رضا الوسيني شاب من أصيلة. طبيب في طب الأسنان. فنان. تبدت له قريحته وموهبته في تلك المرحلة الحاسمة والأساسية من العمر. مرحلة الانتقال من الطفولة الأولى إلى سن الرشد، حيث يكون “الطفل أب الرجل”. تأثير والده، الشاعر حسن الوسيني بارز للعيان، في مجال الهواية والفن والذوق، أما في مجال الدراسة فقد اختار العلوم الطبية. لا غرابة في أن يجمع بين الفن و العلم. الإبن الأوحد لأسرة مثقفة اختارت أن تمنحه كل الحنان وكل الفرص في التحصيل والتكوين . وبسبب كثافة المقرر الدراسي والتكوين الجامعي والتداريب، لم يجد الوقت الكافي لولوج المعهد الموسيقي، إلا أن إصراره وعصاميته كانا كافيين لتعلمه النوطات الأولية البسيطة على القيثارة، ثم تدرج بعد ذلك شيئا فشيئا حتى استطاع أن يولّف العديد من المقاطع الموسيقية الصامتة .. وهو الآن قادر على التحرك في السولفاج كما يشاء.. لتسليط الضوء على كل هذه القضايا كان لنا الحوار التالي معه: حدثني عن الصدفة أو الحدث الذي دفع طبيب أسنان إلى الفن وإلى الغناء، كما دفع طبيب أسنان آخر مصري هو علاء الأسواني إلى الرواية؟ في الواقع بدأت رحلتي مع الفن منذ الطفولة، وكانت الموسيقى آخر الفنون التي خضت غمارها. فقد اتجهت أولا نحو كتابة الشعر والقصة متأثرا بوالدي الشاعر المتميز حسن الوسيني، ثم الرسم قبل أن أستقر عند الموسيقى والغناء، حيث حرّكت موسيقى “الروك” رغبتي في التلحين. أما الغناء فقد جاء في مرحلة متأخرة بعد تعرفي وتأثري بملك الإحساس الفنان الراحل “عبد الحليم حافظ”. هل تعلمت الموسيقى (القيتارة) في المعهد أم كان ذلك بشكل عفوي عصامي؟ تعلّمت القيتارة بشكل عصامي، وكانت أول “النوتات الموسيقية” التي تعلمتها على قيتارة ابن خالي “بهاء الكلاّف” في المرحلة الثانوية من الدراسة، إذ لم أمتلك قيتارتي الخاصة بي إلا في المرحلة الجامعية، وكانت البداية الحقيقة لتعلم وعزف القيتارة. أين وكيف تجد الوقت للتداريب (البروفات) والتمارين؟ هل نهاية الأسبوع هي الفترة المناسبة؟ حقيقة لا أملك الوقت للعمل على المشاريع الفنية إلا في العطل ونهاية الأسبوع. فطب الأسنان مهنة شاقة كما تعلم. أما بالنسبة للإستمتاع ومتابعة مستجدات الأغاني والموسيقى فهو طقس يومي تقريبا. عادة ما يشتكي الفنان من غياب النصوص ومن قلة الشعر الغنائي المتميز. والدك شاعر لم لا تشتغل معه؟ ثم كيف يتسنى لك الانتقال من غناء نصوص حداثية و من اللغة الإنجليزيةإلى التراث الأندلسي مثلا؟ بالنسبة للنصوص فأنا أقبل كل ما هم جميل وصالح للتلحين والغناء. فالقصيدة الغنائية سواء كانت زجلا أو باللغة الفصحى يجب أن تتوفر على تركيب داخلي وخارجي يلائم الإيقاع والتقسيم والتوزيع الموسيقيين. وقد تكون قصيدة النثر التي يبدع فيها والدي لا تتوفر على هذه الشروط بشكل عام. أما غير ذلك فتقديم قصيدة لوالدي هو شرف لي و لطالما دعوته لذلك. أين تجد نفسك كفنان في الغناء الرومانسي أم التراثي أم الغناء الملتزم سياسيا؟ أنا لا أومن بالتقييد والتصنيف. فالحرية هي روح الفن والإبداع، لذا فأنا أميل إلى كل ما هو جميل وما أراه مقنعا بالنسبة إلي. لا أستطيع تقديم عمل لست مقتنعا به أو لا يعبر عمّا بداخلي من مشاعر وإحساسات. فنوع الفن المقدّم والمنجز تحكمه هوية الفنان والرسالة التي يريد أن يوصلها للجمهور. *هل تجد مكانك كفنّان في الساحة الفنية المغربية ؟ وهل لا بد من مشرف ومن استيديو لتركز مكانتك؟ ألا ترى معي هيمنة وسطاء لا يمتّون للفن بصلة؟ أنا في البداية أبحث عن فرصة لتقديم الرسالة الفنيّة التي تمثّلني وعن تقديم أعمال جيدة ترضي الطرفية (الفنان و الجمهور) وبعد أن تحققت هذه المعادلة، فالمكانة الفنية تمسي تحصيل حاصل. وهذا يتطلب بالضرورة استيديو وموزعا موسيقيا وفريق تصوير متمرّس ومبدع لاكتمال العمل الفني بالشكل المطلوب. في النهاية المكانة الفنية عمل مشترك. الوسطاء المتطفلون يوجدون في جميع الميادين و ليس في الموسيقى فقط. ويرجع ذلك غالبا إلى سبب رئيسي هو الخلفية التي بها يرى الوسيط الطريق نحو النجاح. هل هي تجارية محض أو فنية خالصة . الملاحظ أن الأداء الجيد للغناء والموهبة والمستوى الفني للموسيقى لا يتناسب والمستوى الثقافي العام للفنان. ما اقتراحك لتجاوز هذا الوهن؟ وهل لديك برنامج ثقافي للقراءة والمطالعة واختيار النصوص الغنائية؟ للأسف كلامك صحيح تماما. عامة أصبح الذوق العام متدنيا بالرغم من وجود فئة عريضة لا زالت تقدّر الفن الجميل والراقي والتي تستحق الأفضل دائما. الفن يا أستاذي العزيز هو القوة الناعمة التي تحرك المجتمع. ومتى أصبحت هذه القوة في الأيادي الخطأ باتت كفيلة بهدمه ونسف قيمه وأخلاقه. الأصح هو الفنان من يقود الذوق العام ويرفع بالضرورة من مستواه وليس الجمهور من يملي على الفنان الفن الذي ينبغي تقديمه. هذا قد يؤدي إلى نكسة العمل الفني عموما. ما هو تقويمك للأغنية الشبابية في المغرب والعالم العربي؟ و أودّ أيضا أن أعرف رأيك في الأغنية الغربية ما دمت تغني بالإنجليزية؟ تعرف الأغنية الشبابية بالمغرب تطورا ملحوظا، ويوجد تحدي كبير بين ممثليها على الساحة الفنية. فقد استطاعت أن تواكب التغيرات التي تعرفها الموسيقى العالمية اليوم إيقاعيا ولحنيا، أما بالنسبة للأداء والنوعية فكما في جميع الأوقات هناك من يقترح موسيقى جيدة وأغاني هادفة ذات إحساس عال و بنية فنية أكاديمية والبعض الآخر يضع أغاني ذات مستوى متواضع بل أحيانا يحطّ من الذوق المطلوب وقد يحاجج بأنها موافقة للشكل والمضمون الذي تتطلبه “الموضا” أو الموجة الموسيقية اليوم. الموسيقى الغربية في الحقيقة مصدر غني ومتجدد المدارس، يمكن الاستفادة منه في إغناء موسيقانا العربية، فلطالما كان المزيج بينهما ينتج عنه عمل جميل وساحر إذا ما تم بشكل احترافي، حيث يجمع بين التجريد الذي تعطيه الموسيقى الغربية والمشاعر الوجدانية والشحنات العاطفية الكبيرة التي تتميز بما يسمّى “الربع تون” أو أقل الذي تفتقر إليه الموسيقى الغربية والذي أوجد المقامات العربية كما نعرفها. ألا تفكر الآن في العودة إلى المعهد الموسيقي لمتابعة الدروس الموسيقية وتعميق معرفتك العلمية بالموسيقى وتجربتك في الطرب والأداء ؟ يبقى امتلاك المعرفة العلمية للموسيقى أمرا ضروريا ومهما، لتطوير تجربة الفنان، وبالرغم من موهبة الفنان، يبقى العلم بالموسيقى وأصولها إضافة ضرورية لتحسين “الصنعة”، بل ولإدراك مواطن الضعف والخلل في الأغنية حتى، لذا أنا أسعى للالتحاق بالمعهد الموسيقي متى سمحت الظروف بذلك. ما هي مشاريعك المقبلة ؟ إلى حد الآن أنجزت أغنيتين: الأولى بالإنجليزية تحت عنوان “سأحبك مرة أخرى”.. والثانية كوفير(أعدت غناءها) بعنوان “أصابك عشق” تلحين محمد عبد الرحمان. وأشتغل الآن على اللّمسات الأخيرة لأغنية ثالثة، آخذا كل وقتي في توضيبها وإتمامها. وهناك عدة أعمال فنية قادمة إن شاء الله ، تعالج مواضيع مختلفة وبأساليب موسيقية متعددة ومتنوعة من حيث اللحن ومن حيث الكلمات والتي أتمنى أن تنال إعجاب الجمهور.