إنها مرادفة لتقلبات الدهر والحياة لأنها ببساطة تستطيع أن تفرض إرادتها وسيطرتها على الآخرين " . انطونيو لوزانو تحدث بدوره عن " أساطير طنجة وتاريخها الفريد كمدينة مفتوحة ومتسامحة " مؤكدا أن " التعايش بين الأديان والثقافات والقوميات المختلفة التي عاشت في طنجة هو حقيقة بارزة وملفتة كما أن سكان هذه المدينة رغم اختلاف جنسياتهم سيظلون متشبثين بهذا الإرث المشترك " . فهذا الروائي والمترجم الذي ازداد بطنجة يعترف بانبهاره بفضاءات هذه المدينة ومناظرها الطبيعية والمعمارية وخاصة بضوئها المشع الذي مارس غوايته على العديد من الفنانين والروائيين بدءا من هنري ماتيس وأوجين دو لاكروا وغيرهما مضيفا أن لمدينة طنجة " شخصيتها المتفردة ولكن لا يمكن اختزالها في مجرد أسطورة " . وهو ما دعمه خافيير فلينزويلا حين شدد على أن مدينة البوغاز " هي أيضا مدينة تعيش راهنيتها وتواجه كما باقي مدن العالم تحديات ورهانات تشكل في حد ذاتها مصدر إلهام " . كما اغتنم الكاتب والصحافي فلينزويلا المراسل السابق لصحيفة ( البايس ) بالرباط هذه المناسبة لتسليط الضوء على عملين اثنين من روائع الأدب الإسباني اللذين اتخذا مدينة طنجة موضوعا لهما الرواية الأولى هي ( لا بيدا بيرا دي خوانيتا ناربوني ) لأنخيل فاسكيز التي حولتها المخرجة المغربية فريدة بليزيد إلى فيلم سنة 2005 ثم رواية ( ربينديكاسيون ديل كوندي دون خوليان ) للكاتب خوان غويتيسولو الذي توفي مؤخرا وهما روايتان " من جواهر ما كتب باللغة الإسبانية ولكنهما لم تحظيا بما يستحقانه من اعتراف " حسب خافيير فلينزويلا . ولاحظ أن مدينة البوغاز " هي أكثر من أسطورة إنها في المقام الأول رمز للتعايش وللتاريخ المشترك الذي يجب أن يستلهمه العالم وليس الكتاب والروائيين والمبدعين فقط " .