شكيب عبد الحميد واحد من الكتاب القلائل الذين يعملون في صمت، قاص وروائي مغربي ينحدر من مدينة أزمور الضاربة جذورها في الثقافة والإبداع، عضو اتحاد كتاب المغرب، ينشر في الجرائد الوطنية والعربية، له مجموعة من المؤلفات، نذكر منها: “متاهات الشنق” مجموعة قصصية صدرت سنة 1987، “فضائح فوق كل الشبهات” مجموعة قصصية مشتركة صدرت سنة 1998، ثم مختارات من القصة القصيرة المغربية إصدار جماعي، صدر بالقاهرة في طبعتين سنة 1999 ،”أزمور وتاريخ المجال ” كتاب ضم صورا وأشعارا، صدر سنة 2005 “”الأب دحمان “مجموعة قصصية صدرت سنة2008، “من القلعة إلى جنوة” رواية صدرت سنة 2010 ، “ما القصة” كتاب نقدي صدر سنة 2012 “زوزو يصطاد السمك” مجموعة قصصية صدرت سنة 2016 “تراتيل موغادور” ديوان شعري صدر سنة 2018، ولاستجلاء بعض الجوانب من حياة الكاتب الإبداعية، أجرت معه بيان اليوم الحوار التالي: حدثنا عن الإرهاصات الأولى في عالم الكتابة؟ منذ طفولتي كنت استثناء، لأنني لم أقرأ قط قصص الأطفال، فجل أترابي مروا من قصص عطية الأبراشي بالخصوص والسيد قطب، السيد قطب كتب قصصا للأطفال بالاشتراك مع عطية الأبراشي، وهذه المعلومة قليل من يعرفها من الجيل الحالي، والغريب في الأمر أن أول قصة قرأتها آنذاك هي أصعب قصة، والتي هابها أصدقائي في الإعدادي، وهي “العواصف” لجبران خليل جبران، تصور أنني طفل في القسم الرابع الابتدائي أقرأ “العواصف” لجبران وتستهويني بل تأسرني، والسبب أن أستاذنا أمرنا بكتابة الإنشاء، وأنا صغير لم أعرف ما هو الإنشاء، وسألت أخي الأكبر، عن ما هو الإنشاء؟ فقال لي هو عبارة عن قصة تحكيها عن رحلة أو مشهد رأيته وأن تصف المكان وتذكر الزمان، وأردف: إذا أردت أن تتفوق في الإنشاء، فعليك بقراءة القصص. من هنا رنت وطنت كلمة القصة في عقلي الصغير، وأول كتاب وقع عليه بصري هو كتاب “العواصف” لجبران خليل جبران سنة 1973 اشتريته من عند بائع يفرش الكتب على الأرض، اتجهت إليه مباشرة ووضعت يدي على الكتاب وقلت له: أهذه قصة؟ قال لي نعم، وكان ثمنها آنذاك درهما ونصفا .. اقتنيته والتهمته وظل معي اقرأه كالإنجيل.. ومن تم انغرست في شوكة القراءة، ومن بعدها وجدت نفسي مدفوعا بقوة خفية إلى تقليد جبران والمنفلوطي … كما لا أنسى أن هناك خزانا من الحكايات رشفت من ينابيعه ألا وهي حكايات عمتي . ثم التصاقي بالراديو أستمتع بالبرامج والأزليات والأغاني وكذلك اقتحامي للسينما وأنا لم أبلغ السابعة من عمري، كل هذا الخليط العجيب شكل ذلك الطفل الذي كنته. أين يجد الكاتب شكيب عبد الحميد ذاته، هل في الرواية أم في القصة؟ القصة هي بيتي الأول، وكما يقول الشاعر: نقل حبك أينما تشاء فما الحب إلا للحبيب الأول، أجدني راهبا متبتلا في محراب القصة ، لأنها عشقي الأول، وحينما أريد أن أستريح، أكتب الرواية، قد تستغرب لقولي هذا ولكنها الحقيقة، القصة أصعب جنس أدبي. القصة ليست قنطرة يمر منها المبدع إلى الرواية كما يظن البعض، القصة جنس مستعصي قائم بذاته وله ميكانزماته، القصة حقل كل شيء فيه مكثف ووجيز وما قل ودل، هو الروح القصصي ، إنها مثل البهلوان الذي يلعب على الحبل إذ لا وقت ولا مساحة له كي يتنطط كما يشاء .. إنه مثل ضربة فرشاة أو طلقة مسدس، عكس الأجناس الأخرى، لها مساحات كبيرة لكي تبوح وكي تخطئ. من أين استمد شكيب آليات الكتابة .. بتعبير آخر: هل للأسرة دور في ذلك؟ الأسرة، ممكن، فوالدي كانت له خزانة كبيرة وكذلك أخي الكبير كانت له خزانة مستقلة وعمتي كانت أكبر حكاءة، تتلمذت على يديها، كانت أمية ولكنها هي التي علمتني سور القرآن القصيرة وعلمتني الصلاة وحكت لي قصص الأنبياء: موسى وعيسى وإبراهيم وقصة يونس في بطن الحوت، كما حكت لي قصص عنترة وعبلة وهاينة والغول، كانت كما قلت خزانا هائلا من الحكايات، ترعرعت في هذه الأجواء التي تهوى الحكي، ولكن عن طريق قراءة القصص: جبران والمنفلوطي وجرجي زيدان ويوسف السباعي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وعبد الكريم غلاب ومحمد زفزاف ومحمد شكري ومحمد برادة وإدريس الخوري وحنا مينة وخيري شلبي وجبرا إبراهيم جبرا واللائحة طويلة ، وكذلك قصص فيكتور هيجو وهيكتور مالو التي كانت مقررة عندنا في الأولى إعدادي، وجان ديسامبير وفرانسواز ساغان وإميل زولا طبعا، ومالارمي ولويس أراغون وجاك بريفير، كما كنت أقرأ بالفرنسية القصص والروايات والأشعار والمسرحيات، قرأت معظم أعمال موليير ومارسيل بانيول واللائحة طويلة. هل يجد الكاتب المغربي دعما من طرف الجمعيات الوصية على قطاع الثقافة؟ نعم هناك دعم للكتاب من طرف الجمعيات الثقافية والوزارة الوصية، فجل الأصدقاء نشروا كتبهم من خلال دعم وزارة الثقافة أو الأعمال الاجتماعية للعمالات أو اتحاد كتاب المغرب إذا توفرت لهم العضوية طبعا. ما هي أسرار الكتابة وطقوسها عند الكاتب شكيب عبد الحميد؟ ليست لي طقوس معينة، فأنا أكتب حينما تلح علي الكتابة، حينها أجدني قد انحزت إلى العزلة لأفرغ ما في جعبتي. إنما إن شئت أن تسميها طقوسا، وهي أنني لا أكتب إلا في فضاء منغلق، ولو كانت مقهى من زجاج، لا أستطيع الكتابة في الهواء الطلق، أما أسرار الكتابة فهي كالتالي: السر الأول هو أنني لا أتتبع أي خط آخر لكاتب ما، كما لا أكتب إلا ما أقتنع به ولم أكتب قط تحت الطلب أو من أجل عيون مجلة ما، أقدس الكتابة ولا أبغي من ورائها منصبا ولا جاها ولا مالا ولا تملقا وتزلفا لذوي الجاه، فالكتابة عندي روح وكرامة ودفاع عن القيم الكونية والإنسانية، السر الأخير والخطير هو أنني أخشى أن أكتب، ولهذا لن تجد معي لا قلما ولا أوراقا ولا محفظة أحملها في عنقي وأتجول في المقاهي كالحمار الذي يحمل في عنقه معلفة. هل يمكن اعتبار الكتابة معاناة ونقلا لواقع مر؟ الكتابة معاناة في حد ذاتها .. فنحن نشتغل باللغة وعلى اللغة وما نخطه ونبنيه مجرد شخوص من ورق كما قال رولان بارث، أما الواقع فشيء آخر، بالطبع الكاتب ابن بيئته، ومهما فعل، فإنه يكون منخرطا في مجتمعه وفي واقعه، ولكن إذا لم يضع مسافة بينه وبين الواقع، فإن إبداعه سيصبح بوقا فجا ودعاية رخيصة، الإبداع ميدان قائم بذاته وله روح تجول عبر العصور ولا يتقيد بزمن. كما ترى أشعار المتنبي وروايات فيكتور هيجو وحكم أبي حيان التوحيدي. الإبداع إذا لم يعانق الكونية وينحو منحى إنسانيا، فهو مجرد أدب مرحلي تنطفئ كلمته كشعلة في ماء. ما هي النصائح التي يقدمها شكيب عبد الحميد للشباب الذين يتلمسون طريق الكتابة؟ أقول لهم: اقرأوا كثيرا واكتبوا قليلا، وهذا ما نصحني به حنا مينة في إحدى رسائله معي وكذلك محمد زفزاف والطيب الصديقي وجمال الغيطاني، كل هؤلاء نصحوني بالإكثار من إكسير الإبداع، ألا وهو القراءة ثم القراءة ثم القراءة. هل كل قارئ بمقدوره أن يصبح كاتبا؟ إذا توفرت الموهبة، أما القراءة وحدها فلا يمكن أن تجعل منك كاتبا، وإنما مثقفا، كما أن مشاهدة المسرح لا تخلق منك ممثلا ومشاهدة مباريات كرة القدم لا تجعل منك لاعبا وهلم جرا. رسالتك؟ هذا السؤال طرحته على الأستاذ الطيب الصديقي في حوار معه في جريدة القدس وأجابني: أنا لست ساعي البريد، ولكن أقول لك: رسالتي هي أن أكتب أدبا خالدا يحيا عبر العصور، أما أن أكون كدونكشوط أحارب الهواء فلا يستهويني ذلك، لأن الإبداع ليس بوقا لحزب أو جهة معينة، فهو لكل البشرية وإذا ما عانق الإنسانية فإن البشرية تتمتع به ويكون أفضل.