كنت قد سافرت إلى مدينة مراكش قبل ثلاثة أشهر لإحياء ذكرى أربعينية والدي رحمه الله،و كان قد مضى على زيارتي لمراكش مسقط راسي سنوات طويلة ، دفعني بعدها الحنين إلى الشوارع التي كنت أمر بها يوميا منذ عشرين سنة أو ينيف ،فتعرفت على بعض من الوجوه التي كانت مألوفة عندي وقد طواها النسيان وأصبحت حكاياتها حزينة وأثناء جولة لي في الشوارع والأزقة الضيقة التي تشابه ضيق عيش الساكنين فيها شاهدت رجال من القوات المساعدة يحاولون إزاحة امرأة عجوز بشئ من القسوة و العنف على رصيف ساحة بالقرب من فندق كانت تتسول من السياح الأجانب وكان هناك جمهرة من الناس المتفرجين على هدا المشهد المحزن فشدني منظر تلك العجوز و امتد الألم في أعماقي بخيط الشفقة وهي تصرخ والدموع تملا عينيها فوجدت نفسي فجأة اقتحم الجمع من رجال القوات المساعدة والمتفرجين ،ناولتها قطعة نقدية وسألتها ان كان لها أولاد او أقارب فقالت بلهجة لم تخلو من أسى وحسرة، زوجي توفي ليس عندي أولاد ولا أقارب حتى ، لذا أنا راضية هكذا بما قسمه الله لي والحمد لله وكل ما ارجوه ان يكف هؤلاء – في إشارة الى رجال القوات المساعدة _ عن مضايقتي ، فأيهما أفضل: التسول أياً كان شكله ، أم السرقة مهما تكن مبرراتها؟ تذكرت هده الواقعة و لم اكن ارغب بالخوض في موضوع التسول مرة أخرى لولا ان لمحت أمامي في مدينة الجديدة بالقرب من المسجد بعد صلاة يوم الجمعة الفائت مستضعفا طاعنا في السن يئن بصوت خافت يعرج على رجليه الواهنتين ، ويردد عبارات الاستجداء باسطا يده اليمنى ،فحسبت الرجل آيلا للسقوط في أي لحظة وهو يشق طريقه بخطى وئيدة مستعينا بعكاز ، تحسست الدراهم التي في جيبي فلم أجد به سوى درهما واحدا ناولته إياه و سرت بضعة أمتار وأنا انظر اليه مشدوها وكان لا يزال أنين هدا الضعيف المعوز يدخل ادني إلى قلبي فتملكتني غصة، ولكم أن تتصوروا أوتروا بأعينكم الحالة التي هي عليها مئات المسنين المتسولين كحالة هدا الرجل المسكين في الشوارع وفي الساحات التي تعج بها المدن المغربية بمظهرهم المشعث وملابسهم الرثة، فإلى جانب الفقر وعدم وجود دخل وارتفاع تكاليف المعيشة فإن ما تعانيه البلاد من إهمال المسنين المعوزين وقلة دور العجزة وتدني خدماتها ، يسهم في زيادة حجم الظاهرة وخطرها .صحيفة اسيف قامت بجولة رصدت بغض من حالات هؤلاء التي بدت لنا طافحة بالمعاناة،لم يعد للوجود طعم ،،، ولا للحياة معنى كانت بداية جولتي مع المسن المتسول الأول بشارع الجامعة العربية يرتدي جلبابا قديمة باهتة ويضع على عينيه نظارتين طبيتين جلس جامدا كالتمثال صامتا كالأموات،أقترب منه وأتحدث معه دون ان أطلعه عن هويتي والمهمة الصحفية التي جئت من اجلها ، أحسست كأني فتحت جرحا غائرا في نفسه قال لا ادري كيف أعيش ولمن أعيش،ولا من يكترث لحالي ، فانا مند ان فقدت الأحباب والأهل جميعا فقدت الأيادي الحانية التي تحنو علي،أظلمت الدنيا في نظري ولم يعد هناك شئ جميل، ولم يعد للوجود طعم ولا للحياة معنى ، اقضي نهاري أجوب الشوارع بحثا عن رغيف الخبز ولاشئ سوى كسرة الخبز ثم اقفل راجعا لأبيت في (فندق) في نهاية شارع بوشريط.. (الفندق)احد أسوء الماوي بمدينة الجديدة ،ليس نزلا أو أطيلا ،هو مجرد حوانيت كانت فيما مضى مأوى للدواب والبهائم وملجأ القرويين الدين يأتون بحميرهم وبغالهم لقضاء حوائجهم وحين تأذن الشمس بالمغيب يضطرون للمبيت فيه لقاء ريالات معدودات ومع مرور الوقت ادخل صاحب الفندق بعض التحسينات عليه والحق اسطبل الدواب بالجناح الخاص بالبشر.