هناك بلدان لا وجود فيها للتسول بالرغم من أنه غير محظور. أتذكر أنه خلال مكوثي بالأردن، استنتجت غياب هذا الجرح في شوارع عمان. مع ذلك فإن هذا البلد ليس غنيا. لكن الفقراء هناك يعيشون في كرامة على الأرجح. لا أتحدث عن بلدان الشمال حيث -حسب علمي- لا أحد يجعل من التسول حرفة. في فرنسا، الذين بدون مأوى، هم شبان، ما فتئوا يتكاثرون. نوع من التسول المنظم تطور خلال الأيام الأخيرة في باريس. تسول مرفوق أحيانا بمحاولات السرقة. بدون إدانة عينة من الأجانب، الجميع يعلم أن غالبيتهم رومانيون يقيمون في تجمعات عائلية على الأرصفة، يمدون اليد إلى المارة. في المغرب، كان التسول دائما موجودا، غير أنه مع مرور الوقت اتخذ أشكالا متعددة ومتنوعة. وزيرة الأسرة والتضامن، اقترحت أخيرا توقيف أولئك الذين يتصدقون ومعاقبتهم. قبل الوصول إلى هذا المستوى، ألا ينبغي وضع مخطط لتقديم المساعدة للفقراء الحقيقيين؟ لندع جانبا محترفي التسول، أولئك الذين يستعملون الرضع لاستدرار العطف، أو الذين يدفعون بالأطفال إلى الشارع ويجبرونهم على إحضار المال في نهاية اليوم إلى من يستغلونهم. هذه مهمة الشرطة والعدالة. نعلم كيف تتشكل شبكات التسول، نعلم من يمسك بخيوطها ويستفيد منها. الشرطة على علم بهذه الممارسات المشينة. إنها تغمض العيون لأن بعض باطرونات التسول الذين يستخدمون الأطفال، هم مخبرون، يقدمون معلومات عن ما يرونه ويلاحظونه. إنها صورة مؤسفة تلك التي نقدمها للأجانب الذين يزورون بلدنا. متسولون وكذلك مثيرون للإزعاج. بعض السياح المتسامحين أبدوا ملاحظاتهم في شبكات التواصل الاجتماعي، حول المغرب، حيث اعتبروه بلدا جميلا، متأسفين على وجود الكثير من المتسولين. المغاربة هم كذلك منزعجون من هذه العروض التمثيلية للمعاقين الذي يشهرون أذرعهم وسيقانهم المريضة، وللأمهات المفترضات اللواتي يحملن رضيعا أو إثنين نائمين ويستدررن العطف. من الممكن أن المصالح الاجتماعية منشغلة بهذه الحالات، لكن على ما يبدو، تتمسك بالتسول أكثر من التكفل بالمتسولين. عند التمييز بين طبقة الأشخاص الذين يتسولون لأنهم بالفعل محرومون ومحتاجون، وطبقة ما يسمون بالمحترفين، بإمكان الدولة إذاك أن تكافح بنجاعة كل أشكال التسول. يمكن تقديم معونات لهؤلاء الأشخاص، أما أولئك الذين لا يزالون شبانا ويتمتعون بصحة جيدة؛ فبإمكانهم العمل. الحلول موجودة. تكفي فقط الإرادة واتخاذ القرار الحازم لمواجهة مشكل معقد. تبقى حالة أطفال الشوارع. هناك أفلام وبرامج وثائقية تم إنجازها حول هذه المأساة التي انتشرت بكثرة في أهم مدن المملكة. نعلم القضية الإشكالية. نعلم أين يمكن المبادرة بالتدخل وانتزاع هؤلاء الأطفال من هذا المستنقع الناشئ عن اليأس والمخدرات والعنف. لكننا نغض الطرف عن ذلك ونوجه اهتمامنا نحو مكان آخر. لا نريد أن نعرف، نشعر بأننا مسؤولون عن هذه الجريمة وفي الوقت نفسه لا نقوم بأي رد فعل. هناك بلا شك جمعيات تقوم بعمل جبار من قبيل جمعية “دارنا” بطنجة، لكن هذا غير كاف. سرقة الطفولة هي بمثابة جريمة. أطفال تم الزج بهم في البؤس وقساوة الشارع، حيث لا شريعة ولا حقوق ولا إنسانية، وحيث يتحولون بسرعة إلى ضحايا أو أشرار، لأنهم يلزمهم كسب عيشهم وإيجاد مكان لهم بين الذئاب المعتادة على ظروف العيش هاته. الهجرة القروية هي مصدر هذه الأوضاع المأساوية. إذا قررت الدولة أن تصلح عيوب الحملات التحسيسية.. إذا اهتم البرلمان بهذا المشكل الحقيقي والمستعجل عوض قضاء ساعات وساعات في الجدال حول مواضيع لا أهمية لها بالنسبة للشعب.. إذا انشغلت الأحزاب السياسية بمآسي الناس الذين قدر عليهم أن يكونوا فقراء.. أنا متأكد من أننا سنشهد شيئا فشيئا اختفاء التسول في شوارع المملكة. يكفي أن نريد ذلك، يكفي أن نفكر فيه والمرور إلى الفعل. لأجل ذلك، ينبغي على العقليات أن تتغير وعلى ممارسي السياسة أن يكون لديهم انشغال بالمصلحة الوطنية عوض حياتهم الخاصة. بقلم: الطاهر بنجلون