عَرَفَ عصرنا الحالي، تحولات سريعة ومُتسارعة في جميع المسارات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية.. وغيرها، ولعلَ أبرز تلكَ التحولات هي الثورة الهائلة في مُجمل الاستخدامات التقنية للوسائطية على اختلافها حينما دخلت إلى جميع المسارات الحياتية، مما نتجَ عنها سيادة الوسائطية بشكل واضح في مُختلف مناحي الحياة البشرية عبرَ تراسل المعلومات ونقلها السريع أو في تحول تلكَ الوسائطية إلى قوةٍ فكريةٍ قائمةٍ بذاتها، وهوَ ما عُنيتْ بدراستهِ “الميديولوجيا” من خلال إبراز الدور المحوري للوسائط على اختلافها في عصرنا الحالي الذي باتَ يُعرف بعصر سيادة الوسائط، إذ تُعد الميديولوجيا من أبرز تمثلات عصرنا الحالي، عصر الوسائط وعصر الصورة وعصر الثقافة البصرية، فالوسيط هوَ الأساس الذي قامَ عليهِ (علم الميديولوجيا) الذي أسسهُ الفيلسوف الفرنسي المُعاصر (ريجيس دوبري) ضمن مشروع فكري وفلسفي مُتكامل، عبرَ الاهتمام بدراسة وظيفة الوسيط في الفكر الإنساني المُعاصر ودورهِ المحوري في إعادة تشكيل تبديات هذا الفكر، وفقاً لمُعطيات العصر الذي أصبحتْ فيهِ الثقافة البصرية هي الحاضرة، والميديولوجيا تهتم بدراسة كُل الوسائط التي تنقل أفكاراً أو تُرَوّجُ لإيديولوجيات وتُكْسِبْ تلكَ الوسائط الأفكار أو الإيديولوجيات، قوة لم تكن لتتأَّتى لها وحدها، وهي على أنواع عديدة من أبرزها (ميديولوجيا الفنون) التي تُعد الأكثر جاذبية وأصالة، ونستطيع من خلالها أن نُجدد فهمنا للفنون المُعاصرة بجميع أنواعها واتجاهاتها وفقاً لتمظهرات عصرنا الحالي، وتدرس الوسائط التي تُكوِّن أشكال هذهِ الفنون. يُعَد الوسيط الأساس الذي قامَ عليهِ علم –الميديولوجيا- من خلال الاهتمام بدراسة وظيفتهِ في الفكر الإنساني المُعاصر ودورهِ المحوري في إعادة تشكيل تبديات هذا الفكر وفقاً لمُعطيات العصر الذي أصبحتْ فيهِ الثقافة البصرية هي الحاضرة حينما استطاعت هذهِ الثقافة بعد أن قامت بتحويل الوسيط إلى الرسالة نفسها، من أن تجعل الإنسان نتاجاً لإحدى ابتكاراتهِ وتجهيزاتهِ وأصبحَ يُدرك ذاته بوصفها نتاج نسقهِ الوسائطي من بعد أن كانَ هوَ مُنتجاً للوسائط، وهذهِ واحدة من تمظهرات هذا العصر الذي أصبحَ يُطابق المرئي للواقع والحقيقة، فهذا التحول الذي أصابَ الوسيط حينما تحولَ إلى الرسالة بذاتها، يُمثل واحداً من تمظهرات حضور الوسائطية في عصرنا الحالي وهوَ ما تهدف إلى دراستهِ ?الميديولوجيا? عبرَ توضيح الوظائف الاجتماعية والفكرية للوسائط على اختلافها والعمل على إبراز أهميتها باعتبارها مُحددات موضوعية للفكر الاجتماعي الإنساني، حينما يتحول هذا الفكر عبرَ الوسائط إلى قوة مادية مُجسدة. الوسائطية والمسرح لقد تعززت تلك الأهمية التي باتَتْ تتمتع بها – الميديولوجيا- فتحديد مفهومها عبرَ حضورها داخل جميع المجالات الثقافية والفنية، ومنها المسرح في عصرنا الحالي من خلال التطور الحاصل في الثقافة العالمية التي سادتْ فيها الثقافة البصرية