وفي مساء نفس اليوم الذي كنت اتجول فيه في شارع محمد الخامس اذا بمسن متسول آخر بدا في حال يرثى له وفي وضع صحي سيئ، يعترض طريق المارة ويستجدي منهم اقتربت منه لأسأله، رفع الرجل وحهه الذابل في دهشة وتجهم وجهه وقال هدا شئ لايعنيك، فما كان مني إلا أن هدأت من روعه وطيبت خاطره وسلمته نقودا ،ثم أفهمته أن الامر مجرد فضول باعث من الشفقة ليس الا ، تردد لحظات ثم قال لجأت إلي التسول لأني لا أستطيع العمل بعد ان لم اعد املك ما اسد به الرمق فقد بلغت من العمر أرذله كما أني مريض، بناتي تزوجو وبقيت مع والدتهم وعندما توفيت عشت بقية حياتي وحيداً ولا من يسال عني او يهتم لحالي وكما تراني امتهن التسول لؤمن حاجاتي الضروريةو توفير مصاريف العلاج، ولكني مع دالك شعرت ان الشيخ المتسول يخفي عني شيئا وانه لم يكن صادقا كل الصدق فيما يقول .صورة من حياة المغاربة في القرن السابع عشرثم كان أن توجهت إلى مركز جماعة مولاي عبد الله ثاني اغني الجماعات بالمغرب ،اقترح علي الزميل حميد البوهالي مراسل جريدة الصحراء المغربية بزيارة احد أحياءها حيث يوجد عجوزان متسولان يبدو من خلالهما أن لعالم التسول بواطن وعجائب لا يعلمها إلا الله ،سرنا نشق طريقنا إليهما إلى حي الحمرية ،وكان الوقت صباحا والسماء كئيبة في هذا اليوم من أول شهر يونيو، ،وبدأت عيناي تلتقط صور مشتتة ،أتربة وأحجار هنا وهناك ، أوساخ ، قاذورات ، أطفال يلهون شبه عراة ،قطط ضالة إلى أن بلغنا المكان فاصطدمت بمشهد يتوقف اللسان ويعجز البيان عن وصفه. وجدت زوجان مسنان ،العربي العطية وزوجته طامو يعيشان داخل كوخ مسيج بأحجار ويسمى محليا ( الحطة) في منظر شبيه بحياة المغاربة في القرن السابع عشر، بادرناهما بالسلام فرد علينا العربي السلام،سألناهما كيف يعيشان في هدا المكان على هده الحالة من التردي فقال العربي ( اللهم قبر غريب ولا شكارة خاوية، لا حنين ولا كريم ،ثم اردف لم أجد من يتكفل بنا او يمد يد العون حتى ,,,)كان العربي يتكلم مقتصدا في الكلام بشكل متقطع من أثر الكبر وكانت كلماته ممزوجة بالحسرة والألم، وكل ما فهمته ان العربي غير راض عن وضعيته وانه يتسول مكرها، ففيما قبل، قبل ان تخونه صحته تنقل في عدة حرف ،اشتغل في جمع الطحالب البحرية وعمل فلاحا يحرث اراضي الاخرين مقابل اجر يومي، ثم بناءا وهو يعتز بكونه ساهم في ترميم السور التاريخي بجماعة مولاي عبد الله، اما زوجته طامو المعاقة فلم تنجب له الدرية وتشكو من ضعف حاد في النظر والسمعالعربي عير راض على وضعه كمتسول ولكنها الحاجة والعوز، ولان المستقبل الدي ينتظره غامض سيما انه لن يجد من يتكفل به وزوجته فكر وقدر فهداه تفكيره ان يعمل على تقسيم كوخة الى نصفين النصف الاول سيبيعه حين لن يعد يقوى الحراك ويقعده الكبر اما النصف الثاني فيريد ان يهبه لاي شخص يتكقل بدفنهما بعد موتهما وجهة نظر الشريعة من الظاهرةبداية توجهنا إلى الدكتور عز الدين مناري أستاذ بكلية الآداب بالجديدة ورئيس المجلس العلمي سابقا للتعرف منه على رأي الشريعة من التسول والدور الذي ينبغي للمجتمع فعله تجاه ذلك؟ فأجاب مشكورا أن ظاهرة التسول تعتبر عارا في جبين المتسول إذ يفقد الكرامة التي شرفه الله بها حين قال : ولقد كرمنا بني آدم " ، وهي ظاهرة ممقوتة شرعا إلا لمن لا يجد عنها بدا ،والقارئ لنصوص المقت سيجدها كثيرة وهي دالة على أن الإسلام يريد من أتباعه أن تكون أياديهم عالية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" اليد العليا خير من اليد السفلى . ومن هذه النصوص ما رواه ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة " رواه أبو داود . ولقوله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال المسألة بأحدكم يلقى الله وليس في وجهه مزعة من لحم " رواه الشيخان ، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم حدمة المسألة من أركان البيعة فعن أبي مسلم الخولاني قال حدثني عوف بن مالك كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلنا قد بايعناك وبسطنا أيدينا فبايعنا ، فقال قائل : يا رسول الله ، إنا قد بايعناك فعلام نبايعك ؟ قال : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وتصلوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا ، ولا تسألوا الناس شيئا " رواه مسلم وأبو داود . وقد ذمت السيدة عائشة رضي الله عنها رجلا اتخذ من التسول مهنة وحرفة فقد سمعت متسولا يقول : من يعشيني أطعمه الله من ثمار الجنة فعشته فخرج من عندها فوجدته يقول من يعشيني أطعمه الله من ثمار الجنة فقالت : هذا تاجر لا مسكين ". فالشريف من يبحث عن العمل ولا يمد يده للناس . مر الأصمعي على إسكافي وهو يفتخر بنفسه فقال له الأصمعي : كيف تفتخر بنفسك وأنت إسكافي فقال له :" لقد أكرمتها حين أغنيتها عن سؤال لئيم مثلك ".و أضاف الدكتور مناري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أتباعه مبدأين في حياتهم .المبدأ الأول : العمل لأنه ينبني عليه عمارة الأرض والاستخلاف لقوله تعالى :" وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة " البقرة 30 . وقوله تعالى :" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه " الملك 15 .ولأن العمل من أشرف العبادات لذلك اقترن بالإيمان في كثير من الآيات " الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، وبين رسول الله أن لاحظ للمتسول القادر على العمل في حياتنا فقال عليه الصلاة والسلام :" لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة حطب فيبيعها في السوق فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " رواه البخاري .المبدأ الثاني : انه لا يلجأ للسؤال إلا من أعوزه الحال غير قادر على العمل وهو أحد ثلاثة : – لذى فقر مدقع، - لذى غرم مفجع، - لذى دم موجع .التسول بين التفسير النفسي والاجتماعيوترجع الدكتورة فاطمة فوزي متخصصة في علم النفس الاجتماعي وإطار بمندوبية التعاون الوطني بالجديدة متخصصة في علم النفس الاجتماعي أسباب التسول إلى مشاكل اجتماعية،تربوية، نفسية واقتصادية عديدة واعتبرت أن محدودية الإنتاج والضغط الديموغرافي، تعقد البنيات الاقتصادية وظهور نظام عالمي جديد(العولمة) أدى إلى إغلاق العديد من المعامل التي لم تستطع مسايرة المنافسة نتج عنه توقف مواردها وتشرد أصحابها زيادة على مشاكل أخرى كالطلاق والسجن والإهمال ومن هنا تقول الدكتورة فاطمة يتضح أن الفقر يبقى أهم عامل من عوامل التسول ورغم هدا فهدا الأخير لايعني دائما الفقر المادي بل هناك فئات تعاني فقرا في القناعات اد تجده يحترف التسول ويتحده مهنة وبالتالي فهو يستغل أو يستغل، ونحن في بلد المغرب لا نتوفر على إحصاءات ومعطيات دقيقة ناتجة عن دراسات مسحية لظاهرة التسول علما بأننا عندما نتحدث عن هده الظاهرة فإننا نكون أمام عدة أشكال وعدة فئات أطفال ،نساء،كهول وشيوخ وحول الأسباب التي تدفع هده الفئة الأخير (الشيوخ والمسنون) إلى مد يدها تجيب الدكتورة فاطمة انه يجب أولا التطرق لهده المرحلة العمرية وخصوصياتها النفسية الاجتماعية ،فالشيخوخة كمرحلة عمرية لها