نبيل بنعبد الله: كنا دائما نربط بين النضال من أجل استكمال الوحدة الترابية بالكفاح من أجل استكمال البناء الديمقراطي محمد اليازغي: ارتكبت أخطاء في ملف الصحراء المغربية في فترات معينة البشير الدخيل: الإسراع بتنزيل الحكم الذاتي على الأقاليم الصحراوية، وإزالة الوساطة بين الدولة والمواطن اعتبر نبيل بنعبدالله، أن مبادرة تنظيم ندوة بمدينة المحمدية، حول قضية الصحراء المغربية، تأتي في سياق وطني يستدعي من القوى التقدمية واليسارية توحيد صفوفها. آملا، أن تتسع مبادرة تنظيم مثل هذه الندوات في باقي أنحاء المغرب، من أجل توحيد الصفوف اليسارية وصفوف الكتلة الديمقراطية لمواجهة التحديات الأساسية المطروحة على الحاضر والمستقبل. وأضاف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في مداخلة له، في ندوة سياسية حول موضوع «تطورات القضية الوطنية وأسئلة المستقبل»، نظمها فرعا حزبي التقدم والاشتراكية، والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمحمدية، مساء يوم الجمعة الماضي، أن موضوع الوحدة الوطنية، مرتبط بمسألة التحرير ومسألة النضال الوطني، وأيضا بالنضال الوطني من أجل الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. ولم يفت الأمين العام، أن يحيي الشعب المصري والشعب التونسي بعد تحقيقهما على الأقل، ماأسماه بالخطوة الأولى من أجل بناء نظام ومجتمع ديمقراطي متقدم تسوده الكرامة والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. وأكد نبيل بنعبدالله، وهو يناقش مسألة الوحدة الترابية واستكمالها، أن حزب التقدم والاشتراكية ربط دائما بين النضال من أجل الاستقلال الوطني والنضال من أجل التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، منذ أن أصدر الحزب الشيوعي المغربي -آنذاك - سنة 1946 وثيقته من أجل الاستقلال، موضحا أن الحزب ظل يؤكد على هذا الترابط، وأن الحزب عبر دائما، في مختلف محطاته التاريخية على هذا الترابط الجدلي وعلى ضرروة اعتبار أن مسألة الاستقلال لايمكن أن تكتمل إلا فوق تراب محرر بكامله، لكن كذلك من خلال استكمال لبنات البناء الديمقراطي على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأشار نبيل بنعبد الله، أيضا، أن هناك بعض الأمور المطروحة اليوم في الساحة الدولية والمرتبطة بمسلسل المفاوضات الذي يخوضه المغرب مع البوليساريو، ولكن كذلك مع الجزائر وموريطانيا كطرفين معنيين، مؤكدا أنه من الضروري أن نتفاعل مع بعض الطروحات المقدمة من طرف خصوم وحدتنا الترابية والتي على المغرب أن يظل حذرا ويقظا في شأنها. وبعد أن عرج الأمين العام، على المسار التاريخي الذي عرفته القضية الوطنية، قال إن هناك مقولة غير واردة أبدا في أي نص من نصوص الأممالمتحدة، وهي أن المغرب قوة محتلة للتراب الصحراوي. والواقع- يضيف الأمين العام -، أنه ليس هناك أي وثيقة للأمم المتحدة تؤكد على ذلك، موضحا، أن التعريف الممكن لمسألة القوة المحتلة بالنسبة للمرجعية الأممية، هو أن القوة المحتلة يمكن أن تنعت بذلك عندما يكون الأمر مرتبطا بنزاع مسلح، وعندما يكون هناك بلد له سيادة شرعية على منطقة معينة في العالم، وتدخلت قوة أخرى لتحتل هذا البلد