معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها جزء من منهج إدارة متكاملة لموارد المياه المغرب: تخصيص نحو 4 بلايين يورو لمشاريع صرف صحي سيتم إنجازها شهد العالم العربي خلال العقود الثلاثة الماضية إجهادا مائياً مضطردا، من حيث شح المياه وتدهور نوعيتها. وبذلك برز اختلال للتوازن بين الكميات المتوفرة من المياه والطلب المتزايد عليها. مما استدعى الاستعمال الكفء لموارد المياه وإحقاق التوازن بين العرض والطلب في المنطقة والتفكير في استغلال إعادة استعمال مياه الصرف الصحي عبر معالجتها... خصوصا وأن 10 بلايين متر مكعب من مياه الصرف تنتج من قبل 343,8 مليون نسمة، حسب إحصاء سنة 2008. من هذا المنطلق أنجز الباحث الدكتور رضوان شكر الله دراسة لفائدة المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها كبديل استراتيجي لكل بلد. وليؤكد أن الزراعة، في معظم البلدان العربية، تعد المستهلك الرئيسي للمياه، إذ تستأثر بنحو 80 في المائة من مجموع إمدادات المياه في تونس مثلا و90 في المائة في سورية. لذلك فإن إعادة الاستعمال الموسَّع لمياه الصرف المستصلحة (المعالجة) في الري ولأغراض أخرى يمكن أن تساهم بشكل كبير في تخفيض «الإجهاد المائي» و»شح المياه» في البلدان العربية كجزء من منهج الإدارة المتكاملة لموارد المياه. وتستهدف إعادة استعمال مياه الصرف المعالجة في المنطقة العربية، يضيف الدكتور شكر الله، الزراعة بالدرجة الأولى خصوصاً في تونس وسورية والأردن. كما أن ري الحدائق العامة وملاعب الغولف هو في ازدياد في البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وفي شمال أفريقيا. ومقابل ذلك هناك قيود اقتصادية ومؤسساتية وصحية وبيئية تعيق إعادة استعمال مياه الصرف وإعادة تدويرها بشكل مستدام ومأمون. ويحتاج التصدي لهذه القيود إلى جهد والتزام مشترك من قبل الحكومات العربية وإلى دعم من منظمات إقليمية ودولية لزيادة كميات مياه الصرف المعالجة وكذلك الجزء من مياه الصرف المعالجة الذي يعاد استعماله. وحفز شح المياه والحاجة إلى حماية البيئة والموارد الطبيعية البلدان العربية على إدخال معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها كمورد مياه إضافي في خططها الوطنية لإدارة موارد المياه. باتت معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها، في بعض الدول العربية، ممارسة مؤسساتية رغم أن هناك حاجة كبيرة لتوسيع تطبيقها. وحرص المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» في تقريره الأخير على تحديد الممارسات والتجارب وتطبيقات إعادة استعمال مياه الصرف في البلدان العربية. وبذلك قارب الباحث رضوان شكر الله من خلال هذه الدراسة على بيانات ومطالعات لمنشورات تقليدية، ومطالعة معمَّقة لعدد كبير من مشاريع إعادة استعمال المياه العربية، وعلى النتائج التي توصلت إليها أوراق علمية. مستنتجا ضرورة ترتيبات مؤسساتية أنظف، ووسائل اقتصادية أكثر تفانياً، من أجل زيادة استخدام مياه الصرف المستصلحة، مع وضع خطوط توجيهية لإعادة استعمال المياه. والابتكار التكنولوجي. مستقبل إعادة استعمال مياه الصرف في المنطقة العربية ويفيد الدكتور شكر الله في التقرير أن التحدي الرئيسي لمعظم البلدان العربية هو تأمين الوصول إلى مياه مأمونة وخدمات صحية نظيفة. ويقدر مجلس المياه العربي (2006) أن 83 مليوناً آخرين يحتاجون إلى إمدادهم بمياه مأمونة