الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، تلتئمُ الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزبنا في ظرفيةٍ وطنيةٍ دقيقة وحافلةٍ بالكثيرِ من المستجداتِ والتحديات، وعَقِبَ أَقَلَّ من خمسةِ أشهرٍ مَضَتْ على انعقادِ مؤتمرنا الوطني العاشر الذي تكلل بالنجاح، ليس فقط على صعيد تنظيمِهِ وسيرِ أشغالِهِ المُحْكَمَيْن، أو على مستوى إشعاعه السياسي الأكيد، لكن، وهذا هو الأهم، على صعيد ما تمخض عنه من قراراتٍ ووثائقَ تُثْرِي رصيدَ حزبِنا، وتمنحنا إمكانياتٍ حقيقيةً لتطويرِ مكانةِ حزبنا في المشهد الوطني، ولِتَلَمُّسِ خارطةِ طريقنا المستقبلية، بما يتيحُ تكريسَ مكامنِ القوة من جهة، والتصدي الجماعي والحازم لَمَوَاطِنِ الضعفِ والقصور، من جهة ثانية. وتعلمون، أيتها الرفيقات والرفاق، أن دَوْرَتَنَا هذه، كان مُفُتَرَضًا أن تنعقد قبل أسابيعَ من الآن، بشكل استثنائي، لأجل التداول بالخصوص، في ما يتعين على حزبنا أن يتخذهُ من مواقفَ تتعلقُ بالموقعِ الذي عليه أن يحتلهُ في الساحةِ السياسية الوطنية، وذلك على إثرِ حدثِ حذفِ كتابةِ الدولة المكلفة بالماء من الهرم الحكومي. لكن قُدِّرَ لدورة اللجنة المركزية هذه أن تلتئمَ بشكل عادٍ اليوم، بعد أن حَلَّ أَجَلُها القانوني، وذلك بالنظر إلى تقديرنا، في المكتب السياسي، أن دِقَّةَ وتُعَقُّدَ المرحلة وتعددَ أبعادِها، كانتْ تتطلبُ منا بالأحرى، أن نَأخذَ ما يكفي من وقت، حتى نتمكنَ من استيفاءِ كافةِ عناصر الإحاطةِ بالمعطياتِ المتصلة بالوضعية العامة لبلادنا، وبالتالي بلورةَ رؤيةٍ رصينةٍ وعميقةٍ بخصوص المرحلة الراهنة، تستحضر الحدثَ المذكورَ ولا تُغْفِله، دون أن تجعلهُ عاملا وحيدا ومُحَدِّدًا، وذلك انسجاما مع ما دأب عليه حزبُنا على الدوام من نزوعٍ قوي نحو مقاربةِ الأوضاعِ في كُلِّيَتِهَا وعناصرِهَا المتناقضة، بموضوعيةٍ تَنْأَى عن الإسقاط والذاتية، ودون تضخيمٍ أو تحجيمٍ للأحداث، خَيْطُنا الناظمُ في كل ذلك استحضارُ ما هو مطروحٌ على حزبنا من مَهَامَ وأدوارٍ يضطلعُ بها لتعميقِ مسار الإصلاح والدمقرطة، وللإسهامِ المؤثرِ في بناءِ ما تُنشدهُ بلادُنا وشعبُنَا من عدالةٍ وتنميةٍ وتقدمٍ واستقرار. الرفيقات والرفاق الأعزاء، لا يعترينا أدنى شك في أنكم، وأنتم اللواتي والذين تُجَسِّدُونَ القيادةَ التقريريةَ لهذا الحزب، على وعي تام بأن التطوراتِ المتواترةَ التي طرأت على الوضع العام ببلادنا، كما تلك التي مست حزبَنا على وجه الخصوص، منذ مؤتمرنا الوطني الأخير، لَتَكْتَسي من الأهمية ما يجعلها جديرةً بالتحليل العميق والتعاطي المتوازن والمتزن، وذلك ما نواصل القيام به معكم اليوم، بعد أن خُضْنا داخل المكتب السياسي نقاشًا ممتدًا لأسابيع حَاوَلَ، بصعوبةٍ واختلافٍ في إطار وحدة الصف، النفاذَ إلى قلبِ الحقيقة المتصلة بالراهنية الوطنية، في نسبيتها وتشعباتها وشموليتها، قصد استخراج الخلاصات اللازمة وإنضاجِ موقفٍ واضحٍ مما جرى ويجري. في نفس الوقت، يتعينُ التأكيدُ على أن هيئاتِ الحزبِ جميعَها، وهي تتناولُ راهنيةَ الأوضاع العامة ببلادنا، مهما بَلَغَ وَقْعُهَا المرحلي، إنما لا تفعل ذلك بمنطق تأسيسي كما لو أننا أمام فراغٍ مرجعي، والحالُ أننا نتملك، باعتزاز، وثيقةَ مؤتمرِ «النَّفَسِ الديمقراطي الجديد»، التي لا نُبَالِغُ إذا قلنا إنها تضمنتْ كثيرا من التحاليل الاستشرافية التي تؤكدُهَا سيرورةُ الوقائعِ الحالية. فالنفَس الديمقراطي الجديد هو محورُ مقرراتِ المؤتمر الوطني، وبديهي أن يكون هو المُحَدِّدُ الأساسُ في رؤيتنا للوضع، وفي اتخاذ المواقف اللازمة، وهو الشعارُ الذي عَبَّرْنَا من خلاله على ضرورةِ، بل استعجاليةِ، فتح آفاقٍ أرحب أمام بلادنا، لأجل تجديد روح البناء الديمقراطي، والمُضِيِّ قُدُمًا في التفعيل الحقيقي لمضامين الدستور، ومراجعةِ الواقعِ الاقتصادي، وحَمْلِ السؤال الاجتماعي وهاجس العدالة الاجتماعية والمجالية بشكل جِرِّيء وحاسم. ولا بأس في التذكير بأن وثيقةَ النفسِ الديموقراطي الجديد، ليست وثيقةً حزبية تأطيرية فحسب، بل كانت ولا تزال عنوانَ مرحلة، ونداءً وطنيا قويا وصادقا من أجل ضخ روح جديدة في حياتنا العامة، تُتِيحُ تثبيتَ المكتسباتِ والتجاوزَ الإرادي للصعوبات والإخفاقات التي يواجهها المشروع الإصلاحي، سواءٌ في ما يتصل بتقوية المؤسسات والتفعيل السليم لمضامين الدستور، أو في ما يتعلق بتمكين عموم المواطنات