ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    شرطة تامسنا تكافح "الكريساج" وتوقف قاطع طريق من ذوي سوابق قضائية    الجيش الملكي يسقطُ برباعية أمام بيراميدز ويعقد مهمته في دوري الأبطال    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    مركز يحذر من ترويج "كذبة أبريل"    "أوبك+" تبدأ اليوم في زيادة إنتاج النفط مع بدء التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    موعد جلسة مغلقة لمناقشة نزاع الصحراء في مجلس الأمن الدولي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 3).. منتخب السنغال يفوز على نظيره الغامبي (1-0)    مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.. تلاقي وتواصل والتئام حول موائد الإفطار طيلة شهر الصيام بعدد من المؤسسات السجنية(بلاغ)    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    إسبانيا تخصص أزيد من نصف مليون أورو لدعم خدمات النظافة بمعبر بني أنصار    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    "تافسوت" ترفض "التأويل السياسي"    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    ترامب يهدد بسحب مليارات من جامعة هارفرد بسبب وقوف الطلبة ضد الحرب على غزة    وفاة أحد رواد فن المديح وإصابة 6 آخرين في حادثة سير بالرباط    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    تبون يعود إلى التراجع أمام فرنسا رغم تأكيد اعترافها بمغربية الصحراء    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أكثر من 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    بعد 13 يومًا من البحث.. العثور على جثة الطفل الراجي في وادي أم الربيع    المملكة المغربية تجدد الدعم لاستقرار إفريقيا    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    يوسف أيت أقديم يكتب: هل تٌنذر إدانة مارين لوبان بنهاية الديمقراطية في فرنسا؟    الجيش يختتم الاستعدادات في القاهرة    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفعل المسرحي بين رهانات الإبداع والصناعة الثقافية.. مقترحات وتأملات
نشر في بيان اليوم يوم 24 - 06 - 2018

المسرح المغربي من المجالات الإبداعية الأكثر إثارة للانتباه من طرف السلطة ومن طرف المجتمع باعتبار المسرح من أهم روافد الثقافة الوطنية في تنوعها وغناها؛ وهو بذلك واحد ومتعدد شكلا ومضمونا. والمسرح باعتباره طيفا من أطياف التعبيرات الفنية الأكثر قدرة على النقد والتعاطي المباشر والجماهيري مع قضايا المجتمع المغربي، فهو الأكثر عرضة للتضييق والمعاداة أحيانا.
في الماضي، لعب المسرح المغربي أدوارا تعبوية وتحسيسية في مواجهة الاستعمار وواكب التحولات المجتمعية والسياسية التي شهدها المغرب المعاصر… كما انفتح مبكرا على الثقافات الكونية والتجارب المسرحية العالمية وتفاعل معها بما ساعده على الخروج من بنيات الثقافة التقليدية، ومن ثمة ساهم في تحديث الحقل الثقافي العام وإرساء دعائم بنيوية جديدة للممارسة المسرحية والفنية بالمغرب، بل كان أحد حمالي الفكر الحداثي وليس فقط التحديثي بمغرب اليوم.