و96 مليوناً ما زالوا بحاجة إلى خدمات صحية نظيفة للوفاء بالأهداف الإنمائية للألفية. كما أن حاجات عدد متزايد من السكان، يقدر بنحو 343,8 مليوناً (AOAD, 2009)، وضعت ضغطاً مضافاً على مجموع سحب المياه. ويستهلك القطاع الزراعي 86 في المائة من هذا المجموع . إذ من المتوقع أن يزداد الطلب على المياه لاستعمالات منزلية وبلدية وصناعية مدفوعاً بتوسع مُدني سريع وتصنيع وهجرة ريفية إلى المدن. واستعرض التقرير خبرة نماذج من الدول العربية في استعمال مياه الصرف المعالجة من قبيل تونس التي تعرف 61 محطة تجمع 0,24 بليون كيلومتر مكعب من مياه الصرف، منها أقل من 30 في المائة يعاد استعمالها للري الزراعي. وكذا الأردن التي كانت مياه الصرف تستعمل للري في الأردن منذ عدة عقود. حيث أدمج إعادة استعمال مياه الصرف في الاستراتيجية المائية الوطنية للبلاد منذ 1998. وتمثل مياه الصرف 10 في المائة من مجموع إمدادات المياه في الأردن، ويعاد استعمال ما يصل إلى 85 في المائة من مياه الصرف المعالجة لكن مياه الصرف المعالجة تُمزج مع المياه العذبة ومن ثم تستعمل لري غير حصري في وادي الأردن. كما يتم إنتاج 310 ملايين متر مكعب من مياه الصرف في لبنان من قبل القطاعين المنزلي والصناعي. وفي العام 2004، تمت معالجة 4 ملايين متر مكعب من مياه الصرف وتم استعمال مليوني متر مكعب لري غير رسمي. وتتم أيضاً إعادة استعمال مياه الصرف الطبيعية للري في مناطق متعددة من لبنان، كمنطقة البقاع حيث يتم سد بعض المجارير عمداً لتمكين مياه الصرف من التحول للري. وفي مناطق أخرى، يتم تصريف مياه الصرف في الأنهار أو الجداول التي تستعمل للري كما يحدث في عكار والبقاع. ويُستعمل نحو 40 في المائة من مياه الصرف المعالجة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، يضيف التقرير، لري محاصيل لا تؤكل وعلف الماشية فضلاً عن الحدائق العامة.. وفي الكويت، تُعتبر محطة معالجة واستصلاح مياه الصرف في الصليبية إلى حد بعيد المرفق الأكبر من نوعه في العالم الذي يستعمل نظم تنقية المياه الغشائية بواسطة التناضح العكسي (RO) والترشيح فائق الدقة (UF). وتبلغ القدرة اليومية الأولية للمحطة 375,000 متر مكعب، يمكن توسيعها إلى 600,000 متر مكعب يومياً في المستقبل. ويُعتقد أن مياه الصرف المعالجة سوف تساهم بنسبة 26 في المائة من مجموع الطلب الشامل على المياه في الكويت، ما يخفض الطلب السنوي من مصادر غير صالحة للشرب من 142 مليون متر مكعب إلى 26 مليون متر مكعب. كما أن هناك قيودا مفروضة على إعادة استعمال مياه الصرف في المنطقة العربية تتمثل في عدم وجود التزام سياسي وسياسة أو استراتيجية وطنية لدعم معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها يشكل قيوداً جوهرية في معظم البلدان العربية. ففي المغرب مثلاً، يؤكد الباحث الدكتور شكر الله، بالإضافة إلى القيود المالية وانعدام الوعي لدى مؤسسات السلطات الحكومية، لا توجد سياسة وطنية لإعادة استعمال مياه الصرف. ومؤخراً، تم إطلاق خطة رئيسية وطنية للخدمات الصحية بغية حماية موارد المياه. بدعم من منظمات دولية، حيث خصص المغرب موازنة تبلغ نحو أربعة بلايين يورو لمشاريع صرف صحي سيتم إنجازها بحلول سنة 2015. وقد أظهرت تجارب اختبارية لري محاصيل متعددة (خضار، أعلاف، حبوب، محاصيل زينية) فائدة استعمال مياه الصرف المعالجة في زيادة إنتاج المحاصيل وتوفير الأسمدة وحماية