مظاهرها النورفيولوجية ، النفسية والاجتماعية وكلها تبقى نسبية لكونها نابعة وتابعة للمعايير والقيم التي يخضع لها الفرد المسن والتي يكونها ويستدمجها من خلال الثقافة التي يخضع لها وبنظرته هو لنفسه وللحياة من حوله بمعنى شيخوخة الجانب الفزبولوجي قد توازيها شيخوخة نفسية تتمثل في فقدان القدرة لدى الجهاز النفسي على الحفاظ على طريقته في الاستمرار أي الرغبة والفائدة وإعطاء معنى للحياة، فكلما خلق المسن توافقا مع نفسه ومحيطه كلما تقلص الإحساس بالتقدم في العمر والعوامل الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورا مهما فالشيخ الدي حقق قدرا من الأمن الاقتصادي يكون اقل قلقا واكتئابا من أولائك المضطربين الى الاعتماد على أقاربهم اوعلى مداخيل جد منتظمة، والإحالة على التقاعد هنا متغير مهم يؤثر على المسن من خلال تخليه على دوره الاجتماعي وانخفاض في مستوى دخله وتقلص الاتصالات الاجتماعية المتاحة في العمل هذا إذا لم نتحدث عن فئة الحرفيين وأصحاب المهن الحرة التي يتوقف مدخولها بمجرد توقف صاحبها عن العمل مما يشعره بانعدام الجدوى من تواجد وتراجع دوره وهدا الوضع دخيل على ثقافتنا العربية الإسلامية والتي كانت مكانة الفرد ومهابته فيها تزداد بتقدمه في السن لما له من دور اجتماعي يتجلى في حل النزاعات بين القبائل والرجوع إليه في احتداد المشاكل وردع الزوجين المتخاصمين، هدا الدور الاجتماعي كان له انعكاس على حالته النفسية بحيث كان يحقق له شعورا بالفاعلية وبالتالي الجدوى من البقاءالتسول في القانون الجنائيويرى رئيس جمعية النقد القانوني الاستاذ يوسف وهابي أن التسول من أكثر الجرائم ارتكابا في المجتمع المغربي ، ومع ذلك يجب الاعتراف أن المتسولين أصبحت لهم شبه حصانة واقعية تبررها الظروف الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي تعيش تحت وطأتها طبقات واسعة وعريضة من أفراد المجتمع، إلا أن هذا لا يعني أن التسول مرتبط حتميا بالفقر أو متصل به اتصالا سببيا، فهذه خلاصة خاطئة، لأن التجربة أكدت أن هناك أغنياء وأثرياء ظلوا يمارسون التسول إلى أن وافتهم المنية، بل إن منهم من بلغ درجات عليا في فن التسول أهلته لممارسته باحترافية خارج الوطن، لذلك تبقى دوافع التسول عديدة يقول الأستاذ وهابي ترتبط أساسا بشخصية الفاعل وبيئته وتربيته وظروفه، ويمكن إجمالها في الذل والكسل والبخل والهوان وقلة التعفف، وأشكال التسول وصوره تعيش أيضا جوا من التعدد والاختلاف سواء تعلق الأمر بأشخاص ذاتيين طبيعيين أو بأشخاص معنوية كبعض الجمعيات أو النوادي أو الأحزاب بل إن هناك دولا بأقاليمها وسيادتها وشعوبها تمارس التسول وتستجدي المساعدات من الدول التي توصف بالعظمى، ونحن طبعا لا يهمنا هذه الأشكال الكبرى من التسول، بل ما يهمنا هو تسول الأشخاص الذاتيين الذي ينقسم هو الآخر من الناحية الكمية والعددية إلى تسول فردي وتسول جماعي، فالتسول الفردي هو الذي يمارسه الشخص الواحد بمفرده مع اعتياده على ذلك، كيفما كانت طريقة وكيفية ممارسته، فطلب الإحسان والصدقة قد يتخذ شكلا شفويا من خلال الكلام والترجي والبكاء، وقد يتخذ شكلا كتابيا بواسطة مكاتيب وأوراق مطلبية ورسائل استعطافية كما قد يتخذ أيضا شكلا حركيا عن طريق اتخاذ وضع بدني معين او استعمال إشارة معينة، وجميع هذه الأشكال التعبيرية يكون هدفها هو استدرار العطف والشفقة من الغير ودفعه إلى البذل والعطاء المادي.