تحيي الأممالمتحدة، يومه السبت فاتح دجنبر، ذكرى مرور 30 سنة على إحياء أول يوم عالمي لمكافحة داء فقدان المناعة المكتسبة “سيدا” في سنة 1988.. 30 عاما مرت على ظهور داء كان بمثابة اكتشاف مرعب للإنسانية التي خاضت ضده معركة مريرة طوال هذه العقود الثلاثة، لكي يكون المكسب الأبرز حاليا، وعلى الأقل، هو أن ينظر إليه على أنه مرض مثل الأمراض الأخرى، يمكن أن يعيش المريض به حياة عادية، أو لنقل شبه عادية، إذا تلقى العلاجات الضرورية.. كما يمكن أيضا الوقاية منه إذا تم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.. إنها رحلة طويلة قطعها المنتظم الدولي، حكومات وهيئات ومنظمات غير حكومية، في مواجهة الفيروس الذي كان يعتقد خطأ أن العدوى به يمكن أن تنتقل بمجرد لمسة من الشخص المصاب، رحلة أصاب الفيروس خلالها أكثر من 77 مليون شخص، وتوفي أكثر من 35 مليون بسببه. لكن تحقق خلالها أيضا تقدم هائل في التشخيص والعلاج، ونجحت جهود الوقاية في تفادي الملايين من حالات العدوى الجديدة، كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في رسالة بمناسبة اليوم العالمي. وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه على جبهات عدة في المعركة ضد داء فقدان المناعة المكتسبة إلا أنه لا يمكن القول أنها انتهت بأية حال، فمازال الداء يشكل تهديدا حقيقيا للصحة العامة في معظم بقاع العالم، خاصة في صفوف الفئة الشابة، إذ تفيد الأرقام أن عدد الإصابات الجديدة في عام 2017 وصل إلى 250 ألف إصابة، مع تسجيل 38 ألف حالة وفاة مرتبطة بالإيدز بين المراهقين. فيما يتعايش مع الداء حوالي 1.8 مليون مراهق. ورغم تراجع وتيرة انتشار الوباء إلا أن أعداد المتعايشين معه تصل إلى 37 مليون شخص، عالميا، وهو رقم مرتفع جدا خاصة إذا علمنا أن نسبة 25 إلى 28 بالمائة منهم لا يعرفون بأنهم مصابون بالفيروس. ومن بين هؤلاء، هناك 3 ملايين من الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة، ونحو 19.1 مليون من النساء والفتيات. وتفد تقديرات “اليونيسيف” أن 18 طفلا أصيبوا بفيروس الإيدز كل ساعة خلال العالم الماضي، وأنه إذا استمر المعدل العالي في الارتفاع، سيكون هنالك ما يقارب 4 ملايين إصابة بفيروس نقص المناعة بين المراهقين بحلول عام 2030. ومما يزيد من خطورة الوضع، استمرار وجود العديد من العوائق أمام عملية الكشف المبكر عن الداء، والذي يساهم بشكل كبير في الحد من مضاعفاته الخطيرة، وعلى رأس هذه العوائق استمرار الوصم والتمييز في حق الأشخاص المصابين والمتعايشين مع الداء. وبالرغم من توافر العلاج المنقذ للحياة بمضادات الفيروسات القهقرية، تشير التقديرات أن هذا العلاج لا يصل إلا لنسبة 18% من المصابين. هذا فضلا عن الكلفة الثقيلة للمرض على مستوى الصحة العمومية وكذا الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، حيث فقد ما يقرب من 12.2 مليون طفل دون سن الثامنة عشرة أحد الوالدين أو كليهما بسبب المرض في 2017. فيما تأثر ملايين آخرون بالوباء من خلال زيادة خطر الفقر والتشرد والتسرب من المدارس والتمييز وفقدان الفرص. ولذلك فإن إحياء اليوم العالمي في فاتح دجنبر من كل سنة، ما يزال يكتسب أهميته باتخاذه مناسبة أساسية للمزيد من التوعية والتحسيس بمخاطر انتقال الفيروس وكذا طرق الوقاية الفعالة منه، فضلا عن التعريف بطرق التعامل السليم مع حاملي الفيروس والمتعايشين مع الداء. ومن أجل وقف هذه الزيادة في الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، يركز اليوم العالمي للإيدز لعام 2018 على الدعوة إلى اتخاذ إجراءات أكثر للوقاية من الإصابات المعدية الجديدة، وتشخيص المصابين بالفيروس الذين لا يدركون إصابتهم بالعدوى، وتوفير العلاج المنقذ للحياة لهم على نحو يحفظ كرامتهم ويحترم حقوقهم الإنسانية. وترفع حملة مكافحة السيدا على المستوى العالمي شعار “تعرف على حالتك الصحية.. وأوقفوا الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية الآن، وتهدف إلى تشجيع صانعي السياسات وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص على توسيع نطاق الوصول إلى خدمات أشمل للوقاية والاختبار والعلاج للجميع، وإزالة جميع الحواجز بوجه ذلك. وفي المغرب، حيث يصيب الفيروس حوالي 20 ألف شخص أغلبهم شباب ومراهقون، منهم 30 في المائة، لا يعرفون بإصابتهم، كشفت وزارة الصحة مؤخرا أن السنة الماضية سجلت 990 إصابة جديدة و480 حالة وفاة بسبب المرض. وهو مؤشر واضح على أنه، على غرار باقي دول العالم، ما زال هناك الكثير مما يتوجب عمله. وفي هذا السياق تندرج حملة وزارة الصحة التي استبقت اليوم العالمي بانطلاقها في فاتح نونبر والتي حدد لها كهدف أساسي رفع نسب التحاليل والكشف المبكر مع تعزيز جهود التوعية والتحسيس والوقاية. وتنخرط في هذه الجهود كذلك الأطراف الشريكة وعلى رأسها جمعيات المجتمع المدني، حيث أعلنت جمعية محاربة السيدا، على سبيل المثال، منذ أيام، عن إطلاق حملتها السنوية “سيداكسيون” تحت شعار: “السيدا لاتزال هنا”، والتي تستمر فعالياتها طيلة شهر دجنبر الحالي.