البيئة. لكن الخبرة المكتسبة في مشاريع معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها ولدت قليلاً من التقدم في الممارسة نتيجة قيود مختلفة. وأطلقت الحكومة المغربية، في العام 2008، مشاريع متعددة لإعادة الاستعمال ركزت أساساً على توفير مياه الري لملاعب الغولف ولأغراض تجميل المناظر الطبيعية في مدن مراكش وبنسليمان وأكادير تغطي مساحة سطحية مقدارها 3000 هكتار. وينزع كثير من الأشخاص، في المنطقة العربية، إلى الشك بإعادة الاستعمال لأنهم غير متأكدين من نوعية المياه المعالجة. وتوافر مياه الصرف غير المعالجة مجاناً يجعل من الصعب إقناع المزارعين بدفع رسوم مقابل مياه مستصلحة يعتبرون أنها ليست ذات نوعية جيدة. وتشير مشاريع عديدة إلى أن الطلب على المياه المستصلحة من قبل المزارعين هو أدنى عموماً من الطلب على مصادر مياه عذبة بديلة. هذا الارتياب يبدو جلياً في تونس، حيث السعر الذي يفرض على المزارعين مقابل مياه الصرف المستصلحة هو أدنى أربع مرات من أسعار المياه العذبة. وربما الأهم، أن تعذر استعمال المياه المستصلحة لري محاصيل نباتية عالية القيمة يثبط عزيمة نحو نصف جميع مزارعي المحاصيل الصالحة للأكل (Bahri, 2002). وأشار الدكتور شكر الله إلى أن القبول الاجتماعي والأنظمة الخاصة بخيارات المحاصيل والاعتبارات الزراعية الأخرى تؤثر بقوة على القرارات المتعلقة بإعادة استعمال المياه. أما في فلسطين فترتبط مشاريع إعادة استعمال مياه الصرف في الضفة الغربية بعقبات سياسية، بالإضافة إلى العقبات المالية والاجتماعية والمؤسساتية والتقنية. “لا تزال إعادة استعمال مياه الصرف مرتبطة بالقضايا السياسية المتعلقة بالحقوق المائية الفلسطينية” (Samhan, 2008)، لأن إسرائيل تعتبر مياه الصرف المعاد استعمالها جزءً من مجموع الحصة الفلسطينية في المياه العذبة. وما زالت تُفتقد رؤية متكاملة لقضايا إعادة استعمال مياه الصرف، وهذه يجب أن تشمل الجوانب السياسية والمؤسساتية والسياسة المائية والتوعية والتسويق والتعرفات (Samhan, 2008). لهذه الأسباب جميعاً، يتطلب تدوير مياه الصرف في البلدان العربية عادة التزاماً حكومياً طويل الأجل. ويجب تكريس جهد أكبر لإنتاج مياه صرف معالجة جيدة النوعية لاستعمالها في الري غير الحصري. ويجب تعزيز الوعي الجماهيري والامتثال التنظيمي والمراقبة. تأثيرات صحية وأمان بيئي وبالنسبة للتأثيرات الصحية والأمان البيئي، ذكر التقرير أن محطات معالجة مياه الصرف في البلدان العربية لا تعمل بشكل مرض، وفي معظم الحالات تفوق تصريفات مياه الصرف المعالجة الحدود القصوى المقبولة قانونياً وصحياً. وهذا يعزى لعدم وجود موظفين مدربين بشكل مناسب ممن لديهم مهارات تقنية لتشغيل هذه المحطات، فضلاً عن الافتقار إلى موازنة كافية لصيانة المحطات وتشغيلها. ذلك أن الري بمياه صرف معالجة يسبب بشكل غير كاف مخاطر صحية عامة جدية، نظراً إلى أن مياه الصرف هي مصدر رئيسي لممرضات موجودة في البراز مثل الجراثيم والفيروسات والأوليات والديدان التي تسبب أمراضاً مَعِدية معوية لدى البشر. «ويسبب استعمال مياه الصرف بشكل غير مناسب مخاطر مباشرة وغير مباشرة للصحة البشرية نتيجة استهلاك محاصيل وأسماك ملوثة. والمزارعون الذين هم على تماس مباشر مع مياه الصرف والتربة الملوثة معرضون أيضاً للخطر» (WaDlmina, 2008). كما أن إعادة استعمال مياه صرف غير مناسبة في الزراعة قد يؤدي إلى أمراض