والمواطنين، وخاصة الفئات المستضعفة والفقيرة، وفي جميع المناطق، من الاستفادة من ثمار تقدم بلادنا، والتمتع بالعيش الكريم في وطن تسوده العدالةُ وقوامهُ المساواةُ والحرية والكرامة. علما أن ذلك كُلَّهُ لن يستقيمَ سوى من خلال قيامِ ديمقراطيةٍ حقيقية وتوفيرِ حياةٍ سياسيةٍ سويةٍ تضطلعُ فيها مؤسساتٌ وأحزابٌ قوية بأدوارها الكاملة، للإسهام في إعادةِ الثقة وزراعةِ الأمل وتهييئ أجواءِ التفاؤلِ والعمل. ولقد نادينا بالنفس الديمقراطي الجديد لأن بلادنا قطعت فعلا أشواطا، لا تُخطئها عَيْنُ الموضوعية، على درب بناء الديمقراطية ودولة الحق والقانون والمؤسسات، وعلى صعيد الحقوق والحريات، وعلى مستوى مكتسبات المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لكن في ذات الوقت، لا يمكن لأحد أن يُغْفِلَ أو يتغافلَ عن رصدِ كثيرٍ من مظاهرِ الانحباس المجتمعي التي يواجهها وطنُنا، والتي تكاد تشمل كلَّ الطبقات والفئات الاجتماعية، وتغطي بالتأكيد كافةَ مناحي الحقولِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، حينما أطلقنا وثيقةَ النفسِ الديمقراطي الجديد، لم نفعلْ ذلك انطلاقا من بُرْجٍ عاجي، بل لأننا، ونحن جزءٌ من تربة هذا الشعب، ملتصقونَ ومُنْصِتُونَ لآلام وآمال المواطنات والمواطنين، ونوجد في قلبِ واقعٍ مجتمعي تَنَامى فيه الشعورُ بالغضب، والحَنَقْ، والغبن، والحكرة، والقلق، والحيرة، والخوف من الغد، وتراجَعَ فيه مَنْسُوبُ الثقة إلى مستويات متدنية، وتصاعدتْ فيه التوتراتُ في عددٍ من المناطق، وتزايدتْ به درجةُ الاحتقان والاحتجاج ضد الأوضاعِ المعيشية، وتعددتْ حركاتُ المطالبةِ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتنوعتِ التعابيرُ التي يستحق معظمُها الاحترامَ لِتَقَيُّدِهِ بالمشروعية في إطار البيتِ الذي يجمعنا والإجماعِ الذي يُؤَلِّفُ بيننا، دون السقوط في الانفلاتِ أو الانحرافِ عن حدود المعقول والمقبول دستوريا وقانونيا ومؤسساتيا، كما سُجِّلَ ذلك في بعض الحالات القليلة. ونحن إذ نقول ذلك ونكرره، فليس لأننا من دُعَاةِ التأزيمِ أو تسويد الصورة، فتاريخُنا وحَاضِرُنَا شاهدان على محاربتنا لجميع أشكال العدمية، وإصرارِنا على التفاؤل، والإسهام في إنارة طريق وطننا حتى في أحلكِ الفترات، لكن الواقعَ لا يرتفع: فالاحتجاجاتُ بجرادة وزاكورة وتنغير والحسيمة وسلا وغيرها، كَمَا حركةُ مقاطعةِ عددٍ من المنتجاتِ والشركات، وكذا التعبيراتُ العارمةُ في مواقع التواصل الاجتماعي، ليس كل ذلك من نَسْجِ خيالنا، ولا هو أَضْغَاثُ أحلام… وهي حركاتٌ تلتقي كُلُّها حول مطلبِ تحقيقِ الكرامةِ والعدالةِ الاجتماعية، وتَنْشُدُ الأمان، والخدماتِ العمومية الأساسية، وتستنكر تنامي الفقر والبطالة وتراجعَ القدرة الشرائية وارتفاعَ الأسعار، وتتطلعُ نحو شغلٍ حافظٍ للكرامة، ونحو تعليم جيد وعادل، ونحو صحة عمومية أجود، ونحو ولوج عادل للماء والكهرباء، ونحو سكن لائق، وأمنٍ فعال، وإدارةٍ ناجعة، وقضاءٍ تسوده المساواة، ونحو حكامةٍ تدبيرية تقطع مع الريع والفساد والرشوة والاحتكار، ونحو أجورٍ وتغطيةٍ اجتماعية مُنصفة، وضرائبَ تتناسبُ مع أوضاع الأسر، ونحو عنايةٍ خاصةٍ بالمناطق الجبلية والقروية وبأحزمة الفقر التي تُطَوِّقُ حَوَاضِرَنَا، ونحو العدل في توزيع خيرات البلاد.. إننا، في المُحَصِّلة، أمام مطالبَ وانتظاراتٍ مُتفهمة، وهواجسَ وقلقٍ مشروعٍ لفئاتٍ اجتماعيةٍ مختلفة، طالما أن نُمُوَّ بلادِنا، على عِلاَّتِهِ، لم ينعكسْ، بالشكلِ الإيجابي والعادل المطلوب، على مستوى عيشِ الجميعِ بالمِقْدَارِ نفسه. وذلك ما يفسر التعاطفَ المجتمعي الكبير مع عددٍ من الوقائعِ والأحداثِ المأساويةِ التي عشناها مؤخرا، من مثلِ وفاةِ الشابةِ الطالبةِ «حياة»، وهي تغامر بحياتها بحثا عن فضاء عيش أفضل، ومن قبيل وفاة أحدِ ذوي الاحتياجات الخاصة وهو يحتجُّ إلى جانب زملائه من أجل الكرامة الإنسانية. إنها مؤشراتٌ تحملُ من الشحنةِ الرمزية ما يجعلها ترجمةً أمينةً لحالة الاحتقان الاجتماعي، والذي من تمظهراته تفاقمُ هجرةِ الرأسمالِ الجبانِ بطبيعته، وهجرةُ الطاقات، والهجرةُ غيرُ القانونية للشباب الذين نعتبر أنهم الاكثرُ عرضة للإقصاءِ الاجتماعي، مما يولد لديهم شعورا عارما بانعدامِ أيةِ إمكانيةٍ للتأثيرِ في القراراتِ التي تهم حاضرَهم ومستقبلَهم، لاسيما في ظل تراجعٍ خطيرٍ لقنواتِ التأطيرِ والوساطةِ المجتمعية الحاضنة للتعبير عن المطالب والغضب، ما يفتح المجال واسعا أمام العفوية والتعبيرات الذاتية غير المُؤَطَّرَة، بما تنطوي عليه من مخاطر جمة على الجميع. فمن باب البداهةِ أن ينتعش الالتباسُ ويتعمقَ الإحساسُ بانسداد الآفاق، في ظل الأجواءِ السلبيةِ التي تخيم على الوضع السياسي ببلادنا، ليس فقط إذا غابتِ المبادراتُ العموميةُ القادرةُ على احتواءِ الاحتقان، ولكن أيضا إذا حضرتِ المبادراتُ الإصلاحية وغاب معها، وعنها، ذلك التأطيرُ والتواصلُ الضروريان من قِبل فاعلين سياسيين جادين وذوي مصداقية وإقدام، حاملين لممارسةٍ سياسيةٍ قادرةٍ على إعطاءِ المعنى لهذه المبادرات، إن هي وُجدت، وبَثِّ فيها روحٍ تُسْهِمُ في إشاعةِ الاطمئنانِ والثقة، وفي زرعِ الأمل، وتبديدِ المخاوف والشكوك، ورَدْمِ الهُوَّةِ السحيقةِ التي حُفِرت بين الشبابِ وبين الحياةِ العامة، فاعلينَ سياسيين يتمتعون بما يكفي ويلزمُ من حساسيةٍ تُجَاهَ خطورةِ الأوضاعِ وتحدياتها، قادرين على التفاعلِ، بجرأةٍ ومسؤوليةٍ واقتناع مع ما يطرحه المجتمعُ من تساؤلاتٍ وما يعبر عنه من مطالبَ وحاجيات. الرفيقات والرفاق الأعزاء، إن هذا التحليلَ الذي ما فتئنا نعمقه ونطوره، هو ما يدفعنا لأن نُلِحَّ على أن يتحلى الجميعُ بأقصى درجاتِ الشجاعةِ والمسؤولية، طالما أنه من باب الخطأ التاريخي الفادحِ أَلَّا نَسِمَ المرحلةَ الراهنةَ بتلك الشحنةِ الإصلاحيةِ الجديدة، وأَلاَّ نُحدثَ تلك الرَّجَّةَ المطلوبة، كَيْ لا تستمرَّ الأوضاعُ في وطننا كما هي عليه. وتلك بالضبط هي المقاربةُ الناظمةُ التي سجلناها في خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس: خطابُ عيدِ العرش، وخطابُ ذكرى ثورة الملك والشعب، ثم خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية.. وهي الخُطَبُ التي تبعثُ على الابتهاج وتفتح آفاقًا جديدةً للأملِ وللعمل، وتكرس ما هو معهودٌ في أعلى سلطة بالبلاد من إنصاتٍ عميق وتفاعل خلاق مع نبضِ المجتمع، وتقف بوضوحٍ توجيهِيٍّ صارمٍ، وروحٍ مُبادِرة قوية، عند الأسئلةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ والتدبيرية الكبرى ذاتِ الأولوية، وتضع أفقا وإطارًا للمُعُالَجَاتِ والأجوبة الضرورية عليها، وهو ما نادينا به من خلال شعارِ النفس الديمقراطي الجديد. فحزبُنا لا يمكن أن يكون إلا مرتاحا لهذه الإرادة ولهذه التوجهات، وهو الذي ما فتئ صوتُهُ يَصْدَحُ بضرورة خلقِ ظروفٍ جديدةٍ تتأسسُ على الثقةِ في الوطن وفي مؤسساته، وفي قواهِ الحية، وفي الشأن السياسي، وفي المبادراتِ العمومية، وذلك من خلال إجراءاتٍ وتدابيرَ ملموسةٍ، من أجل دَفعةٍ جديدةٍ لمسلسل بناءِ مغرب الإصلاح والديمقراطية. ولأننا حريصون، بطبيعة هويتنا ومنهجنا، على عدمِ الاكتفاءِ بالتشخيص، بل ربطِ هذا الأخير بتقديم الاقتراحات والبدائل، فقد انخرطنا بالتزامٍ، منذ حوالي سنة «بمناسبة إطلاق مسلسل التحضير لمؤتمرنا الوطني العاشر»، في تهييئ تصورِنا بخصوصِ نموذجٍ تنمويٍّ جديد كفيلٍ بتجاوزِ سلبياتِ النموذجِ الحالي الذي يقر الجميع بكونه نموذجا يختنق، وقد تُوِّجَ مجهودُ حزبِنا في هذا الصدد بتنظيم الجامعة السنوية التي أَسْهّمَتْ، بتألقٍ لافت، في استكمال جاهزيتنا لتقديم مساهمةِ حزبنا في ما يتعلق بهذا النموذجِ الجديد الذي نرى أنه يتعين أن يَسْتَدْمِجَ، بشكل خلاق ومُعبِّئ، الأبعادَ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وأن يتأسس على خمسةِ مرتكزاتٍ رَئِيسَة، نكتفي هنا بِذِكْرِ عناوينها البارزة، وأُحِيلُكُمْ في تفاصيلها على الكلمة التي ألقيتُها مؤخرا بمناسبة افتتاح الملتقى الدولي الذي نظمته جمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية: أولا: جعلُ الإنسان في قلب العملية التنموية، ثانيا: نموٌّ اقتصادي سريع ومضطرد، ثالثا: تحسينُ الحكامةِ وضمانُ مناخٍ مناسب، رابعا: البعد القيمي والثقافي والمجتمعي، خامسا: الديمقراطية لحمل النموذج التنموي، وبعد إغناءِ ما هو بين أيدينا الآن، انطلاقا من مُخْتلِفِ الإسهامات التي من المُؤَكَّدِ أن تتمخضَ عنها الأنشطةُ التي سينظمها الحزبُ خلال الشهرين المُقبلين، سيعمل المكتبُ السياسي على تقديمِ مذكرةٍ، داخل الأجل المحدد، إلى اللجنة الخاصة التي كلفها صاحبُ الجلالةِ بهذا الموضوع. الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، في اللحظاتِ التي كنا نتطلع إلى دخولٍ سياسي واجتماعي نقول فيه كلمتَنا، تفاجأنا