التسول يسلك طرقا عديدة لاستدرار الشفقة والهدف واحد.! * العلم: وجدة – محمد بلبشير أصبحوا يعدون بعشرات المئات، أتوا من مختلف نقط الوطن. كما من دول جنوب الصحراء والمشرق العربي، لهدف واحد هو كسب عطف الناس والظفر بصدقه. أتوا رجالا ونساء. شيوخا وأطفالا. وقد تعددت أسباب امتهانهم هذه الحرفة البئيسة. وتنوعت أساليبهم و طرقهم في النيل من شفقة الناس.. يجدون الطريق إلى الجيوب بسهولة ويكسبون أموال الغير بغير مشقة. وهم يواجهون أحيانا عدم اكتراث الناس بالاستفزاز والعدوانية.. حتى أصبح الزائر لمدينة وجدة يتقزز من مشاهد لم يعهدها من قبل. وبقدر ما تغشى قلبه الرحمة والشفقة بقدر ما يعجز جيبه عن تلبية جميع المستجدين والمتسولين وملء الأيدي الممدودة وسكت الأفواه الصاخبة.. وقد أصبح التسول مهنة عند الكثير من الناس ووسيلة عيش. حتى أصبح المتسولون على اختلاف أعمارهم وجنسهم يجوبون الشوارع والأزقة والأحياء والمقاهي والمطاعم وأبواب المساجد وبساحة باب سيدي عبد الوهاب وعلامات وقوف السيارات وغيرها.. إن النمو الديموغرافي المضطرد والذي لم يتجانس مع سياسة التنمية البشرية للساكنة، كان وراء إنتاج مثل هذه المظاهر الاجتماعية السيئة وزاد ذلك استفحالا لهذه الوضعية بالجفاف الحاد والمزمن الذي ضرب المنطقة منذ سنين ونتجت عن ذلك هجرات قروية مكثفة أدت إلى تصاعد وثيرة البطالة، لسبب إهمال العالم القروي، مما عمق الهوة بين الفقير والغني، وشجع ظاهرة التسول لكسب القوت والمال! ومنه إلى العنف والسرقة واقتراف الجرائم والتعاطي للمخدرات وترويجها..كما توافدت بصفة غير قانونية المئات من المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء ومن بعض الدول العربية لأسباب الجوع والحروب الأهلية والهروب من أنياب الفقر، ليجدوا أنفسهم هم الآخرون يزاحمون فقراء البلد ويمتهنون التسول و طلب المساعدة إلى حين.. وهناك عامل آخر يؤدي الى استفحال ظاهرة التسول حيث أصبح المعدل الجهوي للبطالة بالجهة الشرقية يقدر ب 21% في الوسط الحضري، وسجلت الجهة الشرقية 14،6 % كمعدل الفقر ( 10،8 % بالمدن و 19،7 % بالقرى) في حين بلغت نسبة الهشاشة 34،8% (29،2% بالمدن و42،1 % بالقرى)، وتصنف مدينة وجدة ضمن الوسط الحضري الذي يعرف أقوى معدل للفقر بحيث يبلغ أكثر من 10% مقابل 7:6% في باقي المملكة! عديدة هي الأحياء الفوضوية والعشوائية الواقعة بمحيطات مدينة وجدة التي فتحت ذراعيها منذ سنة 1990 إلى يومنا هذا لسكان القرى والمدن المجاورة في إطار الهجرة الجماعية للبحث عن القوت و العمل، هناك دواوير المحرشي ثلاثة ودوار الدرافيف، وعمر البوليسي ومولاي اسليمان وبالرمضان ودواوير سيدي يحي، التي كلها تأتي في مقدمة الأحياء الهامشية الأكثر فقرا باعتبار الترتيب المبني على مؤشرات الفقر الذين ينحدرون من البوادي و يعيشون في ظروف تنعدم فيها أبسط الشروط الصحية وتعتبر في غاية الهشاشة … ورغم أن التسول لازم الإنسان منذ عصور خلت وأن المجتمع كان ومازال ينظر إلى المتسول بعين الدونية والشفقة، ورغم أن الإسلام نهى عن التسول والاستجداء، ورغم أن القانون يجرم هذه الظاهرة، إلا أنه وتزامنا مع الأوضاع الحالية جعلت الفقير يدوس كرامته ويمرغ شرفه ويعدم أنفته ويمد يده.. ومما زاد في الطين بلة هو ظهور ظاهرة المتسولين بالعشرات والمئات من الأشخاص الذين هجروا إلى الوطن بصفة غير قانونية.. مظاهر اجتماعية مخجلة تقض مضجع التنمية..!! إن المواطن ليستغرب لكثرة الطرق المستعملة من طرف هؤلاء في إثارة شفقة الناس لإدخال أياديهم إلى جيوبهم و توزيع ما لديه من مال فائض، وذلك خلال الأعياد والمواسم والمناسبات والأيام ورأس الشهر، واستغلال سذاجة التلاميذ وهم يقصدون المؤسسات لاجتياز الامتحانات، والمرضى وهم يقبلون على إجراء عمليات جراحية، والمعاقون الذين يأملون الشفاء، وكل ما يمكن أن يخدع ويولد الشفقة… كما ترى الإعداد الكبيرة من هؤلاء المتسولين يرتادون المقابر والمساجد أيام الجمعة و الأعياد الدينية، والبعض منهم يستأجرون الأطفال، وينصبون أنفسهم أصحابا للمناطق التي اختاروها لدرجة منع متسولين آخرين للاستجداء بها.. وآخرون يستغلون عاهاتهم بعد تدريبهم على البكاء أو تجويعهم للتعبير للناس عن رغباتهم في الحصول على صدقات تسد رمقهم وتذهب جوعهم الحاد..! أما المتسولون الأجانب فيبتكرون أساليب تطبعها كلمات رقيقة تجلب لهم شفقة الناس كقولهم: بابا… ماما… الخ. فيما تلجأ فتيات محتجبات إلى وسيلة جديدة توزعن وريقات على زبناء المقاهي طالبات الرحمة والشفقة بمدهن يد المساعدة لإعالة أسرهن أو لاقتناء أدوية لأمراض مجهولة.. إنها مشاهد مؤلمة ومخجلة يتميز بها مجتمعنا بامتهان حرف بئيسة للظفر بقطع من النقود أو خبز جريا وراء لقمة العيش، فيما غابت أدوار الجمعيات الخيرية ودور العجزة و غياب سياسة ممنهجة بمحاربة هذه الآفة..! مظاهر اجتماعية مخجلة تقض مضجع التنمية..!!