وبالفعل، ربح المسرح المغربي في صراعه مع الدولة رهان حرية الرأي وحرية التعبير وإلغاء الرقابة القبلية على الإبداع المسرحي، وتجربة مسرح الهواة دليل على هذا… مع تسجيل الملاحظة التالية: برزت في المجال العمومي المغربي، خاصة مع الربيع العربي، نقاشات حادة بخصوص وظيفة الإبداع المسرحي وحرية الإبداع بخاصة، ومكانة الفنون ووظيفتها وأخلاقياتها، والفن النقي/النظيف في مقابل نظيره… وهنا أتساءل هل تقتصر مهمة الفنون فقط على التربية والأخلاق وتهذيب الذوق والوجدان (وهي كلها غايات حميدة خاصة حينما يتعلق الأمر بالفنون الموجهة للجمهور الناشئ أو الجمهور الواسع)، أم تتعداها أحيانا لاستفزاز واقع الحال ومساءلته في أفق تصحيح مجموعة من السلوكات الفردية والجماعية التي تعكس النفاق الاجتماعي والسياسي… من طبيعة "المسرح الذي يفكر" تجاوز واقع الحال، أحيانا، ونفيه، أحيانا أخرى، واستفزازه بالأسئلة القلقة شكلا ومضمونا… لذلك، يستحسن عدم التعاطي مع الإبداع المسرحي المغربي بمنطق "قياس الغائب على الشاهد". (رغم القيمة العلمية الكبرى لقياس الغائب على الشاهد من حيث هو أحد أهم مناهج الاستدلال عند المعتزلة، فقد أوقع الفكر الاعتزالي في متاهات تشبيه الذات الإلهية بمخلوقاته الفانية.) فأحكام الواقع المعيش، لا يمكن إسقاطها على واقع متخيل. يذكرنا عبد الله العروي، في سياق مماثل، بأن "الفن مبني على قواعد اصطناعية لا يدخل حيزه إلا من رضي أن يطلق، ولو مؤقتا، طرائق الدنيا… وسنن الدين…" (أوراق، ص. 42) وإذا كان المراد من الفن، بالإضافة إلى وظيفته الجمالية والتهذيبية، إزاحة الأقنعة والكشف عن العيوب والانحرافات، والمصالحة مع إنسانية الإنسان، والبحث عن جوهر الشرط الإنساني…، فإنه ينبغي أن نسائل التجارب الإبداعية داخل سياق تحققها مع إلمام كبير بآليات اشتغال خبراتها الجمالية. أما مقاربتها من وجهة نظر أخلاقية صرفة، فقد يؤدي إلى نتيجة عكسية، وبالتالي سيسيء للعمل الفني بنفس درجة الإساءة للمنجز النقدي الذي يخفي عجزه للتعاطي مع أسئلة الجسد الفرجوي وراء شجرة "الأخلاق". هكذا إذن، تؤثر التصنيفات والأحكام الجاهزة سلبا على تلقي الأثر الفني وإدماجه ضمن صيرورة التبادلات الرمزية.. كما تعيق انتشاره على مستوى الوطني…
2. سؤال الصناعة الثقافية
* هل يحق لنا الحديث عن "الصناعات الثقافية" أو "الصناعات الإبداعية" في حدود علاقتها بآفاق تطوير الممارسة المسرحية في مغربنا؟
* هل هو إنتاج مستمر موجود كحلقة ضمن سلسلة إنتاجية داخل السوق المسرحية؟ الجواب بكل بساطة هو لا.
ولد مصطلح "الصناعات الإبداعية" في نهاية القرن الماضي على المستوى الدولي. كان المفهوم محاولة من أجل تغيير مصطلحات الجدل الدائر حول قيمة الفنون الأدائية والثقافة. وفي حين كانت الفنون مدعومة إلى حد ما من قبل الحكومات، إلا أنه كان ُينظر إليها على أنها هامشية في الحياة الاقتصادية ومعتمدة على الدعم الحكومي. اعتقد المدافعون عن فكرة الصناعات الإبداعية أن وجهة النظر هذه ضيقة للغاية – فكلية النشاط الاقتصادي المتفرعة عن الإبداع والثقافة، بما فيه أشكاله التجارية، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من أجل فهم مساهمتها الحقيقية. تضمن هذا النشاط ليس فقط الأشكال التقليدية للفن، مثل المسرح والموسيقى والفيلم، وإنما شركات الخدمات أيضًا مثل الدعاية (التي تبيع مهاراتها الإبداعية إلى شركات أخرى على الأغلب)، وعمليات التصنيع التي تغذي الإنتاج الثقافي، ومبيعات السلع الإبداعية. فالصناعات التي لها جذور في الثقافة والإبداع هي مصدر هام ومتزايد في النمو للوظائف وخلق الثروة.
