مشاركة مشروطة بالتزامات ينص عليها التصريح الحكومي بوضوح لرفع كل التباس من واجبنا أن نستمع إلى التعبير الديمقراطي الحر لشعبنا وأن نستجيب لانتظاراته الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، تشاء الأقدار أن نعقد الدورة السابعة للجنة المركزية، التي لا يخفى عليكم جميعا مدى أهميتها بالنظر لما هي مدعوة إلى اتخاذه من موقف تاريخي في إطار المنعطف الحاسم الذي تمر منه بلادنا، وقد شيعنا قبل أيام إلى مثواه الأخير أحد كبار رجالات حزبنا، بكل معنى الكلمة، المناضل الفذ من أجل قضايا الوطن والشعب، المثقف الملتزم بالمبادئ السامية والمثل العليا، ومربي أجيال من التلاميذ والطلبة والرفاق والرفيقات، الرفيق شمعون ليفي. لقد فقدنا في الرفيق شمعون ليفي، الذي يشكل رحيله خسارة كبيرة للوطن أجمع، قياديا من الطراز الرفيع ، ومنظرا قل نظيره، و وطنيا تقدميا ملتزما بقضايا بلاده وشعبه، وأستاذا جامعيا بارزا، ومدافعا صلبا عن الهوية المغربية المتنوعة الجذور والمكونات. وقبل رحيل الرفيق شمعون ليفي بنحو ثلاثة أسابيع، فقد حزبنا، والحركة التقدمية عموما، واحدا من قادة الحزب التاريخيين، المناضل الوطني والتقدمي الكبير ، الصحافي المتميز والكاتب البارع والمثقف الملتزم السي محمد فرحات. لقد حفر السي محمد فرحات في ذاكرتنا الجماعية بصمات التواضع وخصال التفاني في خدمة قناعاته، وحزبه، حيث فضل دائما أن يظل في الظل، وهو الذي رافق لسنوات طوال، وحتى في أحلك اللحظات، رفيقنا وزعيمنا التاريخي الراحل علي يعته. وفي غمرة الحملة الانتخابية، يوما واحدا قبل اقتراع 25 نونبر الماضي، رحل أيضا إلى دار البقاء وكيل لائحة حزب التقدم والاشتراكية بالدائرة المحلية بتاوريرت، الرفيق محمد بناصر، على إثر إصابته بوعكة صحية طارئة. فتعازينا الحارة، مجددا، لأسر هؤلاء الرفاق وذويهم، متمنين للجميع الصبر والسلوان. وليكن عزاؤنا فيهم واحدا، ومن خلال الوفاء، في إطار التجديد، للمبادئ الراسخة التي ناضلوا من أجلها، وضحوا في سبيل بلورتها. الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، تأتي دورتنا هذه في أعقاب الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر ، بنتائجها المعروفة، والتي كانت موضوع تقييم أولي من قبل المكتب السياسي للحزب، الذي أصدر بتاريخ 28 نونبر بلاغا نؤكد، هنا والآن، على مضامينه الأساسية، من حيث الأجواء العامة، ونسبة المشاركة، وما أفرزته من نتائج، وآفاق المستقبل، إضافة إلى تقييم أداء الحزب في هذه المعركة الانتخابية، وذلك في أفق تخصيص دورة للجنة المركزية للقيام بتعميق التحليل وتقييم أداء الحزب، سياسيا وتنظيميا، في ضوء النتائج المسجلة، والوقوف على مختلف النقاط الإيجابية وكذلك النواقص، من أجل استخلاص الدروس لتصحيح المسار، وتوفير عوامل النجاح في المعارك السياسية القادمة. إن حزب التقدم والاشتراكية يسجل بإيجابية سلامة المناخ العام الذي جرت في ظله هذه الانتخابات وما ميزها، على العموم، من شفافية وحسن تنظيم، لكنه مع ذلك يلاحظ بقلق شديد، استمرار آفة المتاجرة في الأصوات، وانتشار الجرائم الانتخابية بالاستعمال الكثيف للمال لشراء الأصوات، واستمالة الناخبين بالعطايا والوعود، والتوظيف غير المشروع لإمكانات الدولة والجماعات المحلية من قبل بعض المترشحين. كما يسجل حزبنا كذلك التقدم المهم الحاصل على صعيد نسبة المشاركة في التصويت والبالغة 45 في المائة، وذلك في سياق جهوي ووطني بالغ التعقيد، يتميز بالقلق والحيرة والرفض، والنداءات الصريحة للمقاطعة في إطار جو الحرية والديمقراطية الذي تعيشه بلادنا. وفي هذا الصدد، يؤكد حزبنا على ضرورة إصلاح الاختلالات المسجلة على صعيد نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي، والتي من شأنها أن ترفع أكثر من نسبة المشاركة، وتحقق المصالحة المرجوة للمواطنات والمواطنين مع صناديق الاقتراع، وتحفزهم من أجل مشاركة أقوى في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ومن جهة ثانية، يجدد حزبنا تأكيده على المقاربة الشمولية بخصوص التأسيس الجيد للعهد الدستوري الجديد. وينبه، مرة أخرى، إلى المخاطر الناجمة عن التوجه المعتمد من قبل أطراف سياسية بعينها طيلة الفترة الأخيرة، والقائمة على الضغط والتضييق ومحاصرة المنافسين السياسيين بأساليب غير شريفة، وهو ما يفسر إلى حد كبير النتائج التي أسفرت عنها صناديق الاقتراع، وما أفرزته من مشهد حزبي جديد، حيث حقق حزب العدالة والتنمية، في ظل هذه الظرفية، فوزا واضحا، مع استمرار ظاهرة اللامبالاة والعزوف، بل والامتناع الصريح عن المشاركة في التصويت. ويسجل حزبنا، بارتياح كذلك، تمكن أحزاب الصف الوطني الديمقراطي، على العموم، وبدرجات متفاوتة، من الصمود، بالرغم من أثر المساهمة الحكومية، وهو ما يشكل أفضل جواب للشعب المغربي على من كانوا يتوقعون تراجعا كبيرا لهذه الأحزاب، وعلى ذلك التحالف الهجين، الذي كان يطمع في تصدر المشهد السياسي الوطني. وهكذا، حافظ حزب التقدم والاشتراكية على مواقعه، رغم كيد الكائدين، إذ استطاع، مقارنة مع انتخابات 2007، أن يتقدم من حيث عدد المقاعد، محصلا على 18 مقعدا من مجموع المقاعد التي يتألف منها مجلس النواب، والبالغ عددها 395 مقعدا، ضمنها 12 مقعدا عن الدوائر الانتخابية المحلية، و 6 مقاعد عن الدائرة الانتخابية الوطنية (4 مقاعد للنساء ومقعدان اثنان للشباب). كما تقدم من حيث عدد الأصوات المحصل عليها ( 270 ألف صوت مقابل 240 ألف) ، وعلى مستوى النسبة العامة ( 5،7 عوض 4،5)، علما بأنه، في حالات محددة، فقدنا بعض المقاعد ببضع مئات من الأصوات، وفقدنا عددا مهما من الأصوات في بعض الدوائر المحلية وبالنسبة للائحة الدائرة الوطنية، وذلك لأسباب وعوامل ستكون ولا شك موضوع دراسة خلال دورة اللجنة المركزية التي يجب أن نخصصها للتحليل المفصل للأداء الحزبي خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. وعلى أي حال تظل النتيجة لا بأس بها، وعلينا ، كما أسلفت وأود أن أكرر من باب الإلحاح، أن ننكب ، في دورة قادمة للجنة المركزية، على تقييم موضوعي عميق وشامل، لهذه الانتخابات، وللأداء الحزبي من مختلف الجوانب، وعلى كافة المستويات: من المكتب السياسي إلى الفروع المحلية مرورا بدور كل رفيقة ورفيق، خاصة على صعيد القيادة الوطنية للحزب. على أن يكون هذا التقييم الموضوعي وفق مقاربة لا تخلو من نقد ذاتي، ومن استعداد الجميع لمساءلة الذات وتقديم الحساب، في إطار الوقوف على مكامن الضعف وتحديد مناحي القصور. ولا يسعنا، والحالة هاته، إلا أن نسجل باعتزاز كبير الحملة الانتخابية النظيفة، والأخلاق السياسية التي برهن عنها الرفيقات والرفاق وعموم المناضلات والمناضلين، ونحيي صمودهم في وجه الاستعمال الكثيف للمال الحرام من طرف المفسدين وتجار الانتخابات، وأن نتوجه، باسمكم جميعا، بأحر التهاني الرفاقية للفائزات والفائزين بمقعد في مجلس النواب برسم الولاية التشريعية 2012 – 2016، ولباقي المرشحات والمرشحين، معبرين لهم عن تقديرنا الخالص للأصوات الواعية والثمينة التي حصلوا عليها، والتي مكنت حزبنا من الحفاظ على موقعه في المشهد الحزبي والسياسي الوطني، بل وتحقيق تقدم ملموس، دفاعا عن الحرية والعدالة الاجتماعية والحداثة والمساواة، ومن أجل إنجاح مشروع الإصلاح والتغيير المجتمعي. وإننا إذ نعتز بتلك الأصوات، نعبر عن شكرنا وتقديرنا لكافة الناخبات والناخبين الذين منحوا أصواتهم لمرشحي لائحة «الكتاب»، معتبرين ذلك ترجمة خالصة لتطلعاتهم إلى العيش في ظل الكرامة، وكذا لتشبثهم بقيم التحرر والتقدم والحداثة التي يدافع عنها حزبنا. فتحية لهم جميعا، وكل التقدير للجهود التي بذلها المرشحات والمرشحون، وللنتائج الإيجابية التي حصلوا عليها. ونحيي بحرارة الحاضرات منهن والحاضرين منهم معنا اليوم. ولن تفوتنا الفرصة لنعبر عن مشاعر الإكبار والتنويه لجميع المناضلات والمناضلين أعضاء فرق العمل بالإدارة الوطنية للحزب لما بذلوه من جهود وقدموه من تضحيات، قبل وخلال الحملة الانتخابية التي خاضها حزبنا. كما نحيي كل الطاقات النضالية الهائلة التي ساهمت مع حزبنا في هذه المعركة، والتي عبرت عن استعدادها للانخراط النشيط في العمل السياسي في إطار هياكل الحزب