استضاف المهرجان الدولي للسينما بمراكش مساء الجمعة، بقاعة السفراء بقصر المؤتمرات، الكاتب والفيلسوف ريجيس دوبري الذي قدم عرضا، في إطار درس الماستر كلاس حول الصورة السينمائية. وقد قدم هذا اللقاء، الذي أجراه في شكل حوار، مدير المركز السينمائي نور الدين الصايل الذي فضّل الاعتماد أساسا على كتاب دوبريه الأخير الصادر عن دار غاليمار Le stupéfiant image. وهو عبارة عن سلسلة مقالات وعروض ومحاضرات ألقاها ريجيسْ دوبري خلال السنوات الأخيرة. وإذا كان نور الدين الصايْل قد قدمه باعتباره فيلسوفا ومناضلا ومفكرا حوْل الصور، باعتبارها مؤسسا للميديولوجيا، فإن دوبري فضّل أن يعتبر نفسه بالأحرى جوّالا محترفا فارقته الفلسفة وفارقها منذ مدّة وهو كاتب يعرف كيْف يحدثُ تقاطعات بين مختلف مناطق المعرفة، ويعرف كيف يصل إلى حقيقة الأشياء. وقد أشار في بداية حديثه إلى أن القاسم المشترك لمقالات كتابه هو سؤال تعلّم النظر والرؤية باعتبارهما تمرينا للارتقاء الفكري. ومن ثمّ، فإنّ الحساسية التي تكون للمرء تُجاه الصورة لا تتحقّق بدون فقدان شيء ما داخليّ، على حدّ تعبيره. من هنا يدعونا دوبري إلى التفكير في ومن خلال الجسور المحتملة بين جذور الفنّ وبين التقاليد البصَرية المعاصرة. وعن علاقته بالسينما، كيف نشأت، وكيف تطوّرت علاقته بالشيء السينمائي، اعتبر دوبري أنّ علاقته بالسينما ترتبط بالطفولة، السّينما شأن طفولي من بدأت بصلته بالأفلام الوثائقية وأفلام المعرفة بمسرح تروكاديرو. وبخصوص علاقته بالسينما، قال إن السينما بالنسبة له هي الطفولة، ومشاهدة أفلام وثائقية ضمن سلسلة "معرفة العالم"، ما خوله السفر وهو جالس على كرسيه، ومنحه الرغبة في حزم حقائبه، وكذا معرفة أن الحياة ليست حياته الشخصية فقط. وأضاف أن مشاهدة الأفلام الإثنوغرافية، في ستينيات القرن الماضي، أنضجت لديه فكرة أن العالم هو ما ينبغي تسجيله، ودفعته إلى حمل الكاميرا والتوجه إلى فنزويلا لتسجيل حرب العصابات، قبل أن يتخلى عن الكاميرا للمشاركة مباشرة في ما كان يحدث هناك. السينما، في نظره، هي القيام برحلة ثابتة وأنت جالس على أريكة. السينما هي، كما قال: "أنْ تعرف بأنّ الحياة الحقيقيّة ليستْ هي حياتي الخاصّة، الحياة هي أن تذهب بعيدا إلى مكان آخر. العالم هو شيْء مسجّل، لأن الصور كانت دائما بالنسبة لي قريبة من الضّوء، هي القطار الذي يدخل إلى المحطة، وقد أخذت الكاميرا وذهبت إلى فينزويلا رفقة بيترْ كازوفيكسْ من أجل تصوير فيلم عن الحرْب الفينزويليّة خلال سنة 1963. بعد ذلك وضعتُ الكاميرا جانبا من أجل المُشاركة في الحرْب مباشرة. بعد ذلك ابتعدت عن السينما المباشرة لأصبح محبّا للسينما، أو بالأحرى ابن السينما". وفي سياق تحليله للسينما الأمريكية، أشار إلى بداياتها بالأبيض والأسود، بعد ذلك تمّ الانتقال إلى الألوان. كما أشار دوبري إلى علاقته بمجلات