تصيب المواشي. وبذلك فالمخاوف المتعلقة بإعادة استعمال مياه الصرف المستصلحة لا تقتصر على “البنية التحتية للمعالجة وتكنولوجيا المعالجة المطبقة ذات الصلة”، لكن تمتد إلى “معايير رئيسية أخرى مثل نوعية المياه المعالجة، إضافة إلى خيارات إعادة الاستعمال اللاحقة وفق مقاييس النوعية الحالية كما هي محددة في التشريعات الوطنية” (AHT Group AG, 2009). مياه الصرف في المنطقة العربية محمَّلة بشكل متزايد بمواد إضافية قد تكون مضرة مثل المعادن الثقيلة وملوثات نزرة تشتمل على مركبات عضوية وغير عضوية، وملوثات ناشئة مثل المواد الصيدلانية، وهذه يجب إزالتها جميعاً قبل إعادة استعمال مياه الصرف. كما أن مكونات غير عضوية ذائبة، مثل الكالسيوم والصوديون والكبريتات، قد يكون من الواجب إزالتها لإعادة استعمال مياه الصرف. ويشكل تصريف مجاري المياه الصناعية غير المعالجة في شبكة الصرف الصحي عبئاً إضافيا على نوعية مياه الصرف المعالجة (التي في النهاية سوف يعاد استعمالها في الزراعة). وهذه هي الحال في صناعات مصايد الأسماك في أكادير بالمغرب، التي تصرِّف أحمالاً كبيرة من الملح الذي يؤدي إلى ازدياد الملوحة في المياه المعالجة الصادرة عن محطة لمزار. ومن حيث الأمان البيئي، قد يؤدي الري غير المنظم بمياه الصرف إلى مشاكل مثل تدهور بنية التربة (تكتل التربة نتيجة ارتفاع محتوى الجوامد العالقة في مياه الصرف المعالجة)، مما يتسبب برداءة في الترشيح وتملح التربة وتأثير سُمِّي على النبات (Dhoukr-Allah and Kampa, 2007). وفي الأردن، ما زالت مستويات الملح في التربة تميل إلى الازدياد في بعض المناطق التي رُويت بمياه صرف معالجة، ويُنسب ذلك إلى ملوحة مياه الصرف فضلاً عن إدارة العمل في المزارع (Fatta et al., 2004).) ويعني ارتفاع الملوحة أن عدداً معنياً من المحاصيل الأقل مقاومة لا يمكن ريها بمياه الصرف. إن التأثيرات البيئية المحتملة الناتجة عن إعادة استعمال مياه الصرف في الزراعة قد تشمل أيضاً تلوث المياه الجوفية والسطحية، فضلاً عن تدهور الموائل الطبيعية والنظم الأيكولوجية. في تونس، على سبيل المثال، القيد النوعي البيئي الرئيسي الذي يعيق إعادة استعمال مياه الصرف هو زيادة النيتروجين. الخطوط التوجيهية لإعادة استعمال مياه الصرف وتناول تقرير «أفد» إمكانية تقسيم البلدان العربية إلى ثلاث فئات وفقاً لممارساتها المتعلقة بالتخلص من مياه الصرف وفق الفئة الأولى والتي تشمل البحرين وعُمان والسعودية وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة. وتتبع جميع البلدان في مجلس التعاون الخليجي طرقاً مماثلة للتخلص من مياه الصرف. ويعاد استعمال نسبة عالية من مياه الصرف بعد معالجة لاحقة في ري الأراضي الزراعية أو في تجميل المناظر الطبيعية، بينما يتم التخلص من البقية في البحر بعد كثير من خطوات المعالجة المتقدمة. هذه الممارسة شائعة في منطقة الخليج بسببب توافر محطات معالجة مجهزة جيداً ومتقدمة. وتُتبع مقاييس نوعية صارمة قبل التخلص وإعادة الاستعمال، لكن يعتقد أنه يمكن تخفيف بعض المعايير من أجل استعمال الحجم المتزايد على الدوام للمياه المعالجة ثانوياً استعمالاً تاماً. أما الفئة الثانية فتشمل مصر والعراق والأردن والمغرب وسورية. وتتبع هذه البلدان أنظمة معتدلة للتخلص من مياه الصرف. والمياه الناتجة من محطات معالجة مياه الصرف لا تفي بالمقاييس الوطنية أو الدولية. وهذا قد