بالعنف أو بأمور أخرى، والحال- يقول بنعبدالله-، أنه في سنة 1975، عندما استرجع المغرب هذا التراب، كان هذا الأخير تحت سيطرة القوة المحتلة، آنذاك، وهي إسبانيا، ولا يمكن بالتالي نعت المغرب بالقوة المحتلة للتراب، طالما أنه لم تكن هناك في التاريخ وعبر التاريخ قوة تسيطر على هذا التراب شرعا غير المغرب. وعن موضوع الاستفتاء، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بأن هناك مطالبة لحد الآن بإجراء الاستفتاء ومحاولة تحميل المسؤولية للمغرب على أنه هو الذي يرفض الاستفتاء. في حين يضيف المتحدث، أن هناك استحالة إجراء هذا الاستفتاء لتحديد هوية المعنيين بالأمر، وهي الاستحالة التي أقرتها الأممالمتحدة نفسها. وبعد أن تحدث عن مخطط بيكر 1 وبيكر 2 وإقرار الأممالمتحدة باستحالة إجراء الاستفتاء، أشار بنعبد الله إلى مصادقة الأممالمتحدة على مقرر سنة 2004 الذي يفيد أنه من الضروري أن يكون هناك حل سياسي متوافق عليه من قبل كافة الجهات. ومما قاله أيضا في موضوع الاستفتاء، أن التجربة الدولية أثبتت على أن هناك 64 حالة في العالم طرحت على الأممالمتحدة مشاكل من هذا النوع وأن 5 منها فقط مرت عبر مسلسل الاستفتاء، وبالتالي ليس الاستفتاء- في نظره - ضروريا للوصول إلى حل للمشكل. بعد ذلك، أسهب بنعبد الله في الحديث عن مبادرة المغرب المتعلقة بتقديمه لمقترح الحكم الذاتي. وقال أيضا، أنه في الوقت الذي يطالب فيه الخصوم باحترام حقوق الإنسان في المنطقة وهي حقوق محترمة بشكل كبير، هناك انتهاكات يومية تمس بحقوق الإنسان في مخيمات تندوف، وأن هناك غض الطرف عن ذلك. إضافة إلى استغلال أحداث مخيم أكديم إيزك، للنيل من وحدة المغرب، لكن المغرب أفشل كل هذه المؤامرات. وعن مستقبل القضية الوطنية، قال، أن هذا الموضوع، للأسف، لن يحل حلا نهائيا، الأسبوع المقبل أو بعد شهر أو بعد سنة، وبالتالي على المغرب –في نظره-، أن يكون واعيا بأنه بقدر ما يريد أن يستمر في مواجهة ومجابهة كل المناورات التي تحاك ضده من قبل خصوم الوحدة الترابية، بقدر مايجب عليه أن يبقى متينا في دفاعه عن قضية وحدته الترابية في المنابر الدولية خصوصا الأممالمتحدة، وأن يكون حذرا فيما يتعلق ببعض المنابر كالبرلمان الأوروبي، أومواقف بعض الدول الوازنة، بقدر ما أيضا يجب عليه أن يكون واعيا أن ربح موضوع الصحراء، منطلقه داخل المغرب، ويتم ربحه فوق التراب الوطني، كما يتم ربحه بارتباطه بباقي القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة على بلادنا، بمعنى،- يضيف الأمين العام-، أنه بقدر مايتقدم المغرب في مسلسله الإصلاحي بقدر ما يستطيع تحصين البناء الديمقراطي وتقوية الاقتصاد الوطني ويذهب في اتجاه توزيع عادل حقيقي للثروات وعدالة اجتماعية أقوى في البلاد. ومن جهته، اعتبر الأستاذ محمد اليازغي، أن قضية الصحراء طالت كثيرا، وأننا سنحتاج باستمرار إلى مراجعة تجربتنا منذ بداية هذه القضية، مؤكدا على حقيقتين أساسيتين، حقيقة جغرافية وحقيقة تاريخية. وأضاف في تدخله، في هذه الندوة، أنه بالنسبة للحقيقة الجغرافية، فهي أن المغرب له أبعاد أربعة، تتمثل في كونه بلدا متوسطيا وأطلسيا وجبليا وصحراويا، وأن هذه الأبعاد الأربعة لا يمكن أن يتصور الإنسان المغرب بدونها، وأن البعد الصحراوي هو جزء من كياننا الجغرافي. أما الحقيقة التاريخية، فهي أن المغرب عاش فيه الإنسان منذ ملايين السنين، وأن ساكنته عرفت مزيجا واختلاطا قويا لقبائل عدة شكلت البنية الإنسانية للمغرب بكل مناطقه، وبالتالي، فالإنسان الأمازيغي والعربي والأندلسي والزنجي، كلها عناصر صبت في بناء المواطن المغربي الذي يعيش حقيقة هذه الحقائق في قرننا الحالي. وأوضح الأستاذ اليازغي، أن هناك خطئين كبيرين ارتكبهما مسؤولو البلاد في فترات معينة، مشيرا أنه في الفترة الأولى، نزل جيش التحرير المغربي من الشمال إلى الأقاليم الصحراوية، وامتزجت عناصر من القبائل الصحراوية في صفوفه، وحرر جزءً كبيرا من الساقية الحمراء ووادي الذهب، لكن تحالف إسبانياوفرنسا عليه جعلته ينهزم ويطرد من الساقية الحمراء. والمشكل، في نظر اليازغي، هو أن الحكم المغربي حل جيش التحرير، في حين، أن ماكان يجب أن يقوم به المغرب، هو أن يحتفظ بجيش التحرير في حدود الساقية الحمراء. واستدل على ذلك، بكون فرنسا أعطت الاستقلال للجزائر وبالتالي لم يبق هناك داع لأن تتحالف غدا مع المستعمر الإسباني، وأنه كان يمكن لجيش التحرير أن يستأنف عمله، لكن إدماجه في القوات المسلحة الملكية، حرم البلاد من أداة تحرير ستحاول مجموعة الشباب في سنة 72 و73 الرجوع إليها وإيجاد صيغة للتحرير. الخطأ الثاني، في نظر الأستاذ اليازغي، هو أن 15 سنة بعد سنة 1957 و 1958 الذي حل فيه جيش التحرير، تعامل الحكم المغربي مع هؤلاء الشباب الذين أرادوا تحرير الساقية الحمراء، تعاملا عنيفا حيث قمعوا واضطر بعضهم إلى مغادرة البلاد، مضيفا، أن هذين الخطئين صعبا على المغرب استرجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب. وبعد أن تحدث بإسهاب عن حكم المحكمة الدولية، وتنظيم المسيرة الخضراء وطرح القضية على المنتظم الدولي والتفاعلات التي صاحبتها، مرورا بمخطط بيكر الأول والثاني، اعتبر اليازغي أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، مقترح وجيه ويحظى بمصداقية من طرف مجموعة من دول العالم، مضيفا أنه لا يمكن تطبيقه إلا إذا تم التوصل إلى حل مع المغرب، في حين، أن المغرب- يشير المتدخل-، لن ينتظر إلى ما لا نهاية، وأنه سيقوم بطرح جهوية موسعة. وبعد حديثه عن المفاوضات الحالية بين المغرب والبوليساريو، قال بأن المغرب مايزال يطالب الجزائر بأن تأخذ الكلمة في هذه المفاوضات، خصوصا وأن اللاجئين يتواجدون فوق أراضيها، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة إحصاء هؤلاء اللاجئين المتواجدين فوق أرض جزائرية. أما الناشط الجمعوي البشير الدخيل، فقد تطرق في هذه الندوة، إلى ظروف ومسار نشأة البوليساريو من طرف مجموعة من الشباب والطلبة، كان من ضمنهم، حيث أشار في هذا الصدد، أن هذه النشأة، كانت تعبيرا عن استمرار النضال ضد الاستعمار الفرنكوي، الذي حاربه آباء وأجداد المؤسسين لهذه الحركة المسلحة، التي شغل فيها في وقت سابق، منصب رئيس اللجنة العسكرية إلى حين تدخل الجزائر في شؤون الحركة. وأضاف، أنه كان ضمن المجموعة الأولى التي ذهبت إلى الجزائر 1974. وكان بمثابة اللقاء الأول مع الجزائريين في وقت كانت تعتبر فيه الجزائر«مكة الثوار». بحيث كانت تستقبل آنذاك ممثلي الحركات اليسارية الإسبانية وأحزاب أخرى من أمريكا اللاتينية. وأكد الفاعل الجمعوي، أن الجزائر قامت سنة 1975، بالتدخل في الشؤون الداخلية للبوليساريو، وفرضت عليه قيادة جديدة، بعد قتل الوالي مصطفى السيد، في أرض موريتانيا سنة 1976. وبعد أن تحدث بإسهاب، عن تطورات ملف القضية الوطنية، ضمنها مسألة إيقاف النار سنة 1990، ودخول المينورسو على الخط، ومسألة تحديد الهوية، أشار إلى أن المغرب كان أول من طرح فكرة الاستفتاء في سنة 1981 بفريتاون، ولكن الاستفتاء-يضيف المتدخل-، كان مستحيلا، حيث لم تستطع الأممالمتحدة تحديد الجسم الناخب. بعد ذلك، انتقل الدخيل إلى الحديث عن الحل الوارد في القرار الصادر في 14 ديسمبر1960، الذي يتمثل في الحكم الذاتي، الذي وصفه بالحل الجيد، خصوصا، وأن الجغرافية البشرية في المناطق الجنوبية تغيرت لمدة 35 سنة، معتبرا في الوقت نفسه، أن الحل لمشكل الصحراء، يتمثل في تطبيق الحكم الذاتي، لكونه يجسد اعترافا بخاصية معينة. وأن مجموعة من الدول الديمقراطية في العالم، بنيت أنظمتها على نوع من الحكم الذاتي، بدء بفرنسا وأستراليا وإيطاليا وحتى الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومما قاله أيضا، أن الحكم الذاتي هو الحل، ويجب أن يطبق على أرض الواقع، وأن الأمر يتعلق بمطلب، لأن معظم الصحراويين في الأقاليم الجنوبية، -في نظره-، يتساءلون، إن كانوا سيظلون ينتظرون موافقة قيادة أبدية فرضت من طرف الجزائر، من أجل أن نطبق الحكم الذاتي؟. وقال، إن هناك أوجها لهذا الحكم الذاتي مطبقة الآن في هذه الأقاليم، داعيا إلى تنزيل الحكم الذاتي على هذه الأقاليم . كما دعا إلى إزالة الوساطة بين الدولة والمواطن، وأن استمرار هذه الوساطات هي التي تخلق المشاكل، مذكرا بأن البوليساريو يحاول خلق عدم الاستقرار في المغرب، من خلال وقوفه وراء مجموعة من الأحداث، كمسألة أمينتو حيدر وأحداث مخيم أكديم إيزيك. واختتم مداخلته بكون الحل هوالحكم الذاتي، وأنه «فرصة لصحراويي المشكل» على حد تعبيره، وكذا «لصحروة المشكل»، في إشارة إلى أن المشكل داخلي ويهم الصحراويين أنفسهم، وأن قيادة البوليزاريو لاتمثلهم. وكان المقدم خديوي، كاتب الفرع المحلي لحزب التقدم والاشتراكية بالمحمدية، قد افتتح هذه الندوة، التي حضرها ممثلو هيآت سياسية ونقابية وجمعوية محلية، وجمهور حاشد، بكلمة، أبرز فيها أن تنظيم حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي لهذه الندوة، يشكل «لحظةَ نضاليةَ بامتياز، لحظةَ نأمل أن تكون استمرارا للطريق الذي أسسنا له معا من قبل، طريقِ من خلاله يبرهن فيه حزبانا على وجودهما، من أجل الرقي بقيم المواطنة الحقة لكل المواطنات والمواطنين». وأضاف، أنه من أجل التعبئة الشاملة للدفاع عن القضية الوطنية، لا بد من تكتل القوى الوطنية الديمقراطية وتعزيز جبهتنا الداخلية، وأن تطوراتِ ملفِ قضيتنا الوطنية، وخاصة بعد الأحداث المؤلمة التي شهدتها مدينة العيون، أضحت تستدعي إعادة نظر شاملة، دقيقة، موضوعية وبناءة، للكيفيةِ التي دُبرت وتُدبر بها الشؤون المتعلقة بالقضية الوطنية.