بحدثٍ غيرِ مُنتظر تجلى في حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء التي كان يدبرها حزبُنا في شخصِ الرفيقة شرفات أفيلال، من الهرم الحكومي. وهذه مناسبة لنجدد الإشادة بالأداء المتميز للرفيقة شرفات أفيلال، لِما أبانتْ عنه طيلةَ تحملها لمسؤوليةِ تدبيرِ قطاع الماء، من خصالٍ وطنيةٍ رفيعة، وديناميةٍ متميزة، وحيوية بارزة، ونزاهةٍ عالية، وحضورٍ ميداني مُلفت، وقدرةٍ على الانجاز مَشْهُودٍ لها بها من قِبَلِ مختلِفِ الفاعلين. ولا شك في أنكم واكبتم كلَّ ما عَبَّرْنَا عنهُ، كمكتبٍ سياسي، من مواقفَ في هذا الشأن، مرورًا بعدمِ تفهمِ حزبنا للأسلوب الذي دُبِّرَ به الموضوعُ دون الأخذِ بعين الاعتبارِ الضوابطَ المُفترضَ أنها تؤطرُ تدبيرَ العلاقاتِ داخل أيةِ أغلبيةٍ حكوميةٍ، فبالأحرى عندما يتعلقُ الأمرُ بما يقتضيهِ احترامُ العلاقةِ المتميزة التي تجمع حزبَنا بحزب العدالة والتنمية، ووصولاً عند توجيه سؤالِنا إلى السيد رئيس الحكومة من أجل تفسيرِ الموضوعِ الذي تظلُّ مُبرراتُهُ غيرَ مقنعةٍ بالنسبة إلينا، كما بالنسبةِ إلى أوساطَ كثيرةٍ في المجتمع. في هذا السياقِ الخاص الذي أثار غضبا مُبَرَّرا ومُتفهمًا لدى كافةِ مناضلاتِ ومناضلي حزبِنا، لكن أساسا بسبب حالةِ الاحتقانِ المجتمعي التي لم يُوَاكِبْهَا تفاعلٌ متلائمٌ من قِبَل الحكومة، عَمَدْنَا إلى تعميقِ تدارسِ الوضع في شموليته، وفتحِ باب التشاور مع فاعلين مجتمعيين من آفاقَ مختلفةٍ، وكذا إجراءِ لقاءاتٍ ومباحثاتٍ مع السيد رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وهي مبادراتٌ رَامَتْ تفكيكَ عناصرِ الوضع في شموليته، بقصد استخراج الخلاصاتِ وتحديدِ المهامِ المطروحةِ على حزبنا من حيث الموقعُ الذي يتعينُ أن يحتله في الساحة السياسية الوطنية. هكذا، وضعنا السؤال على أنفسنا، قبل أن نضعه على غيرنا، بكل جرأةٍ وموضوعيةٍ ومسؤولية: هل مواصلةُ تواجدنا الحكومي سيكون له وقعٌ حقيقي على مسار الإصلاح؟ علما أن مُحَدِّدَ وجودنا، في أَيِّ موقعٍ كان، مرتبطٌ دائما بمدى القدرةِ على استثمارِ فرصِ الإصلاح، وبالدفاعِ عنْ قضايا المواطنين وعن الفئات المستضعفة. فقلنا إنَّ على الحكومةِ الإنصاتَ لصوت الناس، وملءَ الساحة، وتَمَلُّكَ خطابٍ مقنع، والذهابَ أبعد في الإصلاح، وتفعيلَ الدستور، وإعادةَ الثقة للناس في وطنهم، وإبرازَ المُنجز، وتفادي الحروب الداخلية، وعَبَّرنا على أننا نريد من الحكومة تأكيدَ توجهِ الإصلاح من خلال إجراءاتٍ ملموسةٍ ومُؤَثِّرَةٍ كفيلةٍ بزرعِ روحِ الأملِ عند المواطنين. وأكدنا على أننا نريد أغلبيةً متضامنةً ووفية تَنْكَبُّ على العمل، وتتقاسمُ الكُلْفَةَ السياسيةَ للإصلاح، وتبتعد عن التراشقِ والجدلِ العقيم، وطَالَبْنَا بمواجهةٍ فوريةٍ للاختلالات، والانكبابِ على الأسئلةِ الحقيقية التي يطرحها المغاربة، ودَعَوْنَا إلى ضرورةِ اتخاذِ ما يلزم من مبادراتٍ إصلاحيةٍ تحفظ السلم الاجتماعي، ونبهنا إلى وجوب تكثيف الحضور السياسي والميداني، بما يتيحُ تجاوزَ حالةِ الضبابية وانسدادِ الآفاق، وإلى ضرورة تغليب روح المسؤولية والجدية عِوَضَ التمادي في الممارساتِ التي تعمقُ أزمةَ الثقة والنفورِ من أيِّ عملٍ سياسي أو فعلٍ حزبي، كما أعربنا عن الحاجة إلى قيادةٍ تدبيريةٍ قوية وحضورٍ سياسي متواصل….. الرفيقات والرفاق الأعزاء، نعم، لقد فَاجَأتْ نَبْرَتُنَا هذه الكثيرين، حتى أنَّ بعضَ الذين لا يعرفون جيدا هويةَ وجوهرَ حزبنا، الذي لطالما خَبِرَ على امتداد عقودٍ النضال، أن طريقَ التغييرِ والإصلاحِ ليس طريقا مستقيما، اعتقدوا مُخطِئين أن خطابَنَا ازدواجي، وأننا انسلخنا عن جِينَةِ الوفاءِ والالتزام، وأننا تَحَوَّلْنَا في رمشةِ عينٍ إلى مُعارِضينَ من داخل الحكومة! لكن الحقيقةَ التي غابت عن هؤلاء، أو غَيَّبُوهَا قسرا، أن هذا الحزبَ الوطني اليساري الديمقراطي الحداثي، وَفِيٌّ ومُلتزمٌ إلى أبعد الحدود، ليس بالظرفياتِ والمواقعِ، ولكن بقضايا الوطن والشعب، واجبُهُ دقُّ ناقوسِ الخطر والتنبيهُ كلما سَجَّلَ انحرافًا أو زَيْغاً عن الطريق، فَوُجودُنا في المشهد السياسي ليس مرتبطا سوى بالنضال من أجل الإصلاح، وليس بِمواقعَ بعينها، فبالأحرى بأرقامَ وأعدادٍ أو بتدبيرِ مساراتِ أشخاص. لذلك، عَبَّرنا خلال كل المباحثاتِ التي أجريناها بهذه النبرةِ المتطلعةِ نحو سُبلِ رفعِ التحدياتِ التي تُوَاجِهُ الوطن، هاجِسُنا الأوحدُ في ذلك مصيرُ الإصلاح، مُفَضِّلِينَ النَّأْيَ عن ردود الفعل التي، وإِنْ كانت مشروعةً ومبررة، إلا أنه كان من شأنها إرباكُ الوضعِ أكثر مما هو مرتبك. الرفيقات والرفاق الأعزاء، بعد أن خضنا تلك الجولات الأولى من الاتصالات، اتضح لنا أن الصوتَ الذي حَمَلُهُ حزبُنا قد ترك الصَّدَى بمقدار، وأنه سُمِعَ إلى حدودٍ ما، حيث لا شك في أنكم تابعتم، بالخصوص، التطورَ النوعيَّ الذي وقع من خلال ما تم التعبيرُ عنه من قِبَلِ المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية من تشبتٍ بالعملِ المشترك مع حزبنا، لمواصلةِ معركةِ الإصلاح والتصدي لمحاولاتِ النكوصِ عن المكتسبات، مما اعتبرناه في حينه عنصرا هاما في نقاشنا الداخلي، ونجددُ اليوم تقديرَ حزب التقدم والاشتراكية عاليا لتلك المواقفِ المعلنة، ونؤكد على أنه بتلك المعاني فإن حزبَنَا لا يتصور نفسَهُ سوى مُنتصرًا للإصلاح والديمقراطية، حريصا على الالتزامِ المتبادل والوفاء للقضايا المشتركة النبيلة، وعلى بلورةِ الإعلاناتِ والنوايا إلى ممارساتٍ فعليةٍ وواقعيةٍ على كافةِ المستويات. وعلى أهمية هذا التفاعل الإيجابي، من الناحية السياسية والرمزية، من قِبَلِ قوة حزبية أساسية نتواجدُ معها في الموقعِ الحكومي منذ سبعِ سنوات، إلا أن حزبنا ظل مُصِرًّا على حساسيته الخاصة تُجَاهَ ضرورةِ ضخِّ نفسٍ جديدٍ في مسار الإصلاح، مدافعا على أن تكون الأولويةُ الاستعجالية للشأن الاجتماعي، عَبْرَ مبادراتٍ ملموسة، كما أَكَّدَتْ على ذلك مضامينُ الخطبِ الملكيةِ الساميةِ الأخيرة التي ثَمَّنَّاهَا عاليًا في إِبَّانِهَا. ولحسن الصدف، تزامن ذلك مع تهييئ اللمسات الأخيرة لمشروع قانون المالية برسم سنة 2019، حيث اعتبرنا المناسبةَ اختبارَ إثباتٍ لمدى الإنصاتِ لصوتِ الحكمةِ والعقل، ولصرخةِ المجتمع، ولنداءاتنا المتصلةِ بضرورةِ التجاوبِ السريع مع انتظارات الشعب المغربي… وهو الأمر الذي يبدو مبدئيا أنه يأخذ منحًى إيجابيًا، يجعلنا اليوم أمام مشروعِ قانونٍ مالي بإجراءاتٍ ذاتِ حُمُولةٍ اجتماعيةٍ واقتصادية دَالَّةٍ وأكيدة، لاسيما من حيث: الرفع من عدد مناصب الشغل في القطاع العمومي، إلى أزيد من 40 ألف منصب شغل، التوجه نحو الرفع من حجم الاستثمار العمومي، ليصل في الإجمال إلى 195 مليار درهما، ضخ 27 مليار درهما إضافية، في إطار الالتزام بالرفع من النفقات الموجهة للقطاعات الاجتماعية، رصد 68 مليار درهما لقطاع التعليم، بزيادة قدرها 5.4 مليار درهما، رفع الدعم المخصص لتشجيع التمدرس إلى أزيد من 5 مليار درهما، رصد ميزانية تتجاوز 16.3 مليار درهما لقطاع الصحة، بزيادة 1.6 مليار درهم، أي + 10 بالمائة. تخصيص 4000 منصب شغل لقطاع الصحة، رفع ميزانية نظام المساعدة الطبية الراميد إلى 1.6 مليار درهما، بزيادة 300 مليون درهما، تخصيص 600 مليون درهما لدعم ما يناهز 90 ألف أرملة، وأزيد من 155 ألف يتيم، و150 مليون درهما لمشاريع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، تخصيص 3.4 مليار درهما لمحاربة الفوارق المجالية، كاعتمادات للأداء، و4 مليار درهما كاعتمادات التزام، الرفع من مخصصات نفقات المقاصة إلى 17.67 مليار درهما، بزيادة 4.65 مليار درهما، لأجل دعم القدرة الشرائية، خفض الضريبة على الشركات التي يزيد حجم أرباحها عن 300 ألف درهما ويقل عن مليون درهما، إلى 17.5، بدل 20 بالمائة المعمول بها حاليا، إحداثُ مساهمةٍ اجتماعية للتضامن قدرُها 2.5 بالمائة من أرباح الشركات التي تفوق 40 مليون درهما، تخصيصُ مساهمةٍ عمومية للمرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قيمتها 1.8 مليار درهما، برسم سنة 2019، بالإضافة إلى إقرار الإِجْرَاءِ المتمثل في تصفية إرجاعات الضريبة على القيمة المضافة، بقيمةٍ تفوق 40 مليار درهما، دفعة واحدة، برسم سنة 2019، فضلا عن اتخاذِ تدابيرَ تتصل بتقليص آجال أداء مستحقات المقاولات لدى الدولة… وإجراءاتٌ أخرى، لا يسع المجالُ هنا لتعدادها كلها، وقد اكتفينا ببعضها لأخذ فكرة عامة، انطلاقا من حجمِ وَقْعِهَا على حياة الناس وأهميتها بالنسبة إلى دعم قدرات الفئات المحرومة والوسطى، وسيكون لهذا الأمرِ بقيةٌ، من خلال مواكبتنا لإسهاماتِ برلمانياتنا وبرلمانيينا أثناء مرحلتيْ مناقشةِ المشروع والمصادقة عليه، مع التأكيد مجددا على أن كل هذه التدابير، على أهميتها البالغة، إنْ لم تُحْمل سياسيا وميدانيا وتدبيريا وتواصليا وخطابيا، سيظل تأثيرُها محدودًا على الأجواءِ العامةِ ببلادنا. ولقد بات واضحا إذن اليوم، من خلال كل ما استعرضناه أمامكم من تفاعلٍ مع ما طرحناه من قضايا ومقترحات، وما تلقيناه من تأكيداتٍ بخصوص ما سيتم مباشرته من أوراشَ للإصلاح، أن الاقتناعَ بدأ يترسخ للشروع في شقِّ طريقٍ جديدٍ قوامهُ ما دأبنا على نعته بالنفس الديمقراطي الجديد، وهو طريقٌ طويلٌ وشاق، ولكنه طريقٌ ممكن، وهو كفيلٌ بالذهاب بوطننا وشعبنا إلى بر الأمان. لذلك نعتبر أن هذه المعطياتِ متظافرةً تجعلنا في موقفٍ يستدعي منا تقديرَ أنه من الأنسبِ لحزبنا مواصلةُ النضالِ من الموقع الحكومي أيضا، عاقدين العزم على بذل مزيد من الجهد من هذا الموقعِ المؤسساتي الذي يُتِيحُ، بطبيعته، إمكانياتٍ أكبرَ للتأثير. بالمقابل، نحن على يقين من أن كلَّ نقطِ الضوءِ في وطننا، بما فيها مواقفُنا الإيجابية، ستظل بلا أثرٍ مُجتمعي يُذكر، وستظلُّ مُعَرَّضَةً للانطفاءِ والتراجع، والواقعُ أنه إذا أردنا حَقًّا أن يصلَ مغربُنا إلى بَرِّ الأمان وأنْ نضمنَ استقرارَه وحظوظَ ازدهارِه، فليس هناك مئاتُ الحلولِ والطُّرُقْ، بل هناك طريقٌ واضحٌ وضوحَ الشمسِ في يوم مُشرقْ، نُعَبِّرُ عنه بالصوت العالي وبلا أدنى تردد: يتعينُ العملُ على بلورةِ مضامينِ دستور 2011، وتوسيعُ الفضاءِ الديمقراطي، والاعتمادُ على حكومةٍ قوية، ومؤسساتٍ ذات مصداقية، وأحزابٍ سياسيةٍ حرةِ الإرادةِ والفعل، ومجتمعٍ مدنيٍّ مستقلٍّ وفاعل، وإعلامٍ مُوجِّه وليس مُوجَّها، وتكريسُ الحرياتِ الفردية والجماعية، وإقرارُ مبدأ المساواةِ في جميع أبعاده ومستوياته،….. هذا فقط هو المنحى الذي من شأنه أن يجعلَ مستقبلَ وطننا مَنِيعًا، وأن يُمَكّنَ من إرجاعِ الثقةِ للمواطنِ في وطنه ومؤسساته، وإذكاءِ تلك الحِمْيَةِ في النفوسِ التي تفتحُ الآفاقَ أمامَ خطابِ الأملِ، وسيظل حزب التقدم والاشتراكية، كما كان دائما، مناضلا قويا ومدافعا أمينا ووفيا عن هذا التوجه. أما مسألةُ مواصلةِ حضورِ الحزب في الحكومة فهي ليست أمرا مقدسا، بل إنها موضوعٌ يُمْكِنُ الرجوعُ إليه والتداولُ فيه ومراجعتُه في أيةِ لحظةٍ من طرف اللجنةِ المركزية، صاحبةِ القرارِ الأولِ والأخير، حيث بِقَدْرِ ما تَمَاهَتِ الحكومةُ، التي نحنُ الآنَ جزءٌ من أغلبيتها، مع منطقِ وديناميةِ الإصلاح، بقدر ما حَظِيَتْ بدعمنا وانخراطنا، إلا أنه إذا ابتعدتْ عن ذلك فسنعود إليكم قصدَ اتخاذِ الموقفِ المناسب. وبكل تأكيد، نعتقد في هذا الصدد، أن من أهم الخطواتِ التي يتعين على الحكومة أن تخطوها هي الاجتهادُ الجِدِّي في صَوْنِ السلم الاجتماعي، وجعلِ الحوارِ الاجتماعي حقيقيا ومنتجًا، من خلال التفاعلِ اللازمِ مع المطالبِ المشروعةِ للطبقة الشغيلة، وتَحَمُّلِ المسؤوليةِ السياسية، بشجاعةٍ تتجاوزُ المنطقَ الحسابياتي والهاجسَ الموازناتي، في بلورة اتفاق اجتماعي مع المركزيات النقابية، مما من شأنه أن يُعطيَ دلالةً أصدق لنوايا الإصلاح المُعلنة. وإلى جانب كل ما تَقَدَّمْ، لا بد أن ننوه بعمل رفيقَيْنا الوزيرين اللذين يسهران على تدبير قطاعين هامين جدا، وعلى الحزب، قيادةً وقواعدَ ومنتخبين، أن يَدْعَمَهُمَا، بقوة، في حملِهما لبرامجهما القطاعية الصعبة والشاقة. وفي نفسِ الوقت، فإن رفيقينا الوزيرين، مُطالَبَانِ، أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، بالدفاعِ عن المشروعِ الإصلاحي وعن مواقف حزب التقدم والاشتراكية، كما أنهما مَدْعُوَانِ إلى مواصلةِ وتقويةِ التفاعلِ مع هياكلِ ومنتخبي الحزب في ما يحملونه من ملفاتٍ وقضايا شعبية على المستوى المحلي. وهي مناسبةٌ لكي نتوجه بالتحية النضالية العالية إلى كافة برلمانيات وبرلمانيي الحزب ورؤسائه، ومنتخباتِهِ ومنتخبيهِ الجماعيين عامةً، على كل ما يقومون به من أعمالَ لصالحِ المواطناتِ والمواطنين، وعلى ما يبذلونه من مجهوداتٍ في سبيل إعلاءِ رايةِ الحزبِ، أينما وُجِدوا. الرفيقات والرفاق الأعزاء، ليكن الأصدقاءُ والخصومُ على يقينٍ من أننا سنستمر على وضوحنا هذا، فلا فائدةَ فينا، ولا قيمةَ مُضافةَ لنا، سوى ونحن هكذا بنبرتنا النقدية البناءة، وخطابنا المتفرد، وخَطِّنَا الواضح، وجرأتنا المسؤولة، ولو أننا نعرفُ أن ذلكَ كُلَّهُ جعلنا أكثرَ من غيرنا عُرْضَةً للصدماتِ والضرباتِ والهزاتِ المُؤْذِيَة التي نالت كثيرا من قدراتنا نفسيا وماديا وماليا ونضاليا وتنظيميا وانتخابيا، وسنظل مع ذلك متشبثين بهويتنا ومقارباتنا