وتنظيماته، والتي يجب الإسراع بإيجاد الصيغ المناسبة لإدماجها وتأطيرها. وننتهز هذه المناسبة لندعو، منذ اليوم، وبإلحاح، كافة التنظيمات والهياكل الحزبية والمنظمات الموازية والقطاعات والمنتخبين، إلى مزيد من التحلي بالروح الحزبية والمواطنة، ومواصلة التعبئة، وتكثيف العمل، وربط جسور التواصل المستمر مع المواطنين، تنفيذا للبرنامج الطموح لحزبنا، واستعدادا لما ينتظر بلادنا من استحقاقات في الأمد المنظور، في سياق خوض معركة التفعيل الديمقراطي السليم للدستور، والعمل على إنجاز الجيل الجديد من الإصلاحات، وإعادة الاعتبار للممارسة السياسية، خدمة لقضايا الشعب ومصلحة الوطن. أيتها الرفيقات، أيها الرفاق، لقد جرت انتخابات 25 نونبر في ظل أجواء جهوية تميزت بهبوب رياح تغيير حملت معها توجهات بعينها على مستوى منطقة شمال إفريقيا برمتها، وفي سياق وطني اتسم بمشاعر القلق والحيرة وحتى الغضب في أوساط مجتمعية مختلفة. وقد حقق حزب العدالة والتنمية، الذي استفاد من هذا السياق وتلك الأجواء، فوزا بينا، أعقبه إعمال للمنهجية الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور الجديد، حيث عين جلالة الملك السيد عبد الإله بنكيران الأمين العام لهذا الحزب رئيسا للحكومة الجديدة، وكلفه بتشكيلها، وهو ما نهنئه عليه، مجددا، متمنين له النجاح في كل ما يصب في مصلحة الوطن والشعب. وفضلا عن أن هبوب الرياح إياها، التي رافقت ما بات يعرف بالربيع العربي، تولدت عنه ظاهرة سياسية جديدة يتعين على حزبنا القيام، في وقت لاحق، بالتعمق في تحليلها، للوقوف على مغزاها، مسبباتها، وانعكاساتها، فإنه يجب، أيضا، الانتباه إلى أن تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات، بموجب تصويت شعبي واضح، فيه جواب صريح، من قبل أوساط متعددة من المجتمع، على الممارسات الصبيانية والمنحرفة التي كانت تسعى إلى تطويع المشهد السياسي المغربي، وإلى استمرار منطق التحكم وسيادة روح الهيمنة، مما يعني أن المعنيين بهذه الممارسات لم يستخلصوا الدروس في حينه من تعبير الحراك السياسي والاجتماعي، عمليا منذ بداية السنة، وبشكل لا لبس فيه، عن رفضه لممارساتهم الغريبة، وصده لمحاولاتهم اليائسة. فمباشرة بعد المصادقة على الدستور عادوا إلى الممارسات نفسها، في تحالف هجين نصب نفسه فائزا قبل الأوان، وبدا أن بعض أقطابه استحلوا التصرف وكأن منصب رئاسة الحكومة بات محسوما لفائدتهم. بل ويظهر أنه رغم ما حصدوه من نتيجة مخيبة لانتظاراتهم، فإنهم لا يريدون بعد التوبة ، حيث حاولت الأوساط ذاتها، حتى بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، التدخل، من خلف الستائر، للتأثير سلبا في قرارات الأحزاب المعنية باختيار تموقعها في هذه المرحلة بالتحديد. الرفيقات والرفاق، لقد أفرزت الانتخابات الأخيرة خريطة سياسية جديدة، يتعين علينا أن نحدد موقفنا منها، بأن نجيب، بشكل صريح، عن سؤال جوهري ومصيري: أين يجب أن يتموقع حزب التقدم والاشتراكية اليوم ؟ وما موقفه من المشاركة في الحكومة المقبلة من عدمها ؟ وقبل تقديم جواب عن هذا السؤال الصعب، لا بأس من العودة قليلا إلى الوراء للتذكير بالمواقف التي اتخذها الحزب، والمساعي التي بذلها، من أجل التصدي للانحرافات التي عرفها المشهد السياسي المغربي، من جهة، ولرص صفوف الحركة الوطنية والديمقراطية، من جهة ثانية. وذلك بالإضافة إلى كل ما عبرنا عنه كحزب، منذ الندوة الوطنية المنعقدة سنة 2008، وما أكدناه في مختلف اجتماعات اللجنة المركزية . وحتى لا نطيل، يكفي الرجوع إلى الخطوات التي قامت بها القيادة الجديدة للحزب، على إثر المؤتمر الوطني الثامن، المنعقد أواخر ماي 2010، وكان أولها توجيه رسالة لحلفائنا في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في شتنبر 2010، لإثارة الانتباه إلى خطورة المرحلة، والتشديد على ضرورة مواجهة ما كان يطبع الفضاء السياسي من اختلالات مواجهة صارمة، في إطار وحدة الصف، ومن منطلق الحرص على أداء الدور التاريخي الملقى على عاتق القوى الوطنية والديموقراطية، لكننا، ويا للأسف، لم تجد دعوتنا هذه آذانا صاغية. ورغم ذلك، واصلنا الجهود، في محاولات جادة ومتعددة لإحياء الكتلة الديمقراطية، لكن، مرة أخرى، دون جدوى، مع كامل الأسف. وقمنا، في الآن ذاته، بحملة واسعة، في مختلف أرجاء المغرب، لتفسير مواقفنا، وتعبئة شعبنا، والتنبيه إلى مدى خطورة الانحرافات المذكورة، فقلنا كلمة حق، دون أن نخشى في ذلك لومة لائم، واتخذنا مواقف جريئة ، بما في ذلك بشأن ما لاحظناه من ممارسات غريبة في أثناء أحداث «أكديم إيزيك»، التي سبق للجنتنا المركزية أن أخضعتها لتحليل موضوعي شامل، قبل نحو سنة. وجاء ما جاء من حراك سياسي واجتماعي، فأقدمنا، آنذاك، على مبادرة من أجل الالتقاء مع حلفائنا واتخاذ مواقف واضحة، وتجديد دعوتنا إلى جيل جديد من الإصلاحات وقمنا باتصالات مع عدة أحزاب سياسية للسير في هذا الاتجاه. ومر الاستفتاء، ولاحظنا، مرة أخرى، كيف عادت، من خلف الستار، تلك الممارسات المنحرفة، وإن كان ذلك حصل بشكل مغاير، وكأن المعنيين بها لم يستخلصوا العبر. وقمنا أيضا بمساع مع حلفائنا من أجل أن تكون لدينا مواقف موحدة من كل الإصلاحات السياسية التي كانت تنتظر بلادنا، قبل ولوج مرحلة الاستحقاقات الانتخابية، ولكي نعلن، مبكرا، عن إحياء تحالف الكتلة الديمقراطية. لكن ذلك لم يتأت، للأسف الشديد، إلا بعد فوات الأوان، أي أياما قليلة فقط قبل دخول غمار المعركة الانتخابية. والجدير بالذكر، هنا، أننا حاولنا التوصل إلى التزام يقضي بأن يكون موقف الكتلة من أي تجربة حكومية لاحقة هو المشاركة المشتركة أو الخروج معا إلى المعارضة. وفي هذا الصدد أيضا، لم نجد استعدادا من قبل جزء من حلفائنا. وكما سبق وأعلنا عن ذلك، في مناسبات إعلامية، فإن الحقيقة التاريخية تقتضي أن نعترف بأن مساعينا وتحركاتنا من أجل التصدي للممارسات المنحرفة كانت تجد، في الساحة ودون تنسيق مسبق، تلاقيا موضوعيا مع حزب العدالة والتنمية. رفيقاتي.. رفاقي، بعد هذا التذكير المقتضب، يتعين أن نرصد، بشكل موضوعي، كل العناصر الكفيلة بأن تمكننا من إنجاز تحليل شمولي للوضعية الراهنة، كمدخل لا محيد عنه لتحديد الموقف الذي يجب على الحزب أن يتخذه. لقد نظم المكتب السياسي للحزب، غداة الإعلان عن نتائج اقتراع 25 نونبر الماضي، أربعة اجتماعات أخذ، من خلالها، الوقت الكافي لإجراء نقاش عميق، رصين، مسؤول، وفي جو رفاقي عال، للسعي إلى الإلمام بكل تعقيدات الموضوع وتشعباته. ولا أحد بوسعه أن يجادل في واقع أن الموقف غير سهل على الإطلاق، كما لا يمكن لأي عاقل أن يقول بوجود حقيقة مطلقة. من هذا المنطلق، وفي ما يخص الموضوع الذي نحن بصدده، هناك آراء يتم التعبير عنها من داخل حزبنا كما من خارجه، تصب في اتجاه الإلحاح على ضرورة عدم تفريط الحزب في مرجعيته الإيديولوجية، وفي مشروعه المجتمعي، وعدم الابتعاد عن مبادئنا في مجال الحريات الفردية والجماعية وبشأن مسألة المساواة بين الجنسين، والقول بأن طبيعة حزب العدالة والتنمية لا يمكن أن تتغير، وأن مشروعه وتوجهاته ومرجعياته تتعارض، في العمق، مع مشروعنا ومبادئنا وتوجهاتنا. وترتيبا على ذلك، وانطلاقا من نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، هناك من يعتبر أنه يتعين على حزب التقدم والاشتراكية أن يعود إلى موقع المعارضة، وأن يراجع ذاته، ويعمل على تقوية شوكته، وأن يتموقع حيث يمكنه مواجهة التوجه الحكومي الذي سيسود في الفترة المقبلة. ويذهب هذا الرأي إلى القول، بأن الكتلة الديمقراطية قد انتهت، وبأن الإخوة في الاتحاد الاشتراكي قاموا باختيار خندق المعارضة، وبالتالي علينا أن نقتفي أثرهم، لمواصلة المساعي من أجل إنجاز مشروع قطب يساري قوي، يدافع عن مشروع مجتمع حداثي حقيقي. هذه قناعات لها ما يبررها، وتساؤلات مشروعة، عميقة، بل إنها في بعض الأحيان محيرة، ولا يمكن أبدا الاستهانة بها، أو التقليل من شأنها، أو محاولة إغفالها. ولكن، هل ينبغي التوقف عند هذا الحد؟ واعتبار كل هذه الدفوعات، بجوانبها الشكلية والجوهرية، بمثابة معطيات مطلقة؟ وهل هذه العناصر هي وحدها التي ينبغي أخذها بالحسبان ؟ وبصيغة أخرى، أليس من الأجدر أن نقارب الموضوع، أيضا، من زاوية تساؤلات عريضة وجوهرية، من قبيل: ما هو دور حزب التقدم والاشتراكية اليوم ؟ وأي مهام تاريخية تقع الآن على عاتقه ؟ أليس بالرجوع إلى مرجعيتنا التاريخية المتمثلة في العمل على إنجاح مهام ما كنا نسميه بالثورة الوطنية الديمقراطية لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، أو بلغة اليوم الدولة الديمقراطية الحديثة؟ أوليس من مهامنا الراهنة العمل على ضمان استمرارية ما ناضلنا من أجله سنين طويلة وحققنا جزءا هاما منه، منذ سنة 1998، تاريخ ولوج المغرب تجربة التناوب التوافقي؟ والعمل كذلك على مواصلة إنجاح المشروع الإصلاحي، الذي أطلقت العديد من أوراشه، وبلورة ما نسميه حاليا بالجيل الجديد من الإصلاحات، امتدادا لما ساهمنا بوفرة في تحقيقه من إصلاح دستوري ؟ ثم، أليس من مهامنا اليوم أن نعمل فعلا من أجل تفعيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد، وفق التأويل الديمقراطي اللازم ؟ أوليس من واجبنا أن نواصل جهودنا للقطع مع نظام التحكم في القرار السياسي، ولصد المناورات الهادفة إلى الهيمنة على المشهد السياسي وتطويعه، من خلال خرائط سياسية مصطنعة وتحالفات حزبية هجينة، لا هم مشترك لها سوى الرغبة الجامحة في الاستيلاء على كل مفاتيح الحل والعقد في الساحة السياسية؟ وهل نحن، اليوم، أمام مشهد سياسي جامد، أم أننا في خضم واقع سياسي في تشكل مستمر، وتطور متواصل؟ أليست المواجهة اليوم قائمة بين أنصار العهد القديم ومن يسعون، ونحن ضمنهم، إلى تكريس ديمقراطية حقيقية، وتحقيق إصلاحات جوهرية، ومحاربة الفساد والمفسدين بلا هوادة، من أجل المضي قدما في اتجاه حكامة جيدة وشفافة، والسير بخطى حثيثة نحو إنجاز إصلاحات اقتصادية واجتماعية، إصلاحات يريدها الشعب بمكوناته المختلفة، ويستفيد منها، في المقام الأول، الكادحون والمعوزون وسائر الفئات الاجتماعية التي من أجل خدمة قضاياها والدفاع عن مصالحها أنشئ حزبنا، والتي تنتظر التغيير الملموس في حياتها ؟ أوليس ما ينتظرنا هو مكافحة الفقر ومحاربة الهشاشة، والقضاء على الاختلالات الاجتماعية المهولة والفوارق المجالية والطبقية الكبيرة التي يجترها مجتمعنا وتعاني منها الغالبية العظمى من مواطنينا ؟ إن هذه التساؤلات، التي لا أخال أن هناك من ينازع في مشروعيتها ومدى أهميتها كذلك، تعكس أهدافا لا أتصورها أن تكون موضوع خلاف من قبل من يتشبع بمرجعيات حزبنا وقيمه ومبادئه الأساسية، وهي أهداف لنا أن نتساءل: هل إن تخندقنا في المعارضة سيتيح إمكانية خدمتها، وتوفير أسباب تحقيقها ؟ أوليس من واجبنا أن نستمع إلى التعبير الديموقراطي الحر لشعبنا، وأن نستجيب لانتظاراته ؟ ثم أليس من واجبنا أن نطمئن مساندينا، وكل من يثق في حزبنا، من خلال قدرتنا على التأثير الوازن على سير ومآل التجربة المقبلة ؟ وهل دخولنا هذه التجربة، وفق الشروط اللازمة، يعني أننا سنتخلى عن مبادئنا، ونتنكر لمرجعياتنا، ونتخلى عن مشروعنا وهويتنا، أم أنه يعني، على العكس، أنه بمشاركتنا في التجربة سنمتلك أداة فعالة للدفاع المستميت عنها من داخل التجربة، وسنوفر لحزبنا إمكانية توجيه هذه التجربة وإعطائها المنحى الصحيح ؟ وأخيرا، في ما يخص الرأي القائل بأن ترتيب البيت الحزبي يستوجب الخروج إلى المعارضة، هل لا يمكن مواصلة إعادة بناء الحزب في ظروف أمتن، من داخل التجربة الحكومية المقبلة ؟ أيها الرفاق الأعزاء، إننا اليوم أمام خيار صعب، ولاشك، خيار يستلزم منا أن نعود إلى ثوابتنا، وأن نؤكد على المقاربات التي اعتمدناها دائما في تحديد اختياراتنا وتحالفاتنا، حيث كنا، ولا نزال، نضع دائما على رأس اهتماماتنا خدمة المصلحة العليا للوطن والقضايا العادلة لشعبنا. فلم يحصل يوما، على امتداد تاريخ حزبنا العريق، أن كنا من الرافعين لشعار « ومن بعدي الطوفان»، ولا من أنصار أطروحة « كل شيء أو لا شيء»، بل كنا نوثر اتخاذ الموقف الذي يستجيب لمصلحة الوطن، حتى ولو كان ذلك في ظرفية تعاكس المصلحة الحزبية الآنية، لأن حزبنا ظل دائما ينظر أبعد من أنفه، إذا جاز التعبير، ولا يبالي بالأضرار الجانبية التي قد يتعرض لها، طالما أنه واثق من جدوى المحصلة النهائية. والأمثلة على ذلك عديدة، لعل أسطعها موقفه من مسألة التناوب في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما دعا الحزب إلى المشاركة في تجربة حكومية كان العرض الرسمي المتعلق بها يضع في متناول أحزاب الكتلة الديمقراطية معظم القطاعات الوزارية، لكن حلفاءنا ارتأوا آنذاك رفض العرض المقدم، وقيل ما قيل في حق حزبنا، ليتأكد، بعد بضع سنوات فقط صواب موقف حزبنا، عندما قبلت الكتلة الديمقراطية عرضا للمشاركة في تجربة حكومية لم يكن الأفضل مقارنة مع العرض الأول الذي كان لحزبنا الشجاعة الكافية للانفراد بقبوله. وفي هذا الإطار، يتعين اعتبار أننا أمام إمكانية الشروع في حل وسط تاريخي جديد، يجعلنا قادرين على إبقاء قطار الأهداف المتوخاة من مشروعنا المجتمعي الإصلاحي سائرا فوق سكة الإنجاز ؟ وإلا، فإننا سنكون مع الذين يدفعون، عن وعي أو بغير قصد، نحو فتح قوسين في تاريخ المغرب المعاصر، لنقف في المعارضة منتظرين فشل هذه التجربة الحكومية الجديدة، حتى نبدأ مسار الإصلاح من جديد. لكن مع من؟ هل مع أنصار التحكم والمسكونين بروح الهيمنة ؟ إن المعارضة في حد ذاتها ليست اختيارا، فالأحزاب في الدول الديمقراطية لا تختار التموقع في المعارضة وإنما يفرض عليها ذلك، لأن الارتكان إلى المعارضة يكون اضطراريا، أي في حالة الفشل الذريع في الانتخابات، أو عندما تنتفي كل مسوغات المشاركة في ائتلاف حكومي معين. وبهذا المعنى، فإن الذهاب إلى المعارضة يكون أسهل من اختيار المشاركة في الحكومة على أساس برنامج حكومي مضبوط، يتجاوب، في جوهره، مع توجهاتنا، ومن شأنه أن يتيح إمكانية الدفاع عن مكتسباتنا، بل وتكريسها، ولم لا توسيعها. خيار المشاركة، إذن، لا يطرح إلا في سياق ربطه، وجوبا، بتوفر نوع من « دفتر تحملات» يكون في التعهد بتنفيذه التزام واضح بمواصلة الإصلاحات، وتنزيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد تنزيلا ديمقراطيا وفعليا. وفي هذا الصدد، كانت تأكيدات رئيس الحكومة المعين واضحة، خلال المشاورات الأولية التي أجراها مع وفد القيادة الوطنية لحزبنا، حيث عبر لنا السيد عبد الإله بنكيران عن رغبته في صياغة برنامج حكومي بشكل تشاركي، وفي وضع الهندسة الحكومية الجديدة والأهداف المتوخاة منها اعتمادا أيضا على المقاربة التشاركية، وهذا يعني أنه في حال قررت اللجنة المركزية المشاركة في هذه التجربة، فإن ذلك سيكون على أساس « عقد برنامج» واضح، مدقق، ويقوم على أساس التلاقي الكبير لبرنامجي حزبينا وباقي المكونات المحتملة لهذه التجربة، خاصة في مجال الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، ومكافحة الفقر والهشاشة، والحد من الاختلالات الاجتماعية والمجالية، في ظل تكريس المكتسبات والحريات الديمقراطية، وتوسيعها وتطويرها. ويجدر بنا، هنا، أن نستحضر بأن هذا التنزيل يمر بالضرورة عبر إصدار ما يناهز عشرين ( 20 ) قانونا تنظيميا، علما بأن إعداد هذه القوانين من موقع حكومي يضمن أوفر الحظوظ لإعطائها المضامين المطلوبة وإصدارها في الصيغة المناسبة. إن الخمس سنوات المقبلة ستكون فاصلة في ما يتعلق بتنزيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد، والموقع الحكومي سيكون على درجة كبيرة من الأهمية للتأثير على مسار الأمور في هذا الاتجاه بالذات. في ظل هذه المعطيات، فإن عدم المشاركة لن يفضي، في نظرنا، إلا إلى أحد أمرين اثنين، لا ثالث لهما: إما ألا يتمكن رئيس الحكومة المعين من تشكيل حكومته، وهذا من شأنه أن يعتبر، من قبل الرأي العام الوطني والدولي، نوعا من التآمر على المنهجية الديمقراطية وبمثابة إفراغ لنتائج الانتخابات من مضمونها ومعاكسة لمنطوق تصويت الشعب، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى اختلالات في استقرار البلاد وتغذية لأسباب الاصطدامات عوض العمل على تجنبها والحرص على توفير عوامل تجاوز احتمالات وقوعها. وإما، أن يجعل ذلك رئيس الحكومة المعين يلجأ، ضدا على أولوياته المعلنة فور تعيينه بل وحتى قبل خوض غمار الانتخابات، إلى مكونات تنتمي إلى ذلك التحالف الهجين، ولا تحمل المشروع