* ما المقصود بالصناعات الثقافية (بصيغة الجمع) خاصة في أروقة منظمة اليونيسكو؟
"تعد الصناعات الثقافية والإبداعية من أسرع الصناعات نمواً في عالم اليوم، وقد ثَبُت أنها خيار استراتيجي لتحقيق تنمية مستدامة، يعتمد على مورد متفرد ومتجدد هو الإبداع الإنساني. ويُقصد بمصطلح الإبداع قدرة الإنسان على وضع حلول وأفكار جديدة ومبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار. ووضِعت الإمكانيات التي توفرها هذه الصناعات في صميم اتفاقية عام 2005 بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي. ويتمثل هدف هذه المعاهدة الدولية الملزمة قانوناً في تمكين الفنانين، والمهنيين والممارسين العاملين في مجال الثقافة، وسائر المواطنين من ابتكار مجموعة واسعة من السلع والخدمات والأنشطة الثقافية وإنتاجها ونشرها والتمتّع بها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأشكال التعبير الثقافي الخاصة بهم".
والحال أنه ليس هناك تعريف معياري مستعمل للصناعات الإبداعية والمسرحية منها بخاصة بالرغم من الإقرار بوجود سلسلة – معظم الدول تكيف المفهوم لتلبي احتياجاتها الخاصة. في معظم عمليات رسم خارطة الصناعة الثقافية يتم اختيار تعريف يعكس خصائص التنمية الصناعية والثقافية والاجتماعية لكل دولة. يمكن لهذا التعريف أن يوضع باستشارة خبراء إما في البلاد أو في الخارج. وتتضمن القضايا التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حجم القطاع غير الرسمي، والتقسيم القروي -الحضري داخل البلد – فالصناعات الإبداعية الأكثر تجارية تميل أن تكون متمركزة في المدن الأكبر. إلا أنه يجب أن نذكر أنه مع مرور الوقت أصبح هناك اتفاق آخذ بالنمو حول ما يجب أن تتضمنه عادة.
ولكن، السؤال الذي أرّق الفلاسفة المعاصرين هو: هل يمكن أن تشكل الصناعة الثقافية والتقنية مرحلة حقيقية لتطوّر الفن والوعي به، وفي تجذر الفلسفة الجمالية في الخطاب الثقافي المعاصر؟ إلى أي مدى تمثل الثقافة الجماهيرية باعتبارها سلعة تجسيدا حقيقيا لفكرة دمقرطة المعرفة والفنون في المجتمعات المعاصرة دون المس بوظيفتها الأصلية داخل المجتمع؟ غير أن فكرة الاستنساخ الآلي للأعمال الفنية بصفة عامة، والتي تحيل إلى علاقة الفن بالتقنية، قد تكون مضرّة بالفن، وقد تسبّب اضطرابا في علاقة الفن بجوهره، أو بصورته الأصلية، فلا يمكن على سبيل المثال أن نساوي بين حضور عرض مسرحي في قاعة مسرح أو مشاهدته عبر وسيط آخر… مثل الفيلم، يمارس العرض المسرحي النقد والديمقراطية على نطاق جماهري واسع، عكس الفنون الأخرى التي تعتمد على التأمل الفردي الهادئ… ولكن علاقة المسرح بالتقنية قد تكون مضرة بالمسرح رغم استيعابه لممكناتها باعتباره وسيطا موسعا يستوعب الوسائط الأخرى ويجدد آلياته باستيعاب آخر صيحات الميديولوجيا.. باختصار، استنساخ العرض المسرحي هو آفة (وليست صناعة)… وحينما يتعلق الأمر بمسرح يعاني هشاشة بنيوية ولا يزال يبحث عن جمهور تتضخم هذه الآفة…..
وهنا يبقى موقف بنيامين من مدرسة فرانكفورت لا يزال يكتسي راهنيته، "فزوال العبق قد يعني أيضا اضطراب وظيفة الفن برمته، أو التصفية التدريجية للتراث وإفقار التجربة المباشرة للأشياء لصالح التجارب غير المباشرة. أو تلك التي تمّ نشرها عن طريق وسائل الإعلام وفي وسط عالم الاستنساخ والحيل والمظاهر الخادعة". أمّا ثيودور أدورنو فكان موقفه أنّ التقنية قد أدخلت الفن في أزمة حقيقية تتعلّق بالتباس وظيفته داخل المجتمع، فقد ساهمت الحداثة التقنية في جعل الفن جزء من دائرة صناعية تتحكّم فيها أجهزة ومؤسسات استوظفته من أجل تخدير العقول، وإبطال قدرتها على ممارسة النقد عن طريق ما أسماه أدورنو بآلية "المعيارية"، أو "نزوع السلع الثقافية إلى التشابه جراء صيرورة سلسلة الإنتاج التي تدفع المنتجات بصورة طبيعية باتجاه التشابه والتماثل… إن تفشي ظاهرة مشاهدة المسرحيات عبر الحوامل المتاحة اليوم لا تساهم فقط في إفراغ المسارح من جمهورها لاقتسام لحظة اللقاء المسرحي، بل أيضا في تشييء الفرجة المسرحية. للأسف، مهرجانات عديدة تكرس هذا السلوك بنشر العروض المشاركة على الشبكة في اعتقاد خاطئ أنها تخدم الحركة المسرحية من خلال دمقرطة فعل المشاهدة…. ولكن، هل بالفعل نشاهد عرضا مسرحيا حينها؟؟؟ هل نشارك في صناعة الحدث المسرحي بينما نحن إزاء مشاهدة نسخة من العرض على الحاسوب؟؟؟؟
مع نهاية القرن الماضي، احتد النقاش في الأوساط المسرحية حول الفرجة المسرحية المباشرة، في مقابل الفرجة "المُوسطة". الفرجة – كمنتوج صناعي أو كمنجز إبداعي – زائلة وغير قابلة للحفظ أو التوثيق، لأنها تنتمي لصنف الفن الزائل: "تكمن حياة الفرجة فقط في الحاضر. لا يمكن حفظها أو توثيقها أو تسجيلها، أو بالأحرى المساهمة في انتشارها من حيث هي تمثيل للتمثيل: وحينما تحفظ من خلال وسيط ما فإنها تتحول إلى شيء آخر ليس بفرجة… إن الشرط الوجودي للفرجة يكمن في كونها تكون هي فقط جراء اختفائها باعتبارها فنا زائلا". وموقف كهذا، يكرس مفهوم الفرجة من حيث هي آنية وزائلة في الآن نفسه: آنية لكونها تنبعث جراء لقاء المؤدين والجمهور في المكان والزمان نفسيهما (حتى جمهور الفرجة فهو في الواقع متواطئ في صناعتها عوض كونه مستهلكا سلبيا)…. والفرجة زائلة لكونها تختفي فور حدوثه من حيث هي حدث استثنائي بيني. من جانب آخر، فالحضور –ولو غير موسط – يتشكل دائما عبر إستراتيجيات الوسائط؛ وهذا يعني أنه لا حضور بمعزل عن الوسيط بما في ذلك جسد الممثل.
معلوم أن المسرح وسيط موسع يعرض وسائط أخرى. إنه يتمتع بقابلية استيعاب الوسائط والفنون الأخرى والتفاعل معها، لذلك استحق لقب أبي الفنون.
3. سؤال العمل
المسرح المغربي عانى كثيرا من التهميش والإقصاء ولم ينل حظه من الاستثمار العمومي ومن السياسات التنموية للدولة، وكذا من مشاريع الجماعات المحلية، وهذا بالرغم من الرسالتين الملكيتين في الموضوع. المسرح المغربي عانى كثيرا من لامبالاة النخب السياسية والفكرية المغربية.