وحرصِنَا على الدفاع عن المشروع الديمقراطي والحداثي الذي نناضل من أجله، وسيظل سَعْيُنَا وطنيا تقدميا شعبيا ملتصقا بقضايا وطننا وشعبنا. كما سنظل مستحضِرين لتحدياتِ وحدتنا الترابية، في وقت لا يبرز اليوم الحضورُ والاهتمامُ الكبيران بتطوراتها في المجتمع، وحتى لدى الطبقةِ السياسية، ونعتبر أن قضيتنا الأولى تدعو إلى مواصلةِ اليقظة والعمل على تعزيز الجبهة الداخلية، باعتبار ذلك صمامَ الأمان الأكثرَ موثوقيةً في الدفاع عن الوحدة الترابية لبلادنا غير القابلة لأية مساومةٍ أو تخاذل، مسجِّلين أهميةَ ما تُراكِمه بلادُنا على المستوى الدولي من مواقفَ بهذا الصدد، تُؤَكِّدُ القناعةَ المتصاعدة بعدالة قضيتنا وبصواب الموقف الوطني المؤسَّس على أنه لا حل خارج مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، وهو ما سجلنا بخصوصه ذلك التجاوبَ، إلى حد كبير، في تقريرِ الأمينِ العام لهيئةِ الأممِالمتحدة الموجَّهِ إلى مجلسِ الأمن. من جانبٍ آخر، وعلى الصعيد الإقليمي، أصبح مُلفتا للانتباه أن بلادَنا باتتْ تتحملُ عبئا يزداد ثقلا يوما بعد يوم، من جَرَّاءِ استفحالِ ظاهرةِ الهجرةِ غيرِ النظامية، وصارتْ ( بلادُنا ) تشكل بالنسبة للمهاجرين السريين، وخاصة المنحدرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، بلدا للعبور وللاستقبال في آن واحد، وهو الأمرُ الذي يطرحُ علينا ضرورةَ مواصلةِ التعاملِ مع القضيةِ بمقاربةٍ إنسانيةٍ، دون أن يَنْفِيَ ذلك وجوبَ استحضارِ الأبعادِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والأمنيةِ التي يتعينُ على شركاءِ المغرب، وفي مقدمتهم الاتحادُ الأوروبي، تقاسمُ تحملاتِها، وكذا إيجادُ الحلولِ الحقيقيةِ لها، في إطارٍ من المسؤوليةِ والتوازن والإنصاف، بعيدا عن الحلول السهلة التي تريد لبلادنا أن تتحول إلى دَرَكِيٍّ وحارسٍ للحدودِ الأوروبية. وهي مناسبةٌ لكي نُوَجِّهَ تحيتنا العالية وتقديرنا الكبير لكافة مكوناتِ القواتِ العمومية المُؤتمَنةِ على حمايةِ حدودنا الوطنية، وكذا عن تضامننا مع الجنودِ المغاربة الذين أُصيبوا نهايةَ الأسبوعِ الفائتْ، وهم يضطلعون بواجبهم في منعِ مئات المهاجرين من محاولة اقتحام مدينة مليلية المحتلة. أيضا، لن تمر مناسبةُ التئامِ لجنتنا المركزية هاته، دون أن نستحضر، بألمٍ وحزن، ما آلتْ إليه القضيةُ الفلسطينية، حيث يَنتابُنا شعورٌ وَكَأَنَّ الشعب الفلسطيني يكادُ يصيرُ وحيدًا في مواجهةِ آلةِ البطشِ الإسرائيلية، وأنَّ إسرائيل باتتْ تُبِيحُ لنفسها القيام بما تشاء فوق أرض فلسطين، في ظل تواطُؤٍ الإمبريالية الأمريكية الحالية المُوغِلَةِ في التطرفِ والاسْتِعْلاَء، وفي ظل لامبالاةِ المنتظمِ الدولي، وصمتِ البلدان العربية المنشغلة بأزماتها أو حروبها الداخلية، إن هذا الوضع يسائلنا في الصميم، ويدعونا إلى أن نتحرك، إلى جانب كل القوى الحية، في اتجاه إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة النضال والتضامن والمساندة. أما على الصعيد الدولي، فإن الأوضاعَ عمومًا لا تَصُبُّ في مصلحةِ الشعوب، حيث تتصاعدُ الصراعاتُ بخلفياتٍ حمائية جديدة، مَا يؤدي إلى انخفاضِ منسوبِ الثقة بين الدول، وإلى صعودٍ مُقلقٍ لأفكار اليمين المتطرف والشعبوية، في ما أصبح يشكل فعلا تهديدا للاستقرار الدولي، لاسيما من قِبَلِ الولاياتِالمتحدة التي، بِتصرفاتِ إدارتِها الحالية، إنما تدفعُ في اتجاهِ إخضاعِ الدولِ والشعوبِ والهيئاتِ الدولية، والرفعِ من مستويات التسلحِ، وفرضِ واقعٍ يبررُ الأطروحةَ اليمينية الوهمية القائلة بصراعِ الحضارات، وفي هذا السياق نعتبر أنه من الخطير على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، ومن غير المقبول تهديدُ الولاياتِالمتحدةالأمريكية بالانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى: «أي إن إف»، والتي تَمَّ التوقيع عليها بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفياتي منذ العام 1987، حيث شكلت في إِبَّانِهَا انتصارًا عظيما للتوازنِ والسلم العالميين، وهو ما تحلم الإدارة الأمريكية الآن بتقويضه في أفقِ فرضِ عالمٍ أحادي القطب. الرفيقات والرفاق الأعزاء، نعم مطلوبٌ من اللجنة المركزية أن تُعَبِّرَ عن صوتها الأساسي، فما أحوجنا اليوم إلى الإنصاتِ المتبادل، وإلى النقاشِ الصريح.. نقاشٍ غايتُهُ مصلحةُ الوطن والشعب، من خلال هذه الأداةِ النضاليةِ المُؤْتَمَنين