الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    "المغرب ينير الأندلس" ويتحول إلى فاعل طاقي وازن في الضفة الجنوبية    البنك الدولي يتوقع انخفاض أسعار السلع الأولية إلى مستويات ما قبل كورونا    استعادة التيار الكهربائي تنهي ساعات من العزلة والصمت في البرتغال    الأوقاف تدعو المواطنين إلى توخي الحذر بخصوص بعض الإعلانات المتداولة بشأن تأشيرة الحج    المغرب يدين أكاذيب الجزائر بمجلس الأمن: هوس مرضي وتزييف الحقائق    "المستشارين" يحتضن شبكة الأمناء العامين لمنتدى الحوار جنوب جنوب    "النهج": الحوار الاجتماعي يقدم "الفتات" للأجراء مقابل مكاسب استراتيجية ل"الباطرونا"    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    ربط المغرب بآسيا.. اتفاقية استراتيجية بين المكتب الوطني للسياحة وطيران الإمارات    شراكة تجمع التعليم العالي و"هواوي"‬    "البيجيدي" يطالب بتوسيع "الانفراج الحقوقي" ويؤكد أن البناء الديمقراطي بالمغرب شهد تراجعات    دول الساحل تُشيد بمبادرة المغرب لتمكينها من الولوج إلى الأطلسي وتؤكد تسريع تفعيلها    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    كارني يحقق فوزا تاريخيا في الانتخابات الكندية ويعد بمواجهة تهديدات ترامب    أورنج تهدي مشتركيها يوما مجانيا من الإنترنت تعويضا عن الانقطاع    حريق مطعم يودي بحياة 22 في الصين    إسبانيا.. ظهور السفينة الحربية المغربية "أفانتي 1800" في مراحل متقدمة من البناء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الوزيرة بنعلي: جودة مياه الشواطئ المغربية ترتفع إلى 93 في المائة    كاميرات ذكية ومسرح في المدارس المغربية لمواجهة العنف    تكريم موظفين في سجن "لوداية"    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    نقابة الكونفدرالية بالمحمدية تطالب بعقد اجتماع عاجل مع السلطات الإقيليمية لإنقاذ عمال مجموعة "الكتبية"    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    أخبار الساحة    مشروع مستشفى بالقصر الصغير في طي النسيان منذ أكثر من عقد يثير تساؤلات في البرلمان    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    موكوينا يخلط أوراق الوداد الرياضي    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    أزيد من 220 عاملًا بشركة "أتينتو Atento" بتطوان يواجهون الطرد الجماعي    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشريح الصورة في الخطاب المسرحي المرئي
نشر في بيان اليوم يوم 28 - 07 - 2019

لما كان العرض المسرحي بيئة محبوكة ومتكاملة متعددة العناصر والوسائل، فإن كل عنصر من عناصرها هو غني بالتحفيزات التفاضلية.
يشكل منطقة إبداع حر لبناء الصورة، إذا ما أحسن المخرج استخدامها، ولما كانت صورة المشهد تتأطر بتلك الكثافة الهائلة من العلاقات في الفراغ، فإن عوامل الربط المحكم بين الشكل المنجز والبناء التأويلي تستدعي التتابع المنطقي كما يرى هوكز، كونه استقصاء للمعنى وملاحقته واكتشاف الخلاصة المدججة بالتفصيلات التأويلية، وإن الذائقة الجمالية الخاصة خاضعة إلى نسبية التجربة والمعنى وفقا لعلاقات التفاضل لتعين قصدية المعنى داخل الصورة بوصفه الهيكل المصاغ للمعنى. ولعل هذه القصدية لا تأتي من فراغ، بل إنها تستند إلى عوامل عديدة لإخصاب الصورة واكتنازها بالمعنى بحسب (هوسرل)، ويمكن العودة ابتداءً إلى العوامل الاستنباطية المؤثرة في عملية تفسير خطاب النص، لإحالته إلى صورة مرئية على مفاصل عدة، كالعلة والمعلول ورسم المماثلات بين العلة كأساس استنباطي، وبين الصورة بوصفها تكوين انتهائي لتفسير ثيمات العرض المسرحي، ومحاولة إنشاء فضائل المدركات الحسية لتحقيق الصورة الذهنية ضمن محاولة ترجمة الكلمة إلى صورة، إذا كانت سلسلة من الكلمات لها معنى، فإن مقطعاً من الصورة له ألف معنى.
