ليس من المتوقع حدوث الكثير من الإنجازات الملموسة خلال القمة العربية- الأوروبية الأولى التي تنعقد في شرم الشيخ بمصر. يعتبر هذا الحدث واحدا من تلك القمم التي يسعد أصحاب المصلحة بمجرد انعقادها. وتصبح صورة المجموعة المشاركة فيها غاية في حدّ ذاتها. لا تبدو القمة، التي ستنعقد يومي 24 و25 فبراير 2019، متجهة إلى أبعد من تسليط الضوء على العقبات في طريق الحوار الهادف بين ضفتي البحر المتوسط. لم تكن العلاقات بين الضفتين غير متوازنة مثلما هي الآن. تزدهر الضفة الأولى وتنغمس في السياسات العالمية، فيما تعاني الضفة الأخرى من التفكك، والتعثر الاقتصادي وتغرق في الحروب والصراعات. لا يمكن لهذا الاختلال إلا أن يشوّه شروط الحوار. لكن تفوّق أوروبا في هذا الحوار ليس أمرا حتميا. من المرجح أن يكون للعرب صوت مسموع إذا ما تبنوا موقفا مشتركا. نجح الأمر، في العام الماضي عندما اتحدت العواصم في شمال أفريقيا معا ضد الاقتراح الأوروبي بإنشاء "منصات إنزال" للمهاجرين غير الشرعيين في دول المنطقة. حتى لو كان الواقع الجيوسياسي والاقتصادي يعرّض العرب للضغط، فقد تغير الكثير في السنوات القليلة الماضية. لقد ولّت الأيام التي كان بوسع الاتحاد الأوروبي فيها السعي للحصول على تنازلات ببساطة عن طريق ليّ أذرع الأنظمة العربية في جلسات مغلقة. يعتبر الرأي العام عاملا جديا في العالم العربي اليوم، حتى عندما لا تكون المؤسسات الديمقراطية كذلك. كما غيّرت الأحداث رؤية أوروبا للضفة المقابلة. فمنذ سنة 2011، هيمن الارتياب والشك على وجهة نظر أوروبا لدول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. أصبحت الهزات والموجات الهائلة من العنف في العالم العربي مصدرا رئيسيا للقلق الأوروبي. وبالتالي انخفض الحديث الصاخب الذي ساد قبل "الربيع العربي" حول حقوق الإنسان والديمقراطية، وإن لم يخفت صداه تماما. في حالة تونس، حيث كان من المفترض أن يفسح النجاح النسبي للانتقال الديمقراطي الطريق أمام المساعدة المفيدة من الاتحاد الأوروبي، يبدد دعم الأوروبيين المتواضع أيّ أوهام من نوع مشروع مارشال. وفضلت أوروبا أن تعرّض نفسها إلى الاتهامات بعدم الاتساق والمعايير المزدوجة، بدلا من أن تعيش خارج نطاق إمكانياتها. في عالم اليوم، يسود الخوف نظرة أوروبا إلى المنطقة. وأصبح الحذر من الإرهاب والهجرة غير الشرعية في الكثير من الأحيان يمثّل عوامل حاسمة. تفاجأ البعض في العالم العربي عندما صنّفت أوروبا دولا عربية ضمن القائمة السوداء للدول التي تمارس غسيل أموال وتمويل الإرهاب. ذكرت المفوضية الأوروبية أن "الهدف هو حماية سلامة النظام المالي للاتحاد الأوروبي". لا يهم إذا كانت المخاطر خيالية أو حقيقية، أو إذا كانت المنهجية المستخدمة بعيدة عن ضمان عدم سوء الاستخدام. أظهرت هذه الخطوة كيف يمكن لمفهوم المصالح الحيوية لأوروبا أن يفوق القلق من الضرر الجسيم الذي لحق بسمعة دول عربية. أوروبا نفسها تشهد تغيرات بينما تهترئ روابط اتحادها. أدت أزمة الهجرة التي تسببت فيها الحرب في سوريا والعراق وليبيا، إلى خلق أولويات سياسية وانتخابية جديدة للزعماء الأوروبيين. كما أدت الشعوبية المتزايدة إلى تشقق الواجهة المتناغمة السابقة للاتحاد الأوروبي. بالتالي، يأتي الحوار العربي- الأوروبي كمحادثة بين كتلتين مكسورتين. إذا كان الانقسام العربي موضوعا يضرب به المثل، فإن أوروبا تسير أيضا في اتجاه جديد حاد. خلال اجتماع وزاري في بروكسل في أوائل فبراير، لم يكن هناك اتفاق على جدول أعمال القمة المقبلة. وأوضح أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن هناك "تعقيدات في الجانب الأوروبي أكثر من الجانب العربي". وردت فيديريكا موغيريني، مفوضة الشؤون الخارجية وسياسة الأمن في الاتحاد الأوروبي، قائلة "أودّ أن أقول العكس". ومن الواضح أنّ هذه التعقيدات موجودة لدى الطرفين. في شرم الشيخ من المتوقع أن تحاول أوروبا التركيز على قضية الهجرة حتى لو كانت هناك ملفات أخرى، مثل التجارة والاستثمار والصراعات العديدة في المنطقة، مدرجة على جدول الأعمال. ومن غير المتوقع أن تقدم أوروبا أكثر من الحديث عن السلام في الشرق الأوسط؛ إذ تبدو متقبلة لحقيقة توقف نتائج الحرب والسلام في المنطقة، هذه الأيام، على التحركات الأميركية والروسية ومناورات القوى الإقليمية. كانت العديد من أحلام السياسات المتوسطية المتضافرة والحوار العربي- الأوروبي غير واقعية منذ اليوم الأول. على مدى عقود، دافع صانعو السياسات في المنطقة المغاربية وبقية العالم العربي عن فكرة التنمية المشتركة بين ضفتي المتوسط. وفي الواقع كان لكل طرف أولوياته وقيوده الخاصة. وكان العائق الأساسي الدائم هو الاقتصاد. لطالما كانت المفاوضات حول الطابع الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي عملا "بلا مشاعر"، حيث تأتي مصالح أوروبا أولا. ما زال الوضع على حاله اليوم فيما يواجه الاتحاد الأوروبي مشاكله الاقتصادية الخاصة وجرح بريكست. وإذا كان الجانب الأوروبي أكثر انقساما من أي وقت مضى، فإن انقسامه يأتي في المركز الثاني بعد الأولويات الاقتصادية والمصالح الأساسية لكتلته. المنطقة المغاربية وبقية الدول العربية هي من تتحمل المسؤولية، إذ تبقى هذه الأطراف من بين أقل المناطق تكاملا في العالم. سيظهر اللقاء بين الدول الخمسين في شرم الشيخ أن أي رؤية عالمية تحمل مصداقية بقدر قدرة حاملها على الدفاع عن هذه التوقعات. ينظر الآن الدبلوماسيون العرب والأوروبيون إلى نموذج التنمية المشتركة بين ضفتي البحر المتوسط كوهم طوباوي. ربما كان الوضع كذلك دائما. لكن أصبحت الحاجة إلى مراجعة العلاقات الأوروبية العربية، ملحة أكثر من أي وقت مضى.