وقف مساعدات الدول المانحة يلقي بظلاله على إحياء اليوم العالمي لمكافحة السيدا يخلد العالم يوم غد الخميس فاتح دجنبر اليوم العالمي للأيدز كمناسبة سنوية لإذكاء الوعي بالوباء وبخطورة العدوى من خلال انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة. كما أنها فرصة لتعزيز التضامن الدولي من أجل التصدي لهذا الوباء، وللشركاء من القطاعين العام والخاص من أجل التشجيع على إحراز التقدم في الوقاية من المرض وعلاج مرضاه ورعايتهم في البلدان التي ترتفع فيها معدلات وقوعه، أساسا دول إفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك في شتى ربوع العالم. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أقرت شعار «نريد أن نقضي على الإيدز قضاءً مبرماً فلا يتسبب في عدوى جديدة ولا تمييز ولا وفيات» (الهدف صفر) للاحتفاء باليوم العالمي خلال سنوات 2011 إلى 2015. ويعني تركيز الحملة العالمية لمكافحة الأيدز على «القضاء المبرم على وفيات الأيدز» دفعة نحو إتاحة المزيد من خدمات العلاج للجميع، ونداءً موجهاً إلى الحكومات لحثّها على اتخاذ إجراءات فورية. وهو أيضاً بمثابة طلب يدعو تلك الحكومات إلى الوفاء بالوعود، مثل إعلان أبوجا، ويدعو الحكومات الإفريقية إلى السعي، على الأقلّ، إلى بلوغ الأهداف المتفق عليها فيما يتعلّق بالإنفاق المحلي على الصحة وخدمات مكافحة فيروس الأيدز دعماً لحقوق الإنسان وفي سبيل تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية. إلا أن إحياء اليوم العالمي لهذه السنة جاء متزامنا مع نزول خبر كالصاعقة على العاملين في مجال مكافحة السيدا وعلى رأسهم الصندوق العالمي لمكافحة السيدا التابع لمنظمة الصحة العالمي. حيث أعلنت الدول المانحة (فرنسا ودول الاتحاد الأوربي، اليابان، والولايات المتحدةالأمريكية)، يوم الثلاثاء الماضي عن وقفها للدور الحادي عشر من برنامج تمويل الصندوق، وذلك كنتيجة لتبعات الأزمة الاقتصادية التي يعانيها العام في الظرف الراهن. وهو ما يعني وقف منح قدرها 2 مليار دولار كانت ستوجه أساسا لعلاج حوالي 500 ألف مريض ينتمون إلى الدول الفقيرة. كما أن هذا القرار يشمل وقف أي مشاريع جديدة لعلاج المصابين وتأجيلها إلى غاية 2014 أو 2015. في حين تم الحفاظ على مستوى تمويل العلاجات لفائدة الفئات التي تستفيد منها حاليا. واعتبر الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا خلال اجتماع مجلس إدارته الأخير المنعقد في أكرا عاصمة غانا من 20 الى 23 نونبر الجاري، هذا القرار بمثابة خطوة مدمرة على المستويين الصحي والإنساني ومجهودات مكافحة داء السيدا عبر العالم. داعيا إلى عقد قمة عالمية للدول المانحة التي طالبها الصندوق بالوفاء بالتزاماتها تجاه الصندوق حتى لا يختل تنفيذ برامج المكافحة في الدول النامية والتي تواجه أصلاً مصاعب مالية واقتصادية، ولافتاً إلى أن عدم الوفاء بالتمويلات يضع الصندوق في موقف حرج لتمويل منح الجولة العاشرة التي سبق أن تم إقرارها في اجتماعات المجلس السابقة. وللتذكير فإن تقارير تقرير الأممالمتحدة كانت قد أفادت بأن تمويل الدول المانحة الموجهة لبرامج مكافحة الايدز في الدول الفقيرة والصاعدة عرف انخفاضا حتى خلال سنة 2010 بنسبة 10% مقارنة بالعام السابق. فقد قدمت الدول المانحة العام الماضي ستة مليارات و900 مليون دولار للوقاية والعلاج من مرض فقد المناعة المكتسبة، وهو ما يمثل انخفاضا بقيمة 740 مليون دولار مقارنة بعام 2009. وأرجع التقرير هذا التراجع إلى ثلاثة أسباب وهي خفض المساعدات من أجل التنمية والتقلبات في سوق العملات وتراجع تصنيف الديون الأميركية، التي تمثل اكبر الدول المانحة بنسبة 54%. وكان المدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة لمكافحة الإيدز قد علق آنذاك على هذه النسب قائلا إن «مكافحة الإيذر تمثل استثمارا ذكيا وحتى في ظل الوضع الاقتصادي الحالي. يتعين علينا التحلي ببعد نظر، لأبعد من التكاليف على المدى القريب وإدراك الفوائد على المدى البعيد». وتعتبر الأممالمتحدة أن تحقيق الأهداف المحددة لعام 2015 في مجال مكافحة الايدز يتطلب استثمارا إضافيا بقيمة 22 مليار دولار. من جهة أخرى، وفي أحدث تقاريرها حول انتشار الوباء، أكدت منظمة الأممالمتحدة تراجع حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا) عبر أنحاء العالم، وذلك للمرة الأولى منذ اكتشاف المرض. وأوضح تقرير أصدره برنامج الأممالمتحدة المشترك المعني بالسيدا، حول آخر ما توصلت إليه الدراسات حول عدد المصابين، أن عدد الأشخاص الذين يتعايشون مع الفيروس بلغ 34 مليون مصاب سنة 2010، وذلك بفضل «تحسن دورات العلاج» الذي ساهم في خفض معدل الوفيات وإنقاذ حياة 700 ألف مريض سنة 2010. وعرفت السنة الماضية تسجيل أدنى مستوى للإصابات الجديدة منذ 1997، إذ بلغ 2.7 مليون إصابة، من بينها 390 ألفا في صفوف الأطفال، مسجلا تراجعا بنسبة 21 بالمائة مقارنة بسنة 1997 التي عرفت تسجيل أعلى معدلات الإصابة بالفيروس. وذكر برنامج الأممالمتحدة لمكافحة السيدا، أن فيروس الإيدز «لم ينته بعد ولكن نهايته قد تكون قريبة، شريطة أن تستثمر البلدان بذكاء كافة الإمكانيات الكفيلة بالقضاء عليه». وأضاف التقرير، المؤلف من خمسين صفحة، أن النسب الأعلى للإصابة بالمرض لا تزال تسجل في جنوب إفريقيا التي تضم أكبر عدد من الأشخاص المتعايشين مع المرض في العالم. ويأمل برنامج الأممالمتحدة المشترك المعني بالسيدا أن تساهم الاستثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة، في إحراز تقدم يهم مجال مكافحة المرض وتحقيق هدف «صفر إصابة جديدة» بالسيدا و»صفر تمييز» و»صفر وفيات» مرتبطة بهذا المرض. لكن تراجع الاستثمارات المخصصة لبرامج مكافحة السيدا، يهدد ليس فقط بتراجع فرص العلاج الفعال والمتكافيء للمصابين الجدد خلال السنوات القليلة القادمة، بل وحتى مشاريع الوقاية المختلفة وعلى رأسها الأبحاث المرتبطة بالقضاء على الفيروس التي أحرزت تقدما غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة.