عقدت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة يوم 24 فبراير الماضي بالرباط جمعها العام في دورته السابعة العادية، وهي الدورة التي جاءت في ظرفية خاصة تطبعها التحولات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأفاد بيان الجمع العام -توصلنا بنسخة منه- أن الأوضاع التي تعيشها المنطقة في هذه الفترة تبين أن الفساد واحد من أهم الأسباب التي تقوض أمن واستقرار دول المنطقة، وأن هناك حاجة ملحة اليوم إلى إعطاء أولوية خاصة لمحاربته والحد من آثاره الوخيمة. وحسب نفس المصدر، فإن الجمع العام سجل أن المغرب لم يكن ليشذ عن هذا التوجه المندد بالفساد، ولا عن المطالبة بضرورة الانخراط الفوري والجدي في مكافحته بما يضمن مصداقية المجهودات التي يبذلها من أجل ترسيخ البناء الديموقراطي والتنمية البشرية المستدامة وإشراك مختلف مكونات المجتمع. وكان عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية، قد أشار في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للجمع العام، أن العولمة فتحت لكافة الدول فرصا جديدة للانخراط في الاقتصاد العالمي والتنمية المستدامة، بفعل تحرير المبادلات وتدفق الرساميل وتشابك العلاقات وتطور تقنيات التواصل والمعلومات على المستوى الدولي، إلا أن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، على الخصوص، لم تستفد حتى الآن من هذه الفرص بنفس الدرجة التي استفادت منها مناطق أخرى في العالم. وأرجع رئيس الهيئة المركزية ذلك إلى «قصور ملاحظ على مستوى الحكامة وما تستلزمه من إصلاحات جوهرية» تستهدف على الخصوص ترسيخ قيم وآليات النزاهة والشفافية والمساءلة. وأضاف أبودرار أن الهيئة سبق لها أن أنجزت تشخيصا أوليا أبان عن استشراء ظاهرة الفساد على أكثر من صعيد في المغرب، وقامت بتقييم الإجراءات المتخذة لمكافحتها، حيث أماطت اللثام عن ضعف آثار وفعالية هذه الإجراءات، وكشفت العديد من الثغرات القانونية والمؤسساتية في هذا المجال. مشيرا أنه تأسيسا على استنتاجات التشخيص والتقييم هذه، تقدمت الهيئة المركزية للسلطات العمومية باقتراحات وتوصيات عملية. إلا أن هذه الاقتراحات «لم تعرف بعد في أغلبها طريقها لتنفيذ حازم». واعتبارا لأهمية دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد والوقاية منه، فقد أكد الجمع العام على إيلاء أهمية خاصة لعمله، وإشراكه في تحضير وتنفيذ سياسات الوقاية من الفساد ومكافحته، مما يستدعي تدعيمه بجميع الوسائل وعدم التضييق عليه بأي شكل من الأشكال حتى يضطلع بمهامه على الوجه المطلوب. وأفاد البيان، من جهة أخرى، أن الدورة كانت، بالأساس، فرصة سانحة للرجوع إلى أهم المقترحات التي سبق للهيئة أن ضمنتها في تقريرها برسم سنة 2009، والتي لم تعرف بعدُ طريقها نحو التفعيل، وخلص الجمع العام إلى ضرورة إعادة ترتيبها في شكل برنامج استعجالي يستجيب لمتطلبات الظرف الراهن وفق ما تمليه أولويات المرحلة، ويسمح للمغرب بإعطاء إشارات قوية داخليا وخارجيا على مواصلة انخراطه الجدي في مكافحة الفساد. ويهدف هذا البرنامج أساسا إلى وضع آليات تترجم التوجهات الإستراتيجية إلى التزامات وطنية لجميع فعاليات المجتمع، وضمان البعد الاستراتيجي لمكافحة الفساد، وتطويق وتجريم جميع أشكال الفساد، وتعزيز الأثر الردعي لنظام العقوبات، والتصدي للإفلات من المتابعة والعقاب، ونهج مقاربة قطاعية وتشاركية لتمرير وتسريع تفعيل الإصلاحات المتعلقة بترسيخ قيم النزاهة والشفافية والمساءلة في تدبير الشأن العام وتخليق المعاملات الاقتصادية. وبعد مناقشة المشروع، واستحضار كافة أبعاده، أجمع أعضاء الهيئة على أنه من أجل ضمان تفعيل هذا البرنامج، ينبغي رفعه رسميا إلى الديوان الملكي والوزارة الأولى والبرلمان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومواكبته ببرنامج عملي تواصلي وتحسيسي ملائم في اتجاه الرأي العام بجميع مكوناته. وكما كان مبرمجا في هذه الدورة فقد تمت المصادقة على مشروعي أرضيتين تتعلق الأولى بحماية الشهود والمبلغين، والثانية بمراجعة الإطار القانوني والمؤسساتي للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، بعد مناقشتهما وذلك في أفق تحضير صيغتيهما النهائية قبل إحالتهما على الوزير الأول.