في الصوب الآخر فإن الفعل يشكل المنعطف الثاني لإنتاج الفكرة، لكن الفعل ليس هو الفكرة. إن الفكرة هي قاعدة الحدث أما الفعل فهو الحصيلة أو الأصح هو النتيجة التي تحكم عليه وتراقبه. لذا فإن إنتاج الفعل إن كان بصريا أو حركيا أو ضوئيا أو دلاليا بأي مخصب كان، فهو القادر على تفعيل دور الفكرة وبالتالي استخلاص المعنى.
ولعل سيمياء الصورة تشتغل ضمن محاضن إنتاج المعنى الدلالي، فجميع الأشياء عند وضعها على المسرح تتخذ نسقاً دلالياً، وفقاً لخواص الإبانة، وهي مادة غاية في التعقيد، كونها تتمحور حول إنتاج المعنى في المسرح، ولقد كانت سيمياء العرض قد أولت العلامة وتوابعها عناية فائقة كونها تستند إلى ضروب الدال التي يستخدمها المسرح لإنتاج المعنى.
للسبب ذاته، فإن اكتناز الصورة، يفترض مسبقاً وجود رؤية تحدد تفعيل عناصرها الدلالية، في تغيير قوانين المفهوم البصري، فأنت لا ترسم صورتك على الخشبة، إنما ترسم صورة الفكرة وجمالياتها المستنبطة من خطاب النص أو الذاكرة التصورية، سيما أن خطاب العرض متجدد على الدوام، يفترض أن تكون التفاعلات الدرامية محسوبة بدقة، كما يرى (فلتروسكي) بقوله: إن الصورة تشد الانتباه مؤقتاً أو طيلة مدة العرض على ديكور أو علامة أو إضاءة أو موسيقى وإن إعادة تشكلها ضمن خصائص العنصر العلامي يتغير شكل الصورة.
والمتلقي يرغب في تفكيك الصورة الخام بوصفها خطابا متفردا ذا معمارية خاصة، تجذب انفتاحه على لغة بصرية مؤطرة بالمعنى، والبحث عن المعنى هو ما يدفع الفرد أحياناً لشد الانتباه والمتابعة، فضلاً عن أن فكرة المخرج ينبغي لها أن تتأطر كلياً داخل الصورة، ولعل البساطة في التعبير هي الأقرب إلى عملية الفهم، قد يسهل على المتلقي فك الشفرات في حالة التعقيد. ويذهب (كير إيلام) إلى أن الصورة كلما قلت دلالاتها كلما أرادت لنفسها أن تكون لغة وللصورة في الدراسات السيميائية ثلاث أبعاد: الأولى هي الميتا لسانيات والثانية هي الميتا دلاليات والثالثة هي الميتا تداوليات ويمثل البعد الثاني، البعد الدلالي للصورة، وعليها يميل تحديد (لوجيزمان) كونها تتضمن مرجعية ضرورية إلى معطى خارجي، لأن الصورة الثانية، هي صورة الموضوعات، تعكس الصورة الأولى التي هي صورة الكلمات، وعليه ينبغي أن تشير الصورة هنا إلى وجود انزياح بين الصورة ودلالتها، بل إن الصورة جزء من صيرورة دلالة في تطور مستمر، تشير إلى فكرة التغيير والمشاركة.
فالخيال هو المنجز لماهيات الصورة وانثيالاتها وفق الذائقة الجمالية المستوفية على شرطين (الطابع المكتسب للشكل المثار في الإدراك الباطني)، والشيء الثاني في كيفية تكون النمط (المثل) في أذهاننا، والصورة البصرية الناتجة هي التي تصحح مفهوم النوع، وهو رمز ينقلنا إلى فهم وإدراك الصورة، كونه يمنحنا مضمون المعنى العام للصورة.
إن القيمة الجمالية تتوافر في كل تمفصلات الصورة بما يحتويه الفراغ بشقيه السلبي والإيجابي. وللسبب ذاته فإن المتعة الحسية والفكرية، ترتكز إلى القيمة الجمالية لتحقيق مبدأ اللذة. ويرى ( تالمي وسبنسر ) فق مصدر مفاهيمي مشترك هو بنية الفضاء، حين تستند إلى قوتين متعارضتين يلخصهماشكل الفضاء التوتري وتعديلاته، الهيئة التي يتم منها وحسب إجراءين مختلفين: ولادة التصييغ بالتحول من جهة، وولادة إظهار السير الزمني للحدث بالاستدعاء من جهة أخرى.