عالمياً، يرتبط بمدى الاطلاع المُباشر على جميع جهود (دوبري) التأسيسية للميديولوجيا، فضلاً عن مدى مصداقية تعريب المُصطلح وجعلهِ مُتوافقاً مع المفهوم الذي وضعهُ لعلمهِ الجديد، وهذا كُلهُ قادَ إلى وجود اختلافات واضحة في ترجمة المُصطلح إلى العربية من قبل المُترجمين العرب، مما قادَ لاحقاً إلى تصنيفهِ ضمن حقول معرفية لا يمت لها بأي صلة، بعد أن تمت ترجمة كتاب(Cours de Médiologie Générale) إلى العربية تحت عنوان ( محاضرات في علم الإعلام العام – الميديولوجيا- ) ، ما يعنيهِ (دوبري) عندما أطلقَ مشروعهِ التأسيسي للميديولوجيا، ليس – الميديا Media- الوساطة Medition فالوسيط Mediumبحسب (دوبري) هوَ كُل ما يكون وسيلة نقل ووساطة، كما أجمعت أيضاً العديد من المصادر العربية على تعريبها ب(الوسائطية) وفقاً للناقد والمُترجم المغربي فريد الزاهي الذي يُحسب لهُ أنهُ أول مُترجم عربي قامَ بالترجمة الصائبة لمصطلح “الميديولوجيا” الى “الوسائطية العامة ” في ترجمتهِ لكتاب “حياة الصورة وموتها” تأليف (دوبري). لقد قادَ هذا كُلهُ إلى تحول المُحتوى المسرحي من نص تقليدي إلى صورة، ومن ثُمَ حدثَ تغير ملحوظ في دراما النص، حيثُ اتجه جمال المسرح وعاطفته وصورته وتركيبه وسرده وعروضه ولغته وغيرها من السمات الخاصة بالمسرح إلى التركيز على الناحية البصرية، وبذلك فقد ارتبطَ العرض المسرحي بعصرهِ الحالي حينما اتجهت جميع سماتهِ التقليدية إلى التركيز على الناحية البصرية، وفقاً لتمظهرات هذا العصر، وأبرز تلكَ التمظهرات هي الميديولوجيا التي اهتمت بالوسائطية ودور الوسيط في إشاعة الثقافة البصرية، عبرَ ملامح واضحة تؤكد حضور الميديولوجيا في المسرح العاكسة لوجودها كواقع حياتي في عصرنا الحالي، وبذا فقد أصبحت تمثلات الميديولوجيا حاضرة داخل العرض المسرحي في عصرنا الحالي عبرَ مُختلف أشكال وصور الوسائطية المُستخدمة في مُجمل التجارب المسرحية حولَ العالم، وتنوع استخدامات الوسائطية وآليات توظيفها، فضلاً عن وعي المسرحيين بأهمية تمثلات الميديولوجيا داخل العرض المسرحي لإنتاج اللغة البصرية والصوتية مُقارنة فيما كانَ يُقدم في الماضي، وهذهِ إحدى تبديات المسرح في عصرنا الحالي. لقد شَهِدَتْ الوسائط بأنواعها المُختلفة حضوراً واضحاً في الفكر البشري والثقافة الإنسانية، ومنها المسرح الذي شَهِدَ لها استخدامات عديدة. وهذا يُبرزْ تمظهرات الميديولوجيا في المسرح، إذ عموما، وجدت الميديولوجيا اهتماماً واضحاً في العصر الحالي من قبل غالبية المسرحيين في شتى أنحاء العالم، بعدما عَرَفَ المسرح خلال مراحلهِ التاريخية محاولات عديدة للدمج بين الفضاء الدرامي والأحداث التي يسردها من جهة وبين المُتلقين من جهةٍ أُخرى، بُغية تحقيق الغرض الذي قامَ من أجلهِ المسرح عموماً وهوَ إيصال رسالة العرض المسرحي، بشكل واضح ومؤثر في المُتلقين، فاهتمام المسرحيين بالميديولوجيا يعود إلى عوامل عدة منها: تزايد وعي المُمارسين والمسرحيين بما هوَ جمالي وفني