سينمائية مثل "دفاتر السينما" التي ضمّت كتاب ساهموا بمعنى من المعاني في خلق السينما الأمريكية، هذه السينما التي عملت، بنوع من المفارقة، على خلق وتكوين عدد من المناضلين، وليس فقط سينما المسدس، وهي الظاهرة التي تجلت في العديد من الأفلام الأمريكية التي تركت أثرا كبيرا في العالم. وكعادته، عرّج دوبري على تحليل الصورة من خلال إشارته إلى مليارات الصور التي يتمّ إنتاجها يوميا ولحظيا عبر العالم، والتي باتت اليوم عدوّا كبيرا للسينما وللصورة الفوتوغرافية. هذه الصورة التي جعلها العالم التسويقي قيمة عليا بكل تناقضاتها ومفارقاتها. وقد بين دوبري، بكثير من العمق، مختلف وظائف الصورة اليوم، بدءا من وظيفتها النفعية الأداتية، كخزّان وأداة للحياة والاستمرار فيها، هي وظيفتها الحية، إلى وظيفتها الدينية، التي تمثلت في تشخيص اللامرئي الميتافيزيقي، ثمّ وظيفتها الثالثة، وهي الوظيفة الفنية، المتمثلة في الصورة المتحفية، وأخيرا وظيفتها الاقتصادية اليوم، مؤكّدا على الطبيعة التقنية لكل صورة. إنّ عبقرية الصورة هي كوْنها ليستْ ساكنة ولا ثابتة، بقدر ما متعددة الحركة والتحرّك، الصورة تبرز بقدر ما تخفي. ولهذا أشار إلى تهيّبه من استعمال كلمة "صورة" بالمطلق، من حيث إحالاتها المتعددة على الصورة الصوتية والصورة الفوتوغرافية والرسم وغيرها. كما أبرز دوبري كيْف أن السينما هي فن الفنون، إذ تشغل العلوم جميعها بما فيها الفيزيائية وكذا الرقمية، مؤكدا أنه يجب منح مزيد من الوقت للتكنولوجيات الجديدة لإنتاج أشكال إبداعية مبتكرة باعتبار أنه "لا تقنية دون ثقافة ولا ثقافة دون تقنية"، وهذا هو عمق الميديولوجيا كما يقول، باعتبارها رصْدا للآثار الثقافية للتكنولوجيا. كما تحدّث عن علاقة الأديان السماوية الثلاثة بالصورة، مشيرا إلى أن فن التصوير تطور في حضن المسيحية اعتبارا لأسباب عقائدية خاصة. ووصف دوبري نفسه بكونه "جوالا محترفا" في إشارة إلى إخراجه أفلاما وثائقية، وكتابته لأعمال في الأدب ك"الثلج يحترق"، وسيرة ذاتية ثلاثية (تربية عاشقة، تربية سياسة، تربية فكرية)، وفي الفن "الصورة المذهلة ? غاليمار-2013"، وفي الفلسفة والدين"، وفي الميديولوجيا.إنّ خصوصية الصورة السينمائية هي كونها مصنوعة من طرف البشر، صورة بعيدة عن المقدّس، السينما تعتمد على الإنسان وعلى حركته وتعبيراته. وكان دوبري أقام في كوبا وأمريكا اللاتينية ما بين عامي 1965 و1967 (تاريخ مقتل تشي غيفارا)، وتم سجنه في كاميري ببوليفيا ما بين 1967 و1971، بعدما تم الحكم عليه بالإعدام وتم تخفيضه إلى 30 سنة بفضل حملة دولية أطلقها الفيلسوف جون بول سارتر، وأقام في الشيلي ما بين 1971 و1972 قبل أن يعود إلى فرنسا عام 1973. وعاد دوبري للتذكير أن السينما "فن الشباب من أجل الشباب" إذ يحتاج إلى طاقة كبيرة أصبح يفتقر إليها حاليا، وتتطلب شغلا شاقا يلزمه إدارة طاقم كبير.