وبهذا تصبح الصورة ملغزة بالمعنى التأويلي أو الرمزي أو الدلالي.
الإحالة الصورية:
ترتقي الصورة أحياناً إلى توظيفها في الزمن الحالي (الآن وهنا ) أو الزمن المستقبلي أو الزمن الاستباقي، وأحياناً تعتمد الصورة الإحالة إلى زمن سابق سبق الإحداث. ولعل هذا المفهوم قد أستعير من السينما عن طريق (الفلاش باك)، وهي محاولة لإعادة صورة سابقة توتر الحدث ودعوة إلى المسببات والعلل التي قادت إلى تحديد المشهد الحالي، ولما كان المسرح قد سبق السينما، فإن مفهوم الإحالة قد فرضته سنن الرؤية الإخراجية وتأملات المتلقي المتعددة، فقد يرى المتلقي ربما في إحدى أمكنة المنظر زاوية تعيد ذاكرته إلى مرحلة الطفولة، وفق تلك المتشابهات في المنظر، وبين ما هو مخزون في ذاكرته، وهذا نوع من الإحالة تفرضها الصورة، وقد يكون اقتران المشهد الذي يروم المخرج إعادته للمتلقي في إحالة لاحقة، فيعمد المخرج إلى ربطه بموسيقى خاصة، تقترن به اقترانا ترابطياً.
وحينما يتم تقادم المشاهد اللاحقة، فإن إعادة الموسيقى السابقة في المشهد الحالي، يدفع المتلقي لتعايش الذائقة الجمالية نفسها والحالة النفسية والتعاطفية للمشهد القديم، وهو ما تحققه الإحالة بالموسيقى.
وقد تشكل الحركة أو الصوت أو الضوء واللون محاولات ترميزية للإحالة، إن للصورة محفزات بصرية وحسية نادرة على تحويل كم هائل من الإحالات بشتى صنوفها ضمن انسيابيتها إلى دلائل شاهدية أو إيقونية أو رمزية متفردة، تصلح كثيراً لقيام مبدأ الإحالة ضمن منطق الإحالة. في هذه العلاقة تقام التوليفات والتزامنات وفقاً لانثيالات الدال بين ما هو مرئي ومقروء وبين التأويل الصوري في المرافقة الدرامية حسيا، على اعتبار المعنى الظاهر هو محصلة العلاقة التبادلية بين وحدة التعبير ووحدة المحتوى.
كما أن الشكل ضمن إطار الصورة، يمكن أن يحيلنا إلى أمكنة حقيقية للمشاهدة العيانية، فالذهن يقوم بالإحالة وفق عدد الصور المخزونة في الذاكرة طويلة الأمد، مما يحقق متعة فريدة ومرافقة (زاوية من بيت تراثي، وحب ماء، وشناشيل) ويحدث في أكثر الأحيان أن يشم المتلقي روائح قديمة كانت مستقرة هي الأخرى في الذاكرة ضمن مبدأ الإحالة ( الرطوبة- والنتانة- والعطور )، إن الإحالة في الصورة المرئية تستوجب دراسة سماتها بدقة متناهية وصولاً لتحقيق الاستجابة الحسية، إن كانت ذوقية أو شمية أو لمسية أو سمعية أو بصرية، فجميع مستقبلات الإنسان الحسية يمكن تثويرها عن طريق الإحالة، كما تفترضها نظرية (بافلوف) في الاستجابة الشرطية.
وترى (كريستيان مثيز) أن الصورة آنية ومتجددة أبداً، وأن مفهوم الإحالة لا يؤثر على استمرارية الفعل داخل الصورة بل هي تفرض نفسها وتطمس كل ما عداها.
ويطالعنا (غريماس) بأن عملية التلقي مرتبطة بالبنى الأولية للتدليل أو الترميز (إننا ندرك الفروق بفضل الإدراك ويأخذ العالم شكله أمامنا وفق أغراضنا)، ولتحقق الإحالة ضمن منطق هذه العلاقة تقام التوليفات والتزامنات وفق تأسيسات المخرج والمصمم معاً عندما تترابط وحدة أجزاء الصورة في المقدمة مع ما يحققه البعد الفراغي لها في العمق، كون الفارق بين الصورتين مدمج ضمن الصورة الكلية، كما تتحسسه ذواتنا. ويتصدى (بونتي) لتفسير المرئي موضع بحثنا، ليقصد به الإدراك الذي يتحقق داخل ذواتنا، أما اللامرئي فهو قوة المرئي لدرجة الوضوح المتداخلة بين الصوت والمعنى.