عليها جميعا: حزبُ التقدم والاشتراكية الذي كرس ويكرس كلَّ رصيدِه وحاضرِه وطاقاته لأجل هذه الغاية النبيلة، وها هو اليوم يواصل الطريق.. وفي نفس الوقت، أنتم على وعي تام أننا لسنا مكتبا للدراسات والتحاليل، ولسنا منتدًى للتفكير أو فضاءً لإطلاق النداءات وكفى، بلِ الواقعُ أننا حزبٌ سياسي لا يكتسبُ مكانتَهُ فقط بوجاهة طروحاته أو بقوة مواقفه، وإنما، أيضا وأساسا، بمدى حضوره الميداني وبِزَخَمِ عملِهِ الفعلي، في المجالس المنتخبة، وفي المعارك الاجتماعية، وفي أوساط الشباب والنساء، وفي الفضاءات المهنية، وفي المدارس والجامعات، وفي أوساط العمل والإنتاج. لقد مضى الآن المؤتمرُ الوطني العاشر، وهو وراءَ ظهورِنا اليوم، بانتخابِ اللجنةِ المركزية والأمينِ العام والمكتب السياسي، ولا شيءَ يستدعي مِنَّا الالتفاتُ إلى الخلف، بل لا فائدةَ تُرجى من ذلك، كما أن المؤتمرَ الوطني المقبل لا زالتْ تفصلنا عنه سنواتٌ أربعُ، بِطُولِها وعَرْضِها، وسيكون عبثيًا قضاؤُها في التكهنات، فَصَبْرًا جميلاً، ولِكُلِّ حادثٍ حديث، وفي انتظار ذلك: لا شيء سينفع حزبَنا سوى العمل، والعملُ بدون حساب. فأنتم تعلمون أن مشوارًا جديدًا من النضالِ بدأ مباشرةً بعد اختتام تلك المحطة، فَلْنُوَاصِلِ العملَ بعزمٍ أقوى، حتى نُؤَدِّيَ الأمانةَ التي نحنُ مُطَوَّقُونَ بها، ونرتقيِ بحزبنا إلى المستوى الذي يجعله أكثرَ نفعًا لوطننا وشعبنا، وفاءً للرعيل الأول من المناضلات والمناضلين، وتكريما لروح كلِّ أولئك الذين غادرونا إلى دار البقاء، وآخِرُهُمْ المرحومُ، الراحلُ عَنَّا فجأةً، سي محمد بنصديق: فقيدُنا الذي خلَّف بصماتٍ جليةً طيلة مساره النضالي الحافل، وترك ذكرى لدى كل واحد منا، سنظل نستلهم منها العزيمةَ النضالية، خدمةً للقيم التي كرس حياته من أجلها. الرفيقات والرفاق الأعزاء، إن الهياكلَ الحزبية، في جميع مستوياتها، مُطالبةٌ، أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، بأن تستنهضَ الهمم، وبأن تباشرَ مسؤولياتِها، والمكتبُ السياسي عازمٌ على تتبع ذلك بشكل صارم، من خلال ثنائيةِ المسؤوليةِ من جهة، والمساءلةِ والتقييم من جهة ثانية، ولن تُستثنى أيةُ هيئةٍ حزبية، ولا أيُّ مسؤول حزبي، من إعمالِ هذا المبدأ. وفي هذا الصدد، لا شك أن من بين مُستعجلاتِ حياةِ حزبنا الداخلية الدعوةُ إلى انعقاد المجالس الإقليمية، والتي أنتم ملزمون بها، طبقا لنظامنا الداخلي، وإجباريا بعد كُلِّ دورةٍ للجنةِ المركزية، وذلك في أُفُقِ انعقادِ المؤتمراتِ الجهوية في بحرِ الثلاثةِ أشهرٍ القادمة، مرورًا بإعادةِ تنظيمِ بعضِ المؤتمراتِ الإقليمية التي تدعو الضرورةُ إليها. في نفس السياق، فإن باقي الهياكلِ الحزبية والقطاعاتِ الأخرى والمنظماتِ الموازية، مُلزمةٌ بالتحركِ الفاعل، ووضعِ برامجَ تنكبُّ على تنفيذها بدقة وجدية. في هذا الإطار، هناك محطتان بارزتان، في الأفق المنظور، يتعين جعلُهُمَا مناسبتين لتحسين الحضور الحزبي في أوساطِ النساء والشباب، ويتعلق الأمرُ بالمؤتمرِ الوطني للشبيبة الاشتراكية، والمؤتمرِ الوطني لمنتدى المناصفة والمساواة، واللذين سَيُقَدِّمُ فيهما الحزبُ كاملَ الدعم والمساندة، كما هي العادة. أما على صعيد ماليةِ الحزب، فإنكم بلا شك، على درايةٍ بالصعوباتِ البالغةِ التي نواجهها بهذا الصدد، حيث نَجْتَرُّ عجزا ماليًا يزداد تفاقما شهرا بعد شهر، رغم ما نبذله من مجهودات، ولذلك وَجَّهْنَا إليكم: أعضاءَ مجلسِ الرئاسة واللجنةِ المركزية وهيئةِ المراقبة السياسية والتحكيم والهيئةِ الوطنية للمراقبة المالية، دوريةً داخليةً هامة، تنبني على تفعيل مقتضيات القانون الأساسي في ما يتصل بالالتزام المالي الشهري الإلزامي، لأعضاء هذه الهيئات، تُجَاهَ الحزب، وها نحنُ اليومَ نؤكدُ على ذلك بمزيد من الإلحاح، مُوَجِّهينَ التحيةَ لمن يقوم بواجبه في هذا الشأن، ومُنَبِّهِينَ باقي الرفيقاتِ والرفاق إلى أن هذا الأمرَ لا يحتملُ سوى الامتثالَ النضالي للمسطرةِ المنصوصِ عليها في القانونِ الأساسي وكذا في الدوريةِ المذكورة. فمزيدا من العملِ والنضالِ والعطاء، ومزيدا من الحضورِ والالتصاقِ بهمومِ الناسِ وقضاياهم، ومزيدا من فتحِ فروعنا ومنظماتنا وقطاعاتنا لأبوابها أمامَ الطاقاتِ والشباب، ومزيدا من الانضباطِ والالتزام، حتى ينالَ حزبُ التقدمِ والاشتراكية مكانَتَهُ التي يستحقها، عن جدارةٍ، في الحقل السياسي الوطني. شكرا على تتبعكم وانتباهكم.