يكون ناتجاً عن الوضع الأقل من مثالي أو من عدم قدرة محطات المعالجة القائمة على تلبية أحمال كبيرة من مياه الصرف الطبيعية الداخلة إليها. وبناء على هذه الحقيقة يتم التخلص من نسبة عالية من مياه الصرف الخارجة في أجسام مائية سطحية لاستعمالها لاحقاً في الري. وتحدد الأنظمة في هذه البلدان أنواع المحاصيل التي يمكن ريها باستعمال هذا النوع من المياه المعالجة. وإضافة إلى ذلك، يجوز استعمال هذه المياه لتجميل المناظر الطبيعية أو لأغراض صناعية. والحكومة لا تسمح بالتخلص من مياه الصرف الطبيعية في الوديان أو بالتفريغ في الأراضي. وقد يبدو أن هناك خرقاً لهذه الأنظمة في المناطق الريفية لأنها لا تنتفع بشبكة (تجميع) مياه الصرف أو غير موصولة بها. في حين تشمل هذه المجموعة الضفة الغربية واليمن ولبنان، حيث يتم التخلص من جزء كبير من مياه الصرف في الوديان وتستعمل لاحقاً لري الأراضي الزراعية بلا معالجة. وفي الضفة الغربية، يتم التخلص من مياه الصرف الطبيعية في الوديان ومن هناك تُستعمل لري جميع أنواع المحاصيل والخضار. ولا يُعطى للعمال والمنتجات والتربة واحتمال تلوث المياه الجوفية أي اعتبار يتعلق بالإشراف البيئي والصحي. وفي اليمن، تُستعمل مياه الصرف الطبيعية للري حيثما وجد من دون أي معالجة ضرورية للوفاء بمقاييس إعادة استعمال مياه الصرف. وأشار التقرير إلى أن مراقبة وتقييم نظم إعادة استعمال مياه الصرف في كثير من البلدان العربية هي مخالفة للأصول وغير متطورة بشكل جيد. ويعزى سبب ذلك، حسب الباحث الدكتور شكر الله، إلى ضعف المؤسسات، ونقص الموظفين المدربين، والافتقار إلى معدات المراقبة، والارتفاع النسبي في الكلفة التي تتطلبها عمليات المراقبة. كما أن إهمال إجراءات المراقبة وتنفيذ المراقبة بشكل غير منتظم وغير صحيح يمكن أن يسببا تأثيرات سلبية خطيرة على الصحة ونوعية المياه والاستدامة البيئية والأيكولوجية. وبالإضافة إلى ذلك، من المهم إدخال إجراءات تقنية وتنظيمية مناسبة بإمكانها أن تصدر بشكل منهجي وموثوق تحذيراً بحدوث أعطال وشيكة في تشغيل محطة معالجة مياه الصرف إلى مديري إعادة استعمال هذه المياه، وذلك تفادياً لتدفق مياه الصرف غير المعالجة في شبكة التوزيع. واختيار تكنولوجيا مياه الصرف المناسبة يمكن أن يخفف مشاكل التمويل والمراقبة. ومحطات مياه الصرف تحتاج عموماً إلى رساميل كبيرة ومشغلين متخصصين ومدربين بشكل جيد. لذلك، وقبل اختيار تكنولوجيا معالجة مياه الصرف والاستثمار فيها، يجب القيام بتحليل لفاعلية الكلفة وتقييمها مقابل الخيارات المتوافرة الأخرى. والحلول البسيطة التي تتكرر بسهولة وتسمح بتحسن إضافي وفق ما يقتضيه التغيير، والتي يمكن تشغيلها وصيانتها من قبل قوة عمل محلية مدربة غالباً ما تعتبر الأكثر ملاءمة واقتصاداً بالكلفة. ويجب أن يعتمد اختيار التكنولوجيا على نوع إعادة الاستعمال. ويجب انتقاء خيار إعادة الاستعمال على أساس معقول. والمياه المستصلحة هي مورد مائي قيّم لكنه محدود. ويجب أن تكون التكاليف الاستثمارية متناسبة مع قيمة المورد. ويجب أن يكون موقع إعادة الاستعمال أقرب ما يمكن من مرافق معالجة مياه الصرف وتخزينها. ويجب أن تكون تكنولوجيات معالجة مياه الصرف مستدامة بيئياً ومناسبة للأوضاع المحلية ومقبولة من المستخدمين ويمكن احتمالها من قبل أولئك الذين عليهم أن يدفعوا مالاً مقابل الحصول عليها. ثم تخصيص الأموال اللازمة لدعم الأبحاث