هذا ما يتعلق بالتسول الفردي الذي يقوم به فرد واحد فقط، أما التسول الجماعي يضيف الأستاذ وهابي فهو أخطر، لذلك لم يشترط فيه المشرع نفس الشروط التي يتطلبها التسول الفردي، إذ تتحقق جريمة التسول الجماعي بمجرد قيام شخصين فأكثر بطلب الصدقة والإحسان ولو لمرة واحدة ولو لم يتوفر عنصر الاعتياد أو تكرار الفعل لعدة مرات، وقد وقع التنصيص على هذه الجريمة ذات الطابع الجماعي في الفصل 327 من ق ج الذي جاء فيه : « يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل متسول ، حتى ولو كان ذا عاهة أو معدما استجدى بإحدى الرسائل الآتية : أولا خامسا : التسول جماعة إلا إذا كان التجمع مكونا من الزوج وزوجته أو الأب والأم وأولادهما الصغار أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما».وجه الغرابة في القانون حول التسولو اعتبر الاستاد وهابي أن الغريب في هدا النص القانوني أن المشرع يشجع بطريقة غير مباشرة ظاهرة التسول الجماعي حينما يستثني من التجريم والعقاب تسول الزوج رفقة زوجته، وكذا تسول رب الأسرة صحبة زوجته ومعهما أولادهما دون تحديد العدد الذي قد يكون اثنين أو أربعة أو ستة أو عشرة أو حتى أكثر، كما استثنى أيضا الأعمى والعاجز ومن يقودهما، وهذا تساهل تشريعي غامضة مقاصده ظاهرة مفاسده وإذا كان تخفيف العقاب أو تشديده يجب أن يخضع لسياسة جنائية واضحة المعالم كما هو الشأن بالنسبة للتجريم نفسه، مع مراعاة خطورة الأفعال المرتكبة ومدى إحداثها للاضطراب الاجتماعي وتهديدها لمصالح الأفراد والمجتمع على السواء، فإن المشرع لا يراعي أحيانا هذه المعايير ويخضع التجريم والعقاب والتخفيف والتغليظ لمقاييس غير مفهومة، وفي هذا الإطار لا يستبعد أن يتدخل المشرع المغربي الذي يتعاطف جدا مع فئة المتسولين أكثر من تعاطفه مع فئات اجتماعية أخرى وربما لن يكون تدخله لاقتلاع ظاهرة التسول بكل أشكالها، ولكن لمزيد من التخفيف عن فئة المتسولين في إطار سياسة تشجيعية غير مباشرة من خلال إضافة بعض ظروف التخفيف وبعض الأعذار المخفضة للعقاب كالتنصيص على التخفيف عن المتسولين الذين يقصدون المنازل الكبيرة عملا بالمثل المغربي القائل : « اللي تبلى بالسعاية يقصد الديور لكبار» ولم لا التخفيف أيضا عن المتسول الملحاح الملحف الذي يمارس عمله باحترافية وإتقان والذي يتأثر به السامعون تأثر الجمهور بالفنان.حلول مقترحةلعلاج الظاهرةوعموما تقول الدكتورة فاطمة فوري انه مع التقدم في السن يحتاج الإنسان إلي مزيد من الرعاية وتكثر طلباته فهو يحاول اقناع نفسه باحداثه تاثير في هدا العالم على مدى حياته ودالك من خلال استعادته ذكريات هدا الماضي الدي يساعده على الحفاظ على تقديره لداته، من هنا ضرورة انشاء مراكز الانصات وخلايا الاستماع لهده الشريحة لما له من دور على المستوى النفسي والصحي عموما خلق مركبات اجتماعية يلتقي فيها المسنون تعوضهم عن الاتصالات الاجتماعية التي كانت تتاح على مستوى العمل التكفل بالمسنين الدين لا عائل لهم والدين أصبحوا عرضة للشارعخلق نوع من الضمان الاجتماعي لفئة الحرفيين وأصحاب المهن الحرة عندما يتوقف عن ممارسة حرفته بسبب التقدم في السن.بينما يرى الدكتور مناري علاج ظاهرة التسول من زاويتين :- الأولى : إن كان المتسول قادرا على العمل وجدنا له عملا .- الثانية : إن كان المتسول عاجزا فعلاجه يكون على الشكل الآتي :_المعونة الدهرية وهي خلاف المعونة المؤقتة وهي التي تجعل من هذا العاجز يستجدي الغني في كل وقت ._ضمان المعيشة لكل عاجز. والعجز في راي الدكتور مناري يكون لسببين .- الأول : إما لضعف جسماني يحول بينه وبين الكسب لصغر السن وعدم العائل كما في اليتامى ، أو لنقص بعض الحواس أو بعض الأعضاء ، أو مرض معجز أو الزمنى ...-الثاني : كبار السن الذين لم يكن لهم عائل لا من الأصول ولا من الفروع .اما واجب الأسر يقول مناري فأن تتكافل فيما بينها إذ يكفل الغني الفقير والقوي الضعيف والقادر العاجز حتى يسود التعاطف والحب والتعاون لقوله تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى" ولا أجد برا مثل أن يتعاضد هؤلاء حتى لا يكون الفقير العاجز منهم عرضة للتسول لذلك يقول تعالى :" وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " الأنفال 75 ولقوله تعالى :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى " النحل 90 وقوله تعالى :" وآت ذا القربى حقه " الإسراء 23 ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه " رواه الشيخان ، ولفظ – فليصل رحمه – دلالة على هذا التآزر والتضامن بين ذوي الأرحام ولا صلة للرحم دون النفقة على المحتاج من ذوي الأرحام . ويبدأ هذا العمل النبيل يقول الدكتور مناري من الأبناء إلى الآباء حتى لا يكون الآباء عرضة لمد يدهم إلى الغير قال تعالى:" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ". و اضاف ان من الإحسان في طاعة الأبوين أن لا يتركا يتسولان والأبناء قادرون على الإنفاق عليهما ، كما لا يحق للأبناء شرعا أن يزجوا بآبائهم إلى الملاجئ الخيرية وهم قادرون على إيوائهم لأن في ذلك عقوقا لهم . ومن حيث التضامن مع العجزة المتسولين عن طريق أهل الحي قال مناري ، ان أفضل سورة للتضامن مع هؤلاء نجده في الوصية والهبة والزكاة ولنسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم بالليل والصائم بالنهار " ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا :" أيما عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى ". وقال مناري إن مما لا مراء فيه أن من الدلائل الناصعة في المنظومة الشرعية من حيث الاقتصاد تطبيق الزكاة في مفهومها المعياري " إذا أعطيتم فأغنوا " وقد أمر الشارع أن تعطى لأصنافها وفي مقدمتهم الفقير والمسكين لقوله تعالى :" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " التوبة 60 .ومن حيث الدولة والمجتمع قال مناري إن من واجب الدولة أن تهتم بالمتسول العاجز والذي انقطعت به السبل ومن أهم هذا الاهتمام تأسيس ملاجئ تليق بمستوى كرامة هؤلاء الزمنى العجزة ، ويشارك المجتمع المدني في هذا التأسيس من حيث الاعتناء بهؤلاء في مأكلهم وملبسهم ... أو يبنى له مصرف مالي ينفق عليه من خلاله ولنا في تاريخنا الإسلامي نماذج من ذلك ، فقد مر عمر بن الخطاب على مسكين من أهل الكتاب يتسول فقال له عمر : ما الذي دفعك إلى هذا ؟ قال : ثلاثة : العجز والفاقة والجزية . فأمر عمر أن لا تؤخذ منه جزية وأن يدفع له راتب من بيت مال المسلمين وأشكاله – أي الذين على شاكلته – ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك "، وقد ذكر أبو يوسف في الخراج نص المعاهدة التي صالح فيها خالد بن الوليد أهل الحيرة بالعراق وهم نصارى :" وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل ، أو أصابته آفة من الآفات ، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله " الخراج 144 . وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى حاكمه في البصرة يوصيه بفئة المسنين العجزة فقال :" وانظر من قبلك من أهل الذمة ممن قدكبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجره من بيت مال المسلمين " الأموال : أبو عبيدة ص 46.