تناولت دراسة أجرتها جامعة كوينزلاند الأسترالية، قضية محاولات الانتحار التي يقوم بها الشباب والمراهقون تحديدا. وأظهرت نتائج الدراسة التي ترجمتها «عربي21» أن «المراهقين في البلدان النامية من المرجح أن يقوموا بمحاولات انتحارية، أو لديهم أفكار انتحارية، أكثر من نظرائهم الذين يعيشون في بلدان مرتفعة الدخل»، مشيرة إلى أنها «تضمنت بيانات من 229129 مراهقا تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما، في 59 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل». وقال أستاذ العلوم الصحية والتأهيل في الجامعة والمشارك في الدراسة أسد خان: «أصبحت القضايا المرتبطة بالانتحار تحديا رئيسيا للصحة العامة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ولا سيما في أفريقيا وغرب المحيط الهادئ». البلدان المتقدمة وضرب مثالا على ذلك في دولة ساموا جنوب المحيط الهادئ، موضحا أن «ثلاثة من كل خمسة مراهقين قاموا بمحاولة انتحار، ما يدل على الحاجة الماسة للعمل»، مشيرا إلى أنه «في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط كان لدى 17 بالمئة من المراهقين أفكار انتحارية أو خطط ومحاولات انتحار خلال 12 شهرا». وبين أن «هذه النسبة كانت أعلى بكثير من المستويات في البلدان المتقدمة مثل أستراليا، حيث كان لدى 5.2 بالمئة من المراهقين خطط انتحارية وقام 2.4 بالمئة منهم بمحاولات انتحارية»، مضيفا أن «المراهقين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل معرضون لظروف سيئة كثيرة مثل الفقر والمرض وموارد الرعاية الصحية المحدودة والتوترات السياسية، التي قد تعرض صحتهم رفاهيتهم للخطر». وتابع قائلا: «السلوكيات المتعلقة بالانتحار غالبا ما تبقى مخفية ومتسترة في الدول النامية، وذلك لعدة أسباب أبرزها الوصمة الاجتماعية والمحرمات والجوانب الدينية والثقافية، إلى جانب الافتقار إلى نظم الإبلاغ المناسب عن هذه السلوكيات». وأشارت الدراسة إلى أنه بالنسبة لمعظم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، كان مستوى محاولات الانتحار في فترة المراهقة أعلى بين الفتيات بنسبة «17.4 بالمئة» من الأولاد الذين بلغت نسبتهم «16.3 بالمائة». وأيضا وفقا للدراسة كان التخطيط للانتحار أكثر شيوعا في إفريقيا، حيث أبلغ عنه واحد من كل أربعة مراهقين، وكان أعلى مستوى في زامبيا، حيث أفاد حوالي اثنين من بين كل خمسة مراهقين أنهم قاموا بوضع خطة انتحارية. وأيضا أفاد حوالي واحد من بين كل خمس مراهقين من دول غرب المحيط الهادئ بإجراء محاولة انتحار واحدة على الأقل. التعليم مهم وأكد خان على أن «نتائج الدراسة كانت مهمة لتطوير سياسات وإجراءات لمنع الانتحار»، مضيفا: «تبلغ حالات الإصابة بالاكتئاب ذروتها خلال فترة المراهقة، وهي عامل خطر ومسبب رئيسي للانتحار». واستكمل قائلا: «التعليم أمر بالغ الأهمية بسبب محدودية الوعي بالاكتئاب في البلدان النامية، وبالتالي تصبح احتمالية سعي أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم المهني أو الاجتماعي لهذا الدعم أقل»، مشددا على أهمية المبادرات المخصصة لمنع الانتحار في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، «مع مراعاة مجموعة متنوعة من الخلفيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للبلدان، وبما أن الفتيات أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب ضعف الفتيان، يجب أن يكون هناك تركيز خاص عليهن»، وفق قوله. وأشار في ختام حديثه إلى «الحاجة لمزيد من العمل لفهم الأفكار الانتحارية والسلوكيات ذات الصلة في البلدان النامية، بالنظر إلى التباين الكبير بين البلدان والمناطق». من جهتها علقت اختصاصيّة الطب النفسي جنا علي زعبلاوي على الدراسة بالقول: «لا استطيع الجزم بأن النتائج صحيحة فلها من يقيمها، ولكنها على الأقل إن لم تكن صحيحة فهي منطقية، فالموضوع معقد وهناك دراسات كثيرة حوله، وكل بلد له دراساته المختلفة عن البلدان الأخرى، ولكن النتائج تكون تقريبا متشابهة». وتابعت جنا حديثها ل»عربي21»: «الدراسات في موضوع الانتحار كثيرة جدا، ولكن من المعروف أن أصحاب المكانة الاجتماعية والاقتصادية المرتفعة هم أكثر إقداما على الانتحار، وأيضا الأشخاص الذين حصل عندهم تدهور في الحالة الاقتصادية والاجتماعية». وأضافت أن «البطالة والفقر يزيدان من نسبة الانتحار، خصوصا إذا ترافقت مع عدم وجود دعم نفسي واجتماعي من البيئة المحيطة»، مشيرة إلى أن «نسبة انتحار المراهقين في ازدياد في الآونة الأخيرة، وقد يكون المسبب الثاني للوفاة لدى المراهقين». بدوره اتفق المحاضر في علم الاجتماع بالجامعة الأردنية، راكان أبو عرابي مع نتائج الدراسة، وقال إن «الفقر يعتبر من المشاكل الاجتماعية ذات الدرجة