إن العملية البصرية برمتها تخضع بالأساس إلى استخلاص اللامرئي من المرئي ، وفق حدس اللحظة وتوقد الذهن.
فلسفة الصورة:
ما من شك في أن فلسفة الصورة تخضع بالأساس
لفلسفة المخرج أو موقفه الفلسفي من الخطاب البصري أو مرجعياته الفلسفية التي يفرضها أحياناً على صورة العرض البصرية. كما قدم لذلك (أروين بسكاتور، و بروتولد برشت) في محاولة لإخضاع المشهد المسرحي لوجهة النظر الماركسية المستندة إلى المادية الديالكتيكية.
ويرسم برشت مشهده على قانون التغريب ( ألينة التسويم ) بحيث يجعله مغرباً عوضاً من أن يكون تلقائياً، وهي فكرة مقتبسة من الشكلانيين الروس في محاولة للفت الانتباه للفعل، فكل شيء مادي ومألوف قد ينقلب إلى شيء مميز ولافت للنظر. والموقف بالكلية يستند إلى المقولة الماركسية التي تؤكد على أن التراكم الكمي يولد وعيا نوعيا . في حين يطرح (جوته) موقفاً آخر بقوله، إن الرمزية تحول التجربة إلى فكرة وتحول الفكرة إلى صورة.
ما يعني أن الأفكار بجل تنوعاتها ومقولاتها يمكن للمسرح أن يحولها إلى صورة.
وترى الكثير من الآراء الفلسفية أنه عندما تترجم الفكرة إلى صورة في حالة الاستعارة أو الرمز، ستنفجر الفكرة بكل بساطة، وإن عملية التجريب في الصورة مع وسائل التعبير الأخرى بإدماجها مع عناصر العرض تفضي بالضرورة إلى المعنى الفلسفي التي يوفرها تراكب العناصر الأولية بوصفه خليطا مركبا. (فالقوة الدافعة للمدلولات المتغايرة تتلاقى في دال الصورة الذاتية المزاجية المفرطة في أحاسيسها.
كما يمكن للمسرح تحديد ماهية الصورة بالاستناد إلى الاستبدال الاستعاري المرتبط بالعلامة إذ كلاهما يقوم بمبدأ الشبه المفترض أو المجاورة المادية، وله القدرة أيضا على أن يقوم مقام الفعل، كونه رابطا بالمجاورة كاستخدام خيمة بدل سقف قاعة، ويرى (جاكوبسن) هذا النوع استبدالا معمولا به، استبدال الكل بالجزء وهو ضرب من ضروب المجاز.
إن تعددية المعنى كما تطرحها سيمياء المسرح هي عندما تمارس الصورة آلية تعويضية للمفهوم الفلسفي، كما هو الحال مع المفهوم الجمالي والفكري والعاطفي، فإن المضمون الفلسفي يفترض كما هو متداول خصوصية الكلمة بوصفها ناقلة للمعنى، لكن الصورة ضمن خصائص المنجز الإبداعي تمتلك القدرة الفائقة على تحول الكلمات إلى صورة مغروزة في اللاوعي، تفلسف مفهوم الصورة وقد تخضع الصورة فلسفتها للمنطق المادي أو المثالي أو الحدسي كما يطرح ذلك المسرح المعاصر في فلسفة ( نيتشه وكروتشة).
إن الاتجاه التداولي الذي استند إليه ( بسكاتور وبرشت ) لم يغادر هذا المفهوم في جل أعمالهم المسرحية، فالصورة شكل يمتلك معنى ويرتبط بمضمون، و(إذا كان لسلسلة من الكلمات معنى فإن مقطعاً من الصورة له ألف معنى). كما يرى ذلك جيرارد دولوا دل. أما (كانط) فيرى أن ذلك يقع تحت حكم الذوق بقوله: (إن الصورة الوسيلة الأولى لإرسال المعلومات من ذلك العصر إلى عصرنا هذا) . ذلك أن المسرحية بكل تمفصلاتها هي شيء فكري أولاً، ثم متعة حسية، والأدب كما هو معروف يحتاج إلى الفكر.
