أضحت ظاهرة تسول الأطفال شبحا مخيفا في مجتمعنا مشاهده مألوفة، ففي كثير من الطرقات والمواقع وأمام أبواب المساجد ومواقف السيارات، بل وحتى على أبواب المقابر، تجد أيادي صغيرة نحيلة تمتد لتتوسل إليك، ورغم اختلاف الطرق التي ينهجونها يظل المشهد مؤلما بمنظر هذه الأيادي الصغيرة. بملابس ممزقة ورثة، وجسد هزيل، يتجول طفل من ملامحه يبدو أن عمره لا يتجاوز 10 سنوات. بمحج محمد الخامس، أحد الشوارع الكبيرة بالعاصمة الاقتصادية، كان هذا البئيس يحاول بصوت حزين استدرار عطف المارة حتى يتصدقوا عليه ببعض الدريهمات. وفي جهة أخرى من الدارالبيضاء كانت امرأة برفقة ثلاثة أطفال، بمكان مظلل يقيهم من أشعة الشمس الحارة، تستجدي المشاة الصدقة وبين الحين والآخر تخاطب بعضهم أنها أم وتعيش ظروفا صعبة بإمكانيات منعدمة وتطلب الرأفة بأطفالها.. ليس هذا فقط فهذه المرأة التي لا تتوقف عن التسول تدعي المرض الخبيث وتزعم أنها أرملة، تسارع لاستجداء أصحاب السيارات عند إشارة التوقف المرورية. بشارع 2 مارس المتواجد بالدارالبيضاء، تحمل طفلة مسندة جسدها النحيل إلى عمود إضاءة لافتة مكتوب فيها بخط عريض «أبي مقعد وأمي متوفية وليس لنا من معين، عاونونا في سبيل الله"، بعد مرور عدة مشاة بمحاذاتها غير مكثرتين بها أو بالنظر لما هو مكتوب في لافتتها، تعبت الطفلة من الوقوف وإحساسها بالجوع دفعها للاتجاه صوب مطعم يبعد بخمسة أمتار عن عمود الإضاءة، تطلب الصدقة والأكل، أثارت الطفلة البئيسة شفقة أحد الجالسين بالمطعم فمنحها نصف شطيرته، لتأخذها منه بفرحة غامرة وتشرع في التهامها بسرعة. طفلة أخرى تبلغ من العمر ثمان سنوات، التقيت بها في مركز تجاري بالدارالبيضاء، بلهجة سورية تستجدي المشاة الصدقة، عند سؤالها عن سبب تواجدها بالمركز التجاري أجابت بصوت خافت وحزين لقد توفي والدي في سوريا ولا يوجد من يعيلنا سوى والدتي، والتي تتواجد في مواقع أخرى بغرض التسول. وما أثار شفقتي هو قولها إنها تتمنى الذهاب إلى المدرسة هي وإخوتها الصغار وتأمل أن يكون لها مستقبل مشرق والعودة إلى بلدها. تبقى كل هذه الحكايات والقصص مجرد كلمات لا تساوي شيئا أمام وقوف هؤلاء الصغار تحت أشعة الشمس الحارقة لاستدرار عطف المارة، من الناس من يشفق على المتسولين ويساعدهم، ومن الناس من يهينهم ويتجنبهم، وكذلك من يعرضهم للتحرش والاستغلال الجنسي. ظاهرة تهدد المغرب يؤدي تسول الأطفال في الشوارع إلى احتكاكهم بمختلف أصناف البشر، وبالتالي انخراطهم في مختلف أنواع الانحرافات من سرقة وإجرام واستغلال جنسي، والتجارة بالممنوعات وغيرها من الآفات الأخرى الأشد خطرا على الطفل والمجتمع. وتحاول بعض العصابات المنظمة استغلال الأطفال في التسول، لكن المشكلة لا تقتصر فقط في ظاهرة تسول الأطفال، بل تتجاوز ذلك إلى إمكانية بروز مجرمين مستقبليين سيكونون سببا في تفشي ظواهر وجرائم أخلاقية واقتصادية تحت غطاء التسول مستقبلا. تتسبب ظاهرة تسول الاطفال في العديد من المشاكل والآثار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على المجتمع، أبرزها انتشار النصب والاحتيال والسرقات ولمخدرات، وتزوير وانحراف صغار السن، وتشجيع بعض الأسر لأطفالها على التسول، مع دور ذلك في رفع معدلات الجرائم الأخلاقية، وبروز ظاهرة خطف الأطفال والفتيات المتسولات، وظاهرة استئجار المنازل المهجورة في الأحياء القديمة من أجل تكوين خليات إجرامية، إضافة إلى الآثار الاقتصادية كتهريب الأموال للخارج، وتعطيل حركة الإنتاج. مسؤولية المجتمع يعود انتشار ظاهرة تسول الأطفال إلى عدم توفر الوسط الاجتماعي على الإمكانيات والآليات التي تمكن الطفل من تحقيق حاجاته الجسدية والنفسية والعقلية، وأمام احتياجات الاطفال التي تزداد باستمرار و في ظل غياب امكانيات العيش الكريم، يضطرون إلى احتراف مهنة التسول كوسيلة لكسب لقمة العيش و إعالة أسرهم الفقيرة، وأحيانا يصطدم بهم سوء الحظ بعصابات تجعل منهم أطفالا مجرمين يمتهنون السرقة و المتاجرة بالممنوعات وممارسة الدعارة، كل هذه الممارسات الشنيعة يمارسونها من أجل كسب لقمة العيش في ظل ظروف بئيسة تفتقر لبيئة أمنة وسط حضن أسري. كما أن الدولة لا تبدل جهدا في تفعيل نصوصها القانونية والتشريعية التي تؤكد على حقوق الطفل في التعليم والعيش الكريم وضمان سلامته وسلامة صحته التي تتأثر بوضعه المعيشي وأحواله الاجتماعية، ولما تشكله هذه النصوص القانونية من ردع ستساهم لا محالة في الحد من هذه الظاهرة وبالتالي ستضمن الحقوق الكاملة لهذه الفئة المحرومة من الأطفال في المجتمع.