الإصلاحي في توجهاته الأساسية. وهذا سيناريو لن يستجيب للإرادة الشعبية، التي عبرت، عبر صناديق الاقتراع، عن الحاجة الملحة إلى معالجة المشاكل الاجتماعية العويصة، وتحقيق الإصلاحات الأساسية، وانجاز التغيير المنشود على مختلف الأصعدة . ثم لابد من الانتباه إلى أمر قد يجري تجاهله أو إغفاله، ألا وهو أن جميع الفاعلين السياسيين يمكن أن يطوروا مواقفهم، إن لم يكن بمحض إرادتهم فتحت ضغط عوامل موضوعية عديدة ومتنوعة، مما يجعلهم أميل إلى اعتماد أسلوب لين في التعامل مع القضايا الكبرى للبلاد. وهذا ليس صحيحا فقط بالنسبة إلينا، بل ينطبق أيضا على من يمكن أن نتحالف معهم في التجربة الحكومية المقبلة، إن استقر رأي اللجنة المركزية على ذلك. فعلى هذا الأساس، يتعين ملامسة ما أكدنا عليه في ما يتعلق بالتساؤلات الكبرى التي تطرح في شأن المرجعية الإيديولوجية والمبادئ المؤسسة في مجال الحريات والمساواة. وعلى هذا المستوى، من الضروري التأكيد على أن هذه المرجعية، وهذه الحريات، ومبدأ المساواة يضمنها الدستور، فضلا عن أن للبيت رب يحميه، وبأن تواجد حزبنا ضمانة إضافية لعدم المساس بهذه المبادئ الأساسية. بل إن هناك ضرورة للتمييز بين توجهات تقلقنا فعلا، واصطدمنا معها سنين طوالا، وواجهناها بحزم وصرامة، توجهات كان قد تم التعبير عنها من موقع الحزب المعارض، وبين الالتزامات والمسؤولية المناطة برئيس حكومة وحكومة بكاملها في احترام للدستور ومضامينه المتقدمة. في هذا الباب، لا يسعنا إلا أن نسجل بارتياح ما أعلن عنه رئيس الحكومة المعين السيد عبد الإله بنكيران، في مناسبات عدة، سواء خلال الحملة الانتخابية أو في تصريحاته الأخيرة، بعد تعيينه، وهي تصريحات تعاكس بعض الظنون، وتبعث على الاطمئنان، خاصة وأن مشاركتنا المحتملة لن تكون، في ما لو وافقت اللجنة المركزية ، إلا مشروطة بتضمين هذه التطمينات في شكل التزامات ينص عليها التصريح الحكومي بوضوح لرفع كل التباس. فقد أكد السيد عبد الإله بنكيران، غير ما مرة، على أن هدفه الأساس، كرئيس للحكومة، يتمثل في العمل على تكريس الديمقراطية بشكل لا رجعة فيه، والسعي إلى معالجة الإشكالات الاقتصادية الكبرى، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاجتماعية العويصة، التي تعاني منها شرائح واسعة من المجتمع. وهذه بالذات هي زاوية النظر التي اعتمدها وفد الحزب، الذي ضم فضلا عن الأمين العام أربعة أعضاء من المكتب السياسي، لدى اللقاء الأول مع السيد رئيس الحكومة المعين، حيث أكدنا على الهدف نفسه بشكل واضح وملحاح، بينما أكد من جانبه أنه لا يمكن أن يبدر منه أو يصدر عن الحكومة التي سيرأسها أي إجراء من شأنه المساس بما بشكل ركائز أساسية لقناعاتنا، في حزب التقدم والاشتراكية، ولمشروعنا المجتمعي في الجوانب المرتبطة بالمرجعيات والعقائد والحريات والمساواة ومكانة المرأة في المجتمع المغربي. أضف إلى ذلك، أنه إذا قرر الحزب المساهمة في التجربة الحكومية الجديدة، فإنه لن يفعل، كما سلف القول، إلا في إطار تصريح مبدئي يؤسس لتعاقد حكومي يضع، بما يلزم من وضوح الأهداف المتوخاة من هذه التجربة، ويحدد المبادئ الأساسية والمؤسسة التي ستعمل الحكومة الجديدة على احترامها، بل التقيد بها، والحرص على صيانتها. وفضلا عن هذا وذاك، فنحن لسنا من أنصار الزواج الكاثوليكي. إذ بقدر ما يمكن أن نعالج بعض التباينات التي قد تحصل في القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية، بقدر ما لا يمكن أبدا ، وبأي شكل من الأشكال، أن نفرط في هذه القضايا السياسية والفكرية، والمجتمعية الأساسية، حتى وإن اقتضى ذلك الخروج من هذه التجربة في حالة ما لو وافقت اللجنة المركزية، أصلا، على دخولها. رفيقاتي رفاقي، إننا، أمام منعطف جديد يؤسس لمرحلة جديدة، وهي مرحلة قد تدوم كما يمكن أن تجهض، إذ يجب ألا نستبعد من حساباتنا واقع أن هناك متربصين يريدون أن تفشل هذه التجربة الجديدة، حتى قبل انطلاقها، وبالتالي من واجبنا جميعا أن نفكر مليا في موضوع الاختيار الذي على الحزب أن يستقر عليه.