الأولى، والتي يفرز عنها عدة مشاكل، والحرمان باعث لإنشاء العنف والإيذاء نحو الذات والآخر». الظروف الاجتماعية وتابع أبو عرابي في حديث ل»عربي21»: «أيضا تدني المستوى الاقتصادي يعني بالضرورة اختلال عناصر الأمن الانساني، ما يولد مشاعر الخوف او الكآبة واليأس ويُفقد الفرد قيمته في الحياة»، مبينا أن «التعليم يهذب العقل والفكر، ويصبح صمام أمان للفرد لمواجهة مشاكله والضغوطات الحياتية بعقلانية أكبر، بعيدا عن الميول والأفكار الانتحارية». وأشار أبو عرابي إلى «أن الظروف الاجتماعية السيئة مثل الفقر والبطالة والتفكك الأسري وغياب الغطاء الاجتماعي، هذه كلها عوامل أساسية في تشكيل الميول والأفكار الانتحارية خاصة لدى المراهقين»، لافتا إلى أن «المستوى الاقتصادي والتعليمي من المعايير التي تحدد دور ومكانة الفرد في المجتمع، وفِي حال غيابها أو تدنيها، يرى الفرد صورة ذاته بشكل سلبي». وأوضح أن «الدماغ في سن المراهقة لديه 80 بالمائة من تكوين ووظيفة الدماغ للبالغين الكبار، ولكن الأمر أشبه بالسائق الذي يقود سيارة ولا يعرف حتى كيفية استخدام فراملها أو السيطرة عليها»، مؤكدا أنه «مع سوء الوضع الاقتصادي وانخفاض الإدراك والوعي لدى المراهق، يصبح مهيأ بصورة أكبر للميول والأفكار الانتحارية، لعدم قدرته على فهم معاني الحياة بشكل أكبر والتكيف والتصدي لمصاعبها». وختم المحاضر في علم الاجتماع بالجامعة الأردنية راكان أبو عرابي حديثه بالقول إن «الاقتصاد والتعليم من ركائز الأمن الانساني للفرد، وفي غيابهما أو نقصهما، يختل أمن الفرد ويشعر أنه مهدد ويفقد طموحه وأهدافه، لذا قد يكون الانتحار استجابة لعدم تحقيق ذاته وطموحه وأهدافه الثقافية». *** باحثون يرصدون ارتفاع نسب الاضطرابات النفسية لدى الشباب الأمريكي أفادت نتائج بحث نشر مؤخرا في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن عددا أكبر من الشباب الأمريكي يعاني من ضائقة نفسية خطيرة، والاكتئاب الشديد، مقارنة بالأجيال الأكبر سنا. وأوضح أن الزيادة في الضغط النفسي ترجع جزئيا إلى زيادة استخدام الاتصالات الإلكترونية والوسائط الرقمية حيث إنها تغير طريقة تفاعلنا مع من حولنا، مما يؤثر بشكل أكبر على اضطرابات المزاج.. يكون للوسائط الاجتماعية تأثير أكبر بكثير على المراهقين من الأجيال السابقة التي عاشت ما وراء حدود العصر الرقمي. كما أفاد الباحثون أن المراهقين لا ينامون مثلما كان أقرانهم من الأجيال السابقة، لأنهم يميلون إلى أن يكونوا مدمنين على الشاشة في وقت متأخر من الليل، الأمر الذي لا يبقيهم مستيقظين فقط إلى وقت متأخر ولكن أيضا يعطل دورات النوم لديهم. وقد حلل الباحثون بيانات ما يقرب من مليون شخص شملهم الاستطلاع في المسح الوطني حول تعاطي المخدرات والصحة، والذي ينتج بيانات عن التبغ والكحول وتعاطي المخدرات، وكذلك الصحة العقلية وغيرها من القضايا المتعلقة بالصحة، بين عامي 2005 – 2017، ووجدوا أن مشاكل الصحة العقلية زادت بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 عاما، وكذلك الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25 عاما مقارنة بالأجيال الأكبر سنا وخلال هذا الإطار الزمني، ارتفع معدل المراهقين الذين يبلغون عن أعراض تتفق مع الاكتئاب الشديد خلال العام السابق بنسبة 52%، حيث قفز من أقل قليلا من 9% إلى 13.2%. وزاد عدد البالغين الصغار الذين يبلغون عن اضطرابات نفسية خطيرة بنسبة 71%، بينما ارتفع معدل الشباب الذين لديهم أفكار أو ميول انتحارية بنسبة 47%.. وفي الوقت نفسه، لم يسجلوا أي زيادة في كبار السن خلال نفس الفترة الزمنية. في الواقع، يعاني البالغون الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما من انخفاض طفيف في التوتر النفسي. وقال «جان توينجى»، معد البحث، في بيان صحفى: «الاتجاهات الثقافية في السنوات العشر الماضية ربما يكون لها تأثير أكبر على اضطرابات المزاج والنتائج المتعلقة بالانتحار بين الأجيال الشابة مقارنة بالأجيال الأكبر سنا»، مضيفا أن أكبر زيادة في قضايا الصحة العقلية كانت بعد عام 2011. في هذا الوقت تقريبا، وصل استخدام المواد الأفيونية إلى ذروته في الولاياتالمتحدة عندما أعلنت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الجرعات الزائدة كانت في «مستويات وبائية». وأضاف توينجي:» تعرض عدد أكبر من المراهقين والشباب الأمريكيين في أواخر عام 2010، مقارنة بمنتصف الألفية الثانية، لضغوط نفسية خطيرة، والاكتئاب الشديد أو الأفكار الانتحارية، ومحاولات الانتحار أكثر»، وأضاف «هذه الاتجاهات ضعيفة أو غير موجودة بين البالغين( 26 عاما أو أكثر)، مما يشير إلى حدوث تحول بين الأجيال في اضطرابات المزاج بدلا من الزيادة الشاملة في جميع الأعمار».