في قاموس الفلسفة الأيونية يشرح (أرسطو) الصورة بوصفها، إيقاعا علائقيا يتبادل أو يتمايز للأشكال المنظورة في نظام واحد (هو الصورة) في حين يتفق (ديمقريطس) مع رأي (أرسطو) بأن الإيقاع هو الصورة والترتيب المميز لها هو ترتيب الأجزاء في الكل).
غير أن الدراسات السيميائية ترى في الصورة مجموعة من الرموز العلاماتية، تتخذ شكلاً معيناً، توصف بأنها تمثلات.
والتمثلات علامات ترتبط بعلاقاتها مع الموضوع بواسطة علامة هي علامة المؤول. وتنطلق حركة تحليل العلامة من الممثل إلى الموضوع مروراً بالمؤول. يتضح أن تشكلات الصورة وماهيتها يمكن أن تخضع الفكر الفلسفي ضمن مخاصب الصورة المرئية، وأن ثبات الصورة أو حركتها لا يعيق طرح يعيق طرح المعنى الفلسفي بل إن الآلية التعويضية لترسبات الصورة عن طريق عناصرها الرئيسة لخليقة بإنتاج المعنى الفلسفي.
وله القدرة كذلك على تثوير الفكرة عن طريق التماهي والتماحك، كما يمكن أن يحققها خطاب العرض وفق مخاصب اللغة ودلالاتها. فقد طرح ( بيكت ) في مسرحية (في انتظار غودو ) تلك المفازات التي تجعل من كل مشاهدي العرض مهيئين لانتظار شخصية (غودو) ولم يصل (غودو) حتى النهاية. إنها فكرة الوجود والعدم التي أسست لها الفلسفة الوجودية عند ( سارتر ). كما طرح (غروتوفسكي) عن طريق تمرين العرض مبدأ ( النزعة الكاثوليكية ) في مسرحية (الأمير الصلب) حينما حاول البحث عن لغة رمزية وإشارية تدنو من كاثوليكية المذهب أو نمطية الاتجاه، ولسنا هنا ببعيدين عن (بيتر فايس)، فقد شملت أكثر نصوصه مفهوم ( التراكم الكمي يولد وعيا نوعيا )، ولعل فلسفة ( أوكست كوم) الوضعية قد أثرت هي الأخرى على تثبيت ركائز المسرح الواقعي عند ( أبسن وسكرايب ) بوصفها انعكاسا للواقع، وقد جاءت عروض المسرح المعاصر مستندة إلى أكثر من تيار فلسفي ( يونك .ليفي شتراوس . نيتشه وكروتشة ) في محاولة لتغييب العقل ووضع الحس بديلاً له، فاتخذت من مبدأ الهذيان وتجليات الروح للجسد والمبدأ التدميري كنتاج إدراكي لهذه الفلسفات. ولعل الأمر كما قدمنا له مرتبط بالتخطيط المسبق والتصورات الذهنية حول ماهية الصورة وتحولاتها بالولوج إلى عبقريتها في قول ما يمكن قوله.
ويرى هوسرل أن كل تأمل هو استحضار صوري، يتحرك شكله ووجودنا أو وجود العالم. ذلك كون العمل الفني تجسيد جمالي في وعي الفنان، والقصدية هنا موضوعية تضفي الانسجام والترابط.
ذلك أن التعبير عن الخبرة هي ثوابت أساسية لا تبتعد من حيث المبدأ عن هذا التحديد، كونها تستلزم تدقيق الحدث وتوثب المعلومات وإن ( الإفراط في التأمل، سيصبح درجة أعلى مقابل أعماق الفلسفة، بل سيصبح هو الفلسفة ذاتها). إذ أن فكر الوجود المرئي هو الذي يضع الفكر استناداً إلى خلفيات الصورة وهو تجلي للذات وانكشاف الحدث، حسب ما قررت الذاكرة الفردية إنشاء وتنامي صورتها الذهنية.
جماليات الصورة:
تعد القيمة الجمالية، أحد أهم المداخل الأساسية للفن، كما أنها المنتج الإبداعي لصناعة الجمال بأبهى صوره وبجل تمفصلاته، وصولاً للذة الجمالية بوصفها أهم المتع الحسية للفرد.