التطبيقية المخصصة لتطوير عمليات معالجة مستدامة لمياه الصرف قابلة للتكيف مع الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية والمناخية في المنطقة. توصيات وأوصى تقرير ‹أفد» إلى تطوير إطار عربي مشترك ودعم سياسي قوي، يوفر مفهوماً متناغماً لإدارة المخاطر الصحية والبيئية لمياه الصرف المعالجة وتطوير استراتيجيات مناسبة تعزز إعادة استعمال مياه الصرف المعالجة في المنطقة العربية في سياق خطة شاملة لإدارة موارد المياه في كل بلد. كما أن الالتزام بإعادة استعمال مياه الصرف يجب أن يكون جزءً من سياسة واستراتيجية مائية معلنة في جميع بلدان المنطقة العربية. وعدم وجود تنظيم في قطاع إعادة الاستعمال يجب معالجته كمسألة ملحة بغية تحديد الهيكلية المؤسساتية المناسبة المطلوبة لتطوير القطاع ومجموعة احكامه وقواعده التنظيمية. ويجب تنفيذ مقاييس تتماشى مع الأنظمة القائمة أو الجديدة لحماية البيئة ووقاية صحة المستهلك. والبلدان العربية مطالبة بإلحاح بأن تطور خطة عمل شاملة لإعادة استعمال مياه الصرف المعالجة على أن تكون لها أدوار تنفيذية محددة بوضوح. ويجب إعادة النظر بالخطة وتكييفها دورياً كلما تم اكتساب معارف.. ولتخفيف المخاطر الصحية والبيئية، يجب أيضاً وضع قواعد ومقاييس مشتركة لإعادة استعمال مياه الصرف المعالجة في المنطقة العربية مع ضرورة التقيد بالمعايير الإطارية التي نصت عليها الخطوط التوجيهية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لاستعمال مياه الصرف بأمان. وإضافة إلى المتطلبات الإلزامية، يوصى المنتدى العربي للبيئة والتنمية بوضع «قواعد أفضل الممارسات» لاستعمال مياه الصرف في تطبيقات متنوعة. ويجب أن تحتوي «قواعد أفضل الممارسات» على نصوص معينة من أجل عدم إفساد نوعية المياه الجوفية، ولمنع الارتشاح من الخزانات، ولاختيار فترات التطبيق بناء على أحوال الطقس. كما يجب أن تشمل «قواعد أفضل الممارسات» اختيار معايير للمحاصيل ولطرق الري المناسبة. ويعتمد خيار طريقة تطبيق الري بمياه الصرف على نوعية المياه المعالجة، والمحاصيل التي يجب زرعها، وتقاليد المزارعين وخلفياتهم ومهاراتهم، وأخيراً، على الخطر المحتمل الذي يهدد المستخدمين والصحة العامة. وتوفر تقنيات الري المركزية (أي الري بالفوارات والتنقيط والنضيض) للمزارعين أقصى حماية صحية لأنها توصل مياه الصرف مباشرة إلى النباتات. واختتم الباحث الدكتور شكر الله بحثه بدعوة البلدان العربية بأن تطور إطاراً لنشر المعرفة المكتسبة من مرافق معالجة مياه الصرف القائمة في المنطقة العربية. كما أن تقاسم المعرفة من شأنه أن يؤدي إلى تحسين توافر المعلومات حول الفوائد الاقتصادية والمالية، وأحجام مياه الصرف المعالجة والمعاد استعمالها، والفوائد التي يجنيها النظام الاقتصادي المائي، واستعادة كلفة نظم إعادة استعمال المياه. ويجب على صانعي السياسة تطوير خطط وحملات توعية ذات أبعاد وطنية لنشر الثقافة حول استعمال مياه الصرف المعالجة ودعم هذا الاستعمال. ومن الضروري أيضاً نقل المعلومات الحديثة حول تكنولوجيات التصنيع وحماية المحاصيل الملائمة الى السلطات المسؤولة عن معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها وإلى المستخدمين النهائيين. ليخلص إلى حض الحكومات العربية على تكريس جهد جدي والتزام واضح لتعزيز إعادة استعمال هذه المياه غير الاعتيادية كجزء لا يتجزأ من إدارة مواردها المائية.