المطلوب اليوم؟
إصدار النصوص التنظيمية المرتبطة بقانون الفنان بأكملها؛
تشجيع الاستثمار في المجال الفني والثقافي والمسرحي منه بخاصة؛
تبسيط الإجراءات وإقرار تدابير تحفيزية لتشجيع القطاع الخاص على ولوج مجال الإنتاج المسرحي، مع إمكانيات الإعفاء الضريبي؛
وضع برنامج خاص بإحداث بنيات مسرحية لائقة بالمغرب الحداثي، وسد الخصاص اللافت في هذا الباب:
إحداث مسارح وطنية جهوية، مع إعادة النظر في الظهير المؤسس لمؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس بهدف توسيع اختصاصاته؛
إحداث مسارح القرب/ مسارح الأحياء؛
تأهيل الفضاءات القائمة بتحسينها وتجهيزها وتخويل عملية تدبيرها لتعاونيات فنية وفق منظومة التدبير المفوض؛
تهيئة فضاءات عمومية مهجورة حاليا لتتحول إلى مسارح أو فضاءات للعرض وتخويل عملية تدبيرها لتعاونيات فنية وفق منظومة التدبير المفوض (وبهذا الإجراء، سيتمكن مجموعة من الفنانين المسرحيين من تشغيل أنفسهم بأنفسهم وأيضا خلق برمجة قارة للعروض المسرحية وغيرها في أفق تحقيق موسم مسرحي منتظم ومنتشر عبر ربوع الوطن وليس فقط في المغرب النافع (مثلت الرباطالبيضاءمراكش
سن مقاربة جديدة لدعم إنتاج وترويج الإنتاج المسرحي من خلال تجاوز صيغة القرار المشترك. المطلوب الآن هو استقلالية صندوق الدعم على غرار السينما.
تقوية الآليات المتعلقة بتحسين هياكل الإنتاج المسرحي والتسويق. لأن تحول المسرح إلى صناعة يقتضي تهييء سلسلة الإنتاج….
إيلاء أهمية قصوى للتكوين والبحث العلمي المرتبط بالمسرح:
إحداث معاهد وطنية وجهوية للتكوين الفني على غرار المعهد العالي للفن المسرحي؛
إنشاء وخلق كليات الفنون في الجامعة المغربية وفتح أفق شراكة مندمجة بين وزارات التعليم ووزارة الثقافة؛
من جهة أخرى، لا يمكن أن نراهن على تطبيق مشروع ثقافي أحادي الأبعاد، إذ يجب على القطاعات الحكومية الأخرى أن تنخرط جديا في الشأن الثقافي (وليس فقط من خلال شراكات قابعة في الأدراج)…
لعل الجميع يعتبر الثقافة المسرحية مكونا أساسيا من مكونات التنمية، ورافعة لها، باعتبارها من سبل تحقيق التنمية المستدامة، من خلال تأهيل الإنسان وتربية ذوقه ووجدانه. كما أن ازدهار الثقافة المسرحية ينعكس بشكل إيجابي على المكونات الأخرى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من هنا، فاجتراح السؤال الثقافي في ظل الجهوية الموسعة، الورش الذي انطلق منذ سنة 2010 بتأسيس اللجنة الاستشارية للجهوية، وصولا إلى التكريس الدستوري لها، من خلال التعديل الدستوري لسنة 2011، الذي رفع من مكانة الجهات والجماعات الترابية، كما حظيت فيه الثقافة بمكانة مرموقة، بالمقارنة مع دستور 1996، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا على بداية سياسة ثقافية جديدة بالمغرب تمتد على مستويات مختلفة وطنية وجهوية، وتنفتح على مكونات أخرى وعلى رأسها المجتمع المدني والمقاولات الفنية.
لقد مكن المشرع الجماعات الترابية من تجميع تخصصات واسعة بموجب نص القانون التنظيمي رقم 14, 111. وبالإضافة إلى الاختصاصات الذاتية، يمكن للجهة ممارسة اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة بشكل تعاقدي. فبالنظر إلى المادة 91 التي تتناول الاختصاصات المشتركة بين الجهة والدولة، يمكن للدولة نقل بعض الاختصاصات للجهات بشكل تعاقدي لأجل النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، ثم تنظيمها وتتبعها.. هكذا تم تحديد ثلاثة اختصاصات مشتركة في المجال الثقافي وهي:
– الاعتناء بتراث الجهة والثقافة المحلية.
صيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية.
– إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية.
ومع ذلك، تطرح هذه الاختصاصات إشكاليات تتعلق بطبيعة الشراكة بين الطرفين. أي أن الجهة ستظل تحت وصاية الدولة خصوصا في ما يتعلق بتوفير الموارد والاعتمادات المالية لتنفيذ هذه المهام المشتركة.
بقلم: د. خالد أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.