وهذا الاختيار علينا أن نقوم به في إطار استقلالية القرار الحزبي، هذه الاستقلالية التي استطاع الحزب أن يحافظ عليها حتى في أحلك اللحظات. وفي هذا الصدد، يكفي التذكير، وقد أشرت إلى ذلك سابقا، بما حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما طرحت فكرة التناوب التوافقي وقدم عرض رسمي مهم بشأنها، حيث اتخذ الحزب، تحت قيادة أمينه العام آنذاك الرفيق المرحوم علي يعته، مواقف جريئة، لم يشاطرنا فيها حلفاؤنا في الكتلة الديمقراطية، وتبين لاحقا، بالملموس، صواب هذه المواقف التي دفعت البعض، سامحه الله، إلى محاولة عزل حزبنا، الذي عرف، على كل حال، كيف يصمد، حيث حافظ على هدوئه، واستمر في التعامل مع الحلفاء على أساس أن الاختلافات لا تفسد للود قضية، حتى عادت المياه إلى المجرى الطبيعي، وكان ما كان من تجربة حكومية مشتركة أنجزت الكثير. واليوم، يؤسفنا أن يكون موقف مكونات الكتلة الديمقراطية متباينا، وعلى غير ما كنا نريده له من تماسك. والوقائع تشهد بأن لا مسؤولية لنا في ما حصل. فقد بذلنا أقصى الجهود من أجل أن تظل الكتلة قائمة، ولكي تواصل أداء مهمتها في تكيف مع التطورات والمستجدات. وفي هذا الصدد، يهمنا التأكيد على أننا لسنا أمام نهاية التاريخ، فنحن سنظل حريصين على توحيد كلمة الصف الوطني الديمقراطي، كما سنظل حريصين على تقوية موقع اليسار ، بمكوناته الجادة، في بلادنا. ولئن كان هناك اختلاف مرحلي، فهو ليس الأول من نوعه، فقد حدث اختلاف في اتجاه معاكس، خلال محطات أخرى من تاريخ بلادنا، منذ فجر الاستقلال، عندما تم منع حزبنا، إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما كنا لوحدنا، من بين القوى الوطنية الديمقراطية الممثلة بالبرلمان، خارج إطار الحكومة. معنى هذا بالواضح، أنه مهما يكن، فإننا لن نسيء إلى المستقبل المشترك، حيث سنعمل على أن تظل العلاقات الأخوية قائمة ومتواصلة ومفتوحة على آفاق أفضل. أما بالنسبة للرأي القائل إنه بالإمكان أن نشكل، مع أطراف تتغنى بالحداثة، قطبا حداثيا معارضا للتجربة الحكومية الجديدة، والتي لا تزال قيد التشكل، فالرد، حاليا، واحد لا ثاني له، وهو أنه لا يمكننا أن نقتفي أثر من شن علينا حربا شرسة، خاصة قبيل الانتخابات، ويستمر في محاولاته الرامية إلى خدمة أهداف سياسية لا نؤمن بها، لأنها تنبني على منطق التحكم والهيمنة، وتستند إلى مكونات حزبية لن يكون التعامل معها طبيعيا إلا عندما تصبح مكونات عادية وتمتلك استقلالية قرارها. وعلى ذكر استقلالية القرار هذه، نود أن نقول لمن سمح لنفسه أن ينعت حزبنا بأنه حزبا يستجدي الكراسي الحكومية، بأن عليه، بداية، أن يكتسب استقلاليته الذاتية للتعبير عن مواقفه، وهو ما لن يتأتى إلا إذا تمكن من أن يجعل أموره بيده، بعد الله، وليس بأيدي غيره ممن يبدو أنه يستأذنهم قبل الإقدام على اتخاذ هذا الموقف أو ذاك. أيتها الرفيقات، أيها الرفاق، تأسيسا على هذه المعطيات، يتبين أن الموقف الذي تمخض عن الاجتماعات المتتالية للمكتب السياسي للحزب، والذي هو موقف جريء وتمليه الشجاعة السياسية، حيث لم يكن الانتهاء إليه بالأمر السهل.. قلت إن موقف المكتب السياسي للحزب يتمثل في ضرورة تحمل الحزب لمسؤولياته الجسيمة في هذا المنعطف التاريخي الحاسم، وذلك من خلال المساهمة في هذه التجربة الحكومية الجديدة، على أساس أن يتبوأ الحزب المكانة اللائقة به، والكفيلة بأن تمكنه من أداء دوره كاملا في الدفاع عن المكتسبات والحريات الديمقراطية، وترسيخها، وتوسيعها، في اتجاه إرساء أسس متينة لحياة سياسية سوية وطبيعية، في ظل تفعيل ديمقراطي لمضامين الدستور المتقدمة. إننا، إذن، أمام اختيار صعب. وانطلاقا من التصور الشمولي الذي عرضناه عليكم الآن، فإن المكتب السياسي للحزب يدعو اللجنة المركزية، التي يخول لها القانون الأساسي لحزبنا في مادته العاشرة صلاحية البت في أمر المشاركة في الحكومة من عدمها، إلى أن تصادق على مبدأ المشاركة في التجربة الحكومية المقبلة، وذلك على أساس إيماننا الراسخ بأن الحزب كلما وجد نفسه أمام الاختيار بين مصلحته كحزب وبين مصلحة الوطن ككل إلا واختار، دائما وأبدا،، الوطن. وشكرا على حسن انتباهكم