جمع العارضون رفوفهم وطووا أجنحتهم وعادوا إلى حياتهم المهنية في المكتبات ودور النشر.. بعد أن أغلق المعرض أبواب دورته السابعة عشر وأسدل الستار عن الفصل الأخير من فعالياته. الجميع واكب ما اتسمت به دورة 2011 من جدل وسجال حول ما آلت إليه طبيعة هذا المعرض والتراجعات التي عرفها منذ الدورة ما قبل الأخيرة.. إلا أنه في الدورة 17 تطور الجدل المرافق للمعرض وأدى إلى توسيع رقعة المقاطعين من منظمات وهيئات وأشخاص ذاتيين... وبلغ الأمر حد مطالبة وزير الثقافة بالرحيل والتوجه إلى الدولة بنداء من أجل تمكين المثقفين من مخاطب جدي يستجيب للاستغاثات ويتفاعل مع نبض الساحة الثقافية وانتظاراتها. الآن، وقد انتهى المعرض، وعاد الجميع إلى حال سبيله، يحق للقائمين عليه، والمشاركين فيه، والمعنيين به من كتاب ومبدعين ومفكرين وناشرين وكتبيين ومسؤولي وأطر وزارة الثقافة.. أن يقفوا وقفة تأمل أو بالأحرى أن يجلسوا جلسة عمل محيطين بطاولة الحوار، وأن يستخلصوا الدروس والعبر، بعيدا عن مظاهر التشنج والعناد والتجاهل... لا شك أن معرض هذه السنة عرف تقصيرا كبيرا في التواصل بين المسؤولين وبين المعنيين بالكتاب والنشر وعموم المتدخلين الأساسيين في الشأن الثقافي الوطني. فبقدر ما تتعالى أصوات الانتقاد والاحتجاج من قبل المثقفين والناشرين ومنظماتهم التمثيلية، بقدر ما يركب وزير الثقافة رأسه ويتمادى في عناده وتجاهله .. ولا يبالي؟ هذا التقصير واللامبالاة جعلا دورة هذه السنة تبتعد من سبل النجاح المتوخى لمثل هذه التظاهرات الكبرى، على قلتها في بلادنا. ولا ينكر إلا جاحد مدى أهمية المعرض الدولي للكتاب والنشر الذي تنظمه بلادنا كل سنة بعد أن كان يعقد مرة كل سنتين، ومدى الإشعاع الإيجابي الذي تحققه هذه التظاهرة الثقافية والفكرية والتربوية، إن على المستوى الوطني أو الدولي.. ومن ثمة لا يحق لأحد أن يفرغها من مضمونها الحقيقي وأهدافها السامية، كما لا ينبغي لأحد أن ينزع من داخل أحشائها شروط نجاحها. هذه السنة، كانت شرايين المعرض وأجنحته وممراته تعيش حالة من التأرجح بين النجاح والفشل.. فبعد المحاضرة الافتتاحية الناجحة للفيلسوف إدگار موران، بدأت تتسرب إلى الحياة الداخلية للمعرض بوادر الفشل الأولى، ثم سرعان ما تعود الروح من جديد لأن أحد أعلام الفكر مر من إحدى قاعات الندوات، ثم يتكهرب الجو ويغلب على المعرض مناخ من الجهامة ويصبح وجهه شاحبا لا يستهوي أحد... من جراء كثرة الفراغات والإلغاءات.. حتى الناشرون الأجانب لم يخفوا قلقهم واستياءهم من الحالة التي أصبح عليها المعرض والتي أصبحوا معها متضررين. وأجمع الناشرون على أن دورة هذه السنة عرفت تراجعا كبيرا، وأن مبيعات الكتب والمنشورات تأثرت بمواقف المقاطعة التي أعلنها المثقفون المغاربة، وأن دور نشر تكبدت خسائر كبيرة بسبب غلاء تكلفة كراء الفضاءات وبسبب قلة الزوار على عكس دورات سابقة. ثم لاحظ الجميع أن أهم الندوات الفكرية واللقاءات الأدبية ألغيت تماما بسبب المقاطعة الواسعة للكتاب والأدباء والتي تأثر بها الجمهور نفسه، بحيث لم يعد يجد لحضوره طعما ولا معنى ولا جدوى. حتى أن القيمين على المعرض تمادوا في عنادهم واستهوتهم لعبة شد الحبل بينهم وبين المقاطعين ولم يستطيعوا تدارك الموقف بفتح حوار عاجل لسد الثغرات. بل لم يستطيعوا أن يفهموا بأن تظاهرة ثقافية كبرى من حجم المعرض الدولي للكتاب والنشر، لا يمكن لها أن تنتصب وتستقيم من دون إشراك مثقفي ومبدعي ومفكري البلد المنظم، والإنصات إليهم. كما لم يفهم وزير الثقافة ومساعدوه الأقربون أن جل هؤلاء الكتاب والأدباء والمثقفين منتظمون تحت لواء الائتلاف المغربي للثقافة والفنون واتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر في المغرب، الداعين الأساسيين للمقاطعة. ومن ثمة يصح أن نسمي دورة هذه السنة «دورة لا حياة لمن تنادي». إذن لا يستطيع أحد أن ينكر أو يتجاهل أن القطيعة بين وزارة الثقافة والمثقفين المغاربة ألحقت أضرارا كبيرة بالمعرض، ماديا ومعنويا. وأكبر ضرر لحق بالمعرض هو الإساءة للمغرب بفعل سلوك التشدد وأسلوب التعنت اللذين أبان عنهما وزير الثقافة الذي لم يستفد من تجربة السنة الماضية واستمر في عجرفته على الجميع. والأدهى من ذلك أنه لم يكن قادرا على التقاط بعض الإشارات التي وجهت إليه قبيل الانطلاقة الفعلية للمعرض، منها أن سمو الأمير مولاي رشيد، الذي دأب على ترؤس حفل افتتاح المعرض، لم تطأ قدماه، هذه السنة، الفضاءات المتشنجة لبنسالم حميش. ولو تمكن الوزير من قراءة هذه الإشارة، وهو العارف بفعل القراءة، لما سد المعرض أبوابه بشكل متجهم، إذ كان على الوزير والمحيطين به أن يدققوا النظر ويصغوا السمع ويحسنوا القراءة بالإقدام السريع على فتح حوار لتصحيح ما اعوج منذ الوهلة الأولى، كان عليهم أن يتلمسوا بوادر الفشل منذ الافتتاح والتصدي لها بقليل من الإنصات وكثير من الأريحية، حتى يصل الجميع إلى الاختتام بنجاح المعرض، الذي كادت دورته الأخيرة أن تنجح لولا إصرار الوزير على أن يوصلها إلى الباب المسدود!! هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته