كما لو أننا لا نزال في عام 2011 هناك مَن يتحدث عن نظام ومعارضة في سوريا. كل تلك الزلازل التي ضربت سوريا وكل الجيوش التي دخلت وخرجت وكل الأموات الذين غادروا والأحياء الذين تشردوا وكل المدن التي محيت والمخيمات التي انتعشت والزوارق التي غرقت لم يغيروا شيئا في المعادلة التي لا يزال طرفاها النظام والمعارضة. هناك شيء من السخرية السوداء في ذلك المنطق. صنعت الحرب في سوريا أكبر موجة نزوح في التاريخ. وحدها ألمانيا استقبلت مليونا من اللاجئين السوريين مرة واحدة. كان مشهد السوريين العالقين بين الحدود في أوروبا الشرقية من المشاهد النادرة في التاريخ المعاصر. لقد أعادنا ما جرى إلى زمن الهجرات الكبرى، غير أن الفرق أن السوريين واجهوا هذه المرة رصاص شرطة الحدود بصدور عارية. كل تلك المشاهد لم تحدث خللا في المعادلة التي ظلت ثابتة بين النظام ومعارضيه، بالرغم من أن وجوه المعارضين أنفسهم كانت قد تغيرت غير مرة. اختفت وجوه بطريقة غامضة، وتحولت وجوه أخرى إلى مجرد خلفية للمشهد السياسي الكئيب الذي لا يخلو من الفقرات المضحكة. أما النظام فإن حاله هو الآخر لا تسر، فحربه الكونية أعفته من الكثير من الالتزامات التي يمكن أن تقيّده. حررته السنوات السبع العصيبة من مسؤولياته ما دفع به إلى أن يتخلى عن إدارة سوريا والحرب معا لسواه، على أمل أن تكون النتائج لصالحه، وهو أمر مشكوك فيه. وبسبب تدخل قوى عظمى في الصراع فإن ذلك الصراع لم يعد سوريا – سوريا، بل كان يتخذ هيئة الصراع الأميركي – الروسي بشكل مباشر أحيانا، وأحيانا أخرى عن طريق الوكلاء الإقليميين. وفي الحالتين فإن السوريين الرسميين من الحكم والمعارضة باتوا مجرد بيادق على رقعة شطرنج، ليس من اليسير التكهن بالخطوات المقبلة التي ينوي اللاعبان القيام بها. واقعيا فإن النظام ومعارضته باتا طرفين مسيرين. الطرفان فقدا القدرة على إدارة الصراع لا بسبب المؤتمرات الدولية التي صار المشاركون فيها يملكون القدرة على التحكم بمصير سوريا فحسب، بل وأيضا بسبب كونهما فقدا منذ سنوات المبادرة على الأرض. لقد مزق النزاع المسلح الهوية السورية وتشظت القضية التي خرج من أجلها السوريون في احتجاجاتهم السلمية. بدأ الأمر بتركيا التي رعت أول مؤتمر للمعارضة السورية، وانتهى بروسيا التي تملك قواعد عسكرية على الأرض السورية، مرورا بالولايات المتحدة وإيران ودول إقليمية أخرى، إضافة إلى نشاط أجهزة المخابرات الأوروبية التي صارت تمد يدا هنا ويدا هناك. لذلك يبدو مشهد بشار الجعفري، وهو ممثل النظام في المفاوضات، مضحكا وهو يستعرض عضلات بلاغته الخاوية في مواجهة معارضة لا تملك سوى أن تلجأ إلى وصفات دعائية باتت مستهلكة ولم يعد أحد يحفل بها. تلك مسرحية تتكرر كلما عُقد مؤتمر يتعلق بالنزاع السوري. وهي مسرحية تستمد حيويتها من الأخبار التي يتغذى عليها الإعلام الدولي. هناك صورة زائفة لما يجري في سوريا. ففي الوقت الذي صار مصير البلد في أيدي الكبار، هناك مسعى دولي للإيحاء بأن السوريين نظاما ومعارضة لا يزال في إمكانهم أن يقولوا كلمتهم. وهو ما يناسب النظام ومعارضيه ولكنه يخون الحقيقة. وهي الحقيقة التي يعرفها الطرفان اللذان لن يعترفا بأنهما صارا مجرد واجهتين محليتين لصراع دولي. في ظل تلك الحقيقة يبدو الحديث عن طرفي النزاع السوري مضحكا. ذلك لأنه لا يمت إلى ما يجري على أرض الواقع بصلة. وليس من باب التكهن القول إن النظام ومعارضته لن يكسبا بالنتيجة إلا الفتات والقشور. فلا النظام قادر على استعادة سيطرته على سوريا التاريخية، ولا المعارضة ستتمكن من أن تحصل على حصة من السلطة في دمشق. طرفا النزاع في سوريا كما تروج الأخبار ليسا سوى ممثلين فاشلين.