وتذهب الدراسات السيميائية إلى إن مخاصب (الدال) موضوع جمالي كامن في الشعور الجمعي تحت ثنايا العرض المسرحي الذي يحول بدوره جميع الأشياء والأجسام جذرياً نحو سميائيتها، ويمنحها قوة كانت تفتقر إليها، عن طريق شبكة العلاقات في العلامات والأنساق المتفاوتة. وعليه فإن تشكل الجمال في الصورة، يتطلب تواجد طرائق تقنية ومهارة فنية لتجسيدها ضمن (بيكتوغرام) كامل حامل للمعنى والقيم الجمالية. ولعل (أفلاطون) يتصورها بأنها (حلت بمحاولة جعلت الفن بذاته ممثلاً للأنا الفوقي، أداة نقل للأخلاق والقيم المثالية).
ويرى ( فرويد ) في نظرية التحليل النفسي بأنها ( دافع حسي، ذلك أن الصورة تستحوذ بجل تصانيفها على القيمة الجمالية التي تستطيع الحواس الارتقاء بها إلى مبدأ اللذة (الكانتي ) إلى أقصاه (والحكم الجمالي لا يستهدف سوى المتعة المباشرة، ويفترض تذوقك المباشر للأثر الماثل أمامك). كما يؤكد ذلك (جورج سانتيانا). ومن هنا صار للصورة بعد مهيب يستوفي شرائط قيامها الحسي والجمالي، كون الجمال ( دال )، أسهم في إنتاج المعنى، وقيمة تصل بنا إلى مفاهيم وانثيالات تستفرد بالإحساس والمسافة الجمالية، وهو نوع من التمني، إذ يتمنى المرء صورة كأن العالم على غرارها، إن الفنان سيتفرد بما خبأه من العناصر التي أنشأ منها صورته الخيالية أو تصوراته الذهنية، فالخطوط بتنوعها والضوءبشدته وانعكاساته وزوايا سقوطه والظل والظلال بأهميته وتجسيميته والألوان بتراقصها بين الحار والبارد وحركة المفردات بكل انسيابيتها والأنغام الموسيقية بكل تناغماتها وإيقاعاتها وأداء الممثلين بكل تألقهم الراقص داخل مجال المنظر الذي يشكل بيئة زمكانية للحدث، وأي صورة على الرغم من سيلانها فإنها تمنح المتلقي فرصة التذوق الجمالي المفعم بالحيوية والإحساس كما يرى ذلك ( هيجل ) إذ (يحتاج التشويق الفني كما هو أيضا شأن الخلق الفني، إلى طاقة وحيوية بحيث لا يعتبر الكوني حاضراً كقانون وحقيقة عامة، بل تأخذه العقول في وحدته مع الروح والانفعالات الشعورية. يتضح مما تقدم أن إنتاج الصورة المرئية الجمالية هو فن قائم بذاته يرتبط بقدرات الفنان التخيلية والتصورية المستنبطة من عمق التجارب المخزونة في الذاكرة (إن البعد الجمالي ينبغي أن يستند إلى نظام من القيم وصيرورة معرفية، وأن يأخذ على عاتقه الآثار التوترية والحسية، وإن التنظيمات المرتسمة بالفضاء التوتري تدخل الخطاب بفضل تكميم البنى الشكلية).
إذ لا بد أن تثير فينا متعة الإحساس بالجمال، ويرى سميرأوتوكاريز أن ( علم الجمال المسرحي يقوم على الصور).
من جميع النواحي على الإطلاق ، فالممثل يمثل الشخصية والمشهد يمثل المكان الذي تتكشف فيه القصة، والإضاءة تتقلب بين الليل والنهار وتدل الموسيقى على الحدث.
وينبغي أن تلعب التقنيات الفنية كحوافز تسهم في توكيد إنشاء الصورة، ولعل من الضروري إجراء عدة محاولات في أسلوب تجزئة فوتوغراف الصورة، في محاولة فصل الأجزاء لتطوير كل جزء ليليه تطوير جزء آخر حتى إتمام الصورة بكمالها، ولتغيير الحجم والمساحة داخل الإطار أو بدونه يجعلها تتوالد وتلغي كل تقييم هندسي للمسافات، وفق فلسفة المخرج وذائقته الجمالية في بناء شكل الصورة.
بقلم: حسين التكمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.