في المسرح، والاتجاه نحو إنتاج لغات جديدة كاللغة البصرية والصوتية عوض اللغة النصية أو السردية، (المغلقة) التي هيمنت على الفضاء الدرامي منذ عقود، فضلاً عن انفتاح المبدعين على التكنولوجيا والرقميات الحديثة واكتشاف آفاق إبداعية جديدة، خصوصاً في مجال السينوغرافيا والديكور والمعمار والمؤثرات البصرية والسمعية. إن حضور الوسائط في العرض المسرحي بشكل أساسي يجعلها تُشَكِلْ العرض نفسه حينما تكون هي محورهُ كَكُل، وهذا يتوافق مع آليات التلقي المُعاصر الذي باتَ يعتمد على اللغة البصرية وهوَ ما يوفرهُ توظيف واستخدام الوسائط بجميع أشكالها وأنواعها داخل منظومة العرض المسرحي، الذي أصبحَ يستوعب جميع مُخرجات الفكر الإنساني المُعاصر ومنها التطورات الكبيرة في مجال البصريات وتوظيف الوسائطية واستخداماتها في كافة المجالات الحياتية، وبذلك فقد أصبحَ العرض المسرحي يستخدم جميع الوسائط استخداماً يُثري العرض، وهذا يؤكد على أن غالبية المسرحيين حول العالم ومُنتجي العروض المسرحية، بدأوا في التخلي عن العناصر الأدبية للمسرح، وبدأوا يُعبرون عن فهم وإدراك وتخيل الفنانين للمسرح من خلال الربط بين الأفكار والعواطف والصوت واللون والجسد والزمان والمكان والصورة والضوء وغيرهما من العناصر والأشكال المختلفة. إن هذا التغيير الحاصل لناحية توظيف واستخدام الميديولوجيا في المسرح وبشكل مُختلف عن السابق، جاء نتيجة اهتمام المسرحيين حول العالم بها وعلى نطاق واسع وفقاً لتمظهرات العصر الحالي الذي سادتْ فيهِ الوسائط وأصبحت سمتهُ البارزة لهُ، لأنَّ المسرح قامَ بتضمين الوسائط وعرضها كموضوع واعتبار المسرح مؤسسة فنية يقتضي استعياب الظاهرة كَكُل وعكسها، كشكل من أشكال التكيف مع الواقع، والقدرة على التموقع شكلاً ومضموناً مع الحال المُعاش، إذ كان لتضمين الوسائط والاهتمام بها من قبل المسرحيين الأثر في تطور جماليات الرؤية وسُرعة إيقاع العرض المسرحي، وبالتالي المُحددات الموضعية للفكر الإنساني المعاصر، وهوَ ما اهتمتْ بدراستهِ -الميديولوجيا- التي عنيت بالوسائط باختلاف أشكالها وصورها، وهذا يتجسد في العرض المسرحي بما عُرِفَ عنهُ من حيوية تامة قادرة على استقطاب جميع الاكتشافات الجديدة والنتاجات الفكرية المُعاصرة، بالإضافة إلى أن استخدام الوسائط في المسرح من خلال الصور والعلامة المرئية لم تعد ترتبط آلياً بالسلبية، بل بالعكس ستكون في المستقبل تلك التكنولوجيا لإنتاج الصور في وقت فعلي، هي المحددة لحوار جديد ومكثف بين المسرح والجمهور، فالتحول في مفهوم الوسيط والمجال الوسائطي، من أبرز سمات عصرنا الحالي وفي كافة المجالات الحياتية، ومنها المسرح، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أهمية وجود الوسيط في حياتنا الراهنة واستخداماتهِ غير المُتناهية فيها، وبالتالي فإن مفهوم الوساطة في المسرح اليوم، يُعتبر جُزءاً لا يُمكن فصلهُ عن طبيعة الظاهرة المسرحية، التي تشترط في وجودها اتصالاً مُباشراً مع مُتلقيها، مما يجعلها ظاهرة علائقية، وعلينا أن نتخلى عن النظر إليها كوساطة طارئة يُمكن التخلص منها والعودة بسرعة إلى المسرح في تحققهِ الأصلي، فاستخدامات الوسائط قد أَثَرَت على شكل العرض المسرحي في عصرنا الحالي، وهذا ما يؤكد على أنها قد أصبحت المحور الأساس للعرض، فهي قد مَثَلَتْ بُعداً تحولياً في الفُرجة، مما جعلَ الفُرجة المسرحية أكثر تفاعلية وتشاركية بين كُل جُزئياتها التي ابتنى العرض المسرحي عليها عبر اختلاف الزمن، والوسائط أمست جُزئية تُساهم بصناعة الفُرجة المسرحية. تمظهرات الميديولوجيا في المسرح: لقد فتحت تمظهرات الميديولوجيا في العرض المسرحي، آفاقاً عديدة أمام غالبية المسرحيين حول العالم، من أجل تحديث وتطوير رؤاهم الجمالية والفكرية، مما ساهمَ في تحديث وتطوير العرض المسرحي عموماً، مما يؤكد السيادة الواضحة للميديولوجيا على جميع المجالات الثقافية والفنية، ومنها المسرح في عصرنا الحالي بوصفها إحدى تمظهرات هذا العصر، وما زالَ المسرح يستخدم كُلَ الوسائط سواء كانت بسيطة أو معقدة ومُتشابكة وخاصة بما يعني التقنية الحديثة، وذلكَ لأنَّ المسرح وسيط موسع يَعرض وسائط أُخرى، وقد تعززت تلك الأهمية التي باتَتْ تتمتع بها الميديولوجيا، من حضورها في جميع المجالات الثقافية والفنية ومنها المسرح خلال عصرنا الحالي، من خلال التطور الحاصل في الثقافة العالمية والتي سادتْ فيها الثقافة البصرية عالمياً، وهذا قادَ إلى تحول المُحتوى المسرحي، من نص تقليدي إلى صورة، ومن ثُم حدثَ تغير ملحوظ في دراما النص، حيثُ اتجه جمال المسرح وعاطفته وصورته وتركيبه وسرده وعروضه ولغته وغيرها من السمات الخاصة بالمسرح إلى التركيز على الناحية البصرية، وبذلك فقد ارتبطَ العرض المسرحي بعصرهِ الحالي، حينما اتجهت جميع سماتهِ التقليدية إلى التركيز على الناحية البصرية، وفقاً لتمظهرات هذا العصر، وأبرز تلكَ التمظهرات هي الميديولوجيا التي اهتمت بدور الوسيط في إشاعة الثقافة البصرية عبرَ ملامح واضحة، تؤكد حضور الميديولوجيا في المسرح العاكسة لوجودها كواقع حياتي في عصرنا الحالي، وأبرز هذهِ الملامح أن مسرح اليوم هوَ مسرح وسائطي واقعي يعكس الواقع اليومي الذي أصبحت السيادةً فيهِ للوسائطية بوصفها حقيقة، واستعمال الوسائطية في المسرح هو استعمال لكُل ما هوَ حقيقي وواقعي وواسع الإنتشار والاستعمال عبرَ رصد الواقع بكُل تجلياتهِ. إن الميديولوجيا وفي سعيها للاهتمام بدور الوسيط في الفكر البشري والثقافة العالمية عموماً، قد أصبحَت تتحكم في عمليات التَوَسُط التي تمرُ من خِلالها جميع المعلومات والمعارف الفكرية والثقافية منها والفنية.. وغيرها، بوصفها وسائط فكرية والتي بدونها لا تكتمل عملية فهم الأفكار الإنسانية المُتجسدة ويتم ذلكَ عبرَ المجال الميديولوجي، فعلى صعيد العرض المسرحي وجدَ دوبري أن تمظهرات الميديولوجيا واضحة فيهِ، فهو وسيط موسع لديهِ القُدرة على استقطاب جميع الوسائط على